الآية 71

قوله تعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إلى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة " استهواه الشياطين " بألف ممالة، الباقون بالتاء المعجمة من فوق قال أبو عبيدة " كالذي استهوته الشياطين " أي استمالت به، ذهبت به، ومنه " فأزلهما الشيطان عنها " (1) وكذلك هوى وأهوى غيره، قال تعالى: " والمؤتفكة أهوى " (2) يقال أهويته واستهويته، كما قال " فأزلهما الشيطان " و " إنما استزلهما الشيطان " (3)، فكما أن أزله بمعنى استزله كذلك استهواه بمنزلة أهواه، وكما أن معنى استجابه أجابه في قول الشاعر: فلم يستجبه عند ذاك مجيب (4) وقرأ حمزة هاهنا مثل قراءته " توفاه " وكلا المذهبين حسن. وقوله: " استهواه " إنما هو من قولهم: هوى من حالق إذا تردى منه. ويشبه به الذي زل عن الطريق المستقيم، كما أن زل إنما هو من العباد، والمكان أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين أن يقولوا لهؤلاء الذين يدعونهم إلى عبادة الأوثان والأصنام " أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا " ان عبدناه، ولا يضرنا ان تركنا عبادته " ونرد على أعقابنا " بعد الهدى والرشاد وبعد معرفتنا بالله وتصديق رسله إلى الضلال، وذلك مثل يقال فيمن رجع عن خير إلى شر: رجع على عقبيه، وكذلك إذا خاب من مطلبه، يقال رد على عقبيه، ويصير في الحيرة " كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران " لا يهتدي إلى طريق، ولا معرفة " له أصحاب يدعونه " إلى الطريق الواضح وهو الهدى ويقولون له " ائتنا " ولا يقبل منهم، ولا يصير إليهم غير أنه لذهاب عقله من فعل الله، فيستولي الشيطان حينئذ عليه، ولا يقبل من أحد لحيرته. شبه الله به الكافر الذي يرجع عن ايمانه وهداه إلى الضلال. قال ولا يقدر أحد من الشياطين على اذهاب عقل أحد، لأنهم لو قدروا على ذلك لسلبوا عقول العلماء من حيث إنهم أعداؤهم، فلما لم يقدروا على ذلك دل على أنه لا يقدر على ذلك الا الله. ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء الكفار " ان هدى الله هو الهدى " أي دلالة الله لنا على توحيده وأمر دينه هو الهدى الذي يؤدي المستدل به إلى الفلاح والرشاد في دينه وهو الذي يجب أن يعمل عليه ويستدل به دون ما يدل عليه غيره من سوى أمور الدين. وقوله " وأمرنا لنسلم لرب العالمين " معناه أمرنا أن نسلم أمورنا لله رب العالمين وان نفوضها إليه ونتوكل عليه لا على غيره مما يعبده المشركون. و " حيران " نصب الحال، وتقديره كالذي استهونه الشياطين في حال حيرته. وقوله " له أصحاب يدعونه إلى الهدى " قيل: نزلت في عبد الرحمن ابن أبي بكر، كان أبواه يدعوانه إلى الايمان ويقولان له " ائتنا "، أي تابعنا في ايماننا " وأمرنا لنسلم لرب العالمين " تقول العرب: أمرتك ان تفعل وأمرتك لتفعل وأمرتك بأن تفعل، فمن قال: أمرتك بأن تفعل، فالباء للالصاق. والمعنى وقع الامر بهذا الفعل. ومن قال أمرتك أن تفعل حذف الباء، ومن قال أمرتك لتفعل المعنى أمرنا للاسلام. قال الزجاج: يكون اللام لام التعليل والتقدير أمرنا كي نسلم قال الشاعر:

أريد لا نسي ذكرها فكأنما * تمثل لي ليلى بكل سبيل (5)

أي كي أنسى. وقال الطبري: معناه وأمرنا لنخضع له بالذلة والطاعة ونخلص ذلك له دون ما سواه من الأنداد والآلهة.

1- سورة 2 البقرة آية 36.

2- سورة 53 النجم آية 53.

3- سورة 3 آل عمران آية 155.

4- انظر / 131.

5- مر هذا البيت في 3 / 174 وهو في مجمع البيان 2 / 319.