الآيات 66-70
قوله تعالى: ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾
يقول الله تعالى لما قال كفار قوم إبراهيم (ع) (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فقال لهم إبراهيم منبها لهم على خطئهم وضلالهم (أفتعبدون من دون الله أي توجهون عبادتكم إلى الأصنام التي لا تنفعكم شيئا ولا تدفع عنكم ضرا، لأنها لو قدرت على نفعكم وضركم. لدفعت عن نفسها، حتى لم تكسر، ولأجابت حين سئلت (من دون الله) الذي يقدر على ضركم ونفعكم من ثوابكم وعقابكم، وإنه يفعل معكم ما لا يقدر عليه سواه. وليس كل من قدر على الضر والنفع يستحق العبادة، وإنما يستحقها من قدر على أصول النعم التي هي خلق الحياة، والشهوة، والقدرة، وكمال العقل، ويقدر على الثواب والعقاب أو لمنافع تقع على وجه لا يقدر على ايقاعها على ذلك الوجه سواه. قال الرماني: لأنه تعالى لو فعل حركة فيها لطف في إيمان زيد كزلزلة الأرض في بعض الأحوال. ثم إن عندها ايمانا يتخلص به من العقاب. ويستحق الثواب الذي ضمنه بالايمان، لا يستحق - بفعل الحركة على هذا الوجه - العبادة. ثم قال مهجنا لأفعالهم مستقذرا لها (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) فمعنى (أف) الضجر بما كان من الامر وهي كلمة، مبنية، لأنها وضعت وضع الصوت الخارج عن دلالة الإشارة والإفادة، فصارت كدلالة الحرف، لأنه يفهم المعنى بالحال المقارنة لها، وبنيت على الحركة لالتقاء الساكنين إذ لا أصل لها في التمكن مستعمل، فتستحق به البناء على الحركة. وكسرت على أصل الحركة لالتقاء الساكنين. وقال الزجاج: معنى (أف لكم) نتنا لأفعالكم، ويجوز - ضم الفاء - للاتباع لضمة الهمزة ويجوز - الفتح - لثقل التضعيف. ويجوز التنوين - على التنكير. وقوله " أفلا تعقلون " معناه أفلا تتفكرون بعقولكم في أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة، ولا تقدر على الضر والنفع، فلما سمعوا منه هذا القول قال بعضهم لبعض " حرقوه " يعني بالنار " وانصروا آلهتكم " أي عظموها وادفعوا عنها وعن عبادتها " إن كنتم فاعلين " معناه إن كنتم ناصريها، ولم تريد واترك عبادتها. والتحريق هو التقطيع بالنار، يقال: حرقه تحريقا وأحرقه إحراقا، وثوب حرق أي متقطع كالتقطع بالنار. واحترق الشئ احتراقا، وتحرق على الامر تحرقا. وقال ابن عمر: الذي أشار بتحريق إبراهيم رجل من أكراد فارس. وفي الكلام حذف لان تقديره أوثقوا إبراهيم وطرحوه في النار، فقال الله تعالى عند ذلك للنار " كوني بردا وسلاما على إبراهيم " وقيل في وجه كون النار بردا وسلاما قولان:
أحدهما: انه تعالى أحدث فيها بردا بدلا من شدة الحرارة التي فيها، فلم تؤذه.
الثاني: انه تعالى حال بينها وبين جسمه، فلم تصل إليه، ولو لم يقل سلاما لأهلكه بردها، ولم يكن هناك أمر على الحقيقة. والمعنى أنه فعل ذلك، كما قال " كونوا قردة خاسئين " (1) أي صيرهم كذلك من غير أن أمرهم بذلك. وقال قتادة: ما أحرقت النار منه إلا وثاقه. وقال قوم: ان إبراهيم لما أوثقوه ليلقوه في النار قال (لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين. لك الحمد ولك الملك لا شريك لك). ثم اخبر تعالى ان الكفار أرادوا بإبراهيم كيدا وبلاء، فجعلهم الله " الأخسرين " يعني بتأييد إبراهيم وتوفيقه، ومنع النار من إحراقه حتى خسروا وتبين كفرهم وضلالهم.
1- سورة 3 آل عمران آية 96.