الآية 59
قوله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾
وهي تمام السبع المثاني. " مفاتح الغيب " معناه الأمور التي بها يستدل على الغائب فتعلم حقيقته، يقال: فتحت على الرجل، أي عرفته أولا، ويستدل به على آخر، وجملة يعرف بها التفصيل. ومنه قولهم أفتح علي أي عرفني. قال الزجاج: معناه وعنده الوصلة إلى علم الغيب وكل ما لا يعلم إذا استعلم. وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله: ان الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت. ومعنى الآية أن الله تعالى عالم بكل شئ من مبتدءات الأمور وعواقبها فهو يعجل ما تعجيله أصلح وأصوب، ويأخر ما تأخيره أصلح واصواب، وأنه الذي يفتح باب العلم لمن يريد إعلامه شيئا من ذلك من أنبيائه وعباده، لأنه لا يعلم الغيب سواه، فلا يتهيأ لاحد ان يعلم العباد ذلك، ولا أن يفتح لهم باب العلم به الا الله، وبين أنه يعلم ما في البر والبحر من الحيوان والجماد. وبين أنه ما تسقط من ورقة من شجرة الا يعلمها ولا حبة في جوف الأرض وفي ظلماتها الا ويعلمها ولا رطب ولا يابس جميع أصناف الأجسام، لأنها أجمع لا تخلو من احدى هاتين الصفتين. وقوله: " وما تسقط من ورقة الا يعلمها " المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة كما تقول: ما يجيئك من أحد الا وأنا أعرفه، معناه الا وانا أعرف في حال مجيئه. وقوله: " ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس " خبر على تقدير (من). ويجوز الرفع فيها على معنى ولا تسقط ورقة ولا حبة. ويجوز ان يرفعه على الابتداء ويقطعه عن الأول ويكون خبره " الا في كتاب مبين ". وقوله: " في كتاب مبين " يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون معناه في علم الله مبين.
وثانيهما: أن يكون " في كتاب مبين " أن يكون الله تعالى أثبت ذلك في كتاب قبل أن يخلقه، كما قال " ما أصاب من مصيبة في الأرض، ولا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها " (1) ويكون الغرض بذلك اعلام الملائكة أنه علام الغيوب ليدل على أنه عالم بالأشياء قبل كونها. ويجوز أن يكون المراد بذلك أنه كتب جميع ما يكون ثم امتحن الملائكة بكتبه وتعبدهم باحصائه، كما تعبد سائر خلقه بما يشاء مما فيه صلاحهم. وقال البلخي: " في كتاب مبين " أي هو محفوظ غير منسي ولا مغفول كما يقول القائل لصاحبه: ما تصنعه عندي مسطر مكتوب. وإنما يريد بذلك أنه حافظ له يريد مكافأته عليه، قال الشاعر: ان لسلمى عندنا ديوانا ويجوز أن يكون المراد بذكر الورقة والحبة والرطب والياس التوكيد في الزجر عن المعاصي والحث على البر والتخويف لخلقه بأنه إذا كانت هذه الأشياء التي لا ثواب فيها ولا عقاب عليها محصاة عنده محفوظة مكتوبة، فأعمالكم التي فيها الثواب والعقاب أولى، وهو قول الحسن. وقال مجاهد: البر القفار والبحار كل قرية فيها ماء. وعن أبي عبد الله: الورقة السقط والحبة الولد. وظلمات الأرض الأرحام والرطب ما يبقى ويحيا واليابس ما تغيض.1- سورة 57 الحديد آية 22.