الآية 145

قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾

المعنى والاعراب واللغة:

قيل في السبب الذي اقتضى قوله: " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " قولان:

أحدهما: التسلية عما يلحق النفس بموت النبي صلى الله عليه وآله من جهة أنه بإذن الله عز وجل.

الثاني: للحض على الجهاد من حيث لا يموت أحد إلا بإذن الله تعالى. وقوله: " إلا بإذن الله " يحتمل أمرين ":

أحدهما: إلا بعلمه.

والثاني: إلا بأمره. وقال أبو علي: الآية تدل على أنه لا يقدر على الموت غير الله، كما لا يقدر على ضده من الحياة إلا الله، ولو كان من مقدور غيره لم يكن باذنه، لأنه عاص لله في فعله. وقوله: " كتابا مؤجلا " نصب على المصدر بفعل محذوف دل عليه أول الكلام مع العلم بأن كلما يكون فقد كتبه الله، فتقديره كتب الله ذلك " كتابا مؤجلا ". ويجوز أن يدل على الفعل المحذوف مصدره المنتصب به. وقوله: " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها " قيل في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها: من عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له فيها من غير حظ في الآخرة - في قول ابن إسحاق - أي فلا يغتر بحاله في الدنيا.

الثاني: (1) من أراد بجهاده ثواب الدنيا أي النصيب من الغنيمة في قول أبي علي الجبائي.

الثالث: من يرد ثواب الدنيا بالتعرض له بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا من غير حظ في الآخرة لاحباط عمله بفسقه على مذهب من يقول بالاحباط، ومن يرد بعمله ثواب الآخرة نؤته إياها. و (من) في قوله: " منها " تكون زائدة. ويحتمل أن تكون للتبعيض، لأنه يستحق الثواب على قدر عمله. وإنما كرر قوله: " وسنجزي الشاكرين " ها هنا، وفي الآية الأولى، لامرين:

أحدهما: للتأكد ليتمكن المعنى في النفس.

الثاني: " وسنجزي الشاكرين " من الرزق في الدنيا، عن ابن إسحاق لئلا يتوهم ان الشاكر يحرم ما يعطاه الكافر مما قسم له في الدنيا. وقال الجبائي في الآية دلالة على أن اجل الانسان إنما هو أجل واحد. وهو الوقت الذي يموت فيه، لأنه لا يقتطع بالقتل عن الأجل الذي أخبر الله أنه اجل لموته، وقال ابن الاخشاذ: لا دليل فيه على ذلك لان للانسان أجلين أجل يموت فيه لا محالة، وأجل هو موهبة من الله تعالى له، ومع ذلك فلن يموت إلا عند الأجل الذي جعله الله أجلا لموته والأقوى الأول، لان الأجل عبارة عن الوقت الذي يحدث فيه الموت أو القتل، وبالتقدير لا يكون الشئ أجلا كما لا يكون بالتقدير ملكا، وقد بينا في شرح الجمل ذلك مستوفى.


1- في المطبوعة (الثاني) ساقطة.