الآية 119
قوله تعالى: ﴿هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾
المعنى واللغة والاعراب:
هذا خطاب للمؤمنين أعلمهم الله تعالى أن منافقي أهل الكتاب لا يحبونهم وأنهم هم يصحبون هؤلاء المنافقين بالبر والنصيحة، كما يفعله المحب، وإن المنافقين على ضد ذلك، فأعلمهم الله ما يسره المنافقون في باطنهم، وذلك من آيات النبي صلى الله عليه وآله قال الفراء: العرب إذا جاءت إلى اسم مكنى قد وصف بهذا، وهذان، وهؤلاء، فرقوا بين (ها) وبين (ذا) فجعلوا المكنى منهما في جهة التقريب، لا غير يقولون: أين أنت، فيقول القائل: هأنذا، ولا يكادون يقولون ها أنا. ومثله في التثنية والجمع. ومثله قوله: " ها أنتم أولاء تحبونهم " وربما أعادوها فوصلوها بذا، وهذان وهؤلاء، فيقولون ها أنت هذا قائما، وها أنتم هؤلاء. قال الله تعالى: " ها أنتم هؤلاء جادلتم " (1) فإن كان الكلام على غير تقريب أو كان على خبر يكتفي كل واحد منهما بصاحبه بلا فعل، والتقريب لابد فيه من فعل لنقصانه وأحبوا أن يفرقوا بين معنى التقريب، وبين معنى الاسم الصحيح، قال الأزهري: يحتمل أولا أن يكون منادى كأنه؟ل يا أولاء. وقال نحاة البصريين (ها) للتنبيه. وأنتم مبتدأ وأولاء خبره ويحبونهم حال. وقال الفراء: يحبونهم خبر. وقال الزجاج: يجوز أن يكون أولاء بمعنى الذين ويحبونهم صلة ويكون التقدير الذين يحبونهم. ويجوز أن يكون حالا بمعنى " ها أنتم أولاء " محبين لهم. ويكون " أنتم " مبتدأ وأولاء خبره. ويحبونهم حالا والمعنى انظروا إلى أنفسكم محبين لهم ولا يجوز أن تقول: ها قومك أولاء، كما جاز " ها أنتم أولاء "، لان المضمر أحق ب? (ها) التي للتنبيه، لأنه كالمبهم في عموم ما يصلح له. وليس كذلك الظاهر. وقال؟: إنما ذاك على جهة التقريب في المضمر، والاعتماد على غيره في الخبر. قال الحسن بن علي المغربي أولاء يعني به المنافقين، كما تقول ما أنت زيدا يحبه، ولا يحبك. وهذا مليح غير أنه يحتاج أن يقدر عامل في أولاء ينصبه، يفسره قوله: " يحبونهم " لأنه مشغول لا يعمل فيما قبله كقوله: " والقمر قدرناه " (2) في من نصبه وأولاء للرجال، وللنساء أولات. وهو مبني على الكسر. وكان الأصل السكون والألف قبلها ساكنة فحرك لالتقاء الساكنين على أصل الكسرة. وقوله: (وتؤمنون بالكتاب كله) الكتاب واحد في موضع الجمع، لأنه أريد به الجنس، كما يقال كثر الدرهم في أيدي الناس ويحتمل أن يكون مصدرا من قولك كتبت كتابا. والمراد بالكتاب ههنا كتب الله التي أنزلها على أنبيائه وفي إفراده ضرب من الايجاز، واشعار بالتفصيل في الاعتقاد، لأنهم يؤمنون بها في الجملة. والتفصيل من حيث يؤمنون بما أنزل على إبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وآله وسائر الأنبياء. وقوله: " وإذا لقوكم قالوا آمنا " معناه إذا رأوكم قالوا صدقنا " وإذا خلوا " مع أنفسهم " عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " فالعض بالأسنان. ومنه العض علف الأمصار، لان له مضغة في العض يسمن عليها المال. ومنه رجل عض: لزاز الخصم، لأنه يعض بالخصومة. وكذلك رجل عض فحاش، لأنه يعض بالفحش والأنامل أطراف الأصابع في قول قتادة، والربيع، وأصلها النمل المعروف، فهو مشبه به في الرقة، والتصرف بالحركة. ومنه رجل نمل أي نمام، لأنه ينقل الأحاديث الكرهة كنقل النملة في الخفاء والكثرة. وواحد الأنامل أنملة. قال الزجاج ولم يأت على هذا المثال ما يعني به الواحد إلا شذ، فأما الجمع، فكثير نحو أفلس وأكعب وقوله: (قل موتوا بغيظكم) معناه الامر بالدعاء عليهم. وإن كان لفظه لفظ الامر، كأنه قال قل: أماتكم الله بغيظكم وفيه معنى الذم لهم، لأنه لا يجوز أن يدعا عليهم هذا الدعاء إلا وقد استحقوه بقبيح ما أتوه.
1- سورة النساء آية: 108.
2- سورة يس آية: 39.