الآيات 61-65

قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ أهل العراق إلا أبا بكر " وإن ما يدعون " بالياء. الباقون بالتاء. معنى ذلك ان " ذلك " الامر " بأن الله يولج الليل في النهار " أي يدخل الليل على النهار، والايلاج الادخال باكراه، ولج يلج ولوجا وأولج إيلاجا وأتلج إتلاجا. وإنما قال يولج الليل في النهار - ههنا - لان ذلك يقتضي أن ذلك صادر من مقتدر لولاه لم يكن كذلك. وقيل: معنى " يولج الليل في النهار " أن يدخل ما انتقص من ساعات الليل في النهار، وما انتقص من ساعات النهار في الليل. ومعنى " وإن الله سميع بصير " - ههنا - أنه يسمع ما يقول عباده في هذا بصير به، لا يخفى عليه شئ منه حتى يجازي به. وقوله " بأن الله هو الحق " وصفه بأنه الحق يحتمل أمرين:

أحدهما: انه ذو الحق في قوله وفعله.

الثاني: انه الواحد في صفات التعظيم التي من اعتقدها، فهو محق، وقوله " وإن ما يدعون من دونه هو الباطل " من قرأ بالتاء خاطب بذلك الكفار. ومن قرأ بالياء أخبر عنهم بأن ما يدعونه من دون الله من الأصنام والأوثان هو الباطل، على الحقيقة " وإن الله هو العلي الكبير " فالعلي القادر الذي كل شئ سواه تحت معنى صفته، بأنه قادر عليه، ولا يجوز وصفه ب? (رفيع) على هذا المعنى، لان صفة علي منقولة إليه، ولم تنقل صفة (رفيع) ووصفه بأنه الكبير، يفيد أن كل شئ سواه يصغر مقداره عن معنى صفته، لأنه القادر الذي لا يعجزه شئ، العالم الذي لا يخفى عليه شئ. وقوله " ألم تر " خطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين يقول الله لهم ألم تعلموا " أن الله أنزل من السماء ماء " يعني غيثا ومطرا " فتصبح الأرض " بذلك " مخضرة " بالنبات " ان الله لطيف خبير " فاللطيف معناه أنه المختص بدقيق التدبير الذي لا يخفى عنه شئ ولا يتعذر عليه، فهو لطيف باستخراج النبات من الأرض بالماء، وابتداع ما يشاء " خبير " بما يحدث عنه وما يصلح له. وقوله " فتصبح الأرض " إنما رفع (فتصبح) لأنه لم يجعله جوابا للاستفهام، لأن الظاهر وإن كان الاستفهام فالمراد به الخبر، كأنه قال: قد رأيت أن الله ينزل من السماء ماء، فتصبح الأرض مخضرة، إلا أنه نبه على ما كان رآه ليتأمل ما فيه قال الشاعر:

ألم تسأل الربع القواء فينطق * وهل يخبرنك اليوم بيدا سملق (1)

لان المعنى قد سألته فنطق. ثم أخبر تعالى أن " له " ملك " ما في السماوات وما في الأرض " لا ملك لاحد فيه. ومعناه إن له التصرف في جميع ذلك لا اعتراض عليه. وأخبر " إن الله هو الغني الحميد " فالغني هو الحي الذي ليس بمحتاج، فهو تعالى المختص بأنه لو بطل كل شئ سواه لم تبطل نفسه القادرة العالمة. الذي لا يجوز عليه الحاجة بوجه من الوجوه، وكل شئ سواه يحتاج إليه، لأنه لولاه لبطل، لأنه لا يخلو من مقدوره أو مقدور مقدوره. و (الحميد) معناه الذي يستحق الحمد على أفعاله، وهو بمعنى انه محمود. ثم قال " ألم تر " يا محمد والمراد جميع المكلفين " ان الله سخر لكم ما في الأرض " من الجماد والحيوان اي قد ذلله لكم، تتصرفون فيه كيف شئتم، وينقاد لكم، على ما تؤثرونه. وان الفلك تجري في البحر بأمر الله اي بفعل الله، لأنها تسير بالريح، وهو تعالى المجري لها و (يمسك السماء أن تقع على الأرض) أي يمنعها من الوقوع على الأرض، ولا يقدر على إمساكها أحد سواه مع عظمها وثقلها " الا باذنه " اي لا تقع السماء على الأرض إلا إذا أذن الله في ذلك بأن يريد ابطالها واعدامها. ومعنى (أن تقع) ألا تقع. وقيل معناه كراهية أن تقع. ثم أخبر انه تعالى (بالناس) لرؤف رحيم) أي متعطف منعم عليهم.


1- تفسير الطبري 17 / 134.