الآيات 46-50
قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون، فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين ان يدعوه بهذا الدعاء فيقولوا (اللهم فاطر السماوات والأرض) أي خالقهما ومنشئهما ومبتدئهما (عالم الغيب والشهادة) أي عالم ما غاب علمه عن جميع الخلائق وعالم ما شهدوه وعملوه، لا يخفى عليك شئ من الأشياء (أنت تحكم بين عبادك) يوم القيامة (في ما كانوا فيه يختلفون) في دار الدنيا من أمر دينهم ودنياهم وتفصل بينهم بالحق. و (فاطر السماوات) عند سيبويه لا يجوز أن يكون صفة (اللهم) قال لأنه غير الاسم في النداء، ولأنه لا يذكر بهذا الذكر إلا بعد ما عرف كما لا يضمر الاسم إلا بعد ما عرف، فكما لا توصف المضمرات، فكذلك هذا الاسم، وليس يجب مثل ذلك في قولنا: (الله) لأنه قد يذكره العارف لمن لا يعرفه فيعرفه إياه بصفته، فيقول: الله فاطر السماوات والأرض وخالق الخلق ورب العالمين ومالك يوم الدين. وقال أبو العباس: يجوز أن يكون صفة (اللهم) حملا له على (يا الله فاطر السماوات والأرض). ثم اخبر تعالى على وجه المبالغة في وقوع عقاب الكفار وعظمه بأنه لو كان لهم ملك جميع ما في الأرض، ومثله معه، زيادة عليه وأراد الظالم لنفسه بارتكاب المعاصي أن يفتدي نفسه من شدة ذلك العذاب يوم القيامة لما قبل منه، ولما فودي به، وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه. ثم قال (وبدا لهم) يعني الكفار ما لم يكونوا يحتسبونه ولا يظنونه واصلا إليهم، والاحتساب الاعتداد بالشئ من جهة دخوله في ما يحسبه، فلما كان أهل النار لم يكونوا يدرون ما ينزل بهم من العذاب صح ان يقال (بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) ولا قدروا أنهم يصيرون إليه. ثم قال (وبدا لهم) أي ظهر لهم أيضا (سيئات ما كسبوا) أي جزاء سيئات ما كسبوا من اعمالهم (وحاق بهم) أي نزل بهم " ما كانوا به يستهزؤن " في الدنيا من قول الله ووعده ووعيده. ثم اخبر تعالى عن شدة تقلب الانسان وتحوله من حال إلى حال بأنه إذا مسه ضر من مرض ومصيبة وبلاء " دعانا " وفزع الينا " ثم " بعد ذلك " إذا خولناه " أي أعطيناه " نعمة منا " والتخويل العطاء بلا مكافات ولا مجازات بل تفضلا محضا " قال إنما أوتيته على علم " قال الحسن معناه أني أوتيته بحيلتي وعملي وقال غيره: معناه على علم برضاه عني فلذلك أعطاني ما أولاني من النعمة. وقال آخرون: معناه على علم بأن تسببت به للعافية وكشف البلية وانه لم ينلها من قبل ربه. ثم قال ليس الامر على ما يقوله " بل هي فتنة " أي بلية واختبار يبتليه الله به فيظهر كيف شكره في مقابلتها، فيجازيه بحسبها، لأنه وإن كان عالما بحاله لم يجز ان يجازيه على علمه، وإنما يجازيه على فعله " ولكن أكثرهم لا يعلمون " صحة ما قلناه من أن ذلك محنة واختبار لقلة معرفتهم بالله وبصفاته. ثم قال " قد قالها الذين من قبلهم " يعني قد قال كلمة مثل ما قال هؤلاء " فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " من الأموال ويجمعونه بل صارت وبالا عليهم.