الآيات 61-62

قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ، ثُمَّ رُدُّواْ إلى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾

كلهم قرأ " توفته رسلنا " بالتاء الا حمزة فإنه قرأ " توفاه ". وحجة من قرأ بالتاء قوله " كذبت رسل من قبلك " (1) وقوله " إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم " (2) و " جاءتهم رسلهم بالبينات (3) و " قالت رسلهم " (4) وحجة حمزة انه فعل متقدم مسند إلى مؤنث غير حقيقي. وإنما التأنيث للجمع، فهو مثل قوله " وقال نسوة في المدينة " (5) وما أشبه ذلك مما يأتيه تأنيث الجمع، قال وليس ذلك خلافا للمصحف، لان الألف الممالة تكتب ياء. وقوله " وهو القاهر " معناه والله المتقدر المستعلي على عباده الذين هو فوقهم لا على أنه في مكان مرتفع فوقهم وفوق مكانهم، لان ذلك لا يجوز عليه، لأنه صفة للأجسام. ومثله في اللغة أمر فلان فوق أمر فلان، يراد به أنه أعلى امرا، وانفذ قولا. ومثله قوله تعالى " يد الله فوق أيديهم " (6) والمراد أنه أقوى واقدر منهم وانه القاهر لهم. وقوله: " ويرسل عليكم حفظة " يعني يرسل عليكم ملائكة يحفظون أعمالكم ويحصونها عليكم ويكتبونها ليعلموا بذلك أن عليهم رقيبا من عند الله ومحصيا عليهم فينزجروا من عن المعاصي. وبين ان هؤلاء الحفظة هم شهداء عليكم بهذه الاعمال يوم القيامة. وقوله " حتى إذا جاء أحدكم الموت " يعني وقت الموت " توفته رسلنا " يعني قبضت الملائكة روح المتوفى، وهم رسل الله الذين عنا هم الله بهذه الآية. وقال الحسن: " توفته رسلنا " قال هو ملك الموت وأعوانه وأنهم لا يعلمون آجال العباد حتى يأتيهم علم ذلك من قبل الله بقبض أرواح العباد. وقوله: " توفته رسلنا " أي تقبضه، والتوفى هو القبض على ما بيناه. ثم إن هؤلاء الرسل " لا يفرطون " أي لا يقصرون - في قول الزجاج - ولا يغفلون، ولا يتوانون. وقال الجبائي: لا يأخذون روحه قبل أجله ويبادرون إلى ما أمروا به عن غير تقصير، ولا تفريط. والمعنى في التوفي ان يعلم العباد أنهم يحصون إذا ماتوا فلا يرون أنهم يهملون إذا ماتوا وأن أحدا منهم لا يثبت ذكره ليجزى بعمله. ثم بين ان هؤلاء الذين تتوفاهم رسلنا يردون بعد الوفاة إلى الله فيردهم إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه الا الله ولا يملك نفعهم ولا ضرهم سواه فجعل ردهم إلى ذلك الموضع ردا إلى الله، وبين أنه هو " مولاهم الحق " لأنه خالقهم ومالكهم، والقاهر عليهم القادر على نفعهم وضرهم، ولا يجوز ان يوصف بهذه الصفة سواه، فلذلك كان مولاهم الحق. وقال البلخي: (الحق) اسم من أسماء الله وهو خفض، لأنه نعت لله، ويجوز الرفع على معنى الله مولاهم الحق، ويجوز ان ينصب على معنى يعني مولاهم، والقراءة بالخفض. وقوله: " ألا له الحكم " معناه ألا يعلمون أو ألا يقرون ان الحكم يوم القيامة هو له وحده؟ ، ولا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه، كما قد يملك الحكم في الدنيا غيره بتمليك الله إياه. وقوله: " وهو أسرع الحاسبين " روي أنه تعالى يحاسب عباده على مقدار حلب شاة، وذلك يدل على أنه لا يحتاج ان يكلفهم مشقة وآلة على ما يقوله المشبهة، لأنه لو كان كذلك لا يحتاج ان يتطاول زمان محاسبته أو أنه يشغله محاسبته عن محاسبة غيره. وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قيل له كيف يحاسب الله الخلق وهم لا يرونه؟ قال: كما يرزقهم ولا يرونه والمعنى في الآية أنه تعالى أحصى الحاسبين لما أحصى الملائكة وتوفوا من الأنفس لا يخفى عليه من ذلك خافية ولا يحتاج في عده إلى فكر ونظر.

1- سورة 6 الانعام آية 34.

2- سورة 41 حم السجدة آية 14.

3- سورة 7 الأعراف آية 100 ويونس 10 آية 13 وإبراهيم 14 آية 9 الروم 30 آية 9 وسورة 35 فاطر آية 25 والمؤمن 40 آية 83.

4- سورة 14 إبراهيم آية 10.

5- سورة 12 يوسف آية 30.

6- سورة 48 الفتح آية 10.