الآية 98
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وروح " فمستقر " بكسر القاف. الباقون بفتحها. قال أبو علي النحوي: قال سيبويه: قالوا: قر في مكانه واستقر، كما قالوا: جلب وأجلب، يراد بهما شئ واحد، فكما بني هذا على (أفعلت) بني هذا على (استفعلت) فمن كسر القاف كان المستقر بمعنى القار، والخبر مضمر، وتقديره منكم مستقر كقولك: بعضكم مسقر أي مستقر في الأرحام. وقال " يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق " (1) كما قال " وقد خلقكم أطوارا " ا (2) ومن فتح فليس على أنه مفعول، لان استقر لا يتعدى، وإذا لم يتعد لم يبن منه اسم مفعول، فإذا له يكن مفعولا كان اسم الفاعل مكانه، فالمستقر بمنزلة المقر كما أن المستقر بمعنى القار، وعلى هذا، لا يجوز أن يكون خبره المضمر (منكم) كما جاز في قول من كسر القاف، وإذا لم يجز ذلك جعلت الخبر المضمر (لكم) وتقديره: لكم مقر، ومستودع، فان استودع فعل يتعدى إلى مفعولين تقول: استودعت زيدا ألفا وأودعت زيدا ألفا، فاستودع مثل أودع، ومثل استجاب وأجاب، فالمستودع يجوز أن يكون الانسان الذي استودع ذلك المكان، ويجوز أن يكون المكان نفسه. فمن فتح القاف في (مستقر) جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه أي فلكم مكان استقرار ومكان استيداع. ومن كسر القاف، فالمعنى منكم مستقر في الأرحام ومنكم مستقر في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به ليكون مثل المستقر في أنه اسم لغير المكان. قال الزجاج: ويحتمل أن يكون مستقرا في الدنيا موجودا ومستودعا في الأصلاب لم يخلق بعد. ويحتمل مستقر - بكسر القاف - في الاحياء، ومنكم مستودع في الثرى. ورفع (مستقر ومستودع) على معنى فلكم مستقر ومستودع. ومن كسر فمعناه فمنكم مستقر ومنكم مستودع. وقال الفراء: تقديره ثم مستقر ومستودع. واختلف المفسرون في قوله " فمستقر ومستودع " فقال عبد الله بن مسعود: المستقر ما في الرحم، والمستودع حيث يموت، وبه قال إبراهيم ومجاهد. وقال سعيد ابن جبير: مستودع ما كان في أصلاب الرجال، فإذا قروا في أرحام النساء وعلى ظهر الأرض وفى بطونها، فقد استقروا به. وقال ابن عباس، وروي عن مجاهد - في رواية أخرى - المستقر الأرض، والمستودع عند ربك. وروي عن ابن مسعود - في رواية - ان مستقرها في الآخرة ومستودعها في الصلب. وقال عكرمة: مستقر في الآخرة ومستودع في صلب لم يخلق سيخلق. وبه قال قتادة والضحاك والسدي وابن زيد. وقال الحسن: المستقر في القبر والمستودع في الدنيا. ومعنى الآية أن الله تعالى هو الذي أنشأ الخلق ابتداء من نفس واحدة يعني آدم، منهم مستقر ومستودع، وإذا حمل على العموم، فإنه يتناول كل أحد على تأويل من قال المستقر في القبر والمستودع في الحشر، وعلى تأويل من قال المستودع من كان في الأصلاب والمستقر من كان في الأرحام، لان كل الخلائق داخلون فيه، فالأولى حمل الآية على عمومها وهو اختيار الطبري. وقوله " قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون " معناه قد بينا الحجج وميزنا الآيات والأدلة والاعلام، وأحكمناها لقوم يفقهون مواقع الحجج ومواضع العبر، ويعرفون الآيات والذكر، وهو قول قتادة والمفسرين.1- سورة 39 الزمر آية 6.
2- سورة 71 نوح آية 14.