الآية 9

قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة ويعقوب " مردفين " بفتح الدال. والباقون بكسرها. قال أبو علي: من قرأ بكسر الدال احتمل شيئين:

أحدهما: ان يكونوا مردفين مثلهم. كما تقول: أردفت زيدا دابتي فيكون المفعول الثاني محذوفا في الآية وذلك كثير.

الثاني: أن يكون معنى " مردفين " جاءوا بعدهم. قال أبو الحسن: تقول العرب بنو فلان يردفوننا أي هم يجيئون بعدنا. وهو قول أبي عبيدة. وردفني وأردفني واحد. قال الشاعر:

إذا الجوزاء أردفت الثريا * ظننت بآل فاطمة الظنونا (1)

وقال قوم: ردفه صار له ردفا وأردفه جعله له ردفا. ويكون أردفت الثريا الجوزاء. ومعنى البيت ان الجوزاء إذا طلعت في شدة الحر لم يبق حينئذ أحد من البوادي في مناجعهم، لان مياه الغدر ان يبست فتفرق الحلل بعد اجتماعها فتفترق ظنونه في امر فاطمة انها اي ماء تأخذ لتعلق قلبه بها، وهي فاطمة بنت حل بن عدي. وقول أبي عبيدة: ردفني وأردفني واحد أقوى لقوله " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممد كم بألف من الملائكة مردفين " اي جاء من بعد استغاثتكم ربكم ف? " مردفين " على هذه صفة للألف الذين هم الملائكة. ومن قرأ بفتح الدال فمعناه اردفوا الناس أي أنزلوا بعدهم، فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في " ممدكم " مردفين بألف من الملائكة، والعامل في (إذ) يحتمل شيئين:

أحدهما: ويبطل الباطل (إذا)

والثاني: بتقدير اذكروا (إذ) فعلى الوجه الأول يكون متصلا بما قبله وعلى الثاني يكون مستأنفا. والاستغاثة طلب المعونة وهو سد الخلة في وقت شدة الحاجة. وقيل: في معنى " تستغيثون ربكم " تستجيرون به من عدوكم والاستجابة موافقة المسألة بالعطية، وأصله طلب الموافقة بالإرادة وليس في الإجابة معنى الطلب من هذه الجهة. وقيل في معنى " مردفين " ثلاثة أقوال:

قال ابن عباس: مع كل ملك ملك ردفا له.وقال الجبائي: هم ألفان لان مع كل واحد واحد ردفا له.

الثاني: قال السدي وقتادة: إن معناه متتابعين.

والثالث: قال مجاهد ممدين بالارداف وامداد المسلمين بهم. ويقال هذه دابة لا ترادف. ولا يقال تردف، ويقال: أردفت الرجل إذا جئت بعده. وكان يجوز أن يقرأ بتشديد الدال وفتح الراء وضمها - لان الأصل مرتدفين، وقرئ في الشواذ - بضمها - فمن فتح الراء نقل فتحة التاء إليها، ومن كسرها فلاجتماع الساكنين ومن ضمها فللاتباع. أخبر الله تعالى عن حال أهل بدر انهم لقلة عددهم استغاثوا بالله والتجأوا إليه فأمدهم الله بألف من الملائكة مردفين، رحمة لهم ورأفه بهم، وهو قول ابن عباس، وقال: الداعي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قول أبي جعفر عليه السلام والسدي وأبي صالح وهو المروي عن عمر بن الخطاب. وقيل: إنهم قتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين. وقال الحسن: جميع ما أمدوا به من الملائكة خمسة آلاف: ما ذكر هنا، وما ذكر في آل عمران. وقال غيرهم: جميعهم ثمانية آلاف. وقال الحسن: أردف بهؤلاء الألف الثلاثة آلاف الذين ذكرهم في آل عمران ثم أردفهم بألف آخر فصاروا خمسة آلاف.


1- قائله خزيمة بن مالك وهو من قدماء شعراء الجاهلية الأغاني 13 / 75 طبعة دار الثقافة. ومعجم ما استعجم 19، وسمط اللآلي 100 واللسان (قرظ)، (ردف).