الآيات 31-35
قوله تعالى: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾
لما حكى الله تعالى أن الملائكة تتنزل على المؤمنين المستقيمين على طاعة الله التاركين لمعصيته وتبشرهم بالجنة وتؤمنهم من عقاب الله. ذكر أيضا انهم يقولون لهم مع ذلك (نحن أولياؤكم) وهو جمع ولي أي أنصاركم وأحباؤكم في الحياة الدنيا وأولياؤكم أيضا في الآخرة، ففي ذلك البشارة للمؤمنين بمودة الملائكة لهم وفي الآية بشارة لهم بنيل مشتهاهم في الجنة. وتفيد الآية وجوب اعتقاد تودد الملائكة إلى من كان مستقيما على طاعاته. وفيها حجة على شرف الاستقامة بالطاعة على كل ما عداه من أعمال العباد يتولى الملائكة لصاحبه من اجله. وقوله (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم) يعني ما تشتهونه وتتمنونه من المنافع ما تدعي انه لك فهو لك بحكم الله لك بذلك. وقوله (نزلا من غفور رحيم) تقديره أنزلكم ربكم في ما تشتهون من النعمة نزلا. فيكون نصبا على المصدر. ويجوز أن يكون نصبا على الحال، وتقديره: لكم فيها ما تشتهي أنفسكم منزلا كما تقول: جاء زيد مشيا تريد ماشيا. وقال الحسن (نزلا من غفور رحيم) ليس منا. وقيل: معناه إن هذا الموعود به مع جلالته في نفسه له جلالة لمعطيه بعد ان غفر الذنب حتى صار بمنزلة ما لم يكن رحمة منه لعباده فهو أهنأ لك واكمل للسرور به. وقوله " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين " صورته صورة الاستفهام، ونصب " قولا " على التفسير، ومعناه النفي وتقديره وليس أحد أحسن قولا ممن دعا إلى طاعة الله وأضاف إلى ذلك أن يعمل الاعمال الصالحات، ويقول مع ذلك إنني من المسلمين الذين استسلموا لامر الله وانقادوا إلى طاعته. وقيل: المعني بالآية النبي صلى الله عليه وآله لأنه الداعي إلى الله. وروي أنها نزلت في المؤذنين. وفى الآية دلالة على من يقول: أنا مسلم إن شاء الله من أصحاب عبد الله بن مسعود، لأنه لا أحد أحسن قوله منه، فيجب عليه أن يقول: إني مسلم ويقطع في الحكم إذا لم يكن فاسقا. ثم قال " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " أي لا يتماثلان، ودخلت (لا) في " ولا السيئة " تأكيدا. وقيل: دخلت لتحقيق انه لا يساوي ذا ذاك، ولا ذاك ذا، فهو تبعيد المساواة. وقوله " أدفع بالتي هي أحسن " أمر للنبي صلى الله عليه وآله ان يدفع بالتي هي أحسن وقيل: معنى الحسنة - ههنا - المداراة. والسيئة المراد بها الغلظة. فأدب الله تعالى عباده بهذا الأدب. ثم قال " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " معناه دار القوم ولا تغلظ عليهم حتى كأن عدوك الذي يعاديك في الدين بصورة وليك من حسن عشرتك له وبشرك له. ويدعو ذلك أيضا عدوك إلى أن يصير لك كالولي الحميم. وقيل: المراد ان من أساء إليك فأحسن إليه ليعود عدوك وليك. وكأنه حميمك. والحميم القريب الذي يحم لغضب صاحبه. وقوله " وما يلقاها إلا الذين صبروا " معناه ما يعطى هذه الخصلة في رفع السيئة بالحسنة إلا ذو نصيب في الخير عظيم. وقيل: معناه وما يلقاها يعني البشرى بالجنة والأمان من العذاب إلا الذين صبروا على طاعة الله والجهاد في دينه " وما يلقاها " أيضا " إلا ذو حظ عظيم " من الثواب والخير وقد لقي الله تعالى جميع الخلق مثل ما لقي من صبر، غير أن فيهم من لم يتلقه كما يتلقاه من صبروا وقبلوا ما أمرهم الله به.