الآية 5
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾
القراءة:
قرأ أبو جعفر " وربأت ". الباقون (ربت). خاطب الله تعالى بهذه الآية جميع المكلفين من البشر. فقال لهم " ان كنتم في ريب من البعث " والنشور. والريب أقبح الشك " فانا خلقناكم من تراب " قال الحسن: المعنى خلقنا آدم من تراب الذي هو أصلكم وأنتم نسله. وقال قوم: أراد به جميع الخلق، لأنه إذا أراد خلقهم من نطفة، والنطفة يجعلها الله من الغذاء، والغذاء ينبت من التراب والماء، فكان أصلهم كلهم التراب، ثم أحالهم بالتدريج: إلى النطفة، ثم أحال النطفة علقه، وهي القطعة من الدم جامدة. ثم أحال العلقة مضغة، وهي شبه قطعة من اللحم مضوغة. والمضغة مقدار ما يمضغ من اللحم. وقوله " مخلقة وغير مخلقة " قال قتادة: تامة الخلق، وغير تامة. وقيل: مصورة وغير مصورة. وهي السقط - في قول مجاهد -. وقوله " لنبين لكم " معناه لندلكم على مقدورنا، بتصريفه في ضروب الخلق وقوله " ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى " مستأنف، فلذلك رفع. وقال مجاهد: معناه نقره إلى وقت تمامه. وقوله " ثم نخرجكم طفلا يعني نخرجكم " من بطون أمهاتكم، وأنتم أطفال. والطفل الصغير من الناس، ونصب طفلا على المصدر، وهو في موضع جمع. وقيل: هو نصب على التمييز، وهو جائز، وتقديره نخرجكم أطفالا، وقيل الطفل إلى قبل مقاربة البلوغ. وقوله " ثم لتبلغوا أشدكم " يعني وقت كمال عقولكم وتمام خلقكم. وقيل: وقت الاحتلام والبلوغ، وهو جمع (شد). والأشد في غير هذا الموضع قد بينا اختلاف المفسرين فيه (1). وقوله " ومنكم من يتوفى " يعني قبل بلوغ الأشد. وقيل: قبل أن يبلغ أرذل العمر " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " وقيل معناه أهونه وأخسه عند أهله. وقيل: أحقره. وقيل هي حال الخرف. وإنما قيل: أرذل العمر، لان الانسان لا يرجو بعده صحة وقوة، وإنما يترقب الموت والفناء، بخلاف حال الطفولية، والضعف الذي يرجو معها الكمال والتمام والقوة، فلذلك كان أرذل العمر. وقوله " لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " معناه إنا رددناه إلى أرذل العمر لكي لا يعلم، لأنه يزول عقله من بعد أن كان عاقلا عالما بكثرة من الأشياء، ينسا جميع ذلك. وقوله " وترى الأرض هامدة " اي دارسة داثرة يابسة، يقال: همد يهمد همودا إذا درسته ودثرته. قال الأعشى:
قالت فتيلة ما لجسمك شاحبا * وأرى ثيابك باليات همدا (2)
وقوله تعالى " فإذا أنزلنا عليها الماء " يعني الغيث والمطر " اهتزت وربت " فالاهتزاز شدة الحركة في الجهات. والربو الزيارة فيها اي تزيد بما يخرج منها من النبات، وتهتز بما يذهب في الجهات " وأنبتت " يعني الأرض " من كل زوج بهيج " فالبهيج الحسن الصورة، الذي يمتع في الرؤية. وقال الزجاج: (ربت) و (ربأت) لغتان. وقال الفراء: ان ذهب أبو جعفر في قراءته (ربأت) إلى أنه من الربئة التي تجربين الناس، فهو مذهب. وإلا فهو غلط، ويغلط العرب كقولهم: حلات السويق، ولبأت بالحج، ورثأت الميت. وقد قرأ الحسن البصري في يونس " ولا أدرأكم به " وهو مما يرخص في القراءة.
1- ديوانه 54 وروايته (سايئا) بدل (شاحبا).
2- سورة 16 النحل آية 125.