الآية 114
قوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾
المعنى:
هذه الآية فيها صفة الذين ذكرهم في الآية التي قبلها في قوله: " أمة قائمة يتلون آيات الله إناء الليل وهم يسجدون " فأضاف إلى ذلك أنهم مع ذلك يصدقون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وقد بينا أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، وأنه ليس طريق وجوبهما العقل، وإنما طريق وجوبهما السمع، وعليه إجماع الأمة. وإنما الواجب بالعقل كراهة المنكر، فقط غير أنه إذا ثبت بالسمع وجوبه، فعلينا إزالة المنكر بما يقدر عليه من الأمور الحسنة دون القبيحة، لأنه لا يجوز إزالة قبيح بقبيح آخر، وليس لنا أن تترك أحدا يعمل بالمعاصي إذا أمكننا منعه منها سواء كانت المعصية من أفعال القلوب مثل اظهار المذاهب الفاسدة أو من أفعال الجوارح، ثم ننظر، فان أمكننا إزالته بالقول، فلا نزيد عليه، وإن لم يمكن إلا بالمنع من غير إضرار لم نزد عليه، فإن لم يتم إلا بالدفع بالحرب، فعلناه على ما بيناه فيما تقدم، وإن كان عند أكثر أصحابنا هذا الجنس موقوف على السلطان أو اذنه في ذلك. وانكار المذاهب الفاسدة، لا يكون إلا بإقامة الحجج والبراهين والدعاء إلى الحق، وكذلك إنكار أهل الذمة فأما الانكار باليد، فمقصور على من يفعل شيئا من معاصي الجوارح، أو يكون باغيا على إمام الحق، فإنه يجب علينا قتاله ودفعه حتى يفئ إلى الحق، وسبيلهم سبيل أهل الحرب، فان الانكار عليهم باليد والقتال حتى يرجعوا إلى الاسلام أو يدخلوا في الذمة. وقوله: (ويسارعون في الخيرات) يحتمل أمرين:
أحدهما: أنهم يبادرون إليها خوف الفوات بالموت.
والثاني: يعملونها غير متثاقلين فيها لعلمهم بجلالة موقعها، وحسن عاقبتها.
اللغة:
والفرق بين السرعة والعجلة ان السرعة هي التقدم فيما يجوز أن يتقدم فيه وهي محمودة وضدها الابطاء وهو مذموم. والعجلة هي التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه وهي مذمومة وضدها الأناة وهي محمودة.