الآيات 2-4

قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾

استدل - من قال: إن الايمان يزيد وينقص وان أفعال الجوارح قد تكون إيمانا - بهذه الآيات، فقالوا: نفى الله أن يكون المؤمن إلا من إذا ذكر الله وجل قلبه وإذا تليت عليه آياته أي قرئت زادتهم الآية إيمانا، بمعنى أنهم يزدادون عند تلاوتها ايمانا، وانهم على الله يتوكلون في جميع أمورهم " الذين يقيمون الصلاة " بمعنى يأتون بها على ما بينها النبي صلى الله عليه وآله وينفقون مما رزقهم الله في أبواب البر. وإخراج الواجبات من الزكاة وغيرها. ثم وصفهم بأن هؤلاء الذين وصفهم بهذه الأوصاف هم المؤمنون حقا، يعني الذين أخلصوا الايمان، لاكمن كان له اسمه على الظاهر، وإن لهم الدرجات عند الله وهي المنازل التي يتفاضل بها بعضهم على بعض وإن لهم المغفرة والرزق الكريم فدل على أن من ليس كذلك ليس له ذلك. ومن خالف في ذلك قال: هذه أوصاف أفاضل المؤمنين، وخيارهم، وليس يمتنع أن يتفاضل المؤمنون في الطاعات وان لم يتفاضلوا في الايمان، يبين ذلك أنه قال في أول الآية " إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ووجل القلب ليس بواجب بلا خلاف، وإنما ذلك من المندوبات. وقوله " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون " لأنه إذا صدق بآية آية انها من عند الله، فلا شك ان معارفه تزداد وإن لم يزد بفعل الجوارح. وقوله " الذين يقيمون الصلاة " يدخل في ذلك الفرائض والنوافل، ولا شك أن الاخلال بالنوافل لا يخرج من الايمان ولا ينقص منه عند الأكثر. والانفاق أيضا قد يكون بالواجب والنفل. والاخلال بما ليس بواجب منه لا يخرج من الايمان بلا خلاف. وقوله " أولئك هم المؤمنون حقا " يبين ذلك أنه أشار به: إلى خيارهم وأفاضلهم، لأن هذه أوصافهم فمن أين ان غيرهم وإن كان دونهم في المنزلة لا يكون مؤمنا ؟! وقال ابن عباس: أراد ان المنافق لا يدخل قلبه شئ من ذلك عند ذكر الله. وأن هذه الأوصاف منتفية عنه. والوجل والخوف والفزع واحد، يقال وجل فلان يوجل وجلا، ويقال ياجل وييجل وأفصحها يوجل. قال الله تعالى " لا توجل " أي لا تخف وقال الشاعر:

لعمرك ما أدري وإني لا وجل * على أينا تعدوا المنية أول (1)

وإنما وصفهم بالوجل - ههنا - وباطمئنان القلوب في قوله: " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله " (2) لان الوجل يكون بالخوف من عقابه وبارتكاب معاصيه. والاطمئنان بذكر الله معناه: ينعمه وعدله، ووصفهم بالوجل يكون في دار الدنيا، وأما في الآخرة فإنه " لا يحزنهم الفزع الأكبر " (3) وقال الربيع: معنى زادتهم إيمانا زادتهم حسنة، والدرجات عند الله، قال قوم: معناه أعمال رفيعة وفضائل استحقوها في أيام حياتهم - ذهب إليه مجاهد - وقال غيره: معناه لهم مراتب رفيعة. والرزق الكريم، قال قتادة: هو الجنة. وقال غيره: هو ما أعد الله ووعدهم به في الجنة من أنواع النعيم والمغفرة يعني لذنوبهم ومعاصيهم سترها الله عليهم. وقوله " حقا " منصوب بمعنى دلت عليه الجملة، وهي قوله " أولئك هم المؤمنون " والمعنى أحق ذلك حقا. والتوكل هو الثقة بالله في كل امر يحتاج إليه تقول وكلت الامر إلى فلان، إذا جعلت إليه القيام به، ومنه الوكيل القائم بالامر لغيره. والكريم القادر على النعم من غير مانع، ولم يزل الله كريما بهذا المعنى.


1- قطر الندى 23 الشاهد 6 باب المعرب والمبني.

2- سورة 13 الرعد آية 30.

3- سورة 21 الأنبياء آية 103.