الآيات 91-95

قوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ، رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾

القراءة:

قرأ (عالم الغيب) بالجر ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر وحفص عن عاصم. الباقون بالرفع. من جر رده على قوله (سبحان الله.... عالم الغيب) فجعله صفة لله. ومن رفعه، فعلى تقدير هو (عالم الغيب). يقول الله تعالى مخبرا أنه لم يتخذ ولدا اي لم يجعل ولد غيره ولد نفسه، لاستحالة ذلك عليه، لأنه محال أن يكون له ولد، فلا يجوز التشبيه بما هو مستحيل ممتنع إلا على النفي والتبعيد. واتخاذ الولد: أن يجعل الجاعل ولد غيره يقوم مقام ولده لو كان له. وكذلك التبني إنما هو جعل الجاعل ابن غيره يقوم مقام ابنه الذي يصح أن يكون ولدا له. ولذلك لا يقال: تبنى شاب شيخا، ولا تبنى الانسان بهيمة، لما استحال أن يكون ذلك ولدا له، ولا يجوز أن يقال: اتخذه ولدا، إذا اختصه بضرب من المحبة، لان في ذلك إخراج الشئ عن حقيقته كما أن تسمية ما ليس بطويل عريض عميق جسما إخراج له عن حقيقته. ثم اخبر انه كما لم يتخذ ولدا، لو يكن معه إله. وهذا جواب لمحذوف، وتقديره: لو كان معه إله آخر " إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض " وفيه إلزام لمن يعبد الأصنام. وقوله " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (1) دليل عام في نفي مساو للقديم فيما يقدر عليه من جميع الأجناس والمعاني. ومعنى " إذا لذهب كل إله بما خلق " أي لا نفرد به ولحوله من خلق غيره، لأنه لا يرضى أن يضاف خلقه وانعامه إلى غيره. فان قيل: لم لا يكون كل واحد منهم حكيما، فلا يستعلي على حكيم غيره؟قلنا: لأنه إذا كان جسما وكل جسم محتاج، جاز منه أن يستعلي لحاجته، بل لابد من أن يقع ذلك منه، لأنه ليس له مدبر يلطف له حتى يمتنع من القبيح الذي يحتاج إليه، كما يلطف الله لملائكته وأنبيائه بما في معلومه انهم يصلحون به. ثم نزه نفسه تعالى عن اتخاذ الولد وأن يكون معه إله غيره، فقال " سبحان الله عما يصفون " من الاشراك معه، واتخاذ الولد له. وقوله " عالم الغيب والشهادة " فلذلك يأتي بالحق، وهم يأتون بالجهل. ويحتمل أن يكون معناه إن عالم الغيب والشهادة لا يكون له شريك، لأنه أعلى من كل شئ في صفته. قال الحسن: هو رد لقول المشركين: الملائكة بنات الله. وقال الجبائي: في الآية دلالة على أنه يجوز ان يدعو الانسان بما يعلم أنه يكون لا محالة وأن الله لابد أن يفعله. ثم قال تعالى (فتعالى عما يشركون) أي تعاظم الله عن أن يشرك هؤلاء الكفار معه من الأصنام والأوثان. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (قل رب اما تريني ما يوعدون) ومعناه إن أريتني ما وعد هؤلاء الكفار به من العذاب والاهلاك. فقل يا (رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) أي لا تجعلني في جملة من يشملهم العذاب بظلمهم، وتقديره: إن أنزلت بهم النقمة، فاجعلني خارجا منهم. فقال الله تعالى (وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون) معناه إن ما وعدتهم به من العذاب والاهلاك على كفرهم قادر عليه، لكني لا أفعله وأؤخره إلى يوم القيامة لما في تأخيره من المصلحة.


1- سورة 21 أنبياء آية 22.