الآيات 8-10
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ، قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير ونافع وحمزة (أمن هو قانت) بتخفيف الميم. الباقون بتشديدها، من خفف أراد النداء وتقديره يامن هو قانت. قال ابن خالويه: سمعت ابن الأنباري يقول: ينادي العرب بسبعة ألفاظ: زيد اقبل، وأزيد اقبل ويا زيد اقبل، وها زيد أقبل، وأيا زيد اقبل، وأي زيد اقبل، وهيا زيد اقبل. وانشد:
هيا ظبية الوعشاء بين جلايد * وبين النقاء أنت أم أم سالم
ويجري ذلك مجرى قول القائل: فلان لا يصوم ولا يصلي، فيا من يصوم ويصلي ابشر. وقال أبو علي: النداء - هنا - لا وجه له. والمعنى أمن هو قانت كمن هو بخلاف ذلك ؟! لأنه موضع معادلة، وإنما يقع في مثل هذا الموضع الجمل التي تكون اخبار وليس كذلك النداء. ويدل على الحذف قوله (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) لان التسوية لا تكون إلا بين شيئين وفى جملتين من الخبر. والمعنى أمن هو قانت كمن جعل الله أندادا ليضل عن سبيله، وقال أبو الحسن: القراءة بالتخفيف ضعيفة، لان الاستفهام إنما يبني على ما بعده، ولا يحمل على ما قبله، وهذا الكلام ليس قبله ما يبنى عليه إلا في المعنى ومن شدد احتمل أمرين:
أحدهما: ان يريد أهذا خير أم من هو قانت:
الثاني: أن يكون جعل (أم) بمنزلة (بل) والف الاستفهام، وعلى هذا يكون الخبر محذوفا لدلالة الكلام عليه، كما قال الشاعر:
فأقسم لو شئ أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا (1)
والمعنى له أتانا غيرك ما صدقناه، ولا اهتدينا فحذف. وقال تعالى (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) و " أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب " كل ذلك محذوف الجواب. والقانت الداعي، والقانت الساكت، والقانت المصلي قائما وانشد:
قانتا لله يتلو كتبه * وعلى عمد من الناس اعتزل
وقيل القانت الدائم على الطاعة لله (في قول ابن عباس والسدي -. يقول الله عز وجل مخبرا عن حال الانسان وضعف يقينه وشدة تحوله من حال إلى حال إنه إذا مسه ضر من شدة فقر ومرض وقحط (دعا) عند ذلك (ربه منيبا إليه) أي راجعا إليه راغبا فيه (ثم إذا خوله نعمة منه) فإنه إذا أعطاه نعمة عظيمة، فالتخويل العطية العظمية على جهة الهبة، وهي المنحة قال أبو النجم:
اعطى فلم ينجل ولم يبخل * كوم الذرى من خول المخول (2)
" نسي ما كان يدعو إليه من قبل) يعني ترك دعاء الله، كما كان يدعو في حال ضره، قال الفراء: ويجوز أن تكون (ما) بمعنى (من) كما قال (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (3). " وجعل لله أندادا " أي وسمى له تعالى أمثالا في توجيه عبادته إليها من الأصنام والأوثان " ليضل عن سبيله " فمن ضم الياء أراد ليضل بذلك غيره عن سبيل الحق. ومن فتح الياء أراد ليضل هو عن ذلك، واللام لام العاقبة، لأنهم لم يفعلوا ما فعلوه وغرضهم أن يضلوا عن سبيل الله، لكن عاقبتهم كان إليه. فقال الله تعالى لنبيه (قل) له يا محمد على سبيل التهديد (تمتع بكفرك قليلا) يعني مدة حياتك (إنك من أصحاب النار) في العاقبة، وهم الذين يلزمون عذاب جهنم. ثم قال (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) فآناء الليل ساعات الليل واحدها آن، وإني بالياء (ساجدا وقائما) أي في هاتين الحالتين (يحذر الآخرة) أي يخاف عذاب الآخرة (ويرجو رحمة ربه) كمن خالف ذلك، فإنهما لا يتساويان ابدا، ثم قال (قل) لهم على وجه الانكار عليهم (هل يستوي الذين يعلمون) الحق ويعملون به (والذين لا يعلمون) ولا يعملون به، فإنهما لا يتساويان أبدا (إنما يتذكر) في ذلك (أولوا الألباب) أي ذوو العقول وروى جابر عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير هذه الآية أنه قال: نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (قل) لهم يا محمد (يا عبادي الذين آمنوا) بالله وصدقوا بوحدانيته وأقروا برسله (اتقوا ربكم) أي عقاب ربكم باجتناب معاصيه. ثم قال (للذين أحسنوا) يعني فعلوا الأفعال الحسنة وأحسنوا إلى غيرهم جزاء لهم على ذلك (في هذه الدنيا حسنة) يعني ثناء حسن وذكر جميل ومدح وشكر، وقيل: صحة وسلامة وعافية، ذكره السدي (وارض الله واسعة) فتهاجروا فيها عن دار الشرك - في قول مجاهد - وقيل: أرض الله يعني أرض الجنة واسعة (إنما يوفى الصابرون أجرهم) وثوابهم على طاعتهم وصبرهم على شدائد الدنيا (بغير حساب) أي لكثرته لا يمكن عده وحسابه. وقيل: إن معناه إنهم يعطون من المنافع زيادة على ما يستحقونه على وجه التفضل، فكان ذلك بغير حساب أي بغير مجازاة بل تفضل من الله تعالى.1- مر تخريجه في 5 - 529 و 6 - 253 و 7 - 341.
2- مر في 4 - 224.
3- سورة 4 النساء آية 3.