سورة بني إسرائيل

مكية (1)، وهي مائة وإحدى عشرة آية كوفي، عشر في غيرهم، عد الكوفي ﴿للأذقان سجدا﴾ (2).

في حديث أبي: " من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين أعطي في الجنة قنطارين من الأجر " (3).

الصادق (عليه السلام): " من قرأها في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم (عليه السلام)، ويكون من أصحابه " (4).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿سبحن الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير (1) وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا (2) ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا (3)﴾

﴿سبحن﴾ علم للتسبيح، وانتصابه بفعل مضمر ترك إظهاره، والتقدير: أسبح الله سبحان (5)، ثم نزل " سبحان " منزلة الفعل فسد مسده، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح (6)، و ﴿أسرى﴾ وسرى بمعنى، ونكر قوله: ﴿ليلا﴾ لتقليل مدة الإسراء، وأنه أسري (7) في ليلة من جملة الليالي من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وقد عرج به إلى السماء من بيت المقدس في تلك الليلة وبلغ البيت المعمور وبلغ سدرة المنتهى، وقيل: إنه كان قبل الهجرة بسنة (8)، و ﴿المسجد الأقصى﴾: بيت المقدس، لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد ﴿باركنا حوله﴾ يريد بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء ومهبط الوحي، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة ﴿لنريه من آياتنا﴾ العجيبة التي منها إسراؤه في ليلة واحدة من مكة إلى هناك، والعروج به إلى السماء، ورؤية الأنبياء، والبلوغ إلى البيت المعمور وسدرة المنتهى.

وروي: أنه لما رجع وحدث بذلك قريشا كذبوه، وفيهم من سافر إلى بيت المقدس فاستنعتوه مسجد بيت المقدس، فجلي له فطفق ينظر إليه وينعته لهم حتى وصف جملته، ثم قالوا له: أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحمالها، وقال: يقدمها جمل أورق (9)، ويطلع عليكم عند طلوع الشمس، فخرجوا يشتدون نحو الثنية (10) فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد طلعت، وقال آخر: هذه والله الإبل قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم لم يؤمنوا وقالوا: هذا سحر (11).

قرئ: " ألا يتخذوا " بالياء (12) على: لئلا يتخذوا، وبالتاء على: أي لا تتخذوا، كقولك: كتبت إليه أن افعل كذا ﴿وكيلا﴾ أي: معتمدا تكلون إليه أموركم.

﴿ذرية من حملنا مع نوح﴾ نصب على الاختصاص، وقيل: على النداء (13) في قراءة من قرأ: " لا تتخذوا " بالتاء على النهي، والمعنى: قلنا لهم: لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا مع نوح، أو: لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلا، فيكون ﴿وكيلا﴾ موحد اللفظ مجموع المعنى، كرفيق في قوله: ﴿وحسن أولئك رفيقا﴾ (14)، أي: لا تجعلوهم أربابا، ومن ذرية من حمل مع نوح عزير وعيسى، ذكرهم سبحانه نعمته في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم في السفينة ﴿إنه﴾ أي: إن نوحا ﴿كان عبدا شكورا﴾ كثير الشكر.

روي عن الباقر والصادق (عليهما السلام): " أنه كان إذا أصبح وأمسى قال: اللهم إني أشهدك أن ما أصبح أو أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا، فهذا كان شكره " (15).

﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا (4) فإذا جاء وعد أوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا مفعولا (5) ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (6) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا (7) عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا (8)﴾ أي: ﴿و﴾ أوحينا ﴿إلى بني إسرائيل﴾ وحيا مقضيا مقطوعا بأنهم يفسدون ﴿في الأرض﴾ لا محالة، ويعلون أي: يتعظمون ويبغون، والمراد ب? ﴿الكتاب﴾: التوراة، وقوله: ﴿لتفسدن﴾ جواب قسم محذوف، أو يكون القضاء المقطوع به جاريا مجرى القسم فيكون ﴿لتفسدن﴾ جوابا له، فكأنه قال: أقسمنا لتفسدن ﴿مرتين﴾: أوليهما: قتل زكريا وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله، والأخرى: قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ﴿عبادا لنا﴾ وعن علي (عليه السلام): " عبيدا لنا " (16) وهم سنحاريب وجنوده، وقيل: بختنصر (17)، فقتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة وخربوا المسجد وقتلوا سبعين ألفا منهم وسبوا سبعين ألفا.

ومعنى قوله: ﴿بعثنا عليكم﴾: خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم، فهو كقوله: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون﴾ (18)، وأسند الجوس إليهم وهو التردد ﴿خلل الديار﴾ بالفساد، وتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس، وقوله: ﴿وعد أوليهما﴾ معناه: وعد عقاب أولاهما ﴿وكان﴾ وعد العقاب ﴿وعدا﴾ لابد أن يفعل.

﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾ أي: الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم، وأظهرناكم عليهم وأكثرنا أموالكم وأولادكم ﴿وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ أكثر عددا من أعدائكم، وهو جمع نفر كالمعيز والعبيد، وقيل: النفير: من ينفر مع الرجل من قومه (19).

﴿إن أحسنتم﴾ فالإحسان مختص ب? ﴿أنفسكم وإن أسأتم﴾ فالإساءة مختصة بها، لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم.

وعن علي (عليه السلام): " ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه " وتلا هذه الآية (20).

﴿فإذا جاء وعد﴾ المرة ﴿الآخرة﴾ بعثناهم ﴿ليسوا وجوهكم﴾ حذف لدلالة ذكره أولا عليه، والمعنى: ليجعلوا وجوهكم تبدو آثار المساءة والكآبة فيها، وقرئ: " ليسوء " (21) والضمير لله أو للوعد أو للبعث، و " لنسوء " بالنون (22)، وقوله: ﴿ما علوا﴾ محله نصب بأنه مفعول ﴿ليتبروا﴾ أي: ليهلكوا كل شئ غلبوه واستولوا عليه، ويجوز أن يكون بمعنى: مدة علوهم.

﴿عسى ربكم أن يرحمكم﴾ بعد المرة الثانية إن تبتم ﴿وإن عدتم﴾ مرة ثالثة ﴿عدنا﴾ إلى عقوبتكم، وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة عليهم، وقيل: ببعث محمد (صلى الله عليه وآله)، فالمؤمنون يأخذون منهم الجزية إلى يوم القيامة (23)، والحصير: السجن.

﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا (9) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما (10) ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا (11) وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنه تفصيلا (12)﴾

﴿يهدي﴾ للملة ﴿التي هي أقوم﴾ الملل، أو للطريقة أو للحالة التي هي أشد استقامة، وعطف قوله: ﴿وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ على ﴿أن لهم أجرا كبيرا﴾ على معنى: أنه ﴿يبشر المؤمنين﴾ ببشارتين: بثوابهم وبعقاب أعدائهم.

﴿ويدع الانسان﴾ ربه عند غضبه ﴿بالشر﴾ على نفسه وأهله وماله كما يدعوه لهم ﴿بالخير وكان الانسان عجولا﴾ يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يتأنى فيه.

﴿آيتين﴾ أي: دلالتين تدلان على وحدانية خالقهما، لما في كل واحد منهما من الفوائد، فكل واحد من ﴿الليل والنهار﴾ آية في نفسه، وعلى هذا فيكون إضافة ﴿آية﴾ إلى ﴿الليل﴾ و ﴿النهار﴾ للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود، أي: ﴿فمحونا﴾ الآية التي هي الليل ﴿وجعلنا﴾ الآية التي هي النهار ﴿مبصرة﴾، وقيل: إن المراد: وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين (24)، يعني: الشمس والقمر ﴿فمحونا آية الليل﴾ أي: فجعلنا الليل ممحو الضوء مظلما ﴿وجعلنا﴾ النهار مبصرا يبصر فيه الأشياء، أو: فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعا كشعاع الشمس، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شئ ﴿لتبتغوا فضلا من ربكم﴾ لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم وطلب أرزاقكم ﴿ولتعلوا﴾ باختلاف الليل والنهار ﴿عدد السنين﴾ والشهور ﴿و﴾ جنس ﴿الحساب﴾ وآجال الديون وغير ذلك، ولولاهما لم يعلم شئ من ذلك، ولتعطلت الأمور ﴿وكل شئ فصلنه تفصيلا﴾ بيناه بيانا غير ملتبس، وميزناه تمييزا بينا غير خاف.

﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتبا يلقيه منشورا (13) اقرأ كتبك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا (14) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (15)﴾

﴿طائره﴾ عمله، وقيل: هو من قولك: طار له سهم: إذا خرج (25)، يعني: ﴿ألزمناه﴾ ما طار من عمله، يريد: أن عمله له لازم لزوم القلادة أو الغل العنق لا ينفك عنه، كما قيل في المثل: تقلدها طوق الحمامة (26)، وقرئ: ﴿ونخرج له﴾ بالنون، و " يخرج له " بالياء (27) والضمير لله عز وجل، و " يخرج " على البناء للمفعول (28)، و " يخرج " (29) من خرج، والضمير للطائر أي: يخرج الطائر ﴿كتبا﴾، وانتصب ﴿كتبا﴾ على الحال، وقرئ: " يلقيه " بالتشديد على البناء للمفعول (30)، و ﴿يلقيه منشورا﴾ صفتان ل? " الكتاب "، أو ﴿يلقيه﴾ صفة و ﴿منشورا﴾ حال من ﴿يلقيه﴾.

﴿اقرأ﴾ على إرادة القول، وعن قتادة: يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا (31)، و ﴿بنفسك﴾ في محل الرفع فاعل ﴿كفي﴾، و ﴿حسيبا﴾ تمييز، وهو بمعنى حاسب، كضريب القداح (32) بمعنى ضاربها، و ﴿عليك﴾ يتعلق به من قولهم: حسب عليه كذا، ويجوز أن يكون بمعنى " الكافي " وضع موضع " الشهيد " فعدي ب? " على "، لأن الشاهد يكفي المدعي ما أهمه، وذكر ﴿حسيبا﴾ لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي، والأغلب أن ذلك يتولاه الرجال، فكأنه قال: كفي بنفسك رجلا حسيبا، أو تؤول النفس بالشخص، كما يقال: ثلاثة أنفس.

﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ أي: كل نفس حاملة وزرها ولا تحمل وزر نفس أخرى ﴿وما كنا معذبين﴾ وما صح منا في الحكمة أن نعذب قوما إلا بعد أن ﴿نبعث﴾ إليهم ﴿رسولا﴾ فنلزمهم الحجة.

﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا (16) وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفي بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا (17) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا (18) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا (19) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا (20) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجت وأكبر تفضيلا (21) لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا (22)﴾ المعنى: ﴿وإذا أردنا أن نهلك﴾ أهل ﴿قرية﴾ بعد قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم ﴿أمرنا مترفيها﴾ المتنعمين فيها بالإيمان والطاعة توكيدا للحجة عليهم ﴿ففسقوا فيها﴾ بالمعاصي ﴿فحق عليها القول﴾ أي: فوجب حينئذ على أهلها الوعيد فأهلكناها إهلاكا، وإنما خص المترفين - وهم الرؤساء - بالذكر لأن غيرهم تبع لهم، وقيل: معناه: كثرنا مترفيها (33)، فيكون من باب أمرته فأمر، أي: كثرته فكثر، مثل: بشرته فبشر.

وفي الحديث: " خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة " (34) أي: كثيرة النتاج.

وقرئ: " آمرنا " (35) أي: أفعلنا، من أمر وآمره غيره، وأمرنا بمعناه، أو من أمر إمارة وأمره الله، أي: جعلناهم أمراء وسلطناهم.

﴿وكم﴾ مفعول ﴿أهلكنا﴾، و ﴿من القرون﴾ تبيين ل? ﴿كم﴾ وتمييز له، يعني: عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا.

﴿من﴾ كانت ﴿العاجلة﴾ وهي النعم الدنيوية همته ولم يرد غيرها تفضلنا عليه ب? ﴿ما نشاء﴾ منها ﴿لمن نريد﴾ فقيد الأمر بقيدين: أحدهما: تقييد المعجل بالمشيئة، والثاني: تقييد المعجل له بإرادته، وقوله: ﴿لمن نريد﴾ بدل من ﴿له﴾ بدل البعض من الكل، لأن الضمير من ﴿له﴾ يرجع إلى ﴿من﴾ وهو للكثرة، وقيل: هو من يريد الدنيا بعمل الآخرة كالمرائي والمنافق (36) ﴿مدحورا﴾ مطرودا من رحمة الله تعالى.

﴿وسعى لها سعيها﴾ أي: حقها من السعي، اشترط ثلاث شرائط في كون السعي ﴿مشكورا﴾: إرادة الآخرة والسعي فيما كلف من الفعل والترك والإيمان الصحيح، وشكر الله سعيه هو ثوابه على الطاعة.

﴿كلا﴾ أي: كل واحد من الفريقين، والتنوين عوض من المضاف إليه ﴿نمد﴾ هم: نزيدهم ﴿من﴾ عطائنا، ونجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه، فنرزق المطيع والعاصي جميعا على وجه التفضل ﴿وما كان عطاء ربك﴾ وفضله ممنوعا: لا يمنع من عاص لعصيانه.

﴿انظر﴾ بعين الاعتبار ﴿كيف﴾ جعلناهم متفاوتين في التفضل، ودرجات الآخرة ومراتبها ﴿أكبر﴾ والتفاوت فيها أكثر.

﴿فتقعد مذموما﴾ يعني: أنك إذا فعلت ذلك بقيت ما عشت مذموما على ألسنة العقلاء ﴿مخذولا﴾ لا ناصر لك، وقيل: معنى القعود: الذل والخزي والعجز لا الجلوس (37)، كما يقال: قعد به الضعف.

﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسنا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (24) ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا (25)﴾ معناه: أمر ﴿ربك﴾ أمرا مقطوعا به ﴿أن لا تعبدوا﴾ (38): ﴿أن﴾ بمعنى " أي "، و ﴿لا تعبدوا﴾ نهي، أو يريد: بأن لا تعبدوا، ﴿وبالوالدين﴾ أي: وأحسنوا بالوالدين ﴿إحسنا﴾ أو: بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا.

﴿إما﴾ هي " إن " الشرطية زيدت عليها " ما " توكيدا، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل، و ﴿أحدهما﴾ فاعل ﴿يبلغن﴾، وقرئ: " يبلغان " (39) وعلى هذا فيكون ﴿أحدهما﴾ بدلا من ألف الضمير، و ﴿كلاهما﴾ عطف على ﴿أحدهما﴾.

" أف " (40) صوت يدل على تضجر، وقرئ: ﴿أف﴾ بالتنوين والكسر، و " أف " بالفتح (41) وكذلك في الأنبياء (42) والأحقاف (43)، وقرأ أبو السمال (44): " أف " بالضم (45)، فأما الكسر فعلى أصل البناء، وأما الفتح فتخفيف للضمة والتشديد ك? " ثم "، وأما الضم فللإتباع ك? " منذ "، ومعنى قوله: ﴿يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما﴾: أن يكبرا ويكونا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره، فهما عنده في بيته وكنفه وذلك أشق عليه، وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال صغره، فأمر بأن يستعمل معهما لين الجانب وخفض الجناح والاحتمال حتى لا يقول لهما عند الضجر بما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤونتهما: أف، فضلا عما يزيد عليه.

ولقد بالغ عز وعلا في التوصية بهما حيث شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ثم ضيق الأمر في البر بهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تدل على التضجر مع موجبات الضجر.

وعن الصادق (عليه السلام): " أدنى العقوق: أف، ولو علم الله شيئا أهون من " أف " لنهى عنه " (46).

﴿ولا تنهرهما﴾ أي: لا تزجرهما عما يفعلانه، ولا تمتنع من شئ أراداه منك ﴿وقل لهما﴾ بدل التأفيف والنهر ﴿قولا كريما﴾ جميلا كما يقتضيه حسن الأدب، وقيل: هو أن يقول: يا أبتاه ويا أماه كما قال إبراهيم (عليه السلام) لأبيه مع كفره: ﴿يا أبت﴾ (47) ولا تدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب (48).

وفي ﴿جناح الذل﴾ وجهان: أحدهما: أن يكون كإضافة حاتم إلى الجود إذا قلت: حاتم الجود، أي: ف? ﴿اخفض لهما﴾ جناحك الذليل، والآخر: أن تجعل لذله جناحا منخفضا، كما جعل لبيد (49) للشمال يدا وللقرة زماما في قوله: وغداة ريح قد كشفت وقرة * قد أصبحت بيد الشمال زمامها (50) أراد المبالغة في التواضع والتذلل لهما ﴿من الرحمة﴾ من فرط رحمتك لهما لكبرهما، ولا تكتف برحمتك عليهما التي لابقاء لها بل ادع الله سبحانه بأن يرحمهما رحمته الباقية، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في حال صغرك وتربيتهما لك.

وفي الصحيح: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " رغم أنفه " ثلاث مرات، قالوا: من يا رسول الله؟قال: " من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ولم يدخل الجنة " (51).

وعن حذيفة: أنه استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قتل أبيه وهو في صف المشركين، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " دعه يله غيرك " (52).

﴿بما في نفوسكم﴾ بما في ضمائركم من البر والعقوق ﴿إن تكونوا﴾ قاصدين إلى الصلاح والبر ﴿فإنه كان للأوابين﴾ أي: التوابين الراجعين إلى الله فيما يتوبهم ﴿غفورا﴾.

﴿وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا (26) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا (27) وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا (28) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا (29) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا (30)﴾ وصى سبحانه بغير الوالدين من القرابات، وبأن يوتى حقهم بعد أن وصى بهما، وقيل: إن المراد ب? ﴿ذا القربى﴾ قرابة النبي (53).

وعن أبي سعيد الخدري (54): أنه لما نزلت أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) فدك (55).

﴿والمسكين﴾ أي: وآت المسكين ﴿حقه﴾ الذي جعله الله له من الزكاة ﴿و﴾ آت ﴿ابن السبيل﴾ حقه وهو المنقطع به من المجتازين ﴿ولا تبذر﴾ والتبذير: تفريق المال فيما لا ينبغي، وإنفاقه على وجه الإسراف.

وعن مجاهد: لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا، ولو أنفق جميع ماله في الحق لم يكن مبذرا (56).

ومر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسعد وهو يتوضأ فقال: " ما هذا السرف يا سعد ؟! " قال: أو في الوضوء سرف؟قال: " نعم وإن كنت على نهر جار " (57).

﴿إخوان الشيطين﴾ أمثالهم السالكون طريقتهم، وهذا غاية الذم ﴿وكان الشيطان لربه كفورا﴾ فلا ينبغي أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله من الشر، وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم حياء من الرد لتبتغي الفضل ﴿من ربك﴾ والسعة التي يمكنك معها البذل ﴿فقل لهم قولا ميسورا﴾ أي: عدهم عدة جميلة، فوضع الابتغاء موضع فقد الرزق، لأن فاقد الرزق مبتغ له، ويجوز أن يتعلق ﴿ابتغاء رحمة من ربك﴾ بجواب الشرط مقدما عليه، أي: فقل لهم قولا سهلا تطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم، ويجوز أن يكون الإعراض عنهم كناية عن عدم الاستطاعة، أي: وإن لم تنفعهم.

ثم أمر سبحانه بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير، وهو تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ﴿فتقعد ملوما﴾ أي: فتصير ملوما عند الله، لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس ﴿محسورا﴾ منقطعا بك لا شئ عندك، وقيل: محسورا: عريانا (58).

﴿إن ربك﴾ يوسع ﴿الرزق﴾ ويضيقه بحسب المصلحة مع سعة خزائنه.

﴿ولا تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا (31) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا (32) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطنا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (33) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا (34) وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا (35)﴾ كانوا يئدون بناتهم ﴿خشية﴾ الفقر وهو الإملاق، فذلك قتلهم أولادهم، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك وضمن لهم أرزاقهم، وقرئ: ﴿خطئا﴾ يقال: خطئ خطأ أي: أثم إثما، والخطء والخطأ كالحذر والحذر (59)، وقرئ: " خطأ " بالكسر والمد (60).

﴿فاحشة﴾ قبيحة زائدة على حد القبح ﴿وساء سبيلا﴾ أي: وبئس طريقا طريقه وهو أن يغصب على الغير امرأته أو أخته أو بنته من غير سبب، والسبب ممكن وهو النكاح المشروع.

﴿إلا بالحق﴾ وهو أن يكفر بعد إيمان أو يزني بعد إحصان أو يقتل مؤمنا عمدا ﴿ومن قتل مظلوما﴾ غير راكب واحدة من هذه الثلاث ﴿فقد جعلنا لوليه﴾ الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه ﴿سلطنا﴾ أي: تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه، وقرئ: ﴿فلا يسرف﴾ بالياء والتاء (61)، فالياء على أن الضمير للولي، أي: فلا يقتل الولي غير القاتل، ولا اثنين والقاتل واحد كعادة الجاهلية، أو لا يمثل بالقاتل، وقيل: إن الضمير للقاتل الأول (62)، والتاء على أن الخطاب للولي أو قاتل المظلوم ﴿إنه كان منصورا﴾ والضمير: إما للولي أي: نصره الله بأن أوجب له القصاص، وإما للمظلوم، لأن الله ناصره بأن أوجب القصاص بقتله ويثيبه في الآخرة.

﴿بالتي هي أحسن﴾ وهي حفظه عليه ﴿إن العهد كان مسؤولا﴾ أي: مطلوبا يطلب من المعاهد أن يفي به، ويجوز أن يكون تخييلا، كأنه يقال للعهد: لم نكثت؟توبيخا للناكث كما تسأل الموؤودة ﴿بأي ذنب قتلت﴾ (63).

وقرئ: ﴿بالقسطاس﴾ بضم القاف (64) وكسرها، وهو الميزان صغيرا كان أو كبيرا ﴿وأحسن تأويلا﴾ وأحسن عاقبة، وهو تفعيل من آل: إذا رجع، وهو ما يؤول إليه.

﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا (36) ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا (37) كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها (38) ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا (39) أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما (40)﴾ يقال: قفا أثره وقافه واقتفاه واقتافه بمعنى: اتبعه، ومنه القافة (65)، أي: لا تكن في اتباعك ﴿ما﴾ لا علم ﴿لك به﴾ من قول أو فعل كمن يتبع مسلكا لا يعلم أنه يوصله إلى مقصده، والمراد: النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم أو يعمل بما لا يعلم، ويدخل فيه النهي عن اتباع الظن وعن التقليد، وعن الحسن: لا تقف أخاك المسلم إذا مر بك فتقول: هذا يفعل كذا، ورأيته يفعل كذا ولم تر، وسمعته ولم تسمع (66).

﴿أولئك﴾ إشارة إلى ﴿السمع والبصر والفؤاد﴾، و ﴿عنه﴾ في موضع الفاعل، أي: ﴿كل﴾ واحد منها كان ﴿مسؤولا﴾ عنه، ف? " مسؤول " مسند إلى الجار والمجرور، يقال للإنسان: لم سمعت ما لا يحل لك سماعه؟ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه؟ولم عزمت على ما لا يحل لك العزم عليه؟﴿مرحا﴾ حال، أي: ذا مرح ﴿لن تخرق الأرض﴾ لن تجعل فيها خرقا بشدة وطئك لها ﴿ولن تبلغ الجبال طولا﴾ بتطاولك، وهذا تهكم بالمختال.

قرئ: " سية " (67) و ﴿سيئه﴾ على إضافة " سئ " إلى ضمير ﴿كل﴾، والسية في حكم الأسماء بمنزلة الإثم والذنب، فلذلك قال: ﴿سيئه﴾ مع قوله: ﴿مكروها﴾ إذ لا اعتبار بتأنيثه، أي: كل ما نهي عنه من هذه الخصال المعدودة كان إثما مكروها.

﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم من قوله: ﴿لا تجعل مع الله إلها آخر﴾ إلى هذه الغاية، وسماه حكمة، لأنه كلام محكم لا مجال فيه للفساد بوجه.

وعن ابن عباس: أن هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى أولها: ﴿لا تجعل مع الله إلها آخر﴾، جعل الله سبحانه فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك، لأن التوحيد رأس كل حكمة (68).

﴿أفأصفاكم﴾ أي: أفخصكم ﴿ربكم بالبنين﴾ وهم أفضل الأولاد لم يجعل فيهم نصيبا لنفسه واتخذ الأدون وهي البنات وهذا خلاف الحكمة، وهو خطاب للذين قالوا: الملائكة بنات الله ﴿إنكم لتقولون قولا عظيما﴾ بإضافتكم إليه الأولاد ثم بتفضيلكم أنفسكم عليه.

﴿ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا (41) قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا (42) سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا (43) تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا (44)﴾

﴿صرفنا﴾ أي: كررنا الدلائل وفصلنا العبر فيه، أو: أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير ﴿ليذكروا﴾ ليتعظوا ويعتبروا، وقرئ: " ليذكروا " (69)، ف? ﴿ما يزيدهم إلا نفورا﴾ عن الحق، وعن سفيان: زادني خضوعا ما زاد أعداءك نفورا (70).

﴿إذا﴾ يدل على أن قوله: ﴿لابتغوا﴾ جواب عن مقالة المشركين وجزاء ل? ﴿لو﴾ والمعنى: لطلبوا ﴿إلى﴾ من له الملك والإلهية ﴿سبيلا﴾ بالمغالبة، كما يفعل الملوك بعضهم ببعض، وفيه إشارة إلى دليل التمانع كما في قوله: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (71).

﴿علوا كبيرا﴾ في معنى: تعاليا، والمراد: البراءة من ذلك والنزاهة، ووصف العلو بالكبر مبالغة في معنى البراءة عما وصفوه به.

﴿تسبح له السماوات﴾ بلسان الحال، حيث تدل على صانعها وعلى صفاته العلى، فكأنها تنطق بذلك، وكأنها تنزه الله عما لا يجوز عليه من الشركاء، وليس ﴿شئ﴾ من الموجودات ﴿إلا﴾ و ﴿يسبح﴾ بحمد الله على هذا الوجه، إذ كلها حادث مصنوع يحتاج إلى صانع غير مصنوع، فهو يدل على إثبات قديم غني عن كل شئ سواه، لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات ﴿ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾ أي: لا تعلمون تسبيح هذه الأشياء، إذ لم تنظروا فيها فتعلموا دلالتها على التوحيد ﴿إنه كان حليما غفورا﴾ لا يعاجلكم بالعقاب على سوء نظركم وشرككم.

﴿وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا (45) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبرهم نفورا (46) نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا (47) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا (48) وقالوا أإذا كنا عظما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا (49)﴾

﴿حجابا مستورا﴾ أي: ذا ستر كقولك: سيل مفعم (72) أي: ذو إفعام، وقيل: حجابا مستورا عن العيون من قدرة الله تعالى لا يبصر، حجبه الله سبحانه عن أبصار أعدائه من المشركين فكانوا يمرون به ولا يرونه (73).

﴿وحده﴾ من نوع قولهم: رجع عوده على بدئه (74) في أنه مصدر يسد مسد الحال، يقال: وحد يحد وحدا وحدة، والأصل يحد وحده، والنفور: مصدر بمعنى التولية، أو جمع نافر كشهود جمع شاهد، أي: أحبوا أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون، فإذا لم تذكرهم نفروا.

﴿بما يستمعون به﴾ من اللغو والاستهزاء بالقرآن، و ﴿به﴾ في موضع الحال، أي: يستمعون هازئين، و ﴿إذ يستمعون﴾ نصب ب? ﴿أعلم﴾ أي: أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون ﴿وإذ هم نجوى﴾ وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى، أي: متناجون ﴿إذ يقول﴾ بدل من ﴿إذ هم﴾ أي: ما ﴿تتبعون إلا رجلا﴾ قد سحر فجن واختلط عليه عقله، وإنما قالوا ذلك لينفروا عنه.

﴿كيف ضربوا لك الأمثال﴾ مثلوك بالساحر والمجنون ﴿فضلوا﴾ في ذلك ضلال المتحير في أمره لا يدري كيف يتوجه.

﴿ورفاتا﴾ أي: ترابا وغبارا وانتثر لحومنا أنبعث بعد ذلك ﴿خلقا جديدا﴾؟﴿قل كونوا حجارة أو حديدا (50) أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا (51) يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا (52) وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للانسان عدوا مبينا (53) ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا (54) وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا (55)﴾ رد قوله: ﴿كونوا حجارة﴾ على قولهم: ﴿كنا عظما﴾، فكأنه قال: كونوا حجارة ﴿أو حديدا﴾ ولا تكونوا عظاما فإنه يقدر على إعادتكم أحياء، وردكم إلى رطوبة الحي وغضاضته (75).

﴿أو خلقا مما يكبر في صدوركم﴾ عن قبول الحياة، ويعظم عندكم أن يحييه الله ﴿قل الذي فطركم﴾ أي: خلقكم ﴿أول مرة﴾ فإن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر، وإنما قال ذلك لكونهم مقرين بالنشأة الأولى ﴿فسينغضون﴾ أي: فسيحركون نحوك ﴿رؤوسهم﴾ تعجبا واستهزاء.

﴿يوم يدعوكم﴾ أي: يبعثكم فتنبعثون منقادين غير ممتنعين، والدعاء والاستجابة كلاهما مجاز هنا ﴿بحمده﴾ حال منهم أي: حامدين لله، موحدين، وعن سعيد بن جبير: يخرجون من قبورهم قائلين: سبحانك اللهم وبحمدك (76) ﴿وتظنون﴾ أنكم ما ﴿لبثتم﴾ في الدنيا ﴿إلا قليلا﴾ لسرعة انقلاب الدنيا إلى الآخرة، أو لعلمكم بطول اللبث في الآخرة، ونزل النفي منزلة الاستفهام في التعليق.

﴿وقل﴾ للمؤمنين: ﴿يقولوا﴾ للمشركين الكلمة ﴿التي هي أحسن﴾، وفسر ﴿التي هي أحسن﴾ بقوله: ﴿ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم﴾ ولا تقولوا لهم ما يغيظهم ويغضبهم، وقيل: معناه: مرهم يقولوا الكلمة الحسنى وهي كلمة الشهادتين والأقوال المندوب إليها (77) ﴿إن الشيطان ينزغ بينهم﴾ أي: يفسد بينهم ويغري بعضهم على بعض ليوقع بينهم العداوة والبغضاء.

﴿ربكم أعلم﴾ بأحوالكم وبتدبير أموركم (78) ﴿إن يشأ يرحمكم﴾ بفضله ﴿أو إن يشأ يعذبكم﴾ بعدله ﴿وكيلا﴾ أي: ربا موكولا إليك أمرهم تجبرهم على الإسلام، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم واحتمل منهم.

﴿وربك أعلم﴾ رد على كفار قريش في إنكارهم نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله)، أي: ربك أعلم ﴿ب?﴾ أحوال ﴿من في السماوات والأرض﴾ ومقاديرهم، فلا يختار من يختاره من الملائكة والأنبياء لميله إليهم، وإنما يختارهم لعلمه ببواطنهم وبما يستأهل كل واحد منهم ﴿ولقد فضلنا﴾ إشارة إلى تفضيل رسول الله ﴿وآتينا داوود زبورا﴾ دلالة على تفضيله - أيضا - فإنه خاتم الأنبياء، ومكتوب في زبور داود: ﴿أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ (79) وهم محمد وأهل بيته (عليهم السلام).

﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا (56) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا (57) وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا (58) وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا (59) وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا (60)﴾

﴿الذين زعمتم من دونه﴾ هم الملائكة، وقيل: عيسى وعزير (80)، وقيل: نفر من الجن عبدهم قوم من العرب ثم أسلم الجن (81)، والمعنى: ادعوهم فإنهم لا يقدرون على أن يكشفوا ﴿عنكم﴾ الضر ﴿ولا﴾ أن يحولوه عنكم إلى غيركم.

﴿أولئك﴾ مبتدأ وخبره ﴿يبتغون﴾ يعني: أن آلهتهم يبتغون ﴿الوسيلة﴾ وهي القربة ﴿إلى﴾ الله عز وجل، و ﴿أيهم﴾ بدل من واو ﴿يبتغون﴾، و " أي " اسم موصول، أي: يبتغي من هو ﴿أقرب﴾ منهم الوسيلة إلى الله فكيف غير الأقرب! أو ضمن ﴿يبتغون﴾ معنى يحرصون، أي: يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بأن يزيدوا في الطاعة والخير ﴿ويرجون... ويخافون﴾ كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة! ﴿إلا نحن مهلكوها﴾ بالموت ﴿أو معذبوها﴾ بالقتل وأنواع العذاب، وقيل: الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة (82)، و ﴿الكتاب﴾: اللوح المحفوظ، استعار سبحانه المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة.

و ﴿أن﴾ الأولى منصوبة الموضع والثانية مرفوعة، والمعنى: ولم يمنعنا إرسال ﴿الآيات إلا﴾ تكذيب الأولين، يريد الآيات التي اقترحوها من إحياء الموتى وأن يحول الصفا ذهبا وغير ذلك، وقد حكم الله تعالى في الأمم: أن من كذب بالآية المقترحة عوجل بعذاب الاستئصال، وقد علم سبحانه أنه لو أرسل هذه الآيات لكذبوا بها واستوجبوا العذاب العاجل المستأصل، ومن حكمه (83) سبحانه في هذه الأمة أن لا يعذبهم بعذاب الاستئصال تشريفا لنبيه (صلى الله عليه وآله)، وأن يؤخر أمرهم إلى يوم القيامة.

ثم ذكر سبحانه من الآيات التي ﴿كذب بها الأولون﴾ فأهلكوا: ناقة صالح، لأن آثارهم في بلاد العرب قريبة منهم ﴿مبصرة﴾ بينة ﴿فظلموا﴾ أي: فكفروا ﴿بها وما نرسل بالآيات﴾ التي نظهرها على الأنبياء ﴿إلا تخويفا﴾ وإنذارا بعذاب الآخرة.

﴿و﴾ أذكر ﴿إذ قلنا لك﴾ أي: أوحينا إليك: ﴿إن ربك أحاط بالناس﴾ بقريش، يعني: بشرناك بوقعة بدر ونصرتك عليهم وهو قوله: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ (84)، ﴿ستغلبون وتحشرون إلى جهنم﴾ (85)، فجعله سبحانه كأن قد كان، فقال: أحاط بالناس، على عادته سبحانه في إخباره، وقيل: معناه: أحاط علما بأحوال الناس وأفعالهم وما يستحقونه عليها من الثواب والعقاب وهو قادر على فعل ذلك بهم، عالم بما يصلحهم (86)، وهذا وعد له بالعصمة من أذي قومه.

واختلف في ﴿الرؤيا التي﴾ أريها النبي (صلى الله عليه وآله)، فقيل: هي رؤية العين المذكورة في أول السورة من الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج (87)، وأراد بالفتنة: الامتحان وشدة التكليف ليعرض المصدق بذلك لجزيل الثواب والمكذب لأليم العقاب، وقيل: هي الرؤيا التي في قوله: ﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق﴾ (88) رأى أنه سيدخل مكة وهو بالمدينة فصده المشركون عن دخولها يوم الحديبية، وإنما كانت فتنة لما دخل على بعض المسلمين من الشبهة والشك فقال: أليس قد أخبرتنا بأن ندخل المسجد الحرام آمنين؟فقال (صلى الله عليه وآله): لم أقل: إنكم تدخلونها العام، لتدخلنها إن شاء الله، ورجع ثم دخلها في العام القابل (89)، وقيل: هي رؤيا رآها في منامه أن قرودا تصعد منبره وتنزل (90)، وقيل - على هذا التأويل -: إن ﴿الشجرة الملعونة في القرآن﴾ هي بنو أمية أخبره الله سبحانه بتغلبهم على مقامه وقتلهم ذريته (91)، وقيل: إن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم لعنت في القرآن حيث لعن طاعموها من الكفار، فوصفت بلعن أصحابها على المجاز (92) ﴿ونخوفهم﴾ بمخاوف الدنيا والآخرة ﴿فما يزيدهم﴾ التخويف ﴿إلا طغيانا كبيرا﴾ أي: عتوا في الكفر لا يرجعون عنه.

﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا (61) قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيمة لاحتنكن ذريته إلا قليلا (62) قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا (63) واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (64) إن عبادي ليس لك عليهم سلطن وكفي بربك وكيلا (65)﴾

﴿طينا﴾ حال من الموصول الذي هو ﴿من خلقت﴾ على معنى: ﴿أأسجد﴾ له وهو طين أي: أصله طين، أو من الضمير المحذوف من الصلة على معنى: ﴿لمن﴾ كان في وقت خلقه طينا.

والكاف في ﴿أرأيتك﴾ للخطاب و ﴿هذا﴾ مفعول به، والمعنى: أخبرني عن ﴿هذا الذي﴾ كرمته ﴿على﴾ أي: فضلته واخترته علي: لم اخترته علي وأنا خير منه؟فحذف للاختصار، ثم ابتدأ فقال: ﴿لئن أخرتن?﴾ - ي، واللام لتوطئة القسم ﴿لاحتنكن ذريته﴾ لأستأصلنهم بالإغواء ولأستولين عليهم، من احتنك الجراد الأرض: إذا أكل ما عليها، وأصله من الحنك، وإنما طمع الملعون في ذلك لأنه سبحانه أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء.

﴿اذهب﴾ معناه: امض لشأنك الذي اخترته، وليس هو من الذهاب الذي هو ضد المجئ، ثم قال: ﴿فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم﴾ كما قال موسى للسامري: ﴿فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لامساس﴾ (93)، والتقدير: فإن جهنم جزاؤهم وجزاؤك، فغلب المخاطب على الغائب فقال: ﴿جزاؤكم جزاء موفورا﴾ مصدر على إضمار تجازون، أو لأن ﴿فإن جهنم جزاؤكم﴾ بمعنى: تجازون، والموفور: الموفر الكامل.

﴿واستفزز﴾ واستخف ﴿من استطعت منهم﴾ واستزلهم بوسوستك، والفز: الخفيف، و ﴿أجلب﴾ من الجلبة وهي الصياح، أي: صح " بخيلك ورجلك " واحشرهم عليهم، والرجل: اسم جمع للراجل، ونظيره الركب والصحب، وقرئ: ﴿ورجلك﴾ (94) على أن فعلا بمعنى فاعل، يقال: رجل ورجل، أي: راجل، ومعناه: وجمعك الرجل (95) ﴿وشاركهم في الأموال والأولاد﴾ يريد كل معصية يحملهم عليها: في باب الأموال كالربا والإنفاق في الفسق ومنع الزكاة، وفي باب الأولاد بالزنا ودعوى الولد بغير سبب ﴿وعدهم﴾ بالمواعيد الكاذبة من: شفاعة الآلهة وتمني البقاء وطول الأمل.

﴿إن عبادي﴾ الصالحين ﴿ليس لك عليهم سلطن﴾ أي: لا تقدر أن تغويهم لأنهم لا يغترون بك ﴿وكفي بربك وكيلا﴾ لهم، يتوكلون عليه في الاستعاذة منك فيحفظهم من شرك.

﴿ربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما (66) وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجيكم إلى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا (67) أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا (68) أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا (69)﴾

﴿يزجى لكم الفلك﴾ أي: يسير ويجري لكم السفن ﴿في البحر﴾.

﴿وإذا مسكم الضر﴾ أي: خوف الغرق ﴿ضل من تدعون﴾ أي: ذهب عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه ﴿إلا إياه﴾ وحده، فلا ترجون هناك النجاة إلا من عنده، ولا يخطر ببالكم أن غيره يقدر على إنقاذكم ﴿فلما نجيكم﴾ من البحر ﴿إلى البر﴾ فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض.

و ﴿جانب البر﴾ منصوب ب? ﴿يخسف﴾ مفعول به، كالأرض في قوله: ﴿فخسفنا به وبداره الأرض﴾ (96)، و ﴿بكم﴾ حال، والمعنى: أن يقلب جانب البر وأنتم عليه ﴿أو يرسل عليكم حاصبا﴾ وهي الريح التي تحصب، أي: ترمي بالحصباء، والمعنى: وإن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها ﴿ثم لا تجدوا لكم وكيلا﴾ حافظا يصرف عنكم ذلك.

﴿أم أمنتم أن﴾ يقوي دواعيكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم ﴿ف?﴾ ينتقم منكم بأن ﴿يرسل عليكم قاصفا﴾ وهي ﴿الريح﴾ التي لها قصيف، أي: صوت شديد، كأنها تتقصف أي: تتكسر، وقيل: هي التي لا تمر بشئ إلا قصفته (97) ﴿فيغرقكم﴾ وقرئ بالتاء (98) يعني: الريح، وبالنون (99)، وكذلك ﴿يخسف﴾ و ﴿يرسل﴾، و ﴿يعيدكم﴾ قرئ بالياء والنون (100) ﴿بما كفرتم﴾ أي: بكفرانكم النعمة في الإنجاء، والتبيع: المطالب من قوله: ﴿فاتباع بالمعروف﴾ (101) أي: مطالبة، قال الشماخ: كما لاذ الغريم من التبيع (102) المعنى: أنا نفعل ما نفعل بهم ﴿ثم لا تجدوا﴾ أحدا يطالبنا بما فعلنا، انتصارا منا.

﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70) يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتى كتبه بيمينه فأولئك يقرءون كتبهم ولا يظلمون فتيلا (71) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)﴾ يعني: ﴿كرمنا﴾ هم بالنطق والعقل والتمييز والصورة الحسنة والقامة المعتدلة، وتدبير أمر المعاش والمعاد، وبتسليطهم على ما في الأرض، وتسخير سائر الحيوانات لهم ﴿وحملناهم في البر﴾ على الدواب ﴿و﴾ في ﴿البحر﴾ على السفن ﴿وفضلناهم على كثير ممن خلقنا﴾ هو ما سوى الملائكة، لأن الفضل عام في جنس الملائكة وخاص في بني آدم.

﴿بإمامهم﴾ بمن ائتموا به من نبي أو إمام أو كتاب.

الصادق (عليه السلام): " ألا تحمدون الله؟إذا كان يوم القيامة فدعي كل قوم إلى من يتولونه، وفزعنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفزعتم إلينا، فإلى أين ترون يذهب بكم؟إلى الجنة ورب الكعبة " قالها ثلاثا (103).

﴿فمن أوتى﴾ من هؤلاء ﴿كتبه بيمينه فأولئك﴾ إشارة إلى ﴿من﴾ لأنه في معنى الجمع ﴿يقرءون كتبهم﴾ لا يجبنون (104) عن قراءته لما يرون فيه من مواجب السرور ﴿ولا يظلمون فتيلا﴾ هو المفتول الذي في شق النواة، أي: لا ينقصون من ثوابهم أدنى شئ.

﴿ومن كان في﴾ الدنيا ﴿أعمى﴾ لا يهتدي إلى طريق النجاة ﴿فهو في الآخرة أعمى﴾ لا يهتدي إلى طريق الجنة، وجوز أن يكون الثاني بمعنى التفضيل، ولذلك قرأ أبو عمرو الأول ممالا والثاني بالتفخيم (105)، لأن أفعل التفضيل تمامه ب? " من " فكانت ألفه كأنها في وسط الكلمة، كقولك: أعمالكم.

﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا (73) ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا (74) إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا (75) وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا (76) سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا (77)﴾

﴿إن﴾ هذه مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، ومعناه: أن الحديث أو الأمر قاربوا أن يصرفوك ﴿عن﴾ القرآن ﴿الذي أوحينا إليك﴾ أي: عن حكمه، لتضيف إلينا ما لم ننزله عليك ﴿وإذا لاتخذوك خليلا﴾ أي: ولو اتبعت مرادهم لأظهروا خلتك.

روي: أن قريشا قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله): لا ندعك تستلم الحجر الأسود حتى تلم (106) بآلهتنا، فقال في نفسه: ما علي في أن ألم بها والله يعلم أني لها كاره ويدعوني أستلم الحجر، فأنزلت (107).

وروي غير ذلك وهو مذكور في موضعه (108).

﴿ولولا أن ثبتناك﴾ أي: لولا تثبيتنا لك بالعصمة والألطاف ﴿لقد﴾ قاربت أن تميل ﴿إليهم﴾ أدنى ميل فتعطيهم بعض ما سألوك.

﴿إذا لأذقناك ضعف﴾ عذاب ﴿الحياة وضعف﴾ عذاب ﴿الممات﴾ يعني: عذاب الدنيا والآخرة مضاعفين، أي: لضاعفنا لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا وما نؤخره لما بعد الموت، وفي هذا دليل على أن القبيح يكون عظم قبحه على مقدار عظم شأن فاعله.

وعن ابن عباس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) معصوم، وإنما هو تخويف لئلا يركن مؤمن إلى مشرك في شئ من أحكام الله تعالى (109).

﴿وإن كادوا﴾ يعني: قريشا ﴿ليستفزونك﴾ ليزعجونك ﴿من الأرض﴾ أرض مكة بالإخراج ﴿وإذا لا يلبثون﴾ أي: لا يبقون بعد إخراجك ﴿إلا﴾ زمانا ﴿قليلا﴾ فإن الله يهلكهم وقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل، أو: إلا ناسا قليلا منهم يريد من انفلت منهم يوم بدر ومن آمن، وقيل: من أرض المدينة، لأن اليهود قالوا له: إن الأنبياء بعثوا بالشام وهي مهاجر إبراهيم، فلو خرجت إلى الشام لامنا بك، فهم بالخروج إلى الشام فنزلت (110)، وقرئ: " خلفك " (111) و ﴿خلفك﴾ ومعناهما واحد، قال: عفت الديار خلافهم فكأنما * بسط الشواطب بينهن حصيرا (112) أي: بعدهم ﴿سنة من قد أرسلنا﴾ يعني: أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بينهم فسنة أن يهلكهم، وانتصابه بأنه مصدر مؤكد، أي: سن الله ذلك سنة.

﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا (78) ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطنا نصيرا (80) وقل جاء الحق وزهق البطل إن البطل كان زهوقا (81) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا (82)﴾ الدلوك: الزوال، وقيل: هو الغروب (113)، والأول أصح، لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس، فصلاتا دلوك الشمس: الظهر والعصر، وصلاتا ﴿غسق الليل﴾: المغرب والعشاء الآخرة، والمراد ب? ﴿قرءان الفجر﴾: صلاة الفجر، و ﴿غسق الليل﴾: أول بدو الليل وظلمته ﴿مشهودا﴾ يشهده ملائكة الليل والنهار، يصعد هؤلاء وينزل هؤلاء، فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار، ويجوز أن يكون ﴿وقرآن الفجر﴾ حثا على طول القراءة في صلاة الفجر لكونها مشهودة بالجماعة الكثيرة ليسمع الناس القرآن فيكثر الثواب ﴿ومن الليل﴾ وعليك بعض الليل ﴿فتهجد به﴾ والتهجد: ترك الهجود للصلاة، ونحوه: التأثم والتحرج، ويقال للنوم: التهجد أيضا ﴿نافلة لك﴾ أي: عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس، وضع ﴿نافلة﴾ موضع تهجدا، لأن التهجد عبادة زائدة فجمعهما معنى واحد، فالمعنى: أن التهجد زيد لك على الصلوات المكتوبة فريضة عليك خاصة وتطوعا لغيرك، وقيل: معناه: نافلة لك ولغيرك (114)، وخص بالخطاب لما في ذلك من دعاء الغير (115) إلى الاستنان بسنته ﴿مقاما محمودا﴾ نصب على الظرف، أي: ﴿عسى أن يبعثك ربك﴾ فيقيمك مقاما محمودا، أو ضمن ﴿يبعثك﴾ معنى: يقيمك، ويجوز أن يكون حالا بمعنى: ذا مقام محمود، ومعنى المقام المحمود: المقام الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة، يسأل فيه فيعطى، ويشفع فيه فيشفع، ويشرف فيه على جميع الخلائق فيوضع في كفه لواء الحمد يجتمع تحته الأنبياء والملائكة.

و ﴿مدخل﴾ و ﴿مخرج﴾ بمعنى المصدر، أي: ﴿أدخلني﴾ في جميع ما أرسلتني به إدخالا مرضيا ﴿وأخرجني﴾ منه إخراجا مرضيا يحمد عاقبته، وقيل: يريد إدخاله مكة ظاهرا عليها بالفتح وإخراجه منها سالما (116)، وقيل: هو عام (117) ﴿سلطنا﴾ حجة تنصرني على من خالفني، أو ملكا وعزا ناصرا للإسلام على الكفر، فأجيبت دعوته بقوله: ﴿ليظهره على الدين كله﴾ (118)، ﴿فإن حزب الله هم الغالبون﴾ (119).

وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما لقبائل العرب يحجون إليها، فلما نزلت هذه الآية يوم الفتح قال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): خذ مخصرتك (120) ثم ألقها، فجعل يأتي صنما صنما وينكت بالمخصرة في عينه ويقول: ﴿جاء الحق وزهق البطل﴾، فينكب الصنم لوجهه، فألقاها جميعا، وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر، فقال: يا علي ارم به، فحمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى صعد فرمى به فكسره، فجعل أهل مكة يتعجبون ويقولون: ما رأينا رجلا أسحر من محمد (صلى الله عليه وآله) (121).

﴿وزهق البطل﴾ هلك وذهب، من قولهم: زهقت نفسه: إذا خرجت، و ﴿الحق﴾ الإسلام، و ﴿البطل﴾ الشرك ﴿كان زهوقا﴾ أي: مضمحلا غير ثابت.

﴿من القرآن﴾: ﴿من﴾ للتبيين أو للتبعيض، أي: كل شئ نزل من القرآن فهو ﴿شفاء... للمؤمنين﴾ يزدادون به إيمانا، فيقع منهم موقع الشفاء من المرضى.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله): " من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله " (122).

ولا يزداد به الكافرون ﴿إلا خسارا﴾ أي: نقصانا، لتكذيبهم به وكفرهم.

﴿وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا (83) قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا (84) ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا (86) إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا (87)﴾

﴿وإذا أنعمنا على الانسان﴾ بالصحة والغناء ﴿أعرض﴾ عن ذكر الله تعالى كأنه مستغن عنه ﴿ونا بجانبه﴾ تأكيد للإعراض، لأن معنى الإعراض عن الشئ: أن يوليه عرض وجهه، ومعنى النأي بالجانب: أن يوليه ظهره، أو يريد التجبر والاستكبار، لأن ذلك من عادة المتكبر المعجب بنفسه ﴿وإذا مسه الشر﴾ أي: المحنة والشدة، أو الفقر ﴿كان يئوسا﴾ شديد القنوط واليأس من رجاء الفرج، وقرئ: " وناء بجانبه " (123) قدم اللام على العين كما قالوا: " راء " في " رأى "، أو يكون من ناء: إذا نهض.

﴿قل كل﴾ أحد ﴿يعمل على شاكلته﴾ أي: مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال، بدلالة قوله: ﴿فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا﴾ أي: أسد طريقة وأصوب مذهبا.

﴿الروح﴾ المسؤول عنه هو الروح الذي في الحيوان، سئل (صلى الله عليه وآله) عن حقيقته فأخبر أنه ﴿من أمر﴾ الله (124)، أي: مما استأثر الله به، وقيل: إن اليهود قالت: إن أجاب محمد عن الروح فليس بنبي، وإن لم يجب فهو نبي فإنا نجد في كتبنا ذلك (125)، وقيل: هو جبرئيل (126) أو ملك من الملائكة يقوم صفا والملائكة صفا (127)، وقيل: هو القرآن (128)، و ﴿من أمر ربى﴾ أي: من وحيه وكلامه، ليس من كلام البشر ﴿وما أوتيتم﴾ الخطاب عام ﴿إلا قليلا﴾ أي: شيئا يسيرا، لأن معلومات الله سبحانه لا نهاية لها.

﴿لنذهبن﴾ جواب قسم محذوف وسد مسد جواب الشرط، والمعنى: إن ﴿شئنا﴾ ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور فلم نترك له أثرا ﴿ثم لا تجد لك﴾ بعد الذهاب ﴿به﴾ من يتوكل ﴿علينا﴾ باسترداده وإعادته محفوظا مسطورا.

﴿إلا رحمة من ربك﴾ إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك، كأن رحمته تتوكل عليه بالرد، أو يكون استثناء منقطعا بمعنى: ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به، وهذا امتنان منه سبحانه ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة في تنزيله وتحفيظه.

﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88) ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا (89) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خللها تفجيرا (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتبا نقرؤه قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا (93)﴾ أي: لو تظاهر الثقلان ﴿على أن يأتوا بمثل هذا القرآن﴾ في فصاحته وبلاغته وحسن تأليفه ونظمه لعجزوا عن الإتيان ﴿بمثله﴾.

﴿ولقد صرفنا للناس﴾ أي: بينا لهم وكررنا ﴿من كل﴾ معنى هو كالمثل في حسنه وغرابته، وقد احتاجوا إليه في دينهم ودنياهم فلم يرضوا ﴿إلا كفورا﴾ أي: جحودا.

ولما تبين إعجاز القرآن، وانضاف إليه غيره من المعجزات ﴿و﴾ لزمتهم الحجة " قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر " (129) أي: تفتح ﴿لنا من﴾ أرض مكة ﴿ينبوعا﴾ أي: عينا ينبع منه الماء لا ينقطع، وهو يفعول كيعبوب (130) من عب، وقرئ: ﴿تفجر﴾ بالتخفيف.

وقولهم: ﴿كما زعمت﴾ عنوا به قوله تعالى: ﴿إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء﴾ (131) وقرئ: ﴿كسفا﴾ بفتح السين وسكونه (132) جمع كسفة ﴿قبيلا﴾ أي: كفيلا بما تقول، شاهدا بصحته، والمعنى: ﴿أو تأتى بالله﴾ قبيلا ﴿و﴾ ب? ﴿الملائكة﴾ قبلا (133)، كقوله: رماني بأمر كنت منه ووالدي * بريئا ومن جول الطوي رماني (134) أو يريد: مقابلا لنا حتى نشاهده ونعاينه، أو جمع قبيلة أي: جماعة، حالا من ﴿الملائكة﴾.

والزخرف: الذهب ﴿أو ترقى في﴾ معارج ﴿السماء﴾ فحذف المضاف ﴿ولن نؤمن﴾ لأجل رقيك ﴿حتى تنزل علينا﴾ من السماء ﴿كتبا﴾ فيه تصديقك، وإنما قصدوا بهذه الاقتراحات اللجاج والعناد ﴿قل سبحان ربى﴾ وقرئ: " قال سبحان ربي " (135)، تعجب من اقتراحاتهم عليه ﴿هل كنت إلا بشرا﴾ مثل سائر الرسل، وقد كانوا لا يأتون أممهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات، وليس أمر الآيات إلي، إنما هو إلى الله وهو العالم بالمصالح، فلا وجه لطلبكم إياها مني.

﴿وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا (94) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا (95) قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا (96) ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا (97) ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا (98) أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا (99) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى إذا لأمسكتم خشية الانفاق وكان الانسان قتورا (100)﴾ أي: ﴿وما منع الناس﴾ الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿إلا﴾ إنكارهم أن يرسل الله البشر، ف? ﴿أن﴾ الأولى مفعول ثان ل? ﴿منع﴾، و ﴿أن﴾ الثانية فاعل (136) والهمزة في ﴿أبعث الله﴾ للإنكار، فبين سبحانه أن ما أنكروه غير منكر وإنما المنكر خلافه عند الله، لأن حكمته البالغة تقتضي أن لا يرسل الملك بالوحي إلا إلى الأنبياء أو إلى أمثاله من الملائكة، ثم قرر سبحانه بأنه ﴿لو كان في الأرض ملائكة يمشون﴾ على أرجلهم ﴿مطمئنين﴾ ساكنين في الأرض لنزل الله ﴿عليهم من السماء ملكا رسولا﴾ يهديهم إلى الرشد ويعلمهم الدين، فأما الإنس فإنما يرسل الملك إلى من يختاره منهم للنبوة فيقوم بدعوتهم وإرشادهم.

﴿شهيدا بيني وبينكم﴾ على أني قضيت ما علي من التبليغ وأنكم كذبتم ﴿إنه كان بعباده خبيرا﴾ عالما بأحوالهم، وهذا وعيد للكفار وتسلية للنبي (صلى الله عليه وآله)، و ﴿شهيدا﴾ تمييز أو حال.

﴿ومن يهد الله﴾ أي: يوفقه ﴿فهو المهتد ومن يضلل﴾ ومن يخذل ﴿فلن تجد لهم أولياء﴾ أي: أنصارا ﴿على وجوههم﴾ يسحبون عليها إلى النار كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه ﴿عميا﴾ عما يسرهم ﴿بكما﴾ عن التكلم بما ينفعهم ﴿صما﴾ عما يمتعهم، كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه، ويجوز أن يحشروا وقد إيفت (137) حواسهم من الموقف إلى النار بعد الحساب، فقد أخبر عنهم بأنهم يتكلمون ﴿كلما خبت﴾ أي: كلما احترقت (138) لحومهم فسكن لهبها بدلوا غيرها فرجعت ملتهبة مستعرة.

﴿ذلك جزاؤهم﴾ وهو تسليط النار على أجزائهم تأكلها وتفنيها ثم إعادتها، ليزيد بذلك تحسرهم على التكذيب بالبعث.

﴿أولم﴾ يعلموا ﴿أن﴾ من قدر على خلق ﴿السماوات والأرض﴾ فهو ﴿قادر على﴾ خلق أمثالهم من الإنس، لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن كما قال: ﴿أأنتم أشد خلقا أم السماء﴾ (139) ﴿وجعل لهم أجلا لا ريب فيه﴾ وهو الموت أو القيامة، فأبوا مع وضوح الدليل ﴿إلا﴾ الجحود.

﴿قل لو أنتم تملكون﴾ تقديره: لو تملكون أنتم تملكون، لأن " لو " لا تدخل إلا على الفعل، فأضمر " تملكون " على شريطة التفسير، وأبدل من الضمير المتصل الذي هو الواو ضمير منفصل وهو ﴿أنتم﴾، ف? ﴿أنتم﴾ فاعل الفعل المضمر و ﴿تملكون﴾ تفسيره، أي: لو ملكتم ﴿خزائن﴾ أرزاق الله ونعمه على خلقه ﴿لأمسكتم﴾ شحا وبخلا، والقتور: البخيل، وقيل: هو جواب قولهم: ﴿لن نؤمن لك حتى تفجر لنا﴾ (140) وما اقترحوه من الزخرف وغيره، ويريد: أنهم لو ملكوا خزائن الله لبخلوا بها (141).

﴿ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا (101) قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يفرعون مثبورا (102) فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا (103) وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا (104) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا (105)﴾ الآيات التسع: هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي رفع فوق بني إسرائيل، هذا قول ابن عباس (142)، وقد ذكر أيضا: الطوفان والسنون ونقص من الثمرات مكان الحجر والبحر والطور (143)، وقيل: إنها تسع آيات في الأحكام، فروي: أن بعض اليهود سأل رسول الله عن ذلك فقال: أوحى الله إلى موسى أن: قل لبني إسرائيل: لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وأنتم يا يهود خاصة لا تعدوا في السبت، فقبل اليهودي يده وقال: أشهد أنك نبي (144).

﴿فسل بني إسرائيل﴾ أي: سلهم من فرعون وقل له: أرسل معي بني إسرائيل، أو سلهم عن حال دينهم، أو سلهم أن يعاضدوك، وقيل: معناه: فسأل يا رسول الله المؤمنين من بني إسرائيل وهم عبد الله بن سلام وأصحابه لتزداد يقينا وطمأنينة قلب (145)، وعلى القول الأول تعلق ﴿إذ جاءهم﴾ بالقول المحذوف، أي فقلنا له: سلهم، وأما على القول الثاني فتعلق ب? ﴿آتينا﴾ أو بإضمار " أذكر "، والمعنى: إذ جاء آباءهم (146) ﴿مسحورا﴾ سحرت فخولط عقلك.

﴿لقد علمت﴾ يا فرعون ﴿ما أنزل هؤلاء﴾ الآيات ﴿إلا رب السماوات والأرض بصائر﴾ حججا وبينات مكشوفات ولكنك معاند، وقرئ: " علمت " (147) بمعنى: لست بمسحور بل أنا عالم بصحة الأمر، ثم قابل ظنه بظنه، فكأنه قال: إن ظننتني مسحورا ف? ﴿إني﴾ أظنك ﴿مثبورا﴾ هالكا، وظني أصح من ظنك، فإن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما تعرف صحته وعنادك.

﴿فأراد﴾ فرعون ﴿أن﴾ يستخف موسى وقومه ﴿من﴾ أرض مصر ويخرجهم منها، أو ينفيهم عن ظهر ﴿الأرض﴾ بالقتل، فاستفززناه: بأن أغرقناه وقومه بأجمعهم.

﴿وقلنا... لبني إسرائيل اسكنوا﴾ أرض مصر ﴿فإذا جاء وعد الآخرة﴾ وهو قيام الساعة ﴿جئنا بكم لفيفا﴾ جميعا مختلطين ثم يحكم بينكم، واللفيف: الجماعات من قبائل شتى.

﴿وبالحق أنزلناه﴾ أي: ما أنزلنا القرآن إلا بالحق والحكمة ﴿و﴾ ما ﴿نزل﴾ إلا بالحكمة، لاشتماله على الهداية إلى الخيرات ﴿وما أرسلناك إلا﴾ لتبشرهم وتنذرهم.

﴿وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا (106) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا (107) ويقولون سبحن ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا (108) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا (109) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا (110) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا (111)﴾

﴿وقرآنا﴾ منصوب بفعل مضمر يفسره: " فرقناه " (148) وقرئ بالتخفيف، وروي عن علي (عليه السلام) بالتشديد وعن ابن عباس وأبي وغيرهم (149)، ومعنى المشدد: وجعلناه مفرقا منجما في النزول ﴿على مكث﴾ أي: على تثبت وتؤدة (150) وترتيل ليكون أمكن في قلوبهم ﴿ونزلناه﴾ على حسب الحاجة والحوادث.

وعن ابن عباس: لان أقرأ سورة البقرة وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذا (151) (152).

﴿قل آمنوا به أو لا تؤمنوا﴾ أمر بالإعراض عنهم وقلة الاكتراث بهم وبإيمانهم، وأنهم لم يدخلوا في الإيمان، فإن من هم أفضل منهم من الذين قرأوا الكتاب وعلموا الشرائع قد آمنوا به وصح عندهم أنه النبي الموعود في كتبهم، ف? ﴿إذا﴾ تلي ﴿عليهم﴾ خروا ﴿سجدا﴾ تعظيما لأمر الله، ولإنجازه ما وعده في الكتب المنزلة من بعثة محمد (صلى الله عليه وآله) وإنزال القرآن عليه، وهو المراد بالوعد في قوله: ﴿إن كان وعد ربنا لمفعولا﴾ أي: إنه كان وعد الله حقا كائنا، وإنما ذكر الذقن لأن الساجد أقرب شئ منه إلى الأرض ذقنه، ومعنى اللام: الاختصاص، لأنهم جعلوا أذقانهم ووجوههم للسجود والخرور.

وكرر قوله: ﴿يخرون للأذقان﴾ لاختلاف الحالين، وهما: خرورهم في حال كونهم ساجدين، وخرورهم في حال كونهم باكين ﴿ويزيدهم﴾ القرآن ﴿خشوعا﴾ أي: لين قلب وتواضعا لله.

والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء، وهو يتعدى إلى مفعولين، تقول: دعوته زيدا، ثم تترك أحد المفعولين استغناء عنه فتقول: دعوت زيدا، و ﴿الله﴾ و ﴿الرحمن﴾ يريد بهما الاسم لا المسمى، و ﴿أو﴾ للتخيير، أي: سموا الله بهذا الاسم أو بهذا، والتنوين في " أي " عوض من المضاف إليه، و ﴿ما﴾ مزيدة مؤكدة للشرط، و ﴿تدعوا﴾ مجزوم بالشرط الذي يتضمنه " أي " والمعنى: أي هذين الاسمين سميتم أو ذكرتم ﴿فله الأسماء الحسنى﴾، والضمير في ﴿له﴾ لا يرجع إلى أحد الاسمين لكن إلى مسماهما وهو ذاته عز اسمه، لأن التسمية للذات لا للاسم، والمراد: ﴿أيا﴾ ما تدعوه فهو حسن، فوضع موضعه ﴿فله الأسماء الحسنى﴾ لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها، والمعني في كون أسمائه أحسن الأسماء: أنها تستقل بمعاني التمجيد والتعظيم والتقديس.

﴿ولا تجهر ب?﴾ قراءة ﴿صلاتك﴾ حذف المضاف لفقد الالتباس، لأن الجهر والمخافتة معلوم أنهما صفتان للصوت لاغير، والصلاة عبارة عن أفعال مخصوصة وأذكار ﴿وابتغ بين﴾ الجهر والمخافتة ﴿سبيلا﴾ وسطا، وقيل: بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار (153)، وقيل: بصلاتك: بدعائك (154).

﴿ولى من الذل﴾ ناصر من الذل ومانع له منه يتعزز به، أو: لا يوالي أحدا من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته.


1- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 6 ص 443 ما لفظه: هي مكية في قول مجاهد وقتادة، وهي مائة واحدى عشرة آية في الكوفي، ومائة وعشر آيات في البصري والمدني. وقال الماوردي البصري في تفسيره: ج 3 ص 223: مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثماني آيات من قوله تعالى: * (وإن كادوا ليفتنونك) * إلى قوله: * (سلطنا نصيرا) *. وقال الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 646: مكية إلا الآيات 26 و 32 و 33 و 57، ومن آية 73 إلى غاية آية 80 فمدنية، وآياتها 111، نزلت بعد القصص. وقال الثعالبي في جواهره: ج 2 ص 248: هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات، قال ابن مسعود في بني إسرائيل والكهف: إنهما من العتاق الأول، وهن من تلادي، يريد: انهن من قديم كسبه.

2- الآية: 107.

3- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 701 مرسلا، وفيه " قنطار " بدل " قنطارين ".

4- ثواب الأعمال للصدوق: ص 133.

5- في بعض النسخ: سبحانا.

6- روي عن طلحة بن عبيد الله أنه قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن معنى " سبحان الله " فقال: " تنزيها لله من كل سوء ". ذكرها النحاس في إعرابه: ج 2 ص 413.

7- في بعض النسخ زيادة: " به ".

8- قاله مقاتل. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 92.

9- الأورق من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد. (الصحاح: مادة ورق).

10- الثنية: طريق العقبة (الصحاح: مادة ثنى).

11- رواه الشيخ الطوسي في تبيانه: ج 6 ص 446.

12- وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء وحده. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 497.

13- وهو قول الزجاج في معانيه: ج 3 ص 226.

14- النساء: 69.

15- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1 ص 335 باب ما يستحب من الدعاء في كل صباح ح 981، علل الشرائع له: ج 1 ص 29 باب 21.

16- لم نعثر فيما توفرت لدينا من كتب الخاصة ممن تنسب هذه القراءة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)

إلا وتعزيها إلى كتب المصنف (رحمه الله)، وأما كتب العامة فتنسبها إلى زيد بن علي (عليه السلام) والحسن. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 78، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 6 ص 9.

17- وهو قول سعيد بن المسيب. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 229.

18- الأنعام: 129.

19- قاله أبو مسلم. راجع تفسير الآلوسي: ج 15 ص 18.

20- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 650.

21- قرأه ابن عامر وحمزة وأبو بكر. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 497.

22- وهي قراءة الكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 378.

23- قاله قتادة. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 107.

24- قاله الرازي في تفسيره: ج 20 ص 164.

25- قاله ابن عيينة على ما حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 652.

26- ويضرب فيمن تلبس بخصلة قبيحة - على الأغلب - بحيث لا تزايله ولا تفارقه حتى يفارق طوق الحمامة الحمامة. وقد تقدم ذكره. راجع مجمع الأمثال للميداني: ج 1 ص 153.

27- قرأه يحيى بن وثاب. راجع تفسير القرطبي: ج 10 ص 229.

28- قرأه أبو جعفر. راجع التبيان: ج 6 ص 455.

29- قرأه ابن عباس والحسن ومجاهد وابن محيصن وأبو جعفر ويعقوب. راجع تفسير القرطبي: ج 10 ص 229.

30- وهي قراءة ابن عامر وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 378.

31- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 653.

32- القداح: جمع قدح وهو السهم قبل أن يراش ويركب نصله. (الصحاح: مادة قدح).

33- قال الآلوسي: حكاه أبو حاتم عن أبي زيد، واختاره الفارسي. راجع روح المعاني: ج 15 ص 44.

34- رواه ابن حجر في فتح الباري: ج 8 ص 395، والهيثمي في مجمع الزوائد: ج 5 ص 258. والسكة: الطريقة المصطفة من النخل، والمأبورة: الملقحة، والمهرة: ولد الفرس إذا كانت أنثى، ومأمورة: كثيرة النسل.

35- قرأه يعقوب. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 498.

36- قاله القفال على ما حكاه عنه الرازي في تفسيره: ج 20 ص 178.

37- قاله الفراء والزمخشري على ما حكاه عنهما أبو حيان في البحر المحيط: ج 6 ص 22.

38- كذا في جميع النسخ.

39- قرأه حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 379.

40- الظاهر من عبارة المصنف هنا أنه يعتمد على قراءة الكسر من غير تنوين كما هو واضح.

41- وهي قراءة ابن كثير وابن عامر. راجع المصدر نفسه.

42- الآية: 67.

43- الآية: 17.

44- هو قعنب بن أبي قعنب العدوي البصري، أبو السمال، واشتهر أن له اختيارا في القراءات شاذا عن الجمهور. انظر النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: ج 2 ص 27.

45- انظر شواذ القرآن لابن خالويه: ص 79.

46- تفسير العياشي: ج 2 ص 285 ح 38.

47- مريم: 42 و 43 و 44 و 45.

48- قاله مجاهد. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 110.

49- هو لبيد بن ربيعة بن مالك، أبو عقيل، كان من شعراء الجاهلية وفرسانهم، أدرك الإسلام وترك الشعر وسكن الكوفة، عاش عمرا طويلا، وهو أحد أصحاب المعلقات، مات في أول خلافة معاوية وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 148 - 156.

50- البيت من معلقته التي مطلعها: عفت الديار محلها فمقامها * بمنى تأبد غولها فرجامها والتي قال له النابغة لما سمعها منه: اذهب فأنت أشعر العرب. وفيها تمجيد لأيامه وافتخار لأفعاله. انظر ديوان لبيد بن ربيعة: ص 176.

51- صحيح مسلم: ج 4 كتاب البر والصلة ب 3 ص 1978.

52- رواه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 660.

53- حكاه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 6 ص 468، والبغوي في تفسيره: ج 3 ص 112 كلاهما عن علي بن الحسين (عليهما السلام).

54- هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الخزرجي الأنصاري، صحابي وممن لازمه (صلى الله عليه وآله)، أول مشاهده الخندق، وكان ممن حفظ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سننا كثيرة، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم، توفي بالمدينة سنة 74 ه?. انظر الاستيعاب: ج 2 ص 602 برقم 954.

55- التبيان: ج 6 ص 468، تفسير ابن كثير: ج 3 ص 36.

56- حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 6 ص 469.

57- مسند أحمد: ج 2 ص 221، اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 2 ص 370.

58- قاله جابر على ما حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 662.

59- يظهر من عبارة المصنف (رحمه الله) أنه يعتمد هنا على قراءة فتح الخاء والطاء كما هو واضح من مثاله.

60- قرأه ابن كثير وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 379.

61- وقراءة التاء هي قراءة حمزة والكسائي وابن عامر. راجع المصدر السابق.

62- وهو قول أبي علي كما في التبيان: ج 6 ص 473.

63- التكوير: 9.

64- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 380.

65- في بعض النسخ: القافية.

66- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 666.

67- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 380.

68- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 668.

69- قرأه حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 500.

70- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 669.

71- الأنبياء: 22.

72- مفعم: مملوء، يقال: أفعمت الإناء: إذا ملأته. (الصحاح: مادة فعم).

73- وهو قول أسماء بنت أبي بكر كما في تفسير الآلوسي: ج 15 ص 88.

74- العود: الطريق القديم، يقال: رجع عوده على بدئه: إذا رجع في الطريق الذي جاء منه. (الصحاح: مادة عود).

75- شئ غض وغضيض: أي طري. (الصحاح: مادة غضض).

76- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 672.

77- قاله ابن عباس. راجع تفسير البحر المحيط لأبي حيان: ج 6 ص 49.

78- في بعض النسخ زيادة: لا يجبركم على الإسلام.

79- الأنبياء: 105.

80- قاله ابن عباس ومجاهد والحسن. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 120.

81- وهو قول ابن مسعود. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 250.

82- قاله مقاتل. راجع تفسير الرازي: ج 20 ص 233.

83- في نسخة: حكمته.

84- القمر: 45.

85- آل عمران: 12.

86- قاله الكلبي. راجع تفسير السمرقندي: ج 2 ص 274.

87- وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وإبراهيم وابن جريج وابن زيد ومجاهد والضحاك. راجع التبيان: ج 6 ص 494، وتفسير الطبري: ج 8 ص 101.

88- الفتح: 27.

89- قاله ابن عباس. راجع التبيان: ج 6 ص 494.

90- قاله سهل بن سعد، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام). راجع التبيان: ج 6 ص 494، وتفسير الماوردي: ج 3 ص 253.

91- قاله سعيد بن المسيب وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام). راجع التبيان: ج 6 ص 494.

92- وهو قول ابن عباس والحسن وأبي مالك وسعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد وقتادة وابن زيد والضحاك. راجع التبيان: ج 6 ص 494، وتفسير الماوردي: ج 3 ص 253.

93- طه: 97.

94- الظاهر أن المصنف قد اعتمد هنا على قراءة سكون الجيم تبعا للزمخشري كما هو واضح منه.

95- في نسخة: " الراجل ".

96- القصص: 81.

97- قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج 1 ص 385.

98- قرأه أبو جعفر ورويس ومجاهد وشيبة. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 501، وتفسير القرطبي: ج 10 ص 293.

99- وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. راجع التذكرة في القراءات: ج 2 ص 501.

100- وبالنون قرأه ابن كثير وأبو عمرو. راجع التبيان: ج 6 ص 501.

101- البقرة: 178.

102- وصدره: يلوذ ثعالب الشرقين منها. وفيه يصف فرار مجموعة من الثعالب من هجمات العقبان، يقول: إنها تلوذ من العقبان كما يفر الغريم من المطالب. انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 443.

103- المناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 65.

104- في بعض النسخ: لا يجتنبون.

105- انظر تفسير القرطبي: ج 10 ص 299.

106- الإلمام: النزول، وألم به: إذا نزل به. (الصحاح: مادة لمم).

107- رواه سعيد بن جبير كما في تفسير الماوردي: ج 3 ص 259.

108- وهو ما رواه ابن عباس. راجع المصدر السابق.

109- حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 10 ص 300.

110- وهو قول الكلبي. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 127.

111- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم برواية أبي بكر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 383.

112- قائله هو الحارث بن خالد المخزومي، وفيه يصف ديار الأحبة بعد رحيلهم، وأنها بقيت غير مكنوسة وفيها ركام السعف المتساقط، كأنها بسط فيها السعف بسطا. انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ج 1 ص 387.

113- قاله مجاهد عن ابن عباس وابن مسعود وابن زيد. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 262.

114- قاله مجاهد: راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 264.

115- في بعض النسخ: الخير.

116- قاله الضحاك. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 132.

117- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 688.

118- التوبة: 33.

119- المائدة: 56.

120- المخصرة: كل ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوه. (الصحاح: مادة خصر).

121- وهو ما رواه ابن مسعود كما في تفسير القرطبي: ج 10 ص 314.

122- تفسير الرازي: ج 21 ص 34.

123- قرأه ابن ذكوان وابن عامر. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 501.

124- ذكر الشيخ المصنف (رحمه الله) الخبر مجملا، ولإتمام الفائدة نورده بلفظه: عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: بينما أنا أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حرث إذ مر

بنفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقالوا: ما رابكم إليه؟لا يستقبلكم بشئ تكرهونه، فقالوا: سلوه، فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح، قال: فأسكت النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يرد عليه شيئا، فعلمت أنه يوحى إليه، قال: فقمت مكاني، فلما نزل الوحي قال: * (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) *. راجع صحيح مسلم: ج 4 ص 2152 ح 2794، سنن الترمذي: ج 5 ص 304 ح 3141.

125- قاله ابن عباس. راجع تفسير الطبري: ج 8 ص 142.

126- وقائله ابن عباس أيضا. راجع التبيان: ج 6 ص 515.

127- روي ذلك عن علي (عليه السلام). راجع المصدر السابق.

128- وهو قول الحسن. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 269.

129- الظاهر أن المصنف (رحمه الله) قد اعتمد على قراءة التشديد هنا تبعا للزمخشري، وهي القراءة المتداولة عند غير الكوفيين الذين قرؤوها بالتخفيف.

130- اليعبوب: الفرس الكثير الجري، وقيل: الطويل السريع، وقيل: السهل في عدوه. وأيضا النهر الشديد الجرية. (الصحاح ولسان العرب: مادة عبب).

131- سبأ: 9.

132- وبالسكون قرأه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 385.

133- في بعض النسخ: قبيلا.

134- اختلف في قائله، فقد نسبه سيبويه إلى ابن أحمر، وقيل: للأزرق بن طرفة، كما نسبه الأفندي إلى الفرزدق ولم نجده في ديوانه المطبوع. ومعناه واضح، وجول الطوي: جدار البئر من أعلاها إلى أسفلها، وفي المثل: رماني من جول الطوي: أي رماني بما هو راجع إليه. انظر كتاب سيبويه: ج 1 ص 75، وشرح شواهد الكشاف: ص 549.

135- قرأه ابن كثير وابن عامر وكذا هي في مصاحف أهل مكة والشام. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 385.

136- في بعض النسخ: فاعله.

137- إيفت حواسهم: أي أصابتها آفة، يقال: إيف الزرع: إذا أصابته آفة. (الصحاح: مادة أوف).

138- في بعض النسخ زيادة: جلودهم.

139- النازعات: 27.

140- الآية: 90.

141- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 261.

142- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 277.

143- وهو ما ذكره الحسن البصري في تفسيره: ج 2 ص 95.

144- هو ما رواه صفوان بن عسال عن النبي (صلى الله عليه وآله). راجع مسند أحمد: ج 4 ص 239، وسنن النسائي: ج 7 ص 111.

145- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 697.

146- في نسخة: إياهم.

147- قرأه الكسائي والأعشى. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 503.

148- الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا على التشديد.

149- كابن مسعود وقتادة وأبي رجاء العطاردي والشعبي وحميد وعمرو بن قائد وزيد بن علي وعمرو بن ذر وعكرمة والحسن. انظر تفسير القرطبي: ج 10 ص 339، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 6 ص 87.

150- التؤدة: التمهل والرزانة والتأني. (العين: مادة وأد).

151- الهذ: الاسراع في القراءة وفي القطع. (الصحاح: مادة هذذ).

152- سنن البيهقي: ج 2 ص 54 و 396 و ج 3 ص 13.

153- وهو قول الطبري في تفسيره: ج 8 ص 171.

154- قاله ابن عباس وعائشة وأبو عياض والنخعي وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد والزبير ومكحول. راجع التبيان: ج 6 ص 534، وتفسير البغوي: ج 3 ص 142.