الآية 100
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾
القراءة:
قرأ أهل المدينة " خرقوا " بتشديد الراء. الباقون بتخفيفها، قال أبو عبيدة " وخرقوا له بنين وبنات " أي جعلوا له وأشركوه. يقال: خرق واخترق واختلق بمعنى، إذا افتعل وافترا وكذب، قال أحمد بن يحيى: خرق واخترق، وقال أبو الحسن الخفيفة أحب إلي، لأنها أكثر. وقيل إن المعنى المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله، والنصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله ومن شدد كأنه ذهب إلى التكثير. أخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفار العادلين عن الحق المتخذين معه آلهة جعلوا له أندادا وشركاء الجن، كما قال " وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا " (1) وقال " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " (2) وقال " ويجعلون لله البنات " (3) ووصفهم بالجن لخفائهم عن الابصار وقوله " وجعلوا لله شركاء الجن " أراد به الكفار الذين جعلوا الملائكة بنات الله والنصارى الذين جعلوا المسيح ابن الله، واليهود الذين جعلوا عزيرا ابن الله، ولذلك قال " وخرقوا له بنين وبنات " ففصل أقوالهم. وقيل إن معنى " شركاء الجن " في استعاذتهم بهم. وقيل إن المعنى ان المجوس تنسب الشر إلى إبليس وتجعله بذلك شريكا. والهاء والميم في قوله " وخلقهم " يحتمل أن تكون عائدة إلى الكفار الذين جعلوا لله الجن شركاء. ويحتمل أن تكون عائدة على الجن، ويكون المعنى " وجعلوا لله شركاء الجن " والله خلق الجن فكيف يكونون شركاء له. وفي نصب الجن وجهان:
أحدهما: أن يكون تفسيرا للشركاء وبدلا منه.
والآخر: أن يكون مفعولا به ومعناه وجعلوا لله الجن شركاء وهو خالقهم. وروي عن يحيى بن يعمر انه قرأ " وخلقهم " بسكون اللام بمعنى أن الجن شركاء لله في خلقه إيانا، وهذه القراءة ضعيفة. والقراءة المعروفة أجود، لان المعنى وخلقهم بمعنى أن الله خلقهم متفردا بخلقه إياهم. وقوله " وخرقوا له بنين وبنات " معناه تخرصوا، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم، فيتلخص الكلام أن هؤلاء الكفار جعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم إياه مع أنه المتفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير " وخرقوا له بنين وبنات " معناه تخرصوا له كذبا بنين وبنات " بغير علم " أي بغير حجة. ويحتمل أن يكون معناه بغير علم منهم بما عليهم عاجلا وآجلا ويحتمل أن يكون معناه بغير علم منهم بما قالوه على حقيقة ما يقولون، لكن جهلا منهم بالله وبعظمته، لأنه لا ينبغي لمن كان إلها أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة ولا أن يشركه في خلقه شريك، ثم نزه نفسه تعالى وأمرنا بتنزيهه عما أضافوه إليه، وأنه يجل عن ذلك ويتعالى عنه، فقال " سبحانه وتعالى عما يصفون " من ادعائهم له شركاء واختراقهم له بنين وبنات لان ذلك لا يليق بصفته ولا بوحدانيته.1- سورة 37 الصافات آية 158.
2- سورة 43 الزخرف آية 17.
3- سورة 16 النحل آية 57.