الآيات 36-40
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ، خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ، وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ، بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله إنه " إذا رآك الذين كفروا " وجحدوا وحدانية الله، ولم يقروا بنبوتك " إن يتخذونك " اي ليس يتخذونك " إلا هزوا " يعني سخرية، جهلا منهم وسخفا وفي ذلك تسلية لكل محق يلحقه أذى من جاهل مبطل. والهزؤ إظهار خلاف الابطان، لايهام، النقص عن فهم القصد. يقال: هزئ منه يهزؤ هزؤا، فهو هازئ، ومثله السخرية " أهذا الذي يذكر آلهتكم " حكاية، أي يقولون ذلك، ومعناه إنهم يعيبون من جحد إلهية من لا نعمة له، وهم يجحدون إلهية من كل نعمة، فهي منه، وهذا نهاية الجهل. والمعنى أهذا الذي يعيب آلهتكم، تقول العرب، فلان يذكر فلانا أي يعيبه، قال عنترة:
لا تذكري مهري وما أطعمته * فيكون جلدك مثل جلد الاجراب (1)
وقوله " وهم بذكر الرحمن " معناه وهم بذكر توحيد الرحمن " هم كافرون ". وقوله " خلق الانسان من عجل " قال قتادة: معناه خلق الانسان عجولا. والمراد به جنس الانسان. وقال السدي: المعني به آدم (ع). وقال مجاهد: خلق الانسان على تعجيل، قبل غروب الشمس يوم الجمعة. وقال أبو عبيدة: معناه خلقت العجلة من الانسان، على القلب. وهو ضعيف، لأنه لاوجه لحمله على القلب. وقال قوم: معناه على حب العجلة، لأنه لم يخلقه من نطفة ومن علقة بل خلقه دفعة واحدة. والذي قاله قتادة، أقوى الوجوه. وقيل خلق الانسان من عجل مبالغة، كأنه قيل هو عجلة، كما يقال: إنما هو إقبال وادبار. وقال المبرد: خلق على صفة من شأنه ان يعجل في الأمور. وقال الحسن: معناه خلق الانسان من ضعف، وهو النطفة. وقال قوم: العجل هو الطين الذي خلق آدم منه، قال الشاعر:
والنبع ينبت بين الصخر ضاحيه * والنخل ينبت بين الماء والعجل (2)
يعني الطين. والاستعجال طلب الشئ قبل وقته الذي حقه أن يكون فيه دون غيره. والعجول الكثير الطلب للشئ قبل وقته. والعجلة تقديم الشئ قبل وقته، وهو مذموم. والسرعة تقديم الشئ في أقرب أوقاته، وهو محمود. وقوله " سأوريكم آياتي فلا تستعجلون " أي سأظهر بيناتي وعلاماتي، فلا تطلبوه قبل وقته. ثم أخبر تعالى عن الكفار أنهم " يقولون متى هذا الوعد " يريدون ما توعد الله به من الجزاء والعقاب على المعاصي بالنيران وأنواع العذاب " إن كنتم صادقين " يعني يقولون " إن كنتم صادقين " ومحقين فيما تقولون متى يكون ما وعدتموه، فقال الله تعالى " لو يعلم الذين كفروا " الوقت الذي " لا يكفون فيه " أي لا يمنعون فيه " عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم " يعني إن النار تحيط بهم من جميع وجوههم " ولا هم ينصرون " أي لا يدفع عنهم العذاب بوجه من الوجوه. وجواب (لو) محذوف، وتقديره: لعلموا صدق ما وعدوا به من الساعة. ثم قال " بل تأتيهم " يعني الساعة، والقيامة " بغتة " أي فجأة " فتبهتهم " أي تحيرهم والمبهوت المتحير " فلا يستطيعون ردها " ومعناه: لا يقدرون على دفعها " ولا هم ينظرون " أي لا يؤخرون إلى وقت آخر. وقال البلخي: ويجوز أن تكون العجلة من فعل الله وهو ما طبع الله على الخلق من طلب سرعة الأشياء. وهو كما خلقهم يشتهون أشياء ويميلمون إليها، ويحسن أمرهم بالتأني عنها، والتوقف عند ذلك، فلأجل ذلك قال " فلا تستعجلون " كما حسن نهيهم عن ارتكاب الزنا الذي تدعوهم إليه الشهوة.
1- سورة 35 فاطر آية 22.
2- سورة 35 فاطر 43.