الآيات 41-45

قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ، اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ، قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي إلا قتيبة وخلف (فيمسك التي قضي عليها) على ما لم يسم فاعله. الباقون (قضى) بفتح القاف، وهو الأجود لان اسم الله تعالى قد تقدم في قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) وقيل: إن الموت - ههنا - المراد به النوم. والتوفي - ههنا - توفى النفس لا الروح، لان ابن عباس قال في ابن آدم نفس وروح، فإذا نام قبضت نفسه وبقيت روحه. والروح والذي يكون بها الغظيط. والنفس هي التي يكون بها التميز، فإذا مات قبضت نفسه وروحه. فان قيل: كيف قال ههنا (الله يتوفى الأنفس) وقال في موضع آخر (توفته رسلنا) (1) (وقل يتوفاكم ملك الموت) (2). قيل: ان الذي يتولى قبض الأرواح ملك الموت بأمر الله، ومعه رسل وأعوان، فلذلك قال (توفته رسلنا). وحجة من بنى الفعل للفاعل قوله (ويرسل الأخرى) ومن بنى للمفعول به، فلان المعنى يؤول إليه. وقال الفراء تقديره الله يتوفى الأنفس حين موتها ويتوفى التي لم تمت في منامها عند انقضاء اجلها. وقيل: توفها نومها لقوله (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) (3). يقول الله تعالى مخبرا عن نفسه (إنا أنزلنا عليك) يا محمد (الكتاب) يعني القرآن (للناس بالحق). ومعناه أنزلناه على أنه حق، فهذه فائدة الباء. وفي ذلك حجة على من زعم أن الله سبحانه يريد بانزاله إضلال الكافرين عن الايمان، لأنه لو كان كذلك لم يكن منزلا على أنه حق وجب النظر في موجبه ومقتضاه، فما رغب فيه وجب العمل به وما حذر منه وجب اجتنابه، وما صححه وجب تصحيحه وما أفسده وجب افساده، وما دعا إليه فهو الرشد، وما صرف عنه فهو الضلال. ثم قال (فمن اهتدى) يعني بما فيه من الأدلة (فلنفسه) لان منفعة عاقبته من الثواب تعود عليه (ومن ضل) عنه وحاد (فإنما يضل عليها) يعني على نفسه، لان وخيم عاقبته من العقاب تعود عليه. ثم قال (وما أنت) يا محمد (عليهم بوكيل) أي بحفيظ ولا رقيب وإنما عليك البلاغ والوكيل القائم بالتدبير. وقيل (ما أنت عليهم بوكيل) معناه وما أنت عليهم برقيب في ايصال الحق إلى قلوبهم وحفظه عليهم حتى لا يتركوه ولا ينصرفوا عنه، ولا تقدر على إكراههم على الاسلام، وإنما الله تعالى القادر عليه. قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) معناه انه يقبضها إليه إذا أراد إمانتها بأن يقبض روحها بأن يفعل فيها الموت " والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت " فلا يردها إليه " ويرسل الأخرى.. " التي يريد ابقائها إلى أن تستوفي اجلها الذي قدره لها. وقد ذكرنا ما روي عن ابن عباس من أن قبض الروح يكون منه ميتا. وقبض النفس يكون به فاقدا للتمييز والعقل، وإن لم يفقد حياته. والفرق بين قبض النوم والموت ان قبض النوم يضاد اليقظة، وقبض الموت يضاد الحياة وقبض النوم تكون الروح معه في البدن، وقبض الموت يخرج الروح منه عن البدن، وقال سعيد بن جبير والسدي: ان أرواح الاحياء إذا ناموا تجتمع مع أرواح الأموات، فإذا أرادت الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات وأرسل أرواح الاحياء. ثم قال (إن في ذلك) يعني في قبض الأرواح تارة بالموت، وقبض الأنفس بالنوم أخرى (لآيات) أي دلالات واضحات على توحيد الله، فإنه لا يقدر عليه سواه (لقوم يتفكرون) أي يستعملون عقولهم بالفكر في ذلك فيعرفون الله تعالى بذلك. ثم اخبر عن هؤلاء الكفار فقال (أم اتخذوا) معناه بل اتخذ هؤلاء الكفار (من دون الله شفعاء) بزعمهم، من الأصنام والأوثان فقال (قل) لهم يا محمد (أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) تنبيها لهم على أنهم يتخذونهم شفعاء وإن كانوا لا يقدرون على شئ من الشفاعة ولا غيرهما ولا يعقلون شيئا. والألف في (أولو) الف الاستفهام يراد به التنبيه. ثم قال (قل) لهم يا محمد (لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض) أي الشفاعة لمن له التدبير والتصرف في السماوات والأرض ليس لأحد الاعتراض عليه في ذلك (ثم إليه ترجعون) معاشر الخلق أي إلى حيث لا يملك أحد التصرف والأمر والنهي سواه، وهو يوم القيامة فيجازي كل إنسان على عمله على الطاعات بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب. ثم اخبر عن حالهم وشدة عنادهم، فقال (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) يعني نفرت نفوسهم عن التوحيد وانقبضت عنه يقال: فلان مشمئز عن كذا إذا انقبض عنه. وفي قوله: اشمأزت قلوبهم دليل على فساد قول من يقول المعارف ضرورة (وإذا ذكر الذين من دونه) قال السدي: يعني أوثانهم (إذا هم يستبشرون) أي يفرحون ويسرون حتى يظهر السرور في وجوههم.


1- سورة 6 الانعام آية 61.

2- سورة 32 ألم السجدة آية 11.

3- سورة 6 الانعام آية 60.