الآية 40
قوله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
القراءة:
قرأ يعقوب وجده " وكلمة الله هي العليا " بالنصب على تقدير وجعل كلمة الله هي العليا ومن رفع استأنف، وهو أبلغ لأنه يفيد أن كلمة الله العليا على كل حال. وهذا أيضا زجر آخر وتهديد لمن خاطبه في الآية الأولى بأنهم إن لم ينصروا النبي صلى الله عليه وآله ولم يقاتلوا معه ولم يجاهدوا عدوه " فقد نصره الله " أي قد فعل الله به النصر حين اخرجه الكفار من مكة " ثاني اثنين ". وهو نصب على الحال اي هو ومعه آخر، وهو أبو بكر في وقت كونهما في الغار من حيث " قال لصاحبه " يعني أبا بكر " لا تحزن " اي لا تخف. ولا تجزع " ان الله معنا " أي ينصرنا. والنصرة على ضربين:
أحدهما: يكون نعمة على من ينصره.
والآخر: لا يكون كذلك، فنصرة المؤمنين تكون إحسانا من الناصر إلى نفسه لان ذلك طاعة لله ولم تكن نعمة على النبي صلى الله عليه وآله.
الثاني: من ينصر غيره لينفعه بما تدعوا إليه الحكمة كان ذلك نعمة عليه مثل نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وآله ومعنى " ثاني اثنين " أحد اثنين يقولون هذا ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة، وخامس خمسة، لأنه مشتق من المضاف إليه. وقد يقولون خامس أربعة أي خمس الأربعة بمصيره فيهم بعد أن لم يكن. والغار ثقب عظيم في الجبل. قيل: وهو جبل بمكة يقال له ثور، في قول قتادة. وقال مجاهد: مكث النبي صلى الله عليه وآله في الغار مع أبي بكر ثلاثا. وقال الحسن: أنبت الله على باب الغار ثمامة، وهي شجيرة صغيرة. وقال غيره: الهم العنكبوت؟؟؟؟ على باب الغار. وأصل الغار الدخول إلى عمق الخباء. ومنه قوله " إن أصبح ماؤكم غورا " (1) وغارت عينه تغور غورا إذا دخلت في رأسه. ومنه أغار على القوم إذا أخرجهم من أخبيتهم بهجومه عليهم. وقوله " فأنزل الله سكينته عليه " قيل فيمن تعود الهاء إليه قولان:
أحدهما: قال الزجاج: إنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وآله.
الثاني: قال الجبائي: تعود على أبي بكر لأنه كن الخائف واحتاج إلى الامن لان من وعد بالنصر فهو ساكن القلب. والأول أصح، لان جميع الكنايات قبل هذا وبعده راجعة إلى النبي صلى الله عليه وآله ألا ترى أن قوله " إلا تنصروه " الهاء راجعة إلى النبي صلى الله عليه وآله بلا خلاف، وقوله " فقد نصره الله " فالهاء أيضا راجعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وقوله " إذا اخرجه " يعني النبي صلى الله عليه وآله " إذ يقول لصاحبه " يعني صاحب النبي صلى الله عليه اله ثم قال " فأنزل الله سكينته عليه " وقال بعده " وأيده بجنود " يعني النبي صلى الله عليه وآله فلا يليق أن يتخلل ذلك كله كناية عن غيره وتأييد الله إياه بالجنود ما كان من تقوية الملائكة لقلبه بالبشارة بالنصر من ربه ومن القاء اليأس في قلوب المشركين حتى انصرفوا خائبين. وقوله " وجعل كلمة الذين كفروا السفلى " أي جعلها نازلة دنية وأراد بذلك أن يسفل وعيدهم النبي صلى الله عليه وآله وتخويفهم إياه فأبطل وعيدهم ونصر رسول الله والمؤمنين عليهم فعبر عن ذلك بأنه جعل كلمتهم كذلك، لا انه خلق كلمتهم كما قال " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " (2). وقيل: إن كلمة الذين كفروا الشرك، وكلمة الله التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله. وقيل: كلمتهم هو ما تغامزوا عليه ومن قتله. و " كلمة الله " ما وعد به من النصر والنجاة. ثم أخبر ان " كلمة الله هي العليا " المرتفة اي هي المنصورة بغير جعل جاعل، لأنها لا يجوز أن تدعو إلى خلاف الحكمة. وقوله " والله عزيز " معناه قادر لا يقهر " حكيم " واضع الأشياء مواضعها ليس فيها وجه من وجوه القبح. وليس في الآية ما يدل على تفضيل أبي بكر، لان قوله " ثاني اثنين " مجرد الاخبار أن النبي صلى الله عليه وآله خرج ومعه غيره، وكذلك قوله " إذ هما في الغار " خبر عن كونهما فيه، وقوله " إذ يقول لصاحبه " لا مدح فيه أيضا، لان تسمية الصاحب لا تفيد فضيلة ألا ترى أن الله تعالى قال في صفة المؤمن والكافر " قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك " (3) وقد يسمون البهيمة بأنها صاحب الانسان كقول الشاعر (وصاحبي بازل شمول) وقد يقول الرجل المسلم لغيره: ارسل إليك صاحبي اليهودي، ولا يدل ذلك على الفضل، وقوله " لا تحزن " إن لم يكن ذما فليس بمدح بل هو نهي محض عن الخوف، وقوله " إن الله معنا " قيل إن المراد به النبي صلى الله عليه وآله، ولو أريد به أبو بكر معه لم يكن فيه فضيلة، لأنه يحتمل أن يكون ذلك على وجه التهديد، كما يقول القائل لغيره إذا رآه يفعل القبيح لا تفعل إن الله معنا يريد أن متطلع علينا، عالم بحالنا. والسكينة قد بينا أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وآله بما بيناه من أن التأييد بجنود الملائكة كان يختص بالنبي صلى الله عليه وآله فأين موضع الفضيلة للرجل لولا العناد، ولم نذكر هذا للطعن على أبي بكر بل بينا أن الاستدلال بالآية على الفضل غير صحيح.
1- سورة 67 الملك آية 30.
2- سورة 43 الزخرف آية 19.
3- سورة 18 الكهف آية 38.