الآية 110
قوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾
أخبر الله تعالى أنه يقلب الله أفئدة هؤلاء الكفار، وأبصارهم عقوبة لهم وفي كيفية تقليبها قيل قولان:
قال أبو علي الجبائي: انه يقلبها في جهنم على لهب النار وحر الجمر، وجمع بين صفتهم في الدنيا وصفتهم في الآخرة، كما قال " هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية " (1) لان قوله " وجوه يومئذ خاشعة " يعني في الآخرة، و " عاملة ناصبة " في الدنيا.
الثاني: انه يقلبها بالحسرة التي تغم وتزعج النفس. وقوله " كما لم يؤمنوا به أول مرة " قيل فيه قولان:
أحدهما: أول مرة أنزلت الآيات، فهم لا يؤمنون ثاني مرة بما طلبوا من الآيات كما لم يؤمنوا أول مرة بما أنزل من الآيات، وهو قول ابن عباس وابن زيد ومجاهد.
الثاني: روي أيضا عن ابن عباس يعني أول مرة في الدنيا وكذلك لو أعيدوا ثانية، كما قال تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " (2) والكاف في قوله " كما لم يؤمنوا به أول مرة " قيل فيه قولان:
أحدهما: انها دخلت على محذوف كأنه قيل: فلا يؤمنون به ثاني مرة كما لم يؤمنوا به أول مرة.
الثاني: انها دخلت على معنى الجزاء كما قال " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (3). والهاء في قوله " به " يحتمل أن تكون عائدة على القرآن وما أنزل من الآيات. ويحتمل أن تكون عائدة على النبي صلى الله عليه وآله. وقال بعضهم: انها عائدة على التقليب، لأنه الحائل بينهم وبين الايمان. وهذا خطأ لأنه لو حيل بينهم وبين الايمان لما كانوا مأمورين به، ولان تقليب الابصار لا يمنع من الايمان كما لا يمنع الأعمى عماه من الايمان. وقوله " ونذرهم في طغيانهم يعمهون " لا يدل على أنه تركهم فيه ليطغوا لأنه إنما أراد انه خلى بينهم وبين اختيارهم وان لم يرد منهم الطغيان، كما أن الأئمة والصالحين إذا خلوا بين اليهود والنصارى في دخولهم كنائسهم لا يدل على أنهم خلوهم ليكفروا. وقال الحسين بن علي المغربي قوله " ونقلب أفئدتهم وابصارهم " معناه إنا نحيط علما بذات الصدور، وخائنة الأعين - وهو حشو بين الجملتين - وهو ان يختبر قلوبهم فيجد باطنها بخلاف الظاهر.1- سورة 88 الغاشية آية 1 - 4.
2- سورة 6 الانعام آية 28.
3- سورة 42 الشورى آية 40.