الآيات 1-7
مكية بلا خلاف، وهو قول قتادة ومجاهد: وهي مئة وثمان عشرة آية في الكوفي، وتسع عشرة في البصري، والمدنيين، وليس فيها ناسخ ولا منسوخ، إلا ما روي أنهم كانوا يجيزون الالتفات يمينا وشمالا وإلى ما وراء نسخ ذلك بقوله " في صلاتهم خاشعون " فلم يجيزوا أن ينظر المصلي إلا إلى موضع سجوده.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾
يقول الله تعالى (قد أفلح المؤمنون) أي فازوا بثواب الله، الذين صدقوا بالله وأقروا بوحدانيته وصدقوا رسله. وقيل: معناه، قد سعدوا، قال لبيد:
فاعقلي ان كنت لما تعقلي * ولقد أفلح من كان عقل (1)
وقيل معنى (أفلح) بقي أي بقيت أعمالهم الصالحة، ومنه قولهم (حي على الفلاح) أي على بقاء أعمال الخير، ومعنى (قد) تقريب الماضي من الحال، فدل على أن فلاحهم قد حصل بما هم عليه في الحال، وهذا أبلغ في الصفة من تجريد ذكر الفعل. ثم وصف هؤلاء المؤمنين بأوصاف، فقال (الذين هم في صلاتهم خاشعون) أي خاضعون متذللون لله فيها. وقيل: معناه يسعون، مقبلون على الصلاة بالخضوع والتدلل لربهم. وقيل: معناه خائفون. وقال مجاهد: هو غض الطرف وخفض الجناح. وقيل: أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده. وكان النبي صلى الله عليه وآله برفع بصره إلى السماء. فلما نزلت هذه الآية طأطأ رأسه، ونظر إلى مصلاه. والخشوع في الصلاة هو الخضوع بجمع الهمة لها، والاعراض عما سواها، لتدبر ما يجري فيها: من التكبير، والتسبيح، والتحميد لله، وتلاوة القرآن. وهو موقف الخاضع لربه الطالب لمرضاته بطاعاته. ثم زاد في صفاتهم فقال (والذين هم عن اللغو معرضون) واللغو هو القول والفعل الذي لا فائدة فيه يعتد بها، وهو قبيح على هذا الوجه. وقال ابن عباس: اللغو - ههنا - الباطل. وقال السدي: هو الكذب. وقال الكلبي هو الحلف. وحكى النقاش: انهم نهوا عن سباب الكفار إذا سبوهم، وعن محادثتهم. ثم قال (والذين هم للزكاة فاعلون) أي يؤدون ما يجب عليهم في أموالهم من الصدقات، وسميت زكاة، لأنه يزكو بها المال عاجلا وآجلا. ثم قال (والذين هم لفروجهم حافظون) قيل عنى بالفروج - ههنا - فرج الرجل خاصة بدلالة قوله (الاعلى أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم) ثم استثنى من الحافظين لفروجهم من لا يحفظ فرجه عن زوجته، أو ما تملك يمينه من الإماء على ما أباحه الله له، لان التزويج ينبغي أن يكون، على وجه إباحة الله تعالى. و (ملك اليمين) في الآية المراد به الإماء لان الذكور من المماليك لا خلاف في وجوب حفظ الفرج منهم. ومن ملك الايمان، لا يجمع بين الأختين في الوطئ، ولابين الام والبنت. وكل ما لم يجز الجمع بينهم في العقد، فلا يجوز الجمع بينهم في الوطئ بملك اليمين. ولا يخرج من الآية وطؤ المتمتع بها، لأنها زوجة عندنا، وإن خالف حكمها حكم الزوجات في احكام كثيرة، كما أن حكم الزوجات مختلف في نفسه. وذكره تعالى هذه الأوصاف ومدحه عليها يكفي ويغني عن الامر بها، لما فيها من الترغيب كالترغيب في الامر، وأنها مرادة، كما أن المأمور به مراد، وكلها واجب. وإنما قيل للجارية (ملك يمين) ولم يقل في الدار (ملك يمين) لان ملك الجارية أخص من ملك الدار إذ له نقض بنية الدار، وليس له نقض بنية الجارية، وله عارية الدار، وليس له عارية الجارية، حتى توطأ بالعارية، فلذلك خص الملك في الأمة، وإنما قال " إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين " مع تحريم وطئها على وجوه: كتحريم وطئ الزوجة. والأمة في حال الحيض، ووطئ الجارية إذا كان لها زوج، أو كانت في عدة من زوج. وتحريم وطئ المظاهرة قبل الكفارة، لان المراد بذلك على ما يصح ويجوز، مما بينه الله، وبينه رسوله في غير هذا الموضع، وحذف لأنه معلوم، وهي من الأمور العارضة في هذه الوجوه أيضا، فان من وطأ الزوجة أو الأمة في الأحوال التي حرم عليه وطؤها، فإنه لا يلزمه اللوم من حيث كانت زوجة أو ملك يمين وإنما يستحق اللوم من وجه آخر. واللوم والذم واحد، وضدهما الحمد والمدح. ثم قال تعالى " فمن ابتغى وراء ذلك " ومعناه من طلب سوى ذلك يعني الزوجية، وملك اليمين، فهو عاد. والابتغاء والبغية الطلب. والبغاء طلب الزنا، والباغي طالب الاعتداء. و (العادون) هم الذين يتعدون الحلال إلى الحرام. وقوله " وراء " - ههنا - قيل: معناه غير. وقال الفراء معناه " إلا على أزواجهم " إلا من أزواجهم " أو ما ملكت أيمانهم " في موضع خفض.
1- مر هذا البيت في 1 / 59 من هذا الكتاب.