الآيات 81-85

قوله تعالى: ﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾

القراءة:

قرأ الكسائي وحده " فيحل عليكم " بضم الحاء وكذلك " من يحلل " بضم اللام. الباقون - بكسرها - ولم يختلفوا في الكسر من قوله " ان يحل عليكم غضب من ربكم " (1) يقال حل بالمكان يحل إذا نزل به، وحل يحل - بالكسر - بمعنى وجب. قوله " كلوا من طيبات ما رزقناكم " صورته صورة الامر والمراد به الإباحة، لان الله تعالى لا يريد المباحات من الأكل والشرب في دار التكليف. والطيبات معناه الحلال. وقيل معناه المستلذات. وقوله " ولا تطغوا فيه " معناه لا تتعدوا فيه فتأكلوه على وجه حرمه الله عليكم، فتتعدون فيه بمعصية الله، ويمكن ترك الأكل على وجه حرمه الله إلى وجه أباحه الله على الوجه الذي أذن فيه، وعلى وجه الطاعة أيضا، للاستعانة به على غيره من طاعة الله. وقوله " فيحل عليكم غضبي " معناه متى طغيتم فيه واكلتموه على وجه الحرام، نزل عليكم غضبي، على قراءة من ضم الحاء، ومن كسره: معناه يجب عليكم غضبي الذي هو عقاب الله. ثم اخبر تعالى أن من حل غضب الله عليه " فقد هوى " يعني هلك، لان من هوى من علو إلى سفل، فقد هلك. وقيل: هو بمعنى تردى وقيل: معناه هوى إلى النار. ثم أخبر تعالى عن نفسه أنه " غفار " أي ستار " لمن تاب من المعاصي " فاسقط عقابه وستر معاصيه إذا أضاف إلى إيمانه الاعمال الصالحات " ثم اهتدى " قال قتادة: معناه ثم لزم الايمان إلى أن يموت، كأنه قال: ثم استمر على الاستقامة. وإنما قال ذلك، لئلا يتكل الانسان على أنه قد كان أخلص الطاعة. وفى تفسير أهل البيت (ع) ان معناه " ثم اهتدى " إلى ولاية أوليائه الذين أوجب الله طاعتهم والانقياد لامرهم. وقال ثابت البنائي: ثم اهتدى إلى ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله. ثم خاطب موسى (ع)، فقال " وما أعجلك عن قومك يا موسى " قال ابن إسحاق: كانت المواعدة أن يوافي هو وقومه، فسبق موسى إلى ميقات ربه، فقرره الله على ذلك لم فعله؟وقال موسى في جوابه " هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى " فقال الله " فانا قد فتنا قومك من بعدك " أي عاملناهم معاملة المختبر بان شددنا عليهم في التعبد بأن ألزمناهم عند اخراج العجل أن يستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون إلها، ولا أن يحل الاله فيه، فحقيقة الفتنة تشديد العبادة. وقوله " وأضلهم السامري " معناه أنه دعاهم إلى عبادة العجل، فضلوا عند ذلك، فنسب الله الاضلال إليه لما ضلوا بدعائه.


1- ما بين القوسين ساقط من المطبوعة.