الآية 59
قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾
القراءة:
قرأ ابن عامر وحمزة وحفص وأبو جعفر " ولا يحسبن " بالياء. الباقون بالتاء. وقرأ ابن عامر " انهم " بفتح الهمزة. الباقون بكسرها. قال أبو علي الفارسي: من قرأ بالتاء جعل " الذين كفروا " المفعول الأول و " سبقوا " المفعول الثاني، وموضعه النصب، وهو واضح. ومن قرأ بالياء احتمل ثلاثة أشياء:
أحدها: (لا يحسبن الذين كفروا) وهو قول أبي الحسن.
الثاني: أن يكون أضمر المفعول الأول وتقديره: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقونا وإياهم سبقوا.
الثالث: ان يقدر على حذف (أن) كأنه قال: ولا يحسبن الذين كفروا ان سبقوا. قال الزجاج يقوي ذلك، ان في قراءة ابن مسعود " إنهم لا يعجزون " فعلى هذا يكون ان سبقوا سد مسد المفعولين، كما أن قوله " أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا " (1) كذلك. ومن فتح الهمزة جعل الجملة متعلقة بالجملة الأولى والتقدير ولا تحسبنهم سبقوا، لأنهم لا يفوتون فهم يجازون على كفرهم. ومن كسر استأنف الكلام، قال أبو عبيدة: سبقوا معناه فاتوا، فإنهم لا يعجزون اي لا يفوتون، ومثله " أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا " ثم استأنف، فقال: " ساء ما يحكمون (2) فكذلك ها هنا استأنف الكلام. وإنما امتنع الاقتصار على أحد المفعولين في (حسب) لان المفعول الثاني خبر عن الأول، والفعل متعلق بما دلت عليه الجملة فهو بخلاف (أعطيت) في هذا. والحسبان هو الظن. وقال الرماني: هو شك يقوى فيه احدى النقيضين لقوة المعنى في حيز القولين. وأصله الحساب، لان المعنى فيه داخل فيما يحسب به ويعمل عليه. والاحتساب قبول الحساب والاعتداد به وفي المضارع لغتان، فتميم تفتح السين وأهل الحجاز يكسرونها. والسبق تقدم الشئ على طالب اللحوق به: سبق يسبق سبقا وتسابقا تسابقا، وسابقة مسابقة واستبقوا استباقا وسبقه تسبيقا إذا أعطاه السبق. والسابق والمصلي في صفة الفرس. والاعجاز ايجاد ما يعجز عنه: أعجزه إعجازا وعجزه تعجيزا وعاجزه معاجزة واستعجز استعجازا. وقال أبو عبيدة: معنى " لا يعجزون " لا يفوتون. وقال الحسن: معنى لا يعجزون الله لا يفوتونه حتى لا يثقفنهم يوم القيامة. وقال الجبائي: معناه لا يعجزونك حتى يظفرك الله بهم. وقال الزجاج: المعنى لا يحسبن من أفلت من هذه الحرب قد سبق إلى الحياة. وقال الزجاج: يجوز أن تكون (لا) صلة على ضعف فيه. والمعنى لا يحسبن الذين كفروا انهم يعجزون. اي يفوتون.
1- سورة 29 العنكبوت آية 2.
2- سورة 29 العنكبوت آية 4.