الآيات 1-5

هي مكية في قول قتادة ومجاهد ليس فيها ناسخ ولا منسوخ وهي اربع وخمسون. آية كوفي وثلاث في المدنيين واثنتان وخمسون في البصري والشامي.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿حم، تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾

خمس آيات في الكوفي وأربع في الباقي عد الكوفيون " حم " ولم يعده الباقون قرأ بعض الكوفيين (حم) رفع ب? (تنزيل) ر (تنزيل) رفع ب? (حم) وقال الفراء: ارتفع (تنزيل) باضمار (ذلك) أو هذا تنزيل. وقال البصريون (تنزيل) رفع بالابتداء، وخبره " كتاب فصلت آياته " و " قرانا " نصب على المصدر أو الحال ذهب إليه قوم. قد بينا اختلاف المفسرين في معنى قوله (حم) فلا وجه لا عادته. وقيل: في وجه الاشتراك في أسماه هذه السور السبع ب? (حم) انه للمشاكلة التي بينهما بما يختص به بما ليس لغيرها، لأنه اسم علم أجري على الصفة الغالبة بما يصح فيه الاشتراك، والتشاكل الذي اختصت به هو ان كل واحدة منها استفتحت بصفة الكتاب مع تقاربها في الطول والقصر ومع شدة تشاكل الكلام في النظام، وحكم الكتاب البيان عن طريق النجاة الذي يصغر كل شئ في حنب الفائدة به من طريق الهلاك الذي لا صبر للنفس عليه، وهو على وجوه: منها تبيين الواجب مما ليس بواجب، وتبيين الأولى في الحكمة مما ليس بأولى، وتبيين الجائز مما ليس بجائز، وتبيين الحق في الدين من الباطل، وتبيين الدليل على الحق مما ليس بدليل، وتبيين ما يرغب فيه مما لا يرغب فيه، وما يحذر منه مما لا يحذر مثله. وغير ذلك من وجوه أحكامه وهي أكثر من أن تحصى. وقوله " تنزل من الرحمن الرحيم " وصف الكتاب بأنه تنزيل لان جبرائيل عليه السلام نزل به على محمد صلى الله عليه وآله وفى ذلك دلالة على حدوثه، لان التنزيل لا يكون إلا محدثا. وقوله " كتاب فصلت آية " أي هذا كتاب، وإنما وصف القرآن بأنه كتاب وإن كان المرجع فيه إلى كلام مسموع، لأنه مما ينبغي أن يكتب ويدون لان الحافظ ربما نسيه أو نسي بعضه، فيتذكر، وغير الحافظ فيتعلم منه. وقوله " فصلت آياته " معناه ميزت دلائله. وإنما وصفه بالتفصيل دون الاجمال، لان التفصيل يأتي على وجوه البيان، لأنه تفصيل جملة عن جملة أو مفرد عن مفرد، ومدار أمر البيان على التفصيل والتمييز في ما يحتاج إليه من أمور الدين إذ العلم علمان: علم دين وعلم دنيا وعلم الدين أجلهما وأشرفهما لشرف النفع به. وقيل: " فصلت آياته " بالأمر والنهي والوعد والوعيد والترغيب والترهيب. ونصب قوله " قرآنا عربيا " على الحال - في قول الزجاج - وتقديره فصلت آياته في حال جمعه. ووصف بأنه قرآن، لأنه جمع بعضه إلى بعض، وبأنه عربي لأنه يخالف جميع اللغات التي هي ليست عربية " لقوم يعلمون " أي لمن يعلم العربية. وقوله " بشيرا " أي مبشرا بالجنة وثوابها " ونذيرا " أي مخوفا من النار وعقابها. وقوله " فاعرض أكثرهم " اخبار منه تعالى عن الكفار أن أكثرهم يعدل عن التفكر فيه وعن سماعه " فهم لا يسمعون " لعدولهم عنه. ويجوز أن يكون مع كونهم سامعين إذا لم يفكروا فيه ولم يقبلوه فكأنهم لم يسمعوه. وقال البلخي: معناه إنهم يفعلون فعل من لا يسمعه، لأنهم مع سماعه يستثقلونه ويعرضون عن الفكر فيه. ثم حكى ما قاله الكفار من قولهم " قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه " قال مجاهد والسدي: معناه في أغطية وإنما قالوا ذلك لييؤسوا النبي صلى الله عليه وآله من قبولهم دينه، فهو على التمثيل، فكأنهم شبهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل إليه شئ مما وراءه، وفيه تحذير من مثل حالهم في كل من دعي إلى امر أن لا يمتنع أن يكون هو الحق، فلا يجوز ان يدفعه بمثل ذلك الدفع " وفي آذاننا وقر " أي ثقل عن استماع هذا القرآن " ومن بيننا وبينك حجاب " قيل الحجاب الخلاف الذي يقتضي أن يكون بمعزل عنك. قال الزجاج: معناه حاجز في النحلة والدين أي لا نوافقك في مذهب " فاعمل اننا عاملون " معناه فاعمل بما يقتضيه دينك، فانا عاملون بما يقتضيه ديننا، وقال الفراء: معناه فاعمل في هلاكنا، فإننا عاملون في هلاكك، تهديدا منهم.