الآية 6
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾
قوله " أحد " ليست التي تقع في النفي في مثل قولك (ما جاءني أحد) لان الايجاب لا يصح فيه أعم العام الذي هو هو على الجملة والتفصيل كقولك: ليسوا مجتمعين، ولا متفرقين. ولا يصح مثل ذلك في الايجاب، ويصح في الاستفهام لان فيه معنى النفي، ولولا ذلك لم يصح جوابه ب? " لا " والتقدير وإن استجارك أحد من المشركين استجارك فأضمر الفعل، ولم يجز في الجواب ان يقول: إن يقوم أحد زيد يذهب، لقوة " إن " إنها للفعل خاصة ومثله انشد الأخفش:
لا تجزعي إن منفسا أهلكته * فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (1)
فأخبر، ثم جزم على جواب الجزاء، لأنها شرط وليس كذلك الجواب، لأنه قد يكون بالفاء ولا يجوز اضمار الفعل في شئ من حروف المجازاة إلا في " إن " لأنها أم الباب، وهي الأصل الذي يلزمه، قال الشاعر: فان أنت تفعل فللفاعلين أنت المجيرين تلك الغمارا (2) واما قول الشاعر:
فمتى واغل ينبهم يحيوه * ويعطف عليه كأس الساقي
فإنما هو ضرورة، لا يجوز مثله في الكلام قال الفراء " استجارك " في موضع جزم، وانه فرق بين الجازم والمجزوم ب? " أحد " وذلك جائز في " ان " خاصة وقد يفرق بينهما وبين المجزوم بالمنصوب والمرفوع، فالمنصوب مثل قولك: إن أخاك ضربت ظلمت، والمرفوع مثل قوله تعالى " إن امرؤ هلك ليس له ولد " (3) امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله انه متى استجارك أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم اي طلب منه الجار في رفع الأذى عن صاحبه. وقيل: المعنى ان استأمنك أحد فأمنه " حتى يسمع كلام الله " والمشرك يصح ان يسمع كلام الله على الحقيقة لان حكاية كلام الله يطلق عليه الاسم بأنه كلام الله لظهور الامر فيه، ولا يحتاج ان يقدر أصل له، كما يقال: كلام سيبويه وغيره. ومن ظن أن الحكاية تفارق المحكي لأجل هذا الظاهر فقد غلط، لان المراد ما ذكرناه فيما يقال في العرف انه كلام الله. وقوله " ثم أبلغه مأمنه " فالابلاغ النصير إلى منتهى الحد. والابلاغ والأداء نظائر. وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال: المعارف ضرورية لأنها لو كانت كذلك لما كان لطلب ما هو عالم به معنى. ومعنى قوله " لا يعلمون " اخبار عن جهلهم في افعالهم، لا انهم لا يعقلون، وإنما أراد لا ينتفعون بمثله. ولا يعرفون مالهم وعليهم من الثواب والعقاب.
1- القرطبي 8 / 77. نسبه للنمير بن تولب.
2- معاني القرآن 1 / 422. نسبه للكميت.
3- سورة 4 النساء آية 175.