الآية 61

قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ نافع " أذن خير " بالتخفيف الباقون بالتثقيل. وكلهم أضاف. ورفع " ورحمة " الا أبا عمرو فإنه جر (ورحمة) وكان يجوز النصب على (ورحمة) يفعل ذلك، ولم يقرأ به أحدا، قال أبو علي: تخفيف " أذن " من أذن قياس مطرد نحو طنب وطنب، وعنق وعنق وظفر وظفر لان ذلك تخفيف وتثقيل لاتفاقهما في الوزن وفي جمع التكسير تقول: آذان وأطناب وأعناق وأظفار، فأما الاذن في الآية فإنه يجوز ان يطلق على الجملة وإن كان عبارة عن جارحة فيها، كما قال الخليل في الناب من الإبل سميت به لمكان الناب البازل، فسميت الجملة كلها به. ويجوز أن يكون (فعلا) من اذن يأذن إذا استمع. ومعناه انه كثير الاستماع مثل شلل وأنف وشحح، قال أبو زيد: رجل اذن ويقن إذا كان يصدق بكل ما يسمع فكما ان (يقن) صفة كبطل كذلك (اذن) كشلل، ويقولون: اذن يأذن إذا استمع، ومنه قوله " وأذنت لربها " (1) اي استمعت، وقوله " ائذن لي " (2) اي استمع. وفي الحديث (ما اذن الله لشئ كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن) قال الشاعر:

في سماع يأذن الشيخ له * وحديث مثل ما ذي مشار (3)

والمعنى - في الإضافة - مستمع خير لكم وصلاح ومصغ إليه، لا مستمع شر وفساد. ومن رفع (رحمة) فالمعنى فيه أذن خير ورحمة اي مستمع خير ورحمة فجعله للرحمة لكثرة هذا المعنى فيه، كما قال " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " (4) ويجوز ان يقدر حذف المضاف من المصدر. وأما من جر فعطفه على (خير) كأنه قال اذن خير ورحمة، وتقديره مستمع خير ورحمة. وجاز هذا كما جاز مستمع خير، لان الرحمة من الخير وإنما خص تشريفا، كما قال " اقرأ باسم ربك الذي خلق " ثم قال " خلق الانسان من علق " (5) وإن كان قوله تعالى " خلق " عم الانسان وغيره. والبعد بين الجار وما عطف عليه لا يمنع من العطف ألا ترى ان من قرأ " وقيله يا رب " إنما جعله عطفا على " وعنده علم الساعة " (6) وعلم قيله. وروي ان الأعمش قرأ قل " اذن خير ورحمة " وهي قراءة ابن مسعود. اخبر الله تعالى في هذه الآية ان من جمله هؤلاء - المنافقين الذين وصفهم وذكرهم - من يؤذي النبي صلى الله عليه وآله والأذى هو ضرر ربما تنفر منه النفس في عاجل الامر وانهم يقولون هو اذن يعنون النبي صلى الله عليه وآله. ومعنى (اذن) انه يصغي إلى كل أحد فيقبل ما يقوله - في قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك - وقيل أصله من اذن إذا استمع على ما بيناه قال عدي بن زيد:

أيها القلب تعلل بددن * ان همي في سماع واذن (7)

وقيل السبب في ذلك: ان قوما من المنافقين تكلموا بما أرادوه، وقالوا ان بلغه اعتذرنا إليه، فإنه اذن يسمع ما يقال له، فقال الله تعالى " قل " يا محمد " اذن خير لكم " لا اذن شر، وليس بمعنى أفعل. وإنما معناه أذن صلاح ولو رفع خيرا لكان معناه أصلح، وهي قراءة الحسن والأعشى والبرجمي. وإنما قال بعد ذلك " يؤمن بالله " لان معناه انه لايمانه بالله يعمل بالحق فيما يسمع من غيره. وقيل يصغي إلى الوحي من قبل الله. وقوله " ويؤمن للمؤمنين " قال ابن عباس: معناه ويصدق المؤمنين. وقيل دخلت اللام كما دخلت في قوله " درف لكم " (8) وتقديره ردفكم، واللام مقحمة ومثله " لربهم يرهبون " (9) ومعناه يرهبون ربهم. واللام مقحمة. وقال قوم: دخلت اللام للفرق بين إيمان التصديق وايمان الأمان. وقوله " ورحمة للذين آمنوا منكم " يعني ان النبي صلى الله عليه وآله رحمة للمؤمنين منكم وإنما خص المؤمنين بالذكر وإن كان رحمة للكفار أيضا من حيث انتفع المؤمنون به دون غيرهم من الكفار. ثم قال " والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم " اي مؤلم موجع جزاء لهم على أذاهم للنبي صلى الله عليه وآله. وقال ابن إسحاق: نزلت هذه الآية في نبتل بن الحارث كان يقول: إني لا نال من محمد ما شئت، ثم آتيه اعتذر إليه وأحلف له فيقبل، فجاء جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: انه يجلس إليك رجل ادلم ثائر شعر الرأس اسفع الخدين احمر العينين كأنهما قدر ان من صفر كبده أغلظ من كبد الجمل ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره وكان ذلك صفة نبتل بن الحارث من منافقي الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من اختار أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث، ذكره ابن إسحاق.


1- سورة 84 الانشقاق آية 2.

2- سورة 9 التوبة آية 50.

3- اللسان (اذن) نسبه إلى (عدي) والماذي المشار: العسل المصفى.

4- سورة 21 الأنبياء آية 107.

5- سورة 96 العلق 2.

6- سورة 43 الزخرف آية 88، 85.

7- اللسان (اذن) وأمالي المرتضى 1 / 33 وتفسير الطبري 14 / 325.

8- سورة 27 النمل آية 72.

9- سورة 7 الأعراف آية 153.