لماذا تاء الخطاب للمفرد؟

كما انه تعالى قد جاء بتاء الخطاب للمفرد، فقال: "أرأيت" فمن هو المخاطب بذلك يا ترى؟ هل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ أو كل عاقل يمكن أن يدرك هذه الحقيقة؟

ونستطيع أن نجيب: بأن من الواضح: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو رئيس العقلاء؟، وسيد البشر، فإذا كان الخطاب للعقلاء، فهو صلى الله عليه وآله وسلم أولى بإدراك هذه الحقيقة. فإذا كان الناس العاديون يرونها رأيَ العين، حتى كأنها متجسدة لهم، فكيف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا أولى من جعل الخطاب خاصًا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد يتوهم متوهم أن غيره صلى الله عليه وآله وسلم، قد لا يدرك ذلك، فضلاً عن أن يكون يراه.

﴿الَّذِي﴾:

ثم انه تعالى لم يقل: أرأيت من يكذب بالدين، بل قال: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي﴾ ولعل ذلك يعود إلى أن كلمة "من" تستعمل عادةً في مثل هذه الموارد للعاقل، فلو أنّه عبَّر بها، فسيكون في ذلك بعض الإيحاء بأنّ من يتحدّث عنه يملك عقلاً ووعيًا، مع أنه تعالى لا يريد أن يعترف لهذا المكذّب بالدين، بشيء من ذلك؟ لأنه لا يستحق هذا الوسام الشريف. وسيأتي حين الحديث عن كلمة ﴿الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (الماعون/2) ما لعله يفيد في هذا الموضع أيضًا، فلا بأس بمراجعته.

﴿يُكَذِّبُ﴾:

وهو تعالى قال: "يكذّب" بصيغة المضارع، ولم يقل: كذّب "بصيغة الماضي"، أو المكذّب "بصيغة اسم الفاعل". ولعل السبب في ذلك هو أن الفعل المضارع يفيد التجدد والاستمرار، فكأنه تعالى يريد أن يفيد استمراره في ذلك، وأنه لم ينقطع عن هذا التكذيب، بل هو مصرّ عليه، ولم يزل يصدر منه مرة بعد أخرى. كما أنه يريد أن يلفت النظر إلى اختيارية هذا الأمر، وأنه يصدر عن فاعله باختياره.

أما لو قال: أرأيت الذي كذّب "بصيغة الماضي" فلا يفيد استمرار التكذيب، فلعلّه حدث مرّة وانتهى. وكذا لو قال: "المكذّب" بيوم الدين فإنها ليس فيها إشعار بصدور التكذيب منه باختياره، ولا تفيد أن هذا يتجدد منه باستمرار، ولم يزل يمارسه ويقدم عليه.