الآية 109

قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر الا يحيى ونصير وخلف " وما يشعركم انها " بكسر الهمزة. الباقون بفتحها. وقرأ ابن عامر وحمزة " لا تؤمنون " بالتاء. الباقون بالياء. و (ما) في قوله " وما يشعركم " استفهام وفاعل (يشعركم) ضمير (ما) ولا يجوز أن يكون نفيا، لان الفعل فيه يبقى بلا فاعل، ولا يجوز أن يكون نصبا ويكون الفاعل ضمير اسم الله، لان التقدير يصير، وما يشعركم الله انتفاء ايمانهم، وهذا ليس بصحيح، لان الله قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله " ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة. " آية (111) فالمعنى وما يدريكم ايمانهم إذا جاءت الآيات، فحذف المفعول، وتقديره وما يدريكم ايمانهم إذا جاءت أي هم لا يؤمنون مع مجئ الآية. ومن كسر الألف فلانه استئناف على القطع بأنهم لا يؤمنون، ولو فتحت ب? " يشعركم " كان عدوا لهم، ويجوز فتحها على وجهين:

الأول: قال الخليل: بمعنى لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، كما يقول القائل: ائت السوق انك تشتري لنا شيئا معناه لعلك، قال عدي بن زيد:

أعاذل ما يدريك ان منيتي * إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد (1)

وقال درى بن الصمة:

ذريتي أطوف في البلاد لأنني * أرى ما ترين أو بخيلا مخلد (2)

وقال آخر:

هل أنتم عائجون بنا لأنا * نرى العرصات أو أثر الخيام (3)

وقال الفراء: انهم يقولون: لعلك، ولعنك، ورعنك، وعلك، ورأنك، ولأنك بمعنى واحد. وقال أبو النجم:

قلت لشيبان ادن من لقائه * انا نغدى اليوم من شوائه (4)

الثاني: قال الفراء (لا) - ههنا - صلة كقوله " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " (5) والتقدير وما يشعركم انها إذا جاءت يؤمنون، والمعنى على هذا لو جاءت لم يؤمنوا ومثل زيادة (لا) قول الشاعر:

أبا جوده لا النجل واستعجلت به * نعم من فتى لا يمنع الجود فاعله

بنصب النجل وجره، فمن نصب جعلها زيادة، وتقديره أبا جوده النجل ومن جره أضاف (لا) إلى النجل) ومثله قوله تعالى " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " (6) وهو يحتمل أمرين:

أحدهما: أن تكون (لا) زائدة و (ان) في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ الذي هو (حرام) وتقديره وحرام على قرية مهلكة رجوعهم، كما قال " فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " (7).

الثاني: أن تكون (لا) غير زائدة بل تكون متصلة بأهلكنا، والتقدير بأنهم لا يرجعون أي أهلكناهم بالاستئصال، لأنهم لا يرجعون إلى أهليهم للاستئصال الواقع بهم. وخبر الابتداء محذوف وتقديره حرام على قرية أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم ونحو ذلك. من قرأ (يؤمنون) بالياء فلان قوله " وأقسموا " إنما يراد به قوم مخصوصون بدلالة " ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة.. " الآية (111)، وليس كل الناس بهذا الوصف، فالمعنى وما يشعركم أيها المؤمنون لعلهم إذا جات الآيات التي اقترحوها لم يؤمنوا. ومن قرأ بالتاء فإنه انصرف من الغيبة إلى الخطاب، ويكون المراد بالمخاطبين في " يؤمنون " هم القوم المقسمون الذين أخبر الله عنهم أنهم لا يؤمنون، ومثله قوله " الحمد لله " ثم قال " إياك نعبد " ونحو ذلك مما ينصرف فيه إلى خطاب بعد الغيبة. وقوله " جهد أيمانهم " أي اجتهدوا في اليمين وبالغوا فيه. والآية التي سألوا النبي صلى الله عليه وآله اظهارها قيل فيها قولان:

أحدهما: انهم سألوا تحول الصفا ذهبا.

الثاني: ما ذكره في موضع آخر من قوله " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " إلى قوله " كتابا نقرؤه " (8) والمعنى ان هؤلاء الكفار أقسموا متحكمين على النبي صلى الله عليه وآله وبالغوا في أيمانهم أنهم إذا جاءتهم الآية التي اقترحوها ليؤمنن بها أي عندها، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لهم: إنما الآيات عند الله. فان قيل: كيف قال " الآيات عند الله " وذلك معلوم ؟! قيل: معناه من أجل أن الآيات عند الله، ليس لكم أن تتحكموا في طلبها، لأنه لا يجوز أن يتخلف عنكم ولا عن غيركم ما فيه المصلحة في الدين لأنه تعالى لا يخل بذلك. قوله " وما يشعركم " فيه تنبيه على موضع الحجة عليهم من أنه ليس لهم ان يدعوا ما لا سبيل لهم إلى علمه. وقال مجاهد وابن زيد: الخطاب متوجه إلى المشركين وقال الفراء وغيره: هو متوجه إلى المؤمنين، لأنهم قالوا ظنا منهم أنهم لو أجيبوا إلى الآيات لامنوا.

1- جمهرة اشعار العرب 103 واللسان (أنن) وتفسير الطبري 12 / 41.

2- تفسير الطبري 3 / 78 و 12 / 42 والشعر والشعراء 210، 211 ومجاز القرآن 6 / 55 واللسان (أنن).

3- قائلة جرير، ومجمع البيان (صيدا) 2: 348 واللسان (أنن).

4- المعاني الكبير لابن قتيبة 393 وخزانة الآداب 3 / 951 والطبري 12 / 43.

5- سورة 7 الأعراف آية 11.

6- سورة 21 الأنبياء آية 95.

7- سورة 36 يس آية 50.

8- سورة 17 الاسرى آية 90 - 94.