الآية 33

قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله على وجه الامتنان عليه واعلامه منزلته عنده انه لا يعذب أحدا من هؤلاء الكفار بهذا العذاب الذي اقترحوه على وجه الفساد للحق " وأنت " يا محمد " فيهم " موجود. والتعذيب تجديد الآلام حالا بعد حال، لان أصله الاستمرار، فالعذب من استمرار الشئ لما فيه من الملاذ. والعذاب من استمراره لما فيه من الآلام واللام في قوله " ليعذبهم " لام الجحد. واصلها لام الإضافة. وإنما دخلت في النفي ولم تدخل في الايجاب لتعلق الخبر بحرف النفي، كما دخلت الباء في خبر (ما) ولم تدخل في الايجاب. وإنما لم يعاقب الله تعالى الخلق مع كون النبي صلى الله عليه وآله فيهم على سلامته مما ينزل بهم، لأنه تعالى أرسله رحمة للعالمين. وذلك يقتضي ألا يعذبهم وهو فيهم. وقوله " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " قيل في معناه أقوال:

أحدها: ان النبي صلى الله عليه وآله لما خرج من مكة بفي فيها بقية من المؤمنين يستغفرون، وهو قول ابن عباس، وعطية، وأبي مالك، والضحاك، واختاره الجبائي.

وقال آخرون: أراد بذلك لا يعذبهم بعذاب الاستئصال في الدنيا، وهم يقولون يا رب غفرانك. ويعذبهم على شركهم في الآخرة، وذلك عن ابن عباس في رواية أخرى، وهو قول أبي موسى، ويزيد بن رومان، ومحمد بن مبشر.

الثالث: أنهم لو استغفروا لم يعذبوا، وفي ذلك استدعاء إلى الاستغفار روي ذلك عن ابن عباس في رواية أخرى، وبه قال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد. وقال الزجاج: معناه لا يعذب الله من يؤول إلى الاسلام. وقال الحسن وعكرمة: هذه الآية منسوخة بالتي بعدها. قال الرماني: هذا غلط، لان الخبر لا ينسخ.