الآية 1
هذه السورة مدنية في قول قتادة وابن عباس ومجاهد وعثمان، وقال: هي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله بالمدنية، وحكي عن ابن عباس: انها مدنية إلا سبع آيات: أولها " وإذ يمكر بك الذين كفروا) إلى آخر سبع آيات بعدها. وهي خمس وسبعون آية في الكوفي، وسبع وسبعون آية في الشامي، وست وسبعون في المدنيين والبصري.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
اختلف المفسرون في معنى الأنفال - ههنا - فقال بعضهم: هي الغنائم التي غنمها النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر، فسألوه لمن هي؟فأمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم: هي لله ولرسوله - ذهب إليه عكرمة ومجاهد والضحاك وابن عباس وقتادة وابن زيد - وقال قوم: هي أنفال السرايا - ذهب إليه علي بن صالح بن يحيى - وقال قوم: وهو ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد أو جارية من غير قتال أو ما أشبه ذلك - عن عطا - وقال: هو للنبي صلى الله عليه وآله خاصة يعمل به ما يشاء. وروي عن ابن عباس - في رواية أخرى - انه ما سقط من المتاع بعد قسمة الغنائم من الفرس والدرع والرمح. وفي رواية أخرى - أنه سلب الرجل وفرسه ينفل النبي صلى الله عليه وآله من شاء. وقال قوم: هو الخمس، روي ذلك مجاهد، قال: قال المهاجرون: لم يرفع منا هذا الخمس ويخرج منا؟فقال الله: هو لله والرسول. وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (أن الأنفال كل ما اخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها). ويسميه الفقهاء فيئا، وميراث من لا وارث له، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب، والآجام وبطون الأودية والموات وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه. وقالا: هو لله وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه ومن يلزمه مؤنته ليس لأحد فيه شئ. وقالا: إن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وآله خاصة، فسألوه أن يعطيهم. وفي قراءة أهل البيت: " يسألونك الأنفال " فأنزل الله تعالى قوله " قل الأنفال لله والرسول " ولذلك " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ولو سألوه عن موضع الاستحقاق لم يقل لهم: اتقوا الله. والأنفال جمع نفل والنفل هو الزيادة على الشئ، يقال: نفلتك كذا إذ ازدته قال لبيد بن ربيعة:
إن تقوى ربنا خير نفل * وباذن الله ريثي والعجل (1)
والنفل هو ما أعطيته المرء على البلاء، والفناء على الجيش على غير قسمة. وكل شئ كان زيادة على الأصل فهو نفل ونافلة، ومنه قيل لولد الولد: نافلة، ولما زاد على فرائض الصلاة نافلة. واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فقال قوم: نزلت في غنائم بدر، لان النبي صلى الله عليه وآله كان نفل أقواما على بلاء فأبلى أقوام وتخلف آخرون مع النبي صلى الله عليه وآله فلما انقضى الحرب اختلفوا، فقال قوم: نحن أخذنا، لأنا قتلنا. وقال آخرون: نحن أحطنا بالنبي صلى الله عليه وآله ولو أردنا لاخذنا. وقال آخرون: نحن كنا وراءكم نحفظكم فأنزل الله هذه الآية يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ماض جائز - ذهب إليه ابن عباس وعكرمة وعبادة بن الصامت -. وقال قوم: نزلت في بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سأل من المغنم شيئا قبل قسمتها فلم يعطه إياها إذ كان شركا بين الجيش، فجعل الله جميع ذلك للنبي صلى الله عليه وآله روي ذلك عن سعد بن مالك، وهو ابن أبي وقاص. قال: وكان سيف سعد بن العاص لما قتله اخوته، وكان يسمى ذا الكثيفة، قال سعد أتيت النبي صلى الله عليه وآله فسألته سيفا فقال: ليس هذا لي ولا لك فوليت عنه. قال: فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله خلفي فقال: إن السيف قد صار لي فأعطانيه، ونزلت الآية. وروي عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال: أصبت سيف ابن عابد، وكان يسمى المرزبان فألقيته في النفل، فقام الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، فسأل رسول الله فأعطاه إياه. وقال آخرون: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سألوه أن يقسم غنيمة بدر عليهم يوم بدر، واعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم ليس لهم فيه شئ. وقالوا معنى " عن " ههنا معنى " من " وكان ابن مسعود يقرأه " يسألونكم الأنفال " على هذا التأويل. وهذا مثل ما رويناه عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وروي ذلك عن الأعمش، والضحاك عن ابن مسعود، وروي ذلك عن ابن عباس وابن جريح وعمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده وعن الضحاك، وعكرمة، واختاره الطبري وهو قول الحسن. وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما سرية خرجت بغير إذن إمامها فما أصابت من شئ، فهو غلول. وقال الزجاج: كانت الغنائم قبل النبي صلى الله عليه وآله حراما، فسألوا النبي عن ذلك، فنزلت الآية، وهذا بعيد. واختلفوا هل هي منسوخة أم لا؟فقال قوم: هي منسوخة بقوله " واعلموا إنما غنمتم من شئ.. " الآية وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة والسدي وعامر الشعبي واختاره الجبائي. وقال آخرون: ليست منسوخة، ذهب إليه ابن زيد واختاره الطبري، وهو الصحيح، لان النسخ محتاج إلى دليل، ولا تنافي بين هذه الآية وبين آية الخمس، فيقال انها نسختها. واختلفوا هل لاحد بعد النبي صلى الله عليه وآله ان ينفل أحدا - ذكرناه في الخلاف - فقال سعيد بن المسيب لا نفل بعد رسول الله. وبه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وعندنا وعند جماعة من الفقهاء واختاره الطبري: أن للأئمة أن يتأسوا بالنبي صلى الله عليه وآله في ذلك. وقوله " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " امر من الله للمكلفين أن يتقوا معاصيه ويفعلوا طاعاته ان يصلحوا ذات بينهم. واختلفوا في معناه، فقال قوم: هو ان النبي صلى الله عليه وآله كان ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله، فلما نزلت الآية أمرهم أن يرد بعضهم على بعض، ذهب إليه قتادة وابن جريج. وقال قوم: هذا نهي من الله للقوم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر. ذهب إليه مجاهد وابن عباس وسفيان والسدي. واختلفوا لم قال " ذات بينكم " فأنث، والبين مذكر؟فقال قوم: أراد " ذات بينكم " للحال التي للبين، كما يقولون ذات العشاء يريدون الساعة التي فيها العشاء، ولم يصفوا مذكرا لمؤنث ولا مؤنثا لمذكر. قال الزجاج: أراد الحال التي يصلح بها أمر المسلمين. وقال الأخفش: جعله " ذات " لان بعض الأشياء يوضع عليه اسم المؤنث وبعضه يذكر مثل الدار والحائط أنث الدار وذكر الحائط. وقوله " وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " امر من الله للخلق ان يطيعوه ولا يعصوه، ويطيعوا رسوله فيما يأمرهم به إن كانوا مصدقين لرسوله فيما يأتيهم به من قبل الله، لأنهم متى لم يطيعوه ولم يقبلوا منه لم يكونوا مؤمنين. وروي: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قسم غنائم بدر بينهم عن تواء، يعني سواء، ولم يخمس وإنما خمس بعد ذلك. وقال الزجاج: " ذات بينكم " معناه حقيقة وصلكم، والبين الوصل، لقوله تعالى " لقد تقطع بينكم " اي وصلكم.
1- تفسير القرطبي 8 / 361 واللسان (نفل) ومجاز القرآن 1 / 240.