الآيات 42-43
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾
اعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بهذه الآية انه قد ارسل الرسل قبله إلى أقوام بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم ليخضعوا ويذلوا لامر الله لان القلوب تخشع والنفوس تضرع عندما يكون من أمر الله البأساء والضراء. وقال قوم: البأساء الجوع، والضراء النقص في الأموال والأنفس. والبأساء: من البأس والخوف والضراء من الضر، وقد يكون البأساء من البؤس، فأعلمه الله انه ارسل إلى أمم واخذها بالبأساء والضراء، فلم تخشع ولم تضرع. وقال: " لعلهم يتضرعون " ومعناه لكي يتضرعوا. وقيل: معناها الترجي للعباد، كما قال: " لعله يتذكر أو يخشى " (1). قال سيبويه: المعنى اذهبا أنتما على رجائكما، والله عالم بما يكون من وراء ذلك. وقوله " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " معناه هلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " ولكن قست قلوبهم " أي أقاموا على كفرهم. قال الفراء كلما رأيت في الكلام (لولا) ولم تر بعدها اسما، فهي بمعنى (هلا)، كقوله: " لولا أخرتني إلى أجل قريب " (2) و " فلولا أن كنتم غير مدينين " (3) وإذا كان بعدها اسم، فهي بمعنى (لو) التي تكون في جوابها اللام، و (لو ما) فيها ما في (لولا) من الاستفهام والخبر. وقد اخبر الله في هذه الآية ان الشيطان هو الذي يزين الكفر للكافر بخلاف ما يقول المجبرة من أن الله هو المزين لهم ذلك، وفيها حجة على من قال: ان الله لم يرد من الكافر الايمان، وانه ارسل الرسل بينة عليهم، وعلى من زعم أن أخذه الكافرين بالبأساء والضراء في الدين ليس لما أراد من صلاحهم، لأنه بين الله إنما فعل بهم ذلك ليتضرعوا، وهذه لام الغرض، لأن الشك لا يجوز عليه تعالى " ويتضرعون " معناه يتذللون يقال ضرع فلان لفلان إذا بخع له وسأله أن يعطيه، وفلان ضارع أي نحيف.1- سورة 20 طه آية 44.
2- سورة 63 المنافقون آية 10.
3- سورة 56 الواقعة آية 86.