الآيات 71-75

قوله تعالى: ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى، قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى، وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وحفص وورش " آمنتم " على لفظ الخبر. وقرأ أهل الكوفة إلا حفصا بهمزتين. الباقون بهمزة واحدة بعدها مدة. قال أبو علي: من قرأ على الخبر، فوجهه أنه قرعهم على تقدمهم بين يديه، وعلى استدبارهم بما كان منهم من الايمان بغير اذنه وأمره، والاستفهام يؤول إلى هذا المعنى. ووجه قراءة أبي عمرو انه أتى بهمزة الاستفهام وهمزة الوصل، وقلب الثانية مدة، كراهية اجتماع الهمزتين. وقد مضى شرح ذلك فيما مضى. حكى الله تعالى ما قال فرعون للسحرة حين آمنوا بموسى وهارون " آمنتم له " أي صدقتموه واتبعتموه " قبل ان آذن لكم " وقال في موضع آخر " آمنتم به " (1) وقيل في الفرق بينهما " ان آمنتم له " يفيد الاتباع، وليس كذلك " آمنتم به " لأنه قد يوقن بالخير من غير اتباع له فيما دعا إليه إلا أنه إذا قبل قول الداعي إلى أمر أخذ به. ومن قرأ " آمنتم على الخبر " كأن فرعون أخبر بذلك. ومن قرأ على لفظ الاستفهام كأنه استفهم عن ايمانهم على وجه التقريع لهم. والفرق بين الاذن والامر، أن في الامر دلالة على إرادة الفعل المأمور به، وليس في الاذن دلالة على إرادة المأذون فيه، كقوله " وإذا حللتم فاصطادوا " (2) فهذا إذن. ثم قال فرعون " انه " يعني موسى " لكبيركم " اي رئيسكم ومتقدمكم " الذي علمكم السحر " ثم هددهم فقال " لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " يعني قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو اليد اليسرى والرجل اليمنى. وقيل أول من فعل ذلك فرعون، وأول من صلب في جذوع النخل هو، و (في) بمعنى (على) قال الشاعر:

وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة * فلا عطست شيبان إلا بأجدعا (3)

وقوله " ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى " قال ابن إسحاق ومحمد بن كعب القرطي معناه: أبقى عقابا ان عصي وثوابا ان أطيع، ورفع " أينا " لأنه وقع موقع الاستفهام، ولم يعمل فيه ما قبله من العلم. وقيل إنما نسبهم إلى اتباع رئيسهم في السحر ليصرف بذلك الناس عن اتباع موسى (ع) فأجابته السحرة فقالوا " لن نؤثرك " أي لا نختارك يا فرعون " على ما جاءنا من البينات " يعني الأدلة الدالة على صدق موسى وصحة نبوته. وقوله " والذي فطرنا " يعني وعلى الذي خلقنا فيكون عطفا على " ما جاءنا من البينات " فيكون جرا، ويحتمل أن يكون جرا بأنه قسم. وقوله " فاقض ما أنت قاض " معناه فاصنع ما أنت صانع على تمام من قولهم: قضى فلان حاجتي إذا صنع ما أريد على اتمام، قال أبو ذؤيب:

وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع (4)

وقوله " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " يعنى إنما تصنع بسلطانك وعذابك في هذه الحياة الدنيا دون الآخرة. وقيل: معناه ان الذي يفنى وينقضي هذه الحياة الدنيا دون حياة الآخرة. وقوله " انا آمنا بربنا " اي صدقنا به، نطلب بذلك أن يغفر لنا خطايانا ويغفر لنا ما أكرهتنا عليه من السحر. قال ابن زيد وابن عباس: إن فرعون رفع غلمانا إلى السحرة يعلمونهم السحر بالغرائم قالوا " والله خير " لنا منكم " وأبقى " لنا ثوابا من ثوابك. ثم حكى قول السحرة انهم قالوا " انه من يأت ربه مجرما " وقيل إنه خبر من الله تعالى بذلك دون الحكاية عن السحرة " فان له جهنم " جزاء على جرمه وعصيانه " لا يموت فيها " يعني جهنم " ولا يحيى " اي لا يموت فيها فيستريح من العذاب، ولا يحيى حياة فيها راحة، بل هو معاقب بأنواع العقاب. ثم اخبر تعالى فقال " ومن يأته مؤمنا " أي مصدقا بتوحيده وصدق أنبيائه و " قد عمل " الطاعات التي أمره بها (فأولئك لهم الدرجات العلى) أي العالية والعلى جمع عليا مثل ظلمة وظلم والكبرى والكبر.


1- تفسير الشوكاني 3 / 363 والقرطبي 11 / 224 والطبري 16 / 126.

2- مر هذا البيت في 1 / 429 و 4 / 88 و 165 و 5 / 398.

3- سورة 3 آية آل عمران آية 111.

4- مر هذا البيت 6 / 190 وهو في تفسير القرطبي 11 / 224 وتفسير الشوكاني 3 / 433.