الآية 31
قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
اخبر الله تعالى عن هؤلاء اليهود والنصارى الذين حكى حكايتهم انهم اتخذوا أحبارهم، وهو جمع حبر، وهو العالم الذي صناعته تحبير المعاني بحسن البيان وقيل حبر وحبر - بفتح الباء وكسرها - حكاه الفراء. والرهبان جمع راهب وهو الخاشي الذي يظهر عليه للناس الخشية. وقد كثر استعماله في متنسكي النصارى وروي عنه صلى الله عليه وآله أن معنى اتخاذهم أربابا أنهم قبلوا منهم التحريم والتحليل بخلاف ما أمر الله تعالى، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، فسمى الله ذلك اتخاذهم إياهم أربابا من حيث كان التحريم والتحليل لا يسوغ إلا الله تعالى. وهو قول أكثر المفسرين. وقوله " والمسيح ابن مريم " عطف على الأرباب أي واتخذوا عيسى ربا. وقوله " وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا " معناه ان الله تعالى لم يأمر هؤلاء اليهود والنصارى وغيرهم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له. ثم أخبر فقال " لا إله إلا هو سبحانه " يعني تنزيها عما يشركون. ومعنى سبحانه براءة الله من السوء كما قال الشاعر:
أقول لما جاءني فخره * سبحان من علقمة الفاخر (1)
والآية تدل على أن المشرك مع الله في التحليل والتحريم على مخالفة امر الله كالمشرك في عبادة الله، لان استحلال ما حرم الله كفر بالاجماع. وكل كافر مشرك ولا يلزم على ذلك أن يكون من قبل من الشيطان باغوائه فارتكب المعاصي أن يكون كافرا على ما استدل به بعض الخوارج، لأنه إذا قبل من الشيطان ما يعتقد انه معصية ولا يقصد بذلك طاعة الشيطان ولا تعظيمه يكون فاسقا، ولا يكون كافرا. وليس كذلك من ذكره الله تعالى في الآية، لأنهم كانوا يقبلون تحريم علمائهم وأحبارهم ويقصدون بذلك تعظيمهم. ولا يلزم على ذلك قبول المعاصي من العالم، لان العامي يعتد بالرجوع إلى العالم فيقبل منه ما أدى اجتهاده إليه وعلمه، فإذا قصد العالم وأفتاه بغير ما علمه فهو المخطئ دون المستفتي. وليس كذلك هؤلاء، لأنهم ما كانوا تعبدوا بالرجوع إلى الأحبار والقبول منهم لأنهم لو كانوا تعبدوا بذلك لما ذمهم الله على ذلك.
1- قائله الأعشى. وقد مر تخريجه في 3 / 81.