الآية 60
قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾
امر الله تعالى المؤمنين ان يعدوا ما قدروا عليه من السلاح وآلة الحرب والخيل وغير ذلك. والاعداد اتخاذ الشئ لغيره مما يحتاج إليه في امره ولو اتخذه له في نفسه محبة له لم يكن اعدادا وهو مما يعد فيما يحتاج إليه من غيره والاستطاعة معنى تنطاع بها الجوارح للفعل مع انتفاء المنع، تقول: استطاع استطاعة، وطاوع مطاوعة وأطاع طاعة، وتطوع تطوعا، وانطاع انطياعا. وقوله تعالى " من قوة " اي مما تقوون به على عدوه. وقيل: معناه من الرمي، ذكره الفراء. ورواه عن النبي صلى الله عليه وآله عقبة بن عامر، على ما ذكره الطبري. وقال عكرمة: أراد به الحصون. وقوله تعالى: " ومن رباط الخيل " فالرباط شد أيسر من العقد. ربطه يربطه ربطا ورباطا وارتبطه ارتباطا ورابطه مرابطة. وقوله " ترهبون به عدو الله وعدوكم " فالهاء في (به) راجعة إلى الرباط وذكره لأنه على لفظ الواحد وإن كان في معنى الجمع، لأنه كالجراب والقراب والذراع. والارهاب ازعاج النفس بالخوف تقول: أرهبه إرهابا ورهبه ترهيبا ورهب رهبة وترهب ترهبا واسترهبه استرهابا، وقال طفيل:
ويل أم حي دفعتم في نحورهم * بني كلاب غداة الرعب والرهب (1)
والعدو المراصد بالمكاره لتعديتها إلى صاحبها والعدو ضد الولي. وقوله " وآخرين من دونهم " لا تعلمونهم تقديره وترهبون آخرين، فهو نصب ب? (ترهبون) يجوز أن يكون نصبا بقوله: (وأعدوا لهم) وللآخرين من دونهم. وقيل في المعنيين بذلك خمسة أقوال:
أحدها: قال مجاهد: هم بنو قريظة
وقال السدي: هم أهل فارس.
وقال الحسن وابن زيد: هم المنافقون.
الرابع: الجن، وهو اختيار الطبري، قال: لان الاعداد للأعداء دخل فيه جميع المتظاهرين بالعداوة فلم يبق إلا من لا يشاهد.
الخامس: قال الجبائي: كل من لا تعرفون عداوته داخل فيه. ومعنى " لا تعلمونهم " لا تعرفونهم فلذلك لم يكن معه المفعول الثاني. وقوله: " الله يعلمهم " معناه يعرفهم كما قال الشاعر:
فان الله يعلمني ووهبا * وإنا سوف نلقاه كلانا (2)
وقوله تعالى: " وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " يعني ما من شئ تنفقونه في الجهاد إلا والله يوفيكم ثوابه على ذلك بأتم الجزاء ولا تبخسون، فمعنى الآية الامر باعداد السلاح والكراع لإخافة أعداء الله بما يملا صدورهم من الاستعداد لقتالهم مع تضمن اخلاف ما انفق في سبيل الله بأحوج ما يكون صاحبه إليه بما تربح فيه تجارته.
1- ديوانه: 65 ومجاز القرآن 1 / 249.
2- قائله النمر بن ثولب العلكي. الاقتضاب: 303، والمفصل للزمخشري: 88 وتفسير الطبري 14 / 39.