الآية 54
قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة الا عاصما " ان يقبل " بالياء. الباقون بالتاء. وجه قراءة من قرأ بالياء ان التأنيث ليس بحقيقي فجاز أن يذكر كقوله " فمن جاء موعظة " (1) ومن قرأ بالتاء فعلى ظاهر التأنيث. والمنع أمر يضاد الفعل وينافيه. والمعنى هاهنا أن هؤلاء المنافقين منعوا أنفسهم ان يفعل بهم قبول نفقاتهم، كما يقول القائل: منعته بري وعطائي. وقوله " ان تقبل " في موضع نصب، وتقديره وما منعهم من أن تقبل وحذف (من). وقوله " إلا أنهم كفروا بالله ورسوله " انهم في موضع رفع والعامل في اعراب انهم يحتمل أحد أمرين:
أحدهما: ما منعهم من ذلك إلا كفرهم.
الثاني: أن يكون تقديره ما منعهم الله منه إلا لأنهم كفروا بالله. وعندنا ان الكافر لا يقع منه الانفاق على وجه يكون طاعة، لأنه لو أوقعها على ذلك الوجه لاستحق الثواب. والاحباط باطل، فكان يؤدي إلى أن يكون مستحقا للثواب. وذلك خلاف الاجماع وعند من خالفنا من المعتزلة وغيرهم يصح ذلك، غير أنه ينحبط بكفره فأما الصلاة فلا يصح أن تقع منهم على وجه تكون طاعة بلا خلاف، لان الصلاة طريقها الشرع فمن لا يعترف بالشرع لا يصح أن يوقعها طاعة، وليس كذلك الانفاق، لان العقل دال على حسنه غير أنهم وإن علموا ذلك لا يقع منهم كذلك على ما بيناه. وقوله " ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى " اي يقومون إليها على وجه الكسل وذلك ذم لهم بأنهم يصلون الصلاة على غير الوجه الذي أمروا به، من النفاق الذي يبعث على الكسل عنها دون الايمان الذي يبعث على النشاط لها. وقوله " ولا ينفقون إلا وهم كارهون " اخبار منه تعالى بأنهم لا ينفقون ما ينفقونه لكونه طاعة بل ينفقونه كارهين لذلك وذلك يقوي ما قلناه.
1- سورة 2 البقرة آية 275.