الآية 30

قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾

القراءة:

قرأ " عزير " بالتنوين عاصم والكسائي وعبد الوارث عن أبي عمرو. الباقون بترك التنوين. وقرأ عاصم وحده " يضاهؤن " بالهمزة. الباقون بغير همزة. من ترك التنوين في " عزير " قيل في وجه ذلك ثلاثة أقوال:

أحدها: انه أعجمي معرفة لا ينصرف.

الثاني: لان ابن هاهنا صفة بن علمين والخبر محذوف والتقدير معبودنا أو نبينا عزير ابن الله.

الثالث: انه حذف التنوين لالتقاء الساكنين تشبيها بحرف اللين، كما قال الشاعر:

فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا (1)

هذا الوجه قول الفراء: وعند سيبويه هو ضرورة في الشعر قال أبو علي: من نونه جعله مبتدأ وجعل ابنا خبره، ولابد مع ذلك من التنوين في حال السعة والاختيار، لان أبا عمرو وغيره يصرف عجميا كان أو عربيا. ومن حذف التنوين يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه جعل الموصوف والصفة بمنزلة اسم واحد، كما يقال: لا رجل ظريف. وحذف التنوين ولم يحرك لالتقاء الساكنين، كما يحرك يا زيد العاقل، لان الساكنين كأنهما التقيا في تضاعيف كلمة واحدة، فحذف الأول منهما ولم يحرك لكثرة الاستعمال.

والوجه الاخر: أن يجعل مبتدأ والاخر الخبر مثل من نون وحذف التنوين لالتقاء الساكنين، وعلى هذا قراءة من قرأ " قل هو الله أحد الله " فحذف التنوين لالتقاء الساكنين. فان قيل كيف أخبر الله عن اليهود بأنهم يقولون عزير ابن الله واليهود تنكر هذا ؟! قلنا: إنما اخبر الله بذلك عنهم، لان منهم من كان يذهب إليه، والدليل على ذلك ان اليهود في وقت ما انزل الله القرآن سمعت هذه الآية فلم تنكرها. وهو كقولك: الخوارج تقول بتعذيب الأطفال، وإنما يقول بذلك الأزارقة منهم خاصة. قال ابن عباس: القائل لذلك جماعة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقالوا له ذلك، وهم سلام ابن مشكم، ونعمان بن أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فأنزل الله فيهم الآية. وقوله " ذلك قولهم بأفواههم " معنا انه لا يرجع إلى معنى صحيح: فهو لا يجاوز أفواههم، لان المعنى الصحيح ما رجع إلى ضرورة العقل أو حجته أو برهانه أو دليل سمعي. وقوله " يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل " معناه يشابهون. ومنه قولهم امرأة ضهياء التي لا تحيض، ولا يخرج ثدياها اي اشبهت الرجال. وقال أبو علي الفارسي: ليست يضاهؤن من قولهم امرأة ضهياء، لأن هذه الهمزة زائدة غير أصلية لأنه ليس في الكلام شئ على وزن (فعيآء) ويشبه أن يكون ذلك لغة، كما قالوا أرجأت وأرجيت. واختار الزجاج أن تكون الهمزة أصلية، كما جاء كثير من الأشياء على وزن لا يطرد نحو (كنهبل) وهو الشجر العظام، وكذلك (قر نفل) لا نظير له. ووزنه (فعنلل). وقال ابن عباس " الذين كفروا " أراد به عبدة الأوثان، وقال الفراء: يشابهونهم في عبادة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. وقال قوم في قولهم: الملائكة بنات الله. وقال الزجاج: شابهوهم في تقليدهم اسلافهم في هذا القول. وقوله " قاتلهم الله " قيل في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها: قال ابن عباس معناه لعنهم الله.

الثاني: معناه قتلهم الله كقولهم عافاه الله من السوء.

الثالث: كالمقاتل لغيره في عداوة الله. وقوله " انى يؤفكون " معناه كيف يصرفون عن الحق إلى الافك الذي هو الكذب، ورجل مأفوك عن الخير وارض مأفوكة صرف عنها المطر قال الشاعر: أنى ألم بك الخيال تطيف


1- مر تخريجه في 2 / 76 تعليقة 3.