الآيات 23-25

قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ، وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الْحَمِيدِ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾

القراءة:

قرأ نافع وأبو بكر " ولؤلؤا " بالنصب. الباقون بالجر. لما حكى الله تعالى أمر الخصمين اللذين يختصمان، من الكفار، والمؤمنين. ثم بين ما للكفار من عذاب النار، وإصهار ما في بطونهم، والمقامع من الحديد، وغير ذلك، بين ما للمؤمنين، وهم الفريق الآخر في هذه الآية، فقال: " إن الله يدخل الذين آمنوا " بالله وأقروا بوحدانيته، وصدقوا رسله " وعلموا " الاعمال " الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها " أي يلبسون الحلي " من أساور من ذهب " والأساور جمع أسوار، وفيه ثلاث لغات أسوار - بالألف - وسوار وسورا. فمن جعله أسوار، جمعه على أساورة. ومن جعله سورا، وسورا، جمعه أسورة. وفى قراءة عبد الله " أساوير " واحدها إسوار أيضا، وسوار وأساور، مثل كراع وأكارع، وجمع الأسورة سورا " ولؤلؤا " فمن جره عطفه على " من ذهب " وتقديره: يحلون أساور من ذهب ولؤلئ، ومن نصبه عطفه على الموضع، لان (من) وما بعدها في موضع نصب، فعطف " ولؤلؤا " على الموضع، وتقديره: ويحلون لؤلؤا. وقد روي عن عاصم همز الأولى وتليين الثانية. وروي ضده، وهو تليين الأولى وهمز الثانية. الباقون يهمزونهما. وكل ذلك جائز في العربية. واللؤلؤ الكبار، والمرجان الصغار. ويجوز أن يكون اللؤلؤ مرصعا في الذهب، فلذلك قال: يحلون لؤلؤا وقوى القراءة بالنصب أنه في المصاحف مكتوبا بالألف، قال أبو عمرو: كتب كذلك، كما كتبوا كفروا بالألف. ثم اخبر ان لباسهم في الجنة حرير، فحرم الله على الرجال لبس الحرير في الدنيا وشوقهم إليه في الآخرة. ثم قال " وهدوا " يعني أهل الجنة إلى الصواب من القول. قال الجبائي: هدوا إلى البشارات من عند الله بالنعيم الدائم. وقيل: معناه إلى القرآن. وقيل: إلى الايمان. وقال الكلبي إلى قول لا إله إلا الله. وقال قوم: هو القول الذي لا فحش فيه، ولا صخب " وهدوا إلى صراط الحميد " قيل: إلى الاسلام وقيل: إلى الجنة. فالحميد هو الله المستحق الحمد. وقيل: المستحمد إلى عباده بنعمه - في قول الحسن - أي الطالب منهم أن يحمدوه. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ما أحد أحب إليه الحمد من الله - عز وجل -. ثم قال تعالى (إن الذين كفروا) بوحدانيته واختصاصه بالعبادة. (ويصدون) أي ويمنعون غيرهم (عن) اتباع (سبيل الله) بالقهر والاغواء (والمسجد الحرام) أي ويمنعونهم عن المسجد الحرام أن يجيئوا إليه حجاجا وعمارا (الذي) جعله الله تعالى (للناس) كافة قبلة لصلاتهم ومنسكا لحجهم، والمراد بالمسجد الحرام المسجد بقبة. وقيل الحرام كله " سواء العاكف فيه والباد " قال ابن عباس وقتادة: العاكف المقيم فيه، والباد الطارئ. ونصب (سواء) حفص عن عاصم على أنه مفعول ثان من قوله (جعلناه للناس سواء) أي مساويا، كما قال (انا جعلناه قرآنا عربيا). (1) ويرتفع (العاكف) في هذه القراءة بفعله أي يستوي العاكف والبادي. ومن رفع (سواء) جعله ابتداءا وخبرا، كما تقول: مررت برجل سواء عنده الخير والشر، وتقديره العاكف والبادي سواء فيه بالنزول فيه. وقال مجاهد: معناه إنهم سواء في حرمته وحق الله عليهما فيه. واستدل بذلك قوم على أن أجرة المنازل في أيام الموسم محرمة، وقال غيرهم: هذا ليس بصحيح، لان المراد به سواء العاكف فيه والباد، في ما يلزمه من فرائض الله تعالى فيه، فليس لهم أن يمنعوه من الدور، والمنازل، فهي لملاكها. وهو قول الحسن. وإنما عطف بالمستقبل على الماضي من قوله (كفروا، ويصدون) لان المعنى ومن شأنهم الصد، ونظيره (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) (2) ويجوز في (سواء) الرفع والنصب والجر، فالنصب على أن يكون المفعول الثاني ل? (جعلناه) على ما بيناه، والرفع على تقدير: هم سواء فيه. والجر على البدل من قوله (للناس سواء). وقوله (ومن يرد فيه بالحاد بظلم) معناه من أرادته فيه بالحاد كما قال الشاعر:

أريد لانسى ذكرها فكأنما * تمثل لي ليلى بكل سبيل (3)

ذكره الزجاج. والباء في قوله (بالحاد) مؤكدة. والباء في قوله (بظلم) للتعدية، ومثله قول الشاعر:

بواد يمان ينبت الشث صدره * وأسفله بالمرخ والشبهان (4)

والمعنى ينبت المرخ. ومثله قوله (تنبت بالدهن) (5). أي تنبت الدهن. وقال الأعشى:

ضمنت برزق عيالنا أرماحنا * نيل المراجل والصريح الاجردا (6)

وقال امرؤ القيس:

ألا هل أتاها والحوادث جمة * بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا (7)

وقال الآخر:

فلما جزت بالشرب هزلها العصا * شجيح له عند الازاء نهيم (8)

وقال الآخر:

ألم يأتيك والأبناء تنمى * بما لاقت لبون بني زياد (9)

ويجوز أن يكون المعنى، ومن يرد فيه منعا (بالحاد) أي يميل بظلم، فتكون حينئذ معدية للإرادة، وذلك أنه يمكن أن يريد منعا لا بالحاد، كما يمكن أن يميل لا بظلم، وكما يمكن أن يمر لا بشئ. وقال ابن عباس: المعنى فيه من يرد استحلال ما حرم الله. و (الالحاد) هو الميل عن الحق. وقوله " نذقه من عذاب اليم " يعني مؤلم. وحكى الفراء: انه قرئ " ومن يرد " بفتح الياء - من الورود، ومعناه من ورده ظلما على غير ما أمر الله به، إلا أنه شاذ. وقال مجاهد: معناه من ظلم فيه وعمل شينا واشرك بالله غيره. وقال ابن مسعود: من استحل ما حرمه الله. وقال ابن عباس: هو استحلال الحرم متعمدا. وقال حسان بن ثابت: هو احتكار الطعام بمكة. وقيل نزلت في أبي سفيان وأصحابه، حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن عمرة الحديبية.


1- سورة 13 الرعد آية 30.

2- مر هذا البيت في 3 / 174 و 4 / 184.

3- تفسير القرطبي 12 / 36 والطبري 17 / 94 واللسان (شثث) وروايته (فرعه) بدل (صدره).

4- سورة 23 المؤمنون آية 20.

5- ديوانه 57 وروايته: ضمنت لنا اعجاز هن قدورنا * وضروعهن لنا الصريح الأجردا.

6- شرح ديوانه (للسندوبى) 86.

7- تفسير الطبري 17 / 95.

8- مر تخريجه في 6 / 190.

9- انظر 6 / 158.