سورة الرعد
مختلف فيها (1)، وهي خمس وأربعون آية بصري، وثلاث كوفي، عد غير الكوفي ﴿لفي خلق جديد﴾ (2)، ﴿الظلمات والنور﴾ (3).
في حديث أبي: " ومن قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة، وكان يوم القيامة من الموفين بعهد الله " (4).
وعن الصادق (عليه السلام): " من أكثر قراءة الرعد لم يصبه الله بصاعقة أبدا، وأدخل الجنة بغير حساب " (5).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (1) الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى يدبر الامر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون (2) وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (3)﴾
﴿تلك﴾ مبتدأ و ﴿آيات الكتاب﴾ خبره ﴿والذي أنزل إليك﴾ من القرآن كله هو ﴿الحق﴾ الذي لا مزيد عليه.
﴿الله﴾ مبتدأ و ﴿الذي رفع﴾ خبره، بدليل قوله: ﴿وهو الذي مد الأرض﴾، ويجوز أن يكون صفة وقوله: ﴿يدبر الامر يفصل الآيات﴾ خبرا بعد خبر ﴿ترونها﴾ كلام مستأنف بمعنى: وأنتم ترونها كذلك، ليس دونها دعامة ولا فوقها علاقة، وقيل: ﴿ترونها﴾ صفة ل? ﴿عمد﴾ (6)، وقرئ: " عمد " بضمتين (7)، يعني: بغير عمد مرئية، وإنما تعمدها قدرة الله عز وجل ﴿يدبر﴾ أمر ملكوته وأمور خلقه على الوجه الذي توجبه الحكمة ﴿يفصل﴾ آياته في كتبه المنزلة ﴿لعلكم... توقنون﴾ بالجزاء، وبأن هذا المدبر المفصل قادر على البعث والنشور، ولابد لكم من الرجوع إليه.
﴿مد الأرض﴾ بسطها طولا وعرضا ﴿وجعل فيها رواسي﴾ جبالا ثوابت ﴿ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين﴾ أي: خلق فيها من جميع أنواعها زوجين زوجين: أسود وأبيض وحلوا وحامضا ورطبا ويابسا وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة ﴿يغشى الليل النهار﴾ يلبس ظلمة الليل ضياء النهار فيصير مظلما بعد أن كان مضيئا.
﴿وفي الأرض قطع متجاورات وجنت من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء وا حد ونفضل بعضها على بعض في الاكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون (4) وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحب النار هم فيها خالدون (5)﴾
﴿قطع متجاورات﴾ بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة: طيبة إلى سبخة، وصلبة إلى رخوة، وصالحة للزرع والشجر إلى أخرى على عكسها مع انتظام جميعها في جنس الأرضية، وكذلك الكروم والزروع والنخيل النابتة (8) في هذه القطع مختلفة الأجناس والأنواع وهي تسقى ﴿بماء وا حد﴾، وتراها متغايرة الثمار في الأشكال والهيئات والطعوم والروائح، متفاضلة فيها، و ﴿في ذلك﴾ دلالة على صنع القادر العالم الموقع أفعاله على وجه دون وجه، وقرئ: " وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " بالجر (9) عطفا على ﴿أعناب﴾، والصنوان: جمع صنو، وهي النخلة لها رأسان واصلهما واحد، وقرئ بضم الصاد (10) وكسرها وهما لغتان، وقرئ: ﴿يسقى﴾ بالتاء (11) والياء، وقرئ: ﴿نفضل﴾ بالنون والياء (12) ﴿في الاكل﴾ بضم الكاف وسكونها (13).
﴿وإن تعجب﴾ يا محمد من قولهم في إنكار البعث ﴿ف?﴾ قولهم ﴿عجب﴾ حقيق بأن يتعجب منه، لأن من قدر على إنشاء ما عدد عليك من الصنائع العجيبة والفطر البديعة كانت الإعادة أهون عليه ﴿أإذا كنا﴾ إلى آخر قولهم، يجوز أن يكون في محل الرفع بدلا من ﴿قولهم﴾، وأن يكون في محل نصب بالقول، و ﴿إذا﴾ نصب بما دل عليه قوله: ﴿أإنا لفي خلق جديد﴾ فكأنه قيل: أنبعث إذا متنا و ﴿كنا ترابا﴾، ﴿أولئك الذين كفروا﴾ أولئك المتمادون في كفرهم الكاملون فيه ﴿وأولئك الأغلال في أعناقهم﴾ وصف لهم بالإصرار، كقوله: ﴿إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا﴾ (14)، وكقول الشاعر: لهم عن الرشد أغلال وأقياد (15) أو هو من جملة الوعيد.
﴿ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب (6) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (7) الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار (8) علم الغيب والشهدة الكبير المتعال (9) سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار (10) له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال (11)﴾
﴿بالسيئة قبل الحسنة﴾ بالعذاب والنقمة قبل الرحمة، بالعافية والإحسان إليهم بالإمهال، وذلك أنهم سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يأتيهم بالعذاب ﴿وقد خلت﴾ أي: وقد مضت ﴿من قبلهم المثلات﴾ أي: عقوبات أمثالهم من المكذبين، وسميت العقوبة مثلة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة، وجزاء السيئة سيئة مثلها، ويقال: أمثلت الرجل من صاحبه وأقصصته منه، والمثال: القصاص ﴿وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم﴾ أي: مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب، ومحله النصب على الحال، بمعنى: ظالمين لأنفسهم.
وعن سعيد بن المسيب (16): لما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش، ولولا وعيد الله وعقابه لاتكل كل واحد " (17).
﴿لولا أنزل عليه آية﴾ لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنادا، فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى (عليهما السلام) من انقلاب العصا حية وإحياء الموتى، فقيل: ﴿إنما أنت﴾ يا محمد ﴿منذر﴾ مخوف لهم من سوء العاقبة، وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول منذر، والآيات كلها متساوية في حصول صحة الدعوى بها ﴿ولكل قوم هاد﴾ يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية وبآية خص بها، ولم يجعل الأنبياء شرعا (18) سواء في الآيات والمعجزات.
﴿الله يعلم ما تحمل كل أنثى﴾: ﴿ما﴾ إما موصولة في ﴿ما تحمل﴾ و ﴿ما تغيض﴾ و ﴿ما تزداد﴾ وإما مصدرية، فإن كانت موصولة فالمعنى: أنه يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج (19) وحسن وقبح وغير ذلك من الصفات ﴿و﴾ يعلم ﴿ما﴾ تغيضه ﴿الأرحام﴾ أي: تنقصه، يقال: غاض الماء وغضته أنا ﴿وما تزداد﴾ أي: تأخذه زائدا، ومما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد، فإن الرحم يشتمل على واحد واثنين وثلاثة وأكثر، ومنه حد الولد في أن يكون تاما ومخدجا، ومنه مدة الولادة.
وإن كانت مصدرية فالمعنى: أنه يعلم حمل كل أنثى ويعلم غيض الأرحام وازديادها، لا يخفي عليه شئ من ذلك، ويجوز أن يراد غيوض ما في الأرحام وزيادته، فأسند الفعل إلى " الأرحام " وهو لما فيها، على أن يكون الفعلان غير متعديين، ويعضده قول الحسن: الغيضوضة: أن تضع لثمانية أشهر أو أقل من ذلك، والازدياد: أن تزيد على تسعة أشهر (20)، وعنه: الغيض: أن يكون سقطا لغير تمام والازدياد ما ولد لتمام (21)، ﴿وكل شئ عنده بمقدار﴾ بقدر (22) وحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه.
﴿الكبير﴾ العظيم الشأن الذي كل شئ دونه ﴿المتعال﴾ المستعلي عل كل شئ بقدرته، أو الذي كبر عن صفات المخلوقين.
﴿سارب﴾ أي: ذاهب في سربه، بالفتح أي: في طريقه ومذهبه، يقال: سرب في الأرض سروبا، والمعنى: سواء عنده من استخفي أي: طلب الخفاء (23) في مختبأ ﴿بالليل﴾ في ظلمته ومن يضطرب في كل وجه ظاهرا ﴿بالنهار﴾ يبصر كل أحد، والضمير في ﴿له﴾ راجع إلى ﴿من﴾ والمعنى: لمن أسر ومن جهر، ومن استخفي ومن سرب.
﴿معقبات﴾ أي: جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه وكلاءته، والأصل: معتقبات، فأدغمت التاء في القاف، أو مفعلات (24) من عقبه: إذا جاء على عقبه، كما يقال: قفاه، لأن بعضهم يعقب بعضا، أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ هما صفتان جميعا، وليس ﴿من أمر الله﴾ بصلة للحفظ، كأنه قيل: له معقبات من أمر الله، أو: يحفظونه من أجل أمر الله تعالى أي: من أجل أن الله أمرهم بحفظه، والدليل عليه قراءة علي (عليه السلام) وابن عباس وجعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): " له رقيب من بين يديه ومعقبات من خلفه يحفظونه بأمر الله " (25)، ﴿إن الله لا يغير ما بقوم﴾ من العافية والنعمة ﴿حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ من الحال الجميلة بكثرة المعاصي ﴿ومالهم من دونه من وال﴾ يلي أمرهم ويدفع عنهم.
﴿هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال (12) ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجدلون في الله وهو شديد المحال (13) له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببلغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلل (14) ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال (15)﴾
﴿خوفا وطمعا﴾ لا يجوز أن يكون انتصابهما على المفعول له، لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا أن يكون على تقدير حذف مضاف، أي: إرادة خوف وطمع، أو على معنى: إخافة وإطماعا، ويجوز أن يكون انتصابهما على الحال من ﴿البرق﴾ كأنه في نفسه خوف وطمع، أو على: ذا خوف وطمع، أو من المخاطبين أي: خائفين وطامعين، ومعنى الخوف والطمع: أنه يخاف عند لمع البرق من وقوع الصواعق ويطمع في الغيث، وقيل: يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف (26) عليه، ويطمع فيه من له نفع فيه (27)، ﴿وينشئ السحاب الثقال﴾ بالماء: يرفعها من الأرض ويجريها في الجو.
﴿ويسبح الرعد﴾ أي: سامعو الرعد من العباد حامدين له، يقولون: سبحان الله والحمد لله، وقيل: إن الرعد ملك موكل بالسحاب يزجره بصوته، فهو يسبح الله ويحمده (28) ﴿والملائكة من خيفته﴾ أي: يسبح الملائكة من هيبته وجلاله.
ولما ذكر سبحانه ما دل على أنه العالم القادر على كل شئ قال: ﴿وهم﴾ يعني: الكفار الذين أنكروا آياته ﴿يجدلون في الله﴾ حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث والإعادة ويتخذون له الشركاء والأنداد، فهذا جدالهم، و ﴿المحال﴾: المماحلة وهي المماكرة والمكايدة، ومنه تمحل لكذا: إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه، ومحل بفلان: إذا سعى به إلى السلطان، ومنه الحديث: " ولا تجعله بنا ماحلا مصدقا " يعني: القرآن، والمعنى: أنه شديد المكر بأعدائه، يأتيهم بالهلاك من حيث لا يشعرون.
﴿له دعوة الحق﴾ معناه: أنه سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة، فأضيفت ال? ﴿دعوة﴾ إلى ﴿الحق﴾ لكونها مختصة بالحق وبمعزل من الباطل، وقيل: إن معناه: دعوة المدعو الحق الذي يسمع ويجيب وهو الله سبحانه (29)، وعن الحسن: الحق: هو الله، وكل دعاء إليه دعوة الحق (30)، ﴿والذين يدعون من دونه﴾ أي: والآلهة الذين يدعوهم الكفار من دون الله ﴿لا يستجيبون لهم بشئ﴾ من طلباتهم ﴿إلا كبسط كفيه﴾ إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه، أي: كاستجابة ﴿الماء﴾ من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ ﴿فاه﴾، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وقيل: معناه: أنهم كمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فيبسطهما ناشرا أصابعه فلم تلق كفاه منه شيئا (31) ﴿إلا في ضلل﴾ أي: في ضياع لا جدوى فيه.
﴿ولله يسجد﴾ أي: ينقادون لإحداث ما أراده فيهم من أفعاله شاؤوا أم أبوا، وينقاد له (32) ﴿ظللهم﴾ أيضا، حيث يتصرف على مشيئته في الامتداد والتقلص والفئ والزوال.
﴿قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشبه الخلق عليهم قل الله خلق كل شئ وهو الواحد القهر (16)﴾
﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار: ﴿من رب السماوات والأرض﴾ ومدبرهما؟فإذا استعجم (33) عليهم الجواب ولا يمكنهم أن يقولوا: الأصنام، فلقنهم و ﴿قل الله﴾، فإنهم لا يقدرون أن ينكروه ﴿قل أفاتخذتم﴾ بعد أن علمتموه رب السماوات والأرض ﴿من دونه أولياء﴾ فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم وإقراركم سبب الإشراك ﴿لا يملكون لأنفسهم﴾ أي: لا يستطيعون لها ﴿نفعا ولا ضرا﴾ فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق فما أبين ضلالكم! ﴿أم جعلوا﴾ بل اجعلوا، وهي همزة الإنكار ﴿خلقوا﴾ صفة ل? ﴿شركاء﴾، يعني: أنهم لم يتخذوا ﴿لله شركاء﴾ خالقين قد ﴿خلقوا﴾ مثل خلق الله ﴿فتشبه... عليهم﴾ خلق الله وخلقهم حتى يقولوا: قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة، فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما عبدنا الله، ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على شئ ﴿قل الله خلق كل شئ﴾ لا خالق سواه، فلا يكون له شريك في العبادة ﴿وهو الواحد﴾ في الإلهية ﴿القهر﴾ لا يغالب، ومن سواه مربوب ومقهور.
﴿أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والبطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال (17) للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد (18)﴾ هذا مثل ضربه ﴿الله﴾ تعالى للحق وأهله والباطل وأهله، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزله ﴿من السماء﴾ فتسيل به ﴿أودية﴾ الناس فيحيون به وينتفعون منه بأنواع المنافع، وبالفلز الذي ينتفعون به في اتخاذ الحلي والآلات المختلفة، وأن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرا، يثبت الماء في منافعه ويبقى آثاره في العيون والآبار والحبوب والثمار التي تنبت به، وكذلك الجواهر تبقى أزمنة طويلة، وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله وخلوه من المنفعة بزبد السيل الذي يرمي به وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب.
وقوله: ﴿بقدرها﴾ معناه: بمقدارها الذي عرف الله أنه نافع غير ضار، والفائدة في قوله: ﴿ابتغاء حلية﴾ كالفائدة في قوله: ﴿بقدرها﴾ لأنه جمع الماء والفلز في النفع في قوله: ﴿وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾، فذكر وجه الانتفاع بما يوقد عليه منه ويذاب وهو الحلية والمتاع، وقوله: ﴿ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متع﴾ عبارة جامعة لأنواع الفلز مع إظهار الكبرياء في ذكره على وجه التهاون به كما جاء في ذكر الآجر ﴿فأوقد لي يا هامان على الطين﴾ (34)، و ﴿من﴾ لابتداء الغاية، أي: ومنه ينشأ ﴿زبد﴾ مثل زبد الماء، أو للتبعيض بمعنى: وبعضه زبد، والرابي: العالي المنتفخ على وجه الماء، والجفاء: المتفرق، جفأه السيل أي: رمى به، وجفأت القدر بزبدها، وقرئ: ﴿يوقدون﴾ بالياء (35)، أي: يوقد الناس.
﴿للذين استجابوا﴾ اللام متعلقة ب? ﴿يضرب﴾ أي: كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا وهم المؤمنون ﴿و﴾ للذين ﴿لم يستجيبوا﴾ وهم الكافرون، أي: هما مثلا الفريقين، و ﴿الحسنى﴾ صفة لمصدر ﴿استجابوا﴾ أي: استجابوا الاستجابة الحسنى، وقوله: ﴿لو أن لهم﴾ كلام مبتدأ في ذكر ما أعد لغير المستجيبين، وقيل: إن الكلام قد تم عند قوله: ﴿كذلك يضرب الله الأمثال﴾ وما بعده كلام مستأنف (36)، و ﴿الحسنى﴾ مبتدأ خبره ﴿للذين استجابوا﴾، والمعنى: لهم المثوبة الحسنى وهي الجنة، و ﴿الذين لم يستجيبوا﴾ مبتدأ خبره ﴿لو﴾ مع ما في حيزه، و ﴿سوء الحساب﴾ المناقشة في الحساب، وعن النخعي (37): أن يحاسب الرجل بذنوبه كلها: لا يغفر منها شئ (38).
الصادق (عليه السلام): " هو أن لا يقبل لهم حسنة، ولا يغفر لهم سيئة " (39).
﴿أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب (19) الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق (20) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (21) والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار (22) جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (23) سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (24)﴾ دخلت همزة الإنكار على الفاء لإنكار أن تقع شبهة بعد ما ضرب من المثل في أن حال من علم ﴿أنما أنزل إليك من ربك الحق﴾ فاستجاب، بخلاف حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب، وبينهما من البون ما بين الزبد والماء والخبث والإبريز (40) ﴿إنما يتذكر أولوا الألباب﴾ الذين يعملون على قضايا عقولهم فيتفكرون ويستبصرون.
﴿الذين يوفون﴾ مبتدأ وخبره ﴿أولئك لهم عقبى الدار﴾، ويجوز أن يكون صفة ل? ﴿أولوا الألباب﴾ والأول أوجه ﴿ما أمر الله به أن يوصل﴾ من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابة المؤمنين (41) الثابتة بسبب الإيمان، بالإحسان إليهم بحسب الطاقة (42) والذب عنهم ونصرتهم والنصيحة لهم وعيادة مرضاهم وحضور جنائزهم، ومنه مراعاة حق الخدم والجيران والرفقاء في السفر ﴿ويخشون ربهم﴾ أي: يخافون وعيده كله ﴿ويخافون﴾ خصوصا ﴿سوء الحساب﴾ فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
﴿والذين صبروا﴾ على القيام بأوامر الله ومشاق التكليف، وعلى المصائب في النفوس والأموال، وعن معاصي الله ﴿ابتغاء وجه ربهم﴾ لا لغرض من الأغراض الدنيوية، أو ليقال: ما أصبره وأوقره ولئلا يشمت به الأعداء، كقوله: وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع (43) ﴿وأنفقوا مما رزقناهم﴾ من الحلال، لأن الحرام لا يكون رزقا ولا يسند إلى الله ﴿سرا وعلانية﴾ يتناول النافلة، لأنها في السر أفضل، فأما الفرائض فالمجاهرة بها أفضل، نفيا للتهمة ﴿ويدرءون بالحسنة السيئة﴾ يدفعونها، ومنه الحديث: " أتبع السيئة الحسنة تمحها " (44)، وعن ابن عباس: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيئ غيرهم (45)، وعن الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا (46) ﴿أولئك لهم عقبى الدار﴾ عاقبة الدنيا وهي الجنة، لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها، و ﴿جنات عدن﴾ بدل من ﴿عقبى الدار﴾.
﴿من آبائهم﴾ جمع أبوي كل واحد منهم، فكأنه قيل: من آبائهم وأمهاتهم، جعل سبحانه من ثواب المطيع سروره بما يريه في أهله وأنسابه وذريته وإلحاقهم به في الجنة ﴿والملائكة يدخلون عليهم من كل باب﴾ من أبواب قصورهم.
﴿سلم عليكم﴾ في موضع الحال، لأن المعنى: قائلين: سلام عليكم أو مسلمين، وتعلق قوله: ﴿بما صبرتم﴾ بمحذوف تقديره: هذا بما صبرتم، يعنون: هذا الثواب بما صبرتم، أي: بسبب صبركم، أو بدل ما احتملتم من مشاق الصبر، والمعنى: لئن تعبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعة، ويجوز أن يتعلق ب? ﴿سلم﴾ أي: نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم.
﴿والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار (25) الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متع (26) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب (27) الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (29) كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب (30)﴾
﴿من بعد ميثاقه﴾ أي: من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول ﴿ويفسدون في الأرض﴾ بمعاصي الله وظلم عباده وإخراب بلاده ﴿ولهم سوء الدار﴾ أي: عذاب النار.
﴿الله يبسط الرزق﴾ أي: الله وحده هو يبسط الرزق ويقدره دون غيره، وهو الذي بسط رزق قريش ﴿وفرحوا﴾ بما بسط لهم منه فرح بطر لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم، ﴿و﴾ ليست هذه ﴿الحياة الدنيا في﴾ جنب نعيم ﴿الآخرة إلا متع﴾ أي: شئ قليل يتمتع به كعجالة الراكب ثم يفنى ويضمحل، وخفي عليهم ذلك حتى آثروه على النعيم الدائم.
﴿ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ هو جار مجرى التعجب من قولهم، مع كثرة آياته الباهرة التي لم يؤتها نبي قبله، وكفي بالقرآن وحده آية معجزة، فإذا لم يعتدوا بها كان موضعا للتعجب، فكأنه قيل لهم: ما أشد عنادكم! ﴿إن الله يضل من يشاء﴾ ممن كان مثلكم في التصميم على الكفر فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية ﴿ويهدي إليه من﴾ كان على خلاف صفتكم، ومعنى الإنابة: الإقبال على الحق، والدخول في نوبة الخير.
و ﴿الذين آمنوا﴾ بدل من ﴿من أناب﴾، ﴿وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ بذكر رحمة الله ومغفرته.
﴿الذين آمنوا﴾ مبتدأ و ﴿طوبى لهم﴾ خبره، وطوبى: من طاب، مصدر كبشرى وزلفى، ومعنى طوبى لك: أصبت خيرا وطيبا، واللام للبيان، مثلها في: سقيا لك، والواو في " طوبى " منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها، كواو موقن وموسر.
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): " أن طوبى شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة " (47).
وقال مرة أخرى: " في دار علي " فقيل له في ذلك، فقال: " إن داري ودار علي " في الجنة بمكان واحد " (48).
﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الإرسال ﴿أرسلناك﴾ يعني: أرسلناك إرسالا له فضل على غيره من الإرسالات ﴿في أمة قد﴾ تقدمتها ﴿أمم﴾ كثيرة، فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء ﴿لتتلوا عليهم﴾ الكتاب العظيم ﴿الذي أوحينا إليك و﴾ حال هؤلاء أنهم ﴿يكفرون بالرحمن﴾ الواسع الرحمة، فكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم، وإنزال هذا القرآن المعجز عليهم ﴿قل هو﴾ الرحمن ﴿ربى﴾ وخالقي ﴿لا إله إلا هو﴾ تعالى عن الشركاء والأنداد ﴿عليه توكلت﴾ في نصرتي عليكم ﴿وإليه﴾ مآبي، فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم.
﴿ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم يايئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد (31) ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب (32) أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبونه بما لا يعلم في الأرض أم بظهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فماله من هاد (33) لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق ومالهم من الله من واق (34)﴾ جواب ﴿لو﴾ محذوف، والمعنى: ﴿ولو أن قرآنا سيرت به الجبال﴾ عن مقارها، وزعزعت عن أماكنها ﴿أو قطعت به الأرض﴾ حتى تتصدع وتشقق قطعا، وقيل: معناه: شققت فجعلت أنهارا وعيونا (49) ﴿أو كلم به الموتى﴾ فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن لعظم قدره وجلالة أمره، وقيل: لما آمنوا به (50)، كقوله: ﴿ولو أننا نزلنا...﴾ الآية (51).
وعن الفراء (52): أنه يتعلق بما قبله، والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، وما بينهما اعتراض (53) ﴿بل لله الامر جميعا﴾ بل لله القدرة على كل شئ، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها لكنه لا يفعل، لما يعلمه من المصلحة.
﴿أفلم يايئس﴾ أي: أفلم يعلم، وهي لغة قوم من النخع (54)، وقيل: إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه، لأن اليائس عن الشئ عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء بمعنى الخوف لذلك (55)، ويدل عليه أن أهل البيت (عليهم السلام) وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرأوا: " أفلم يتبين " (56) وهو تفسير ﴿أفلم يايئس﴾، ويجوز أن يكون المعنى: أولم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفار ﴿الذين آمنوا﴾ ب? ﴿أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا﴾ ولهداهم ﴿ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا﴾ من كفرهم وسوء أفعالهم ﴿قارعة﴾ أي: داهية تقرعهم من صنوف المصائب في نفوسهم وأموالهم ﴿أو تحل﴾ القارعة ﴿قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله﴾ وهو موتهم أو القيامة، وقيل: المراد بالقارعة: سرايا النبي (صلى الله عليه وآله) التي كان يبعثها إليهم فتغير حول مكة وتختطف منهم (57)، أو: تحل أنت يا محمد بجيشك قريبا من دارهم كما حل بالحديبية (58) حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، لأنه سبحانه وعده ذلك.
والإملاء: الإمهال وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى، وهذا وعيد لهم.
﴿أفمن هو قائم﴾ احتجاج عليهم في إشراكهم بالله، يعني: أفالله الذي هو رقيب ﴿على كل نفس﴾ صالحة أو طالحة ﴿بما كسبت﴾ يعلم خيره وشره، ويعد لكل جزاءه، كمن ليس كذلك؟ويجوز أن يقدر ما يكون خبرا للمبتدأ ويعطف عليه ﴿وجعلوا﴾ وتقديره: أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه وجعلوا له وهو الله الذي يستحق العبادة وحده ﴿شركاء قل سموهم﴾ أي: جعلتم له شركاء فسموهم له من هم، وأنبئوه بأسمائهم، ثم قال: ﴿أم تنبئونه﴾ هي " أم " المنقطعة، أي: بل أتنبئونه بشركاء لا يعلمهم ﴿في الأرض﴾ وهو العالم بما في السماوات والأرض، فإذا لم يعلمهم فإنهم ليسوا بشئ يتعلق بهم العلم، والمراد: نفي أن يكون له شركاء، ونحوه: ﴿قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض﴾ (59)، ﴿أم بظهر من القول﴾ بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول ليس له حقيقة، وهذه الأساليب العجيبة في الاحتجاج تنادي بلسان فصيح أنها ليست من كلام البشر ﴿وصدوا﴾ قرئ: بفتح الصاد (60) وضمها ﴿ومن يضلل الله﴾ ومن يخذله لعلمه بأنه لا يهتدي ﴿فماله من﴾ أحد يقدر على هدايته.
﴿لهم عذاب في الحياة الدنيا﴾ بالقتل والسبي وسائر المحن تلحقهم، عقوبة لهم على كفرهم ﴿ومالهم من الله من واق﴾ أي: دافع يدفع عنهم عذابه.
﴿مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار (35) والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه ادعوا وإليه مآب (36) وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا واق (37)﴾
﴿مثل الجنة﴾ صفتها التي هي في غرابة المثل، وهو مبتدأ محذوف الخبر عند سيبويه (61)، أي: فيما نقص عليكم مثل الجنة، وعند غيره (62) الخبر: ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ كما تقول: صفة زيد أسمر، وعن الزجاج: معناه: مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار، على حذف الموصوف تمثيلا لما غاب عنا بما نشاهد (63) ﴿أكلها دائم﴾ كقوله: ﴿لا مقطوعة ولا ممنوعة﴾ (64)، ﴿وظلها﴾ دائم لا ينسخ كما ينسخ في الدنيا بالشمس.
﴿والذين آتيناهم الكتاب﴾ وهم: عبد الله بن سلام (65) وكعب (66) وأصحابهما ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلا: أربعون بنجران واثنان وثلاثون بأرض الحبشة وثمانية باليمن ﴿يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب﴾ أي: ومن أحزابهم، وهم كفارهم المتحزبون على رسول الله بالعداوة ﴿من ينكر بعضه﴾ مما يخالف أحكامهم وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع ﴿قل إنما أمرت﴾ فيما أنزل إلي ب? ﴿أن أعبد الله ولا أشرك به﴾ فإنكاركم له إنكار لعبادة الله وتوحيده ﴿إليه ادعوا﴾ خصوصا لا أدعو إلى غيره ﴿وإليه﴾ لا إلى غيره مرجعي، فلا معنى لإنكاركم وأنتم تقولون مثل ذلك.
﴿وكذلك﴾ ومثل ذلك الإنزال ﴿أنزلناه﴾ مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة إليه وإلى دينه ﴿حكما عربيا﴾ حكمة عربية مترجمة بلسان العرب، وانتصابه على الحال ﴿ولئن اتبعت أهواءهم﴾ في أمور يدعونك إلى أن توافقهم عليها ما هي إلا أهواء وشبه ﴿بعد﴾ ثبوت ﴿العلم﴾ عندك بالحجج والدلائل والبينات، لم ينصرك الله وخذلك، فلا يقيك منه ﴿واق﴾، وهذا من باب الإلهاب والتهييج والبعث للسامعين على الصلابة في الدين، والتثبت فيه من الزلة عند الشبهة بعد الاستمساك بالحجة.
﴿ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب (38) يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (39) وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلغ وعلينا الحساب (40)﴾ كانوا يعيرون رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكثرة تزوج النساء، فقيل: إن الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرية ﴿وما كان﴾ لهم أن يأتوا بآيات برأيهم وبما يقترح عليهم منها، والشرائع: مصالح تختلف باختلاف الأوقات والأحوال، ف? ﴿لكل﴾ وقت حكم يكتب على العباد، أي: يفرض عليهم على ما يقتضيه استصلاحهم.
﴿يمحوا الله ما يشاء﴾ أي: ينسخ ما يستصوب نسخه ﴿ويثبت﴾ بدله ما يرى المصلحة في إثباته أو يتركه غير منسوخ، وقيل: يمحو من ديوان الحفظة ما يشاء من ذنوب المؤمنين فضلا فيسقط عقابه ويترك ذنوب من يريد عقابه مثبتا عدلا (67)، وقيل: يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضا من الأناسي وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها، فيمحو من الرزق والأجل ويزيد فيهما ويمحو السعادة والشقاوة ويثبتهما (68) ﴿وعنده أم الكتاب﴾ أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ، لأن كل كائن مكتوب فيه.
﴿وإن ما نرينك﴾ وكيفما دارت الحال أريناك ﴿بعض الذي﴾ وعدنا هؤلاء الكفار من نصرة المؤمنين عليهم، وتمكينك منهم بالقتل والأسر واغتنام الأموال، أو توفيناك قبل ذلك ﴿فإنما﴾ يجب ﴿عليك﴾ تبليغ الرسالة فحسب ﴿وعلينا﴾ حسابهم لا عليك، نجازيهم وننتقم منهم إما عاجلا وإما آجلا.
﴿أولم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب (41) وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفر لمن عقبى الدار (42) ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (43)﴾ يريد: أرض الكفر ﴿ننقصها من أطرافها﴾ بما نفتح على المسلمين من بلادهم، فننقص من بلاد الحرب ونزيد في بلاد الإسلام وذلك من آيات النصر، والمعنى: عليك البلاغ ولا يهمنك ما وراء ذلك، فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من الظفر وإعلاء كلمة الإسلام، وقيل: ننقصها بذهاب علمائها وخيار أهلها (69) ﴿لا معقب لحكمه﴾ لا راد لحكمه، والمعقب: الذي يكر على الشئ فيبطله، وهو جملة في موضع الحال، كأنه قيل: والله يحكم نافذا حكمه.
﴿وقد مكر الذين من قبلهم﴾ وصفهم بالمكر، ثم جعل مكرهم ك? " لا مكر " بالإضافة إلى مكره فقال: ﴿فلله المكر جميعا﴾، ثم فسر ذلك بقوله: ﴿يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفر لمن عقبى الدار﴾، لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها فهو المكر كله، لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون، وقرئ: " الكافر " (70) والمراد بالكافر: الجنس.
﴿كفي بالله شهيدا﴾ بما أظهر من المعجزات على نبوتي ﴿ومن عنده علم الكتاب﴾ والذي عنده علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز، وقيل: ومن هو من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا، لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم (71)، وقيل: هو الله عز وجل و ﴿الكتاب﴾ اللوح المحفوظ (72)، وقيل: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (73).
الصادق (عليه السلام): " إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) " (74).
1- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 6 ص 211: قال قتادة: هي مدنية إلا آية منها فإنها مكية وهي قوله: * (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) *. وقال مجاهد: هي مكية وليس فيها ناسخ ولا منسوخ. وهي ثلاث وأربعون آية في الكوفي وأربع في المدنيين وخمس في البصري. وقال الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 91: مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ومدنية في قول الكلبي ومقاتل، وقال ابن عباس: مدنية إلا آيتين منها وهما قوله تعالى: * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) * إلى آخرهما. وقال الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 511: مدنية، نزلت بعد سورة محمد (صلى الله عليه وآله).
2- الآية: 5.
3- الآية: 16.
4- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 536 مرسلا.
5- ثواب الأعمال: ص 133، تفسير العياشي: ج 2 ص 202 ح 1.
6- قاله قتادة وإياس بن معاوية وغيرهما. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 279.
7- قرأه أبو حياة ويحيى بن وثاب. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 359.
8- في بعض النسخ: الثابتة.
9- وهي قراءة عاصم برواية أبي بكر ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 356.
10- قرأه مجاهد والسلمي والحسن بن العباس عن حفص والمفضل. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 356، وتفسير القرطبي: ج 9 ص 282.
.
11- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 356.
12- وبالياء هي قراءة حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 475.
13- وبسكونها قرأه نافع وابن كثير. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 528.
14- يس: 8.
15- وصدره: ضلوا وإن سبيل الغي مقصدهم. لم نعثر على قائله، يقول في ذم قوم: إنهم اتخذوا سبيل الغي دون الرشد والهداية مقصدا لهم، فكأنهم عن سبيل الرشد مكبلين لا يقدرون أن يمشوا إليه بأرجلهم. راجع شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 377.
16- هو سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي القرشي، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد، إذ كان يعيش من التجارة بالزيت ولم يأخذ عطاء. وكان قد سمع من الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وروى عنه، عده الشيخ الطوسي والبرقي أيضا في أصحاب السجاد (عليه السلام). انظر طبقات ابن سعد: ج 5 ص 88، ورجال الخوئي: ج 8 ص 132.
17- المغني عن حمل الاسفار للعراقي: ج 3 ص 144.
18- الشرعة والشرع: مثل الشئ. (الصحاح: مادة شرع).
19- خدجت الناقة تخدج خداجا: إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام. (الصحاح: مادة خدج).
20- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 51.
21- نفس المصدر السابق.
22- في بعض النسخ: مقدر.
23- في نسخة: الاختفاء.
24- في بعض النسخ: معقبات.
25- انظر التبيان: ج 6 ص 228، وتفسير القرطبي: ج 9 ص 293.
26- وكف البيت: إذا قطر. (الصحاح: مادة وكف).
27- قاله قتادة. راجع التبيان: ج 6 ص 229.
28- وهو قول ابن عباس وعكرمة وسلمة بن كهيل. راجع تفسير السمرقندي: ج 2 ص 187، وتفسير البغوي: ج 3 ص 11.
29- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 206.
30- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 521.
31- قاله ابن عباس. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 12.
32- في بعض النسخ: لهم.
33- استعجم عليه الكلام: إذا استبهم. (الصحاح: مادة عجم).
34- القصص: 38.
35- يظهر من العبارة أن المصنف اعتمد القراءة بالتاء هنا.
36- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 524.
37- هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي المذحجي، أبو عمران، مولى من أهل الكوفة، كان من أكابر التابعين صلاحا وحفظا للحديث، حمل عنه العلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب علي (عليه السلام)، توفي سنة 96 ه?، وهو ابن ست وأربعين سنة. (طبقات ابن سعد: ج 6 ص 270، رجال السيد الخوئي: ج 1 ص 356).
38- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 107.
39- تفسير العياشي: ج 2 ص 210 ح 38 و 39.
40- الإبريز: الخالص. (الصحاح: مادة برز).
41- في نسخة: قرابة أمير المؤمنين (عليه السلام).
42- في بعض النسخ: الطاعة.
43- البيت لأبي ذؤيب خويلد بن خالد المخزومي يرثي بنيه، وقبله: وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع يقول: إن هذا التجلد الذي أريه به من نفسي إنما هو لدفع شماتة الشامتين فأريهم بأني لا أتخضع ولا أخشع لأجل حدثان الزمان الطارئ من حيث لا أشعر. ويذكر أن معاوية مرض واتفق أن جاء وفد العراق وفيهم الإمام الحسن الزكي (عليه السلام)، فصاح معاوية: كحلوني وزينوني وألبسوني العمامة، وحاول أن يظهر القوة فأنشد له البيت الثاني، فأجابه (عليه السلام) بغتة بالأول. انظر كتاب العين: مادة (ضع)، ولسان العرب: مادة (ضعع).
44- مسند أحمد: ج 5 ص 153 و 158 و 228 و 236.
45- تفسير ابن عباس: ص 207.
46- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 3 ص 16.
47- الكافي: ج 2 ص 239 ح 30، الخصال: ج 2 ص 556، تفسير القرطبي: ج 9 ص 317.
48- الكافي: ج 2 ص 239 ح 30، الخصال: ج 2 ص 556، تفسير القرطبي: ج 9 ص 317.
49- حكاه البغوي في تفسيره: ج 3 ص 19.
50- وهو قول الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 148.
51- الأنعام: 111.
52- هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الأسلمي الكوفي، كان فقيها عالما بأيام العرب وأخبارها وأشعارها، عارفا بالطب والنجوم، متكلما فيلسوفا، وكان قد أخذ النحو من الكسائي، ولد بالكوفة وانتقل إلى بغداد في أيام المأمون العباسي واتصل به، ألف كثيرا من المصنفات، توفي عام 207 ه? في طريق مكة عن عمر يناهز الثلاث وستون سنة. انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 5 ص 225.
53- معاني القرآن: ج 2 ص 63.
54- النخع - بفتح النون والخاء -: وهي قبيلة من العرب نزلت الكوفة، ومنها انتشر ذكرهم، وجدهم جسر - بالفتح - ابن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد، سمي النخع لأنه ذهب عن قومه. انظر الأنساب للسمعاني: ج 5 ص 473.
55- حكاه الزجاج عن بعض أهل اللغة. راجع معاني القرآن: ج 3 ص 149.
56- انظر الكشاف: ج 2 ص 530، وتفسير القرطبي: ج 9 ص 320، والفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 3 ص 138، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 393.
57- قاله ابن عباس وعكرمة، راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 113، وتفسير البغوي: ج 3 ص 20.
58- الحديبية: قرية متوسطة قريبة من مكة، سميت ببئر فيها عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحتها، وقال الخطابي: سميت بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع، وقال محمد بن موسى الخوارزمي: اعتمر النبي (صلى الله عليه وآله) عمرة الحديبية ووادع المشركين لمضي خمس سنين وعشرة أشهر للهجرة النبوية. انظر معجم البلدان للحموي: ج 2 ص 222.
59- يونس: 18.
60- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 359.
61- انظر كتاب سيبويه: ج 1 ص 143.
62- كالفراء في معاني القرآن: ج 2 ص 65.
63- معاني القرآن: ج 3 ص 150.
64- الواقعة: 33.
65- هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، ثم الأنصاري، كان اسمه في الجاهلية: الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعبد الله، وهو أحد الأحبار أسلم عند قدوم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة، توفي فيها سنة 43 ه? أيام معاوية. انظر أسد الغابة: ج 3 ص 176.
66- كذا ذكره غيره من أعلام التفسير كالزمخشري، ولعله ايراده ل? " كعب " من باب التمثيل من قبيل القضايا الحقيقية التي لا يعتبر فيها وجود الموضوع خارجا، أو هو من سهو القلم، وإلا فالمعروف عن كعب هذا وهو من كبار علماء اليهود في اليمن في الجاهلية، أنه أدرك النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يره، وكان إسلامه في خلافة أبي بكر أو عمر، ووفاته في خلافة عثمان سنة 33 ه?، وهذا يعني ان إسلامه جاء متأخرا عن وقت نزول هذه الآية، إذ لم نجد ممن أسلم قبل نزول هذه الآية وكان يهوديا واسمه كعبا على ما تشهد به كتب السير والتواريخ. راجع على سبيل المثال: أسد الغابة للجزري: ج 4 ص 249، وتهذيب التهذيب لابن حجر: ج 8 ص 438.
67- وهو قول الضحاك. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 118.
68- وهو قول عمر وابن مسعود. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 23.
69- قاله ابن عباس. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 119.
70- وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 480.
71- قاله قتادة وسعيد بن جبير وروي عن ابن عباس. راجع التبيان: ج 6 ص 267، وتفسير القرطبي: ج 9 ص 335.
72- قاله الحسن ومجاهد والضحاك. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 119.
73- روى القرطبي عن عبد الله بن عطاء أنه قال لأبي جعفر (عليه السلام): إن ناسا زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام، فقال: إنما ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام). ثم قال القرطبي: وكذلك قال محمد بن الحنفية. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 336.
74- الكافي: ج 1 ص 229 ح 6، تفسير العياشي: ج 2 ص 220 ح 76، وفيهما عن الباقر (عليه السلام).