الآيات 96-100

قوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ، وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ، حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾

امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يدفع السيئة من إساءة الكفار إليه بالتي هي أحسن منها. ومعنى ذلك انهم إذا ذكروا المنكر من القول - الشرك - ذكرت الحجة في مقابلته وذكرت الموعظة التي تصرف عنه إلى ضده من الحق، على وجه التلطف في الدعاء إليه، والحث عليه، كقول القائل: هذا لا يجوز، وهذا خطأ، وعدول عن الحسن. وأحسن منه أن يوصل بذكر الحجة والموعظة كما بينا. وقال الحسن: " بالتي هي أحسن " الاغضاء والصفح. وقيل: هو خطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به الأمة، والمعنى إدفع الافعال السيئة بالافعال الحسنة التي ذكرها. وقوله " نحن اعلم بما يصفون " معناه نحن اعلم منهم بما يستحقون به من الجزاء في الوقت الذي يصلح الاخذ بالعقوبة إذا انقضى الأجل المضروب بالامهال. ثم قال له " قل " يا محمد، وادع فقل يا " رب أعوذ بك من همزات الشياطين " أي نزغاتهم ووساوسهم، فمعنى (أعوذ) اعتصم بالله من شر الشياطين، في كل ما يخاف من شره. والمعاذة هي التي يستدفع بها الشر، والهمزات دفعهم بالاغواء إلى المعاصي، والهمز شدة الدفع. ومنه الهمزة: الحرف الذي يخرج من أقصى الحلق باعتماد شديد. والعياذ طلب الاعتصام من الشر " وأعوذ بك رب أن يخضرون " هؤلاء الشياطين فيوسوسون لي ويغووني عن الحق. وقوله " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون " اخبار من الله تعالى عن أحوال هؤلاء الكفار، وانه إذا حضر أحدهم الموت، وأشرف عليه سأل الله عند ذلك و " قال رب ارجعون " أي ردني إلى دار التكليف " لعلي أعمل صالحا " من الطاعات وأتلافى ما تركته، وإنما قال " رب ارجعون " على لفظ الجمع لاحد أمرين:

أحدهما: انهم استعانوا أولا بالله، ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة بالرجوع إلى الله - في رواية ابن جريج.

الثاني: انه جرى على تعظيم الذكر في خطاب الواحد بلفظ الجمع لعظم القدر كما يقول ذلك المتكلم، قال الله تعالى " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " (1) وقال " ولقد خلقنا الانسان " (2) وما جرى مجراه. وروى النضر بن سمأل قال: سئل الخليل عن قوله " رب ارجعون " ففكر ثم قال: سألتموني عن شئ لا أحسنه ولا أعرف معناه، والله أعلم، لأنه جمع، فاستحسن الناس منه ذلك. فقال الله تعالى في الجواب عن سؤالهم " كلا " وهي كلمة ردع وزجر أي حقا " إنها كلمة " فالكناية عن الكلمة والتقدير: ان الكلمة التي قالوها " كلمة هو قائلها " بلسانه. وليس لها حقيقة، كما قال " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " (3) وقوله " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " فالبرزخ الحاجز - وههنا - هو الحاجز بين الموت والبعث - في قول ابن زيد - وقال مجاهد: هو الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا. وقال الضحاك: هو الحاجز بين الدنيا والآخرة: وقيل البرزخ الامهال. وقيل: كل فصل بين شيئين برزخ. وفى الآية دلالة على أن أحدا لا يموت حتى يعرف اضطرارا منزلته عند الله وانه من أهل الثواب أو العقاب - في قول الجبائي وغيره - وفيها دلالة أيضا على أنهم في حال التكليف يقدرون على الطاعة بخلاف ما تقول المجبرة. ومعنى " ومن ورائهم " أي أمامهم وقد أمهم، وقال الشاعر:

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي * وقومي تميم والفلاة ورائيا

ومعنى " يبعثون " يوم يحشرون للحساب والمجازاة، وأضيف إلى الفعل لان ظرف الزمان يضاف إلى الافعال.


1- سورة 15 الحجر آية 9، 26.

2- سورة 15 الحجر آية 9، 26.

3- سورة 6 الانعام آية 28.