الآيات 51-55

قوله تعالى: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ، أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾

يقول الله تعالى مخبرا عن حال هؤلاء الكفار في الآخرة وما يصيرون إليه فقال " فأصابهم سيئات ما كسبوا " قيل في معناه قولان:

أحدهما: فأصابهم عقاب سيئات ما كسبوا وحذف المضاف واقام المضاف إليه مقامه لدلالة الكلام عليه:

الثاني: انه أراد فأصابهم عقاب ما كسبوا من المعاصي وسماه سيئات لازدواج الكلام، كما قال " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (1). ثم قال " والذين ظلموا من هؤلاء " يعني من كفار قوم النبي صلى الله عليه وآله " سيصيبهم " أيضا " سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين " أي ليس يفوتون الله، ثم قال على وجه التنبيه لهم على معرفته " أولم يعلموا ان الله يبسط الرزق لمن يشاء " أي يوسعه على من يشاء من عباده بحسب ما يعلم من مصلحته " ويقدر " أي ويضيق على من يشاء منهم بمثل ذلك " إن في تلك لآيات " أي دلالات واضحات " لقوم يؤمنون " أي يصدقون بتوحيد الله ويقرون بأنبيائه. وأضاف الآيات إلى المؤمنين لأنهم الذين انتفعوا بها، ثم قال " قل " لهم يا محمد " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم " بارتكاب المعاصي " لا تقنطوا من رحمة الله " أي لا تيأسوا من رحمة الله يقال: قنط يقنط قنوطا إذا يئس " ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم " وفى ذلك دلالة واضحة على أنه يجوز ان يغفر الله بلا توبة تفضلا منه وبشفاعة النبي صلى الله عليه وآله لأنه لم يشرط التوبة بل أطلقها. وروي عن فاطمة عليها السلام أنها قالت: إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي. وروي عن علي عليه السلام وابن عباس: أنهما قالا: إن لارجى آية في كتاب الله قوله (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " (2) فقال عبد الله بن عمرو بن العاص بل أرجى آية في كتاب الله قوله " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم " وهو المروي عن علي أيضا. وقوله " وأنيبوا إلى ربكم " امر مستأنف من الله لخلقه بالرجوع إلى الله والتوبة من معاصيهم. والإنابة هي الرجوع " وأسلموا له " معناه آمنوا به وسلموا لا وأمره " من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون " عند نزول العذاب بكم " واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم " إنما قال " أحسن ما أنزل " لأنه أراد بذلك الواجبات والنفل التي هي الطاعات دون المباحات والمقبحات التي لا يأمر بها. وقال السدي (أحسن) أي ما أمر الله تعالى به في الكتاب، وقال قوم (أحسن ما انزل إليكم من ربكم) يريد به الناسخ دون المنسوخ، وهذا خطأ، لان المنسوخ لا يجوز العمل به بعد النسخ وهو قبيح، ولا يكون الحسن أحسن من قبيح، وقال الحسن أحسنه ان يأخذوا بما أمرهم الله به وأن ينتهوا عما نهاهم عنه " من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة " أي فجأة في وقت لا تتوقعونه " وأنتم لا تشعرون " أي لا تعرفون وقت نزوله بكم.

1- سورة 42 الشورى آية 40.

2- سورة 13 الرعد آية 7.