الآية 12

قوله تعالى: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة وابن عامر " أئمة " بهمزتين، إلا هشاما عن ابن عامر فإنه فصل بين الهمزتين بألف. والباقون بهمزة واحدة وياء بعدها. وفصل بينهما بألف أبو جعفر والمرى عن المسيبي والسوسنجرذي عن يزيد بن إسماعيل. وقرأ ابن عامر والحسن " لا إيمان لهم " بكسر الألف. الباقون بفتحها. والكسر يحتمل وجهين:

أحدهما: انهم ارتدوا، ولا إسلام لهم، ذكره الزجاج قال: ويجوز " لا إيمان لهم " على المصدر، وتقديره لا تأمنوهم بعد نكثهم العهد.

والآخر: لأنهم كفروا " لا إيمان لهم " ويحتمل أن يكون المراد أنهم آمنوا إيمانا لا يفون به فلا إيمان لهم. ومن فتح الهمزة فلقوله: " وان نكثوا ايمانهم " ولقوله " عهدهم " وأثبت لهم الايمان. فان قيل كيف نفى فقال " إنهم لا أيمان لهم " وقد أثبتها في الأول من الآية بقوله " وان نكثوا أيمانهم " ؟! قلنا: اليمين التي أثبتها هي ما حلفوا بها وعقدوا عليها، ولم يفوا، وإنما المراد به انهم لا أيمان لهم يفون بها، ويتمسكون بموجبها. وقال أبو علي النحوي " أئمة " على وزن " افعلة " جمع إمام نحو مثال وأمثلة فصار أئمة، واجتمع همزتان الف أفعلة، والهمزة التي هي فاء الفعل، والتي هي فاء الفعل ساكنة فنقل إليها حركة التي بعدها ليمكن النطق بها. فمن خففها اتى بالهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة. ومن كره ذلك قلب الثانية ياء ولم يجعلها بين بين، لان همزة بين بين في تقدير التحقيق وذلك مكروه عندهم. وقال الرماني: إنما جاز اجتماع الهمزتين في كلمة، لئلا يجتمع على الكلمة تغيير الادغام والانقلاب مع خفة التحقيق لأجل ما بعده من السكون، وهو مذهب ابن أبي إسحاق من البصريين. والباقون لا يجيزونه، ذكره الزجاج، قال لأنه يلزم عليه ان يقرأ " أأم " بهمزتين وذلك باطل بالاتفاق. وعلى هذا القول هذا أأم بهمزتين، قال: وإنما قلبت الهمزة في أئمة على حركتها دون حركة ما قبلها، لان الحركة إنما نقلها إلى الهمزة لبيان زنة الكلمة، فلو ذهبت تقلبها على ما قبلها لكان مناقضا للغرض فيها وإذا بنيت من الإمامة هذا افعل من هذا قلت هذا أوم من هذا في قول المازني - لان أصله كان أأم فلم يمكنه ان يبدل منها الفاء لاجتماع الساكنين، فجعلها واوا كما قالوا في جمع آدم أوادم. قال الزجاج: وهو القياس وهذا أيم من هذا في قول الأخفش، قال: لأنها صارت الياء في أيمة بدلا لازما. وقوله " وان نكثوا ايمانهم " فالنكث نقض العهد الذي جعل لتوثيق الامر وذلك بالخلاف لما تقدم من العزم. و " الايمان " جمع يمين، وهو القسم والقسم هو قول عقد بالمعنى لتأكيده، وتغليظ الامرة فيه نحو والله ليكونن وتالله ما كان، فيجوز أن يكون من اعطى صفقة بمينه، ويجوز أن يكون من يمن التيسير في فعله. وقوله " وطعنوا في دينكم " فالطعن هو الاعتماد بالعيب. واصله الطعن بالرمح، ونحوه في الشئ لنقض بنيته. وقوله " فقاتلوا أئمة الكفر " امر من الله تعالى بقتال أئمة الكفر، وهم رؤساء الضلال والكفار، والامام هو المتقدم الاتباع، فأئمة الكفر رؤساء الكفر والامام في الخير مهتد هاد، وفي الشر ضال مضل، كما قال تعالى " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " (1) والمني بأئمة الكفر رؤساء قريش، في قول ابن عباس ومجاهد. وقال قتادة: هم أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وهم الذين هموا باخراجه، وكان حذيفة يقول: لم يأت أهل هذه الآية. وروي عن أبي جعفر عليه السلام انها نزلت في أهل الجمل وروي ذلك عن علي عليه السلام وعمار، وغيرهما. ويقول حذيفة قال يزيد بن وهب: قوله " انهم لا أيمان لهم " معناه لا تأمنوهم. ومن كسر معناه، لأنهم كفروا لا إيمان لهم. وقوله " لعلهم ينتهون " معناه لكي ينتهوا. وفي الآية دلالة على أن الذمي إذا اظهر الطعن في الاسلام فإنه يجب قتله، لان عهده معقود على أن لا يطعن في الاسلام، فإذا طعن فقد نكث عهده.


1- سورة 28 القصص آية 41.