الآيات 106-110

قوله تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ، إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا عاصما (شقاوتنا) باثبات الألف. الباقون (شقوتنا). وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما ونافع (سخريا) بضم السين. الباقون بكسرها. حكى الله تعالى عن هؤلاء الكفار انهم يعترفون على نفوسهم بالخطأ، ويقولون (ربنا غلبت علينا شقوتنا) والشقوة المضرة اللاحقة في العاقبة. والسعادة المنفعة اللاحقة في العاقبة، وقد يقال لمن حصل في الدنيا على مضرة فادحة: شقي، من حيث أنه يؤدي إلى أمر شديدة، فالمعاصي شقوة، تؤدي إلى العقاب الدائم. ويجوز أن يكون المراد بالشقوة العذاب الذي يفعل الله بهم ويغلب عليهم. وقوله " وكنا قوما ضالين " اعتراف منهم على نفوسهم أنهم ضلوا عن الحق في الدنيا وزمان التكليف، ويسألون الله تعالى فيقولون " ربنا أخرجنا منها " أي من هذه النار " فان عدنا فانا ظالمون " ولا يجوز أن يكونوا لو أخرجوا إلى دار التكليف لما عادوا، لان الشهوة العاجلة والاغترار بالامهال يعود إليهم فلا يكونون ملجئين. وقد قال الله تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون " (1). وقال الحسن: هو آخر كلام يتكلمون به أهل النار، فيقول الله تعالى لهم في جوابهم " اخسئوا فيها " يعني في النار " ولا تكلمون " أي ابعدوا، بعد الكلب. وإذا قيل للكلب اخسأ، فهو زجر بمعنى ابعد بعد غيرك من الكلاب، وإذا خوطب به انسان، فهو إهانة له، ولا يكون ذلك إلا عقوبة، وخسأت فلانا أخسأه خسأ، فهو خاسئ إذا أبعدته بمكروه، ومنه قوله " كونوا قردة خاسئين " (2) وقوله " ولا تكلمون " قيل في معناه قولان:

أحدهما: ان ذلك على وجه الغضب اللازم لهم، فذكر ذلك ليدل على هذا المعنى، لان من لا يكلم إهانة له وغضبا، فقد بلغ به الغاية في الاذلال.

الثاني: ولا تكلمون في رفع العذاب عنكم، فاني لا أرفعه عنكم، ولا افتره وهو على صيغة النهي، وليس بنهي. ثم يقول الله تعالى لهؤلاء الكفار على وجه التهجين لهم والتوبيخ (انه كان فريق من عبادي) يعني المؤمنين في دار الدنيا (يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) أي يدعون بهذه الدعوات، عبادة لله، وطلبا لما عنده من الثواب (فاتخذتموهم) أنتم يا معشر الكفار (سخريا) اي كنتم تستهزؤون بهم وتسخرون منهم. وقيل (السخري) بضم السين من التسخير و (السخري) بكسر السين من الهزء. وقيل: هما لغتان. وقوله (حتى أنسوكم ذكري) معناه لتشاغلكم بالسخرية نسيتم ذكري (وكنتم منهم تضحكون) فلذلك نسب إليهم انهم أنسوهم ذكر الله، لما كان بسببهم، والاشغال باغوائهم نسوا ذكر الله.


1- سورة 6 الانعام آية 28.

2- سورة 2 البقرة آية 65.