سورة يوسف
مكية، وهي مائة وإحدى عشرة آية بالإجماع (1).
بسم الله الرحمن الرحيم
في حديث أبي: " علموا أرقاءكم سورة يوسف (عليه السلام)، فأيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت، وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلما " (2).
وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأها في كل ليلة بعثه الله يوم القيامة وجماله مثل جمال يوسف (عليه السلام)، ولا يصيبه فزع، وكان من خيار عباد الله الصالحين " (3).
﴿الر تلك آيات الكتاب المبين (1) إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون (2) نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين (3) إذ قال يوسف لأبيه يأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (4) قال يبنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للانسان عدو مبين (5)﴾
﴿الكتاب المبين﴾ الظاهر أمره في الإعجاز، أو المبين أنه من عند الله لا من عند البشر، أو المبين الواضح الذي لا تشتبه معانيه على العرب لنزوله بلسانهم.
﴿قرآنا عربيا﴾ حال ﴿لعلكم تعقلون﴾ إرادة أن تفهموه وتحيطوا بمعانيه، ﴿ولو جعلنه قرآنا أعجميا﴾ (4) لالتبس عليكم.
و ﴿القصص﴾ يكون مصدرا، أو يكون بمعنى المقصوص، كالنقص والحسب، فإن أريد المصدر فالمعنى: نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص ﴿بما أوحينا إليك﴾ أي: بإيحائنا إليك هذه السورة، فيكون ﴿أحسن﴾ نصبا على المصدر لإضافته إلى المصدر، والمراد بأحسن الاقتصاص: أنه اقتص على أبدع أسلوب وأحسن طريقة وأعجب نظم، وإن أريد ب? ﴿القصص﴾ المقصوص فالمعنى: نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث في بابه لما يتضمن من النكت والحكم والعبر التي ليست في غيرها ﴿وإن كنت﴾: ﴿إن﴾ مخففة من الثقيلة (5)، والضمير في ﴿قبله﴾ يعود إلى ﴿ما أوحينا﴾ أي: الحديث وإن كنت من قبل إيحائنا إليك من ﴿الغافلين﴾ عنه: ما كان لك به علم قط.
﴿إذ قال يوسف﴾ بدل من ﴿أحسن القصص﴾ وهو من بدل الاشتمال، لأن الوقت مشتمل على ما يقص فيه ﴿يا أبت﴾ قرئ بكسر التاء وفتحها (6)، وهي تاء التأنيث جعلت عوضا من ياء الإضافة، وإنما صح أن يكون عوضا منها لأن التأنيث والإضافة يتناسبان في أن كل واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره، ومن فتح حذف الألف من " يا أبتا " وأبقى الفتحة دليلا عليها ﴿إني رأيت﴾ من الرؤيا، وعن ابن عباس: أن يوسف رأى في المنام ليلة القدر أحد عشر كوكبا نزلن من السماء فسجدن له، ورأى الشمس والقمر نزلا من السماء فسجدا له، فالشمس والقمر أبواه والكواكب إخوته الأحد عشر (7)، وقيل: الشمس أبوه والقمر خالته (8)، وذلك أن أمه " راحيل " قد ماتت، ويجوز أن يكون الواو في ﴿والشمس والقمر﴾ بمعنى " مع " أي: رأيت الكواكب مع الشمس والقمر، و ﴿رأيتهم﴾ كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابا له، كأنه قال له يعقوب: كيف رأيتها؟فقال: ﴿رأيتهم لي ساجدين﴾.
﴿قال﴾ يعقوب: ﴿لا تقصص رؤياك على إخوتك﴾ خاف عليه حسد إخوته له وبغيهم عليه، لما عرف من دلالة رؤياه على أن الله يبلغه من شرف الدارين أمرا عظيما ﴿فيكيدوا﴾ منصوب بإضمار " أن "، والمعنى: إن قصصتها عليهم كادوك، ضمن قوله: " يكيدوا " معنى " يحتالوا " فعداه باللام ليفيد معنى الفعلين، ثم أكده بالمصدر فقال: ﴿كيدا﴾، ﴿عدو مبين﴾ ظاهر العداوة.
﴿وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق إن ربك عليم حكيم (6) لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين (7) إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلل مبين (8) اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين (9)﴾ الاجتباء: الاصطفاء، و ﴿الأحاديث﴾ الرؤى جمع الرؤيا، لأن الرؤيا: إما حديث نفس أو حديث ملك أو حديث شيطان، وتأويلها: عبارتها وتفسيرها، وكان يوسف (عليه السلام) أعبر الناس للرؤيا وأصحهم عبارة لها، وقيل: هو معاني كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وما غمض على الناس من مقاصدها، يفسرها لهم ويشرحها (9)، وهي اسم جمع للحديث، ومعنى إتمام النعمة: أنه وصل نعمة الدنيا لهم بنعمة الآخرة فجعلهم أنبياء وملوكا ثم نقلهم إلى نعيم الآخرة والدرجات العلى من الجنة، و ﴿آل يعقوب﴾ أهله ونسله، وأصل " آل ": أهل، بدليل أن تصغيره " أهيل " إلا أنه لا يستعمل إلا فيمن له خطر فيقال: آل النبي وآل الملك، و ﴿إبراهيم﴾ عطف بيان ل? ﴿أبويك﴾، ﴿إن ربك عليم﴾ بموضع الاجتباء ﴿حكيم﴾ في إتمام الإنعام على من يستحقه.
﴿في يوسف وإخوته﴾ في قصتهم وحديثهم ﴿آيات﴾ أي: علامات ودلائل على حكمته، أو عبر وأعاجيب ﴿للسائلين﴾ عن قصتهم، أو آيات على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿للسائلين﴾ للذين سألوه: من اليهود عنها فأخبرهم بالصحة (10) من غير سماع ولا قراءة كتاب، فقد روي: أنهم قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمدا: لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟وعن قصة يوسف (11)، وقرئ: " آية " (12).
﴿ليوسف﴾ لام الابتداء، وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة، أرادوا: أن زيادة محبته ليوسف وأخيه بنيامين أمر ثابت لا شبهة فيه، وإنما قالوا: ﴿أخوه﴾ لأن أمهما كانت واحدة ﴿ونحن عصبة﴾ حال، والمراد: أنه يفضلهما في المحبة علينا وهما ابنان صغيران لا كفاية فيهما، ونحن جماعة: عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقه ﴿إن أبانا لفي﴾ ذهاب عن طريق الحق والثواب، والعصبة والعصابة: العشرة فصاعدا، سموا بذلك لأنهم تعصب بهم الأمور.
﴿اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا﴾ مجهولة بعيدة من العمران، هذا هو المعنى في تنكيرها وإخلائها من الوصف، ولإبهامها من هذا الوجه نصب نصب الظروف المبهمة ﴿يخل لكم وجه أبيكم﴾ يقبل عليكم إقبالة واحدة ولا يلتفت عنكم إلى غيركم، وقيل: ﴿يخل لكم﴾ يفرغ لكم من الشغل بيوسف (13)، ﴿وتكونوا من﴾ بعد يوسف، أي: بعد قتله أو تغريبه ﴿قوما صالحين﴾ تائبين إلى الله مما جنيتم عليه، أو تصلح دنياكم وتنتظم أموركم (14).
﴿قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيبت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فعلين (10) قالوا يأبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون (11) أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون (12) قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غفلون (13) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون (14)﴾ القائل: يهودا، وكان أحسن إخوته رأيا فيه، وهو الذي قال: ﴿فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى﴾ (15)، ﴿قال﴾ لهم: القتل أمر عظيم ﴿ألقوه في غيبت الجب﴾ وهو غوره وما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله، وقرئ: " غيابات " في الموضعين على الجمع (16)، والجب: البئر التي لم تطو ﴿يلتقطه﴾ يأخذه ﴿بعض السيارة﴾ وهم الذين يسيرون في الأرض ﴿إن كنتم فعلين﴾ أي: إن كنتم على أن تفعلوا ما يحصل به غرضكم فهذا هو الرأي.
" مالك لا تأمننا " بإظهار النونين (17)، وقرئ: ﴿لا تأمنا﴾ بالإدغام بإشمام وغير إشمام (18)، والمعنى: لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونحبه، وما فعلنا في أمره ما يدل على خلاف النصيحة؟وقرئ: " نرتع ونلعب " بالنون فيهما (19) وبالياء فيهما والجزم، وقرئ: الأول بالنون والثاني بالياء (20)، وأصل الرتعة: الخصب والسعة، والمعنى: ننال ما نحتاج إليه ونتسع في أكل الفواكه وغيرها، وقرئ: " يرتع " بكسر العين " ويلعب " بالياء فيهما (21) وبالنون (22) من ارتعى يرتعي، يقال: رعى وارتعى، مثل: شوى واشتوى، وقد يستقيم أن يقال: " نرتع " وإنما يرتع إبلهم، ونرتع وإنما يرتعي إبلهم (23)، فيكون على حذف المضاف، وأرادوا به اللعب المباح مثل الرمي والاستباق بالأقدام.
﴿ليحزنني أن تذهبوا به﴾ اعتذر إليهم بشيئين: أحدهما: أن مفارقته إياه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة، والآخر: خوفه عليه من عدوة ﴿الذئب﴾ إذا غفلوا ﴿عنه﴾ برعيهم ولعبهم ﴿لئن أكله الذئب﴾ اللام موطئة للقسم، و ﴿إنا إذا لخاسرون﴾ جواب القسم وقد سد مسد جواب الشرط، والواو في ﴿ونحن عصبة﴾ واو الحال، حلفوا له: لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم وحالهم أنهم عشرة رجال، بمثلهم تعصب الأمور وتستكفي الخطوب، إنهم إذا لقوم هالكون ضعفا وخورا وعجزا، أو مستحقون أن يهلكوا لأنه لاغناء عندهم، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار والدمار فيقال: خسرهم الله، حين أكل الذئب بعضهم وهم حضور.
﴿فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيبت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (15) وجاؤوا أباهم عشاء يبكون (16) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (17) وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (18)﴾
﴿أن يجعلوه﴾ مفعول ﴿أجمعوا﴾ من أجمع الأمر وأزمعه، جواب " لما " محذوف، والتقدير: فعلوا به ما فعلوا من الأذى، فقد روي: أنهم لما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وأخذوا يضربونه، فلما أرادوا إلقاءه في الجب ربطوا يديه ونزعوا قميصه ودلوه في البئر، فلما بلغ نصفها ألقوه وكان في البئر ماء فسقط فيه، ثم آوى إلى صخرة فقام عليها، وكان إبراهيم خليل الرحمن لما ألقي في النار عريانا أتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب، وجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف، فجاء جبرئيل فأخرجه وألبسه إياه، وهو القميص الذي وجد يعقوب ريحه لما فصلت العير من مصر (24).
﴿وأوحينا إليه﴾ أوحى إليه في الصغر كما أوحى إلى يحيى وعيسى: ﴿لتنبئنهم بأمرهم هذا﴾، وإنما أوحى إليه ليبشر بما يؤول إليه أمره، والمعنى: لتتخلصن مما أنت فيه، ولتحدثن إخوتك بما فعلوا بك ﴿وهم لا يشعرون﴾ أنك يوسف، لعلو شأنك ولطول عهدهم بك، وقيل: يريد ﴿وهم لا يشعرون﴾ بإيحائنا إليه وإزالتنا الوحشة عنه، ويحسبون أنه مستوحش لا أنيس له.
وجاء إخوته ﴿أباهم عشاء﴾ آخر النهار، وأظهروا البكاء ليوهموه أنهم صادقون.
﴿قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق﴾ أي: نتسابق في العدو أو في الرمي، وقيل: في تفسيره: ننتضل (25) (26)، ﴿وما أنت ب?﴾ مصدق ﴿لنا ولو كنا﴾ من أهل الصدق عندك لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيئ الظن بنا غير واثق بقولنا! ﴿بدم كذب﴾ أي: ذي كذب، أو (27) وصف بالمصدر مبالغة، كقول الشاعر: فهن به جود وأنتم به بخل (28) وروي: أن يعقوب أخذ القميص وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا، أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه (29).
﴿على قميصه﴾ محله نصب على الظرف، أي: ﴿وجاؤوا﴾ فوق ﴿قميصه بدم كذب﴾، ولا يجوز أن يكون حالا متقدمة، لأن الحال عن المجرور لا يتقدم عليه ﴿قال بل سولت﴾ أي: سهلت ﴿لكم أنفسكم أمرا﴾ عظيما ارتكبتموه من يوسف وهونته في أعينكم (30)، والسول: الاسترخاء ﴿فصبر جميل﴾ أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أمثل، وفي الحديث: " إن الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه " (31) يعني: إلى الخلق، لقوله: ﴿إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله﴾ (32)، ﴿والله المستعان على﴾ احتمال ﴿ما تصفون?﴾ - ه من هلاك يوسف.
﴿وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضعة والله عليم بما يعملون (19) وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين (20)﴾
﴿سيارة﴾ جماعة مارة تسير من قبل مدين إلى مصر، وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء يوسف في الجب، فأخطأوا الطريق فنزلوا قريبا منه ﴿فأرسلوا واردهم﴾ والوارد: الذي يرد ليستقي للقوم، أي: بعثوا رجلا يطلب لهم الماء، وهو مالك بن ذعر ﴿فأدلى دلوه﴾ في البئر، فتعلق يوسف بالحبل، فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان، " قال يا بشراي " (33) أي: أضاف البشرى إلى نفسه، وقرئ: ﴿يا بشرى﴾ نادى: البشرى، كأنه قال: تعالي فهذا أوانك ﴿وأسروه﴾ الضمير للوارد وأصحابه: أخفوه من الرفقة، وقيل: أخفوا أمره ووجدانهم له في الجب وقالوا لهم: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر (34)، وعن ابن عباس: أن الضمير لإخوة يوسف وأنهم قالوا للرفقة: هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه (35)، وانتصب ﴿بضعة﴾ على الحال، أي: أخفوه متاعا للتجارة، والبضاعة: ما يبضع من المال للتجارة، أي: يقطع.
﴿وشروه﴾ باعوه ﴿بثمن بخس﴾ مبخوس ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا ﴿دراهم﴾ لا دنانير ﴿معدودة﴾ قليلة تعد عدا ولا توزن، وعن ابن عباس: كانت عشرين درهما (36) ﴿وكانوا فيه من الزاهدين﴾ ممن يرغب عما في يده فيبيعه بما طف من الثمن، لأنهم التقطوه، والملتقط للشئ لا يبالي بم باعه، ويجوز أن يكون المعنى: واشتروه من إخوته يعني: الرفقة وكانوا من الزاهدين في نفس يوسف.
﴿وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (21) ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين (22) وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربى أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون (23)﴾
﴿الذي اشتراه من مصر﴾ هو العزيز الذي كان على خزائن مصر، واسمه قطفير أو اطفير، والملك يومئذ: الريان بن الوليد، وعن ابن عباس: العزيز ملك مصر (37)، وقيل: اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره الريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة، وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة (38)، وقيل: اشتراه العزيز بأربعين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين (39).
﴿وقال... لامرأته أكرمي مثواه﴾ أي: اجعلي منزله ومقامه عندنا كريما، أي: حسنا مرضيا بدليل قوله: ﴿إنه ربى أحسن مثواي﴾ ومعناه: تعهديه بالإحسان حتى يكون نفسه طيبة في صحبتنا ﴿عسى أن ينفعنا﴾ لعله ينفعنا بكفايته وأمانته، أو نتبناه ونقيمه مقام الولد، وكان قد تفرس فيه الرشد فقال ذلك ﴿وكذلك﴾ أي: ومثل ذلك الإنجاء والعطف، والمراد: كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز ﴿مكنا﴾ له ﴿في﴾ أرض مصر، وجعلناه ملكا يتصرف فيها بأمره ونهيه ﴿ولنعلمه من تأويل الأحاديث﴾ كان ذلك الإنجاء والتمكين ﴿والله غالب على أمره﴾ لا يمنع مما يشاء ويقضي، أو على أمر يوسف يدبره ولا يكله إلى غيره.
وقيل في ال? " أشد ": ثاني عشرة سنة (40)، وعشرون (41)، وثلاث وثلاثون (42)، وأربعون (43)، وقيل: أقصاه ثنتان وستون سنة (44)، ﴿حكما﴾ أي: حكمة، يعني: النبوة ﴿وعلما﴾ بالشريعة، وقيل: الحكم على الناس والعلم بوجوه المصالح (45)، ﴿وكذلك نجزى المحسنين﴾ فيه تنبيه على أن الله آتاه الحكم والعلم جزاء على إحسانه في العمل وتقواه.
وعن الحسن: من أحسن عبادة ربه في شبيبته آتاه الحكمة في اكتهاله (46).
والمراودة: مفاعلة من راد يرود: إذا جاء وذهب، والمعنى: خادعته ﴿عن نفسه﴾ أي: فعلت ما يفعله المخادع بصاحبه عن الشئ الذي لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهي عبارة عن التمحل (47) لمواقعته إياها، و ﴿هيت لك﴾ أي: أقبل وتعال، وقرئ: " هيت لك " بضم التاء (48)، و " هيت لك " بكسر الهاء وفتح التاء (49)، و " هئت لك " بالهمزة وضم التاء (50)، بمعنى تهيأت لك، يقال: هاء يهئ، واللام من صلة الفعل وأما في الأصوات فللبيان، كأنه قيل: لك أقول هذا ﴿معاذ الله﴾ أعوذ بالله معاذا ﴿إنه﴾ الضمير للشأن والحديث ﴿ربى أحسن مثواي﴾ مبتدأ وخبر، يريد قطفير حين قال لامرأته: ﴿أكرمي مثواه﴾ فليس جزاؤه أن أخلفه في أهله بسوء وأخونه.
﴿ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهن ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين (24) واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم (25) قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكذبين (26) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصدقين (27) فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم (28) يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين (29)﴾ هم بالأمر: إذا قصده وعزم عليه، والمعنى: ﴿ولقد همت﴾ بمخالطته ﴿وهم﴾ بمخالطتها ﴿لولا أن رأى برهن ربه﴾ جوابه محذوف تقديره: لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، فحذف لأن قوله: ﴿وهم بها﴾ يدل عليه، كقولك: هممت بقتله لولا أني خفت الله، معناه: لولا أني خفت الله لقتلته، والمراد في قوله: ﴿وهم بها﴾: أن نفسه مالت إلى المخالطة ونازعت إليها عن شهوة الشباب ميلا يشبه الهم بها والقصد إليها، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هما لشدته لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع، ولو كان همه كهمها لما مدحه الله بأنه: ﴿من عبادنا المخلصين﴾، ويجوز أن يريد بقوله: ﴿وهم بها﴾: وشارف أن يهم بها، كما يقول الرجل: قتلته لو لم أخف الله، ومن حق القارئ أن يقف على ﴿ولقد همت به﴾ ويبتدئ ﴿وهم بها لولا أن رأى برهن ربه﴾ (51)، ﴿كذلك﴾ الكاف في محل النصب أي: مثل ذلك التثبيت ثبتناه، أو في محل الرفع أي: الأمر مثل ذلك ﴿لنصرف عنه السوء﴾ من خيانة السيد ﴿والفحشاء﴾ من الزنا " إنه من عبادنا المخلصين " الذين أخلصوا دينهم لله، وبالفتح: الذين أخلصهم الله لطاعته بأن عصمهم.
﴿واستبقا الباب﴾ وتسابقا إلى الباب، على حذف الجار أو على تضمينه معنى " ابتدرا "، ففر منها يوسف فأسرع يريد الباب البراني ليخرج، وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ﴿وقدت قميصه من دبر﴾ اجتذبته من خلفه فانقد، أي: انشق ﴿وألفيا سيدها﴾ وصادفا بعلها وهو قطفير، و ﴿ما﴾ نافية، أي: ليس جزاؤه إلا السجن، أو استفهامية بمعنى: أي شئ جزاؤه إلا السجن؟كما يقول: من في الدار إلا زيد؟وقيل: العذاب الأليم: الضرب بالسياط (52).
ولما عرضته للسجن والعذاب وأغرت به وجب عليه الدفع عن النفس ف? ﴿قال هي راودتني عن نفسي﴾ ولولا ذلك لكتم عليها ﴿وشهد شاهد من أهلها﴾ قيل: كان ابن عم لها وكان جالسا مع زوجها عند الباب (53)، وقيل: كان ابن خال لها صبيا في المهد (54)، وسمي قوله شهادة لما أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها.
﴿فلما رأى﴾ يعني: قطفير، وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها ﴿قال إنه﴾ أي: إن قولك: ﴿ما جزاء من أراد بأهلك سوءا﴾ أو: إن هذا الأمر ﴿من كيدكن﴾، واستعظم كيد النساء لأنهن ألطف مكيدة وأنفذ حيلة من الرجال.
﴿يوسف﴾ حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب ﴿أعرض عن هذا﴾ الأمر واكتمه ولا تحدث به ﴿واستغفري﴾ أنت ﴿لذنبك إنك كنت من﴾ القوم المتعمدين للذنب، يقال: خطئ إذا أذنب متعمدا.
﴿وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين (30) فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وآتت كل وا حدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم (31) قالت فذالكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين (32) قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجهلين (33) فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم (34) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين (35)﴾
﴿وقال﴾ جماعة من النساء، والنسوة: اسم مفرد لجمع المرأة، وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة (55)، وفيه (56) لغتان: كسر النون وضمها ﴿في المدينة﴾ في مصر ﴿امرأة العزيز﴾ يردن قطفير، والعزيز: الملك بلسان العرب، ﴿فتاها﴾ غلامها ﴿شغفها﴾ خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد، والشغاف: حجاب القلب، وروي عن أهل البيت (عليهم السلام): " شعفها " بالعين (57)، من شعف البعير: إذا هنأه فأحرقه بالقطران، قال امرؤ القيس: كما شعف المهنوءة الرجل الطالي (58) و ﴿حبا﴾ نصب على التمييز ﴿إنا لنراها في ضلال مبين﴾ أي: في خطأ وبعد عن الصواب.
﴿فلما سمعت بمكرهن﴾ باغتيابهن وتعبيرهن وقولهن: امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ﴿أرسلت إليهن﴾ دعتهن ﴿وأعتدت لهن متكئا﴾ ما يتكئن عليه من نمارق (59)، قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات والسكاكين في أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فيقطعن أيديهن، وقيل: ﴿متكئا﴾ مجلس طعام، لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين (60)، وقيل: ﴿متكئا﴾ طعاما يجز جزا، أي: يعتمد بالسكين، لأن القاطع يتكئ على المقطوع بالسكين (61)، ﴿أكبرنه﴾ أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائع والجمال الرائق، قيل: كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدار كما يرى نور الشمس من الماء عليها (62)، وقيل: ورث الجمال من جدته سارة (63)، ﴿وقطعن أيديهن﴾ جرحنها ﴿حاش﴾ كلمة تفيد معنى التنزيه (64) في باب الاستثناء، تقول: أساء القوم حاشا زيد، فمعنى حاشا لله: براءة الله وتنزيه الله من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله، وأما قوله: ﴿حش لله ما علمنا عليه من سوء﴾ (65) فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله ﴿ما هذا بشرا﴾ نفين عنه البشرية، لغرابة حاله في الحسن، وأثبتن له الملكية لما هو مركوز في الطباع أنه لا أحسن من الملك.
﴿قالت فذا لكن الذي لمتنني فيه﴾ ولم تقل: فهذا، وهو حاضر، رفعا لمنزلته في الحسن واستحقاق أن يحب ويفتتن به، أو تقول: هو ذلك العبد الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه، ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتنني في الافتتان به ﴿فاستعصم﴾ أي: امتنع أشد امتناع كأنه في عصمة، واجتهد في الاستزادة منها، ونحوه: استمسك، وفي هذا برهان قوي على أن يوسف برئ مما أضاف إليه الحشوية (66) من هم المعصية ﴿ولئن لم يفعل ما آمره﴾ الأصل: ما آمر به، فحذف الجار، كما في قولك: أمرتك الخير ﴿ليسجنن﴾ ليحبسن في السجن ﴿وليكونا﴾ بالنون الخفيفة ولذلك كتبت في المصحف ألفا.
﴿قال رب السجن أحب إلى﴾ أي: أسهل علي ﴿مما يدعونني إليه﴾ من الفاحشة، أو نزول السجن أحب إلي من ركوب المعصية، روي: أن النسوة لما خرجن من عندها أرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا تسأله الزيارة (67)، وقيل: إنهن قلن له: أطع مولاتك فإنها مظلومة وأنت تظلمها (68)، وقرئ: " السجن " بالفتح (69) على المصدر ﴿وإلا تصرف عنى كيدهن﴾ فزع إلى ألطاف الله تعالى وعصمته كعادة الأنبياء والأولياء فيما وطن عليه نفسه من الصبر ﴿أصب إليهن﴾ أمل إليهن ﴿وأكن من الجهلين﴾ الذين لا يعملون بما يعلمون، أو من السفهاء لأن الحكيم لا يفعل القبيح.
﴿ثم بدا لهم﴾ الفاعل مضمر لدلالة ما يفسره عليه وهو ﴿ليسجننه﴾، والمعنى: بدا لهم بداء، أي: ظهر لهم رأي: ﴿ليسجننه﴾، ﴿من بعد ما رأوا الآيات﴾ وهي الشواهد على براءته ﴿حتى حين﴾ إلى زمان، والضمير في ﴿لهم﴾ ل? ﴿العزيز﴾ وأهله.
﴿ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نربك من المحسنين (36) قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذا لكما مما علمني ربى إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كفرون (37) واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (38) يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار (39) ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطن إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (40)﴾
﴿ودخل معه السجن فتيان﴾ أي: عبدان للملك: ملك مصر مصاحبين له، لأن " مع " تدل على الصحبة، والفتيان: خباز الملك وشرابيه أدخلا السجن ساعة أدخل يوسف، نمي (70) إلى الملك أنهما يسمانه ﴿إني أراني﴾ يعني: في المنام، وهي حكاية حال ماضية ﴿أعصر خمرا﴾ يعني: عنبا، تسمية للعنب بما يؤول إليه ﴿من المحسنين﴾ من الذين يحسنون عبارة الرؤيا، أو من المحسنين إلى أهل السجن، فأحسن إلينا: بأن تفرج عنا الغمة بتأويل ما رأينا إن كانت لك يد في تأويل الرؤيا، روي: أنه كان إذا مرض رجل منهم قام عليه، وإذا ضاق على أحد منهم مكانه وسع له، وإن احتاج جمع له (71).
وعن الشعبي: أن الفتيين امتحناه، فقال الشرابي: إني أراني في بستان فإذا بأصل حبلة (72) عليها ثلاث عناقيد من عنب فقطعتها وعصرتها في كأس الملك وسقيته، وقال الخباز: إني أراني فوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة فإذا سباع الطير ينهبن منها (73).
﴿نبئنا﴾ بتأويل ذلك.
ولما استعبراه ووصفاه بالإحسان ابتدأ فوصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالغيب، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما، ويصفه لهما ويقول: اليوم ﴿يأتيكما طعام﴾ بصفة كذا وكذا فيجدانه على ما أخبر به، وجعل ذلك تخلصا إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويقبح إليهما الشرك بالله ﴿ذا لكما﴾ إشارة إلى التأويل، أي: ذلك التأويل والاخبار بالغائبات ﴿مما علمني ربى﴾ وأوحى به إلي، ولم أقله عن تكهن وتنجم ﴿إني تركت﴾ يجوز أن يكون استئناف كلام، وأن يكون تعليلا لما قبله أي: علمني ربي لأني تركت ﴿ملة﴾ أولئك ﴿واتبعت ملة آبائي﴾ الأنبياء المذكورين وهي الملة الحنيفية، وذكر آباءه ليريهما أنه من أهل بيت النبوة ومعدن الوحي بعد أن عرفهما أنه نبي يوحى إليه، ليقوي رغبتهما في الاستماع إليه ﴿ما كان لنا﴾ أي: ما صح لنا - معشر الأنبياء - الشرك ﴿بالله﴾، ﴿ذلك﴾ التمسك بالتوحيد ﴿من فضل الله علينا وعلى الناس﴾ على الرسل وعلى المرسل إليهم ﴿ولكن أكثر﴾ المرسل إليهم ﴿لا يشكرون﴾ فضل الله فيشركون.
﴿يا صاحبي السجن﴾ يريد: يا صاحبي في السجن، فأضافهما إلى السجن، كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار، فكما أن الليلة مسروق فيها غير مسروقة فكذلك السجن مصحوب فيه غير مصحوب، وإنما المصحوب غيره وهو يوسف (عليه السلام)، ويجوز أن يريد: يا ساكني السجن، كقوله عز اسمه: ﴿أصحب النار وأصحب الجنة﴾ (74)، ﴿أأرباب متفرقون﴾ في العدد، أي: أأن يكون لكما أرباب شتى يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا ﴿خير﴾ لكما ﴿أم﴾ أن يكون لكما رب واحد قاهر لا يغالب ولا يشارك في الربوبية؟وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام.
﴿ما تعبدون من دونه إلا أسماء﴾ فارغة سميتم بها، يقال: سميته بزيد وسميته زيدا ﴿ما أنزل الله﴾ بتسميتها ﴿من سلطن﴾ أي: حجة ﴿إن الحكم﴾ في أمر الدين والعبادة ﴿إلا لله﴾، ثم بين ما حكم الله فقال: ﴿أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم﴾ الثابت بالدلائل.
﴿يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الامر الذي فيه تستفتيان (41) وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين (42)﴾
﴿أما أحدكما﴾ يعني: الشرابي ﴿فيسقى ربه خمرا﴾ أي: سيده ﴿قضى الامر﴾ أي: قطع وفرغ منه، وروي: أنهما قالا: ما رأينا شيئا، فأخبرهما أن ذلك كائن صدقتما أو كذبتما (75).
﴿وقال للذي ظن أنه ناج منهما﴾ الظن هنا بمعنى العلم، كما في قوله: ﴿إني ظننت أنى ملق حسابيه﴾ (76)، ﴿اذكرني عند ربك﴾ صفني عند الملك بصفتي وأخبره بحالي وأني حبست ظلما، فأنسى الشرابي ﴿الشيطان ذكر ربه﴾ أن يذكره لربه، وقيل: أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه في تلك الحال حين وكل أمره إلى غيره حتى استغاث بمخلوق (77)، والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع، وأصح الأقوال: أنه ﴿لبث في السجن﴾ سبع ﴿سنين﴾.
﴿وقال الملك إني أرى سبع بقرا ت سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملا أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون (43) قالوا أضغاث أحلم وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين (44) وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون (45) يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرا ت سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون (46) قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون (47) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون (48) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون (49)﴾ قرأ الصادق (عليه السلام): " وسبع سنابل... يأكلن ما قربتم لهن " (78).
لما دنا فرج يوسف من الحبس رأى الملك وهو الريان بن الوليد رؤيا هالته: رأى ﴿سبع بقرا ت سمان﴾ خرجن من نهر يابس، و ﴿سبع﴾ بقرات ﴿عجاف﴾ فأكلت العجاف السمان ﴿و﴾ رأى ﴿سبع سنبلات خضر﴾ قد انعقد حبها ﴿و﴾ سبعا ﴿أخر يابسات﴾ قد استحصدت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فجمع الأشراف والكهان وقص رؤياه عليهم ﴿وقال... أفتوني في رؤياي﴾ أي: عبروا ما رأيت في منامي ﴿إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾ أي: إن كنتم تنتدبون (79) لعبارة الرؤيا، وحقيقة عبرت الرؤيا: ذكرت عاقبتها، كما تقول: عبرت النهر: إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه، وأما اللام في قوله: ﴿للرؤيا﴾ إما أن تكون للبيان كقوله: ﴿وكانوا فيه من الزاهدين﴾ (80)، وإما أن تدخل لأن المعمول إذا تقدم على عامله لم يقو على العمل فعضد باللام كما يعضد به اسم الفاعل إذا قيل: هو عابر للرؤيا لانحطاطه عن الفعل في القوة، ويجوز أن يكون ﴿للرؤيا﴾ خبر " كان "، كما تقول: كان فلان لهذا الأمر: إذا كان مستقلا به متمكنا منه، و ﴿تعبرون﴾ خبر بعد خبر أو حال، والسبب في وقوع ﴿عجاف﴾ جمعا ل? " عجفاء "، وأفعل وفعلاء لا يجمعان على فعال، حمله على ﴿سمان﴾ لأنه نقيضه، وهم يحملون النظير على النظير والنقيض على النقيض ﴿وأخر يابسات﴾ أي: وسبعا أخر.
وأضغاث الأحلام: تخاليطها وأباطيلها، وما يكون منها من وسوسة أو حديث نفس، وأصل الأضغاث: ما جمع من أخلاط النبات وحزم، والواحد ضغث، والإضافة بمعنى " من "، أي: أضغاث من أحلام، والمعنى: هي أضغاث أحلام.
﴿وادكر بعد أمة﴾ أي: بعد مدة طويلة ﴿أنا أنبئكم بتأويله﴾ أنا أخبركم به عمن عنده علمه ﴿فأرسلون﴾ فابعثوني إليه لأسأله ومروني باستعباره، فأرسلوه إلى يوسف، فأتاه فقال: ﴿يوسف أيها الصديق﴾ أيها البليغ في الصدق، وإنما قاله لأنه تعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه، ولذلك كلمه كلام محترز فقال: ﴿لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون﴾ لأنه ليس على يقين من الرجوع فربما اخترم دونه، ولا من علمهم فربما لم يعلموا، ومعنى ﴿لعلهم يعلمون﴾: لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم فيطلبونك ويخلصونك من حبسك، وعن ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة (81).
﴿تزرعون﴾ خبر في معنى الأمر، كقوله: ﴿تؤمنون بالله ورسوله وتجهدون﴾ (82)، ويدل عليه قوله: ﴿فذروه في سنبله﴾، قرئ: ﴿دأبا﴾ بسكون الهمزة (83) وتحريكها، وهما مصدرا دأب في العمل، وهو حال من المأمورين، أي: دائبين: إما على تدأبون دأبا، وإما على إيقاع ﴿دأبا﴾ بمعنى: ذوي دأب ﴿فذروه في سنبله﴾ لئلا يتسوس، و ﴿يأكلن﴾ من الإسناد المجازي: جعل أكل أهلهن مسندا إليهن ﴿تحصنون﴾ تحرزون وتخبؤون.
﴿يغاث الناس﴾ من الغوث أو من الغيث، يقال: غيثت البلاد: إذا مطرت (84)، ومنه قول الأعرابية: غثنا ما شئنا ﴿يعصرون﴾ العنب والسمسم، وقرئ: " يعصرون " (85) من عصره: إذا أنجاه، وقيل: معناه: يمطرون (86).
تأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجئ مباركا خصيبا كثير الخير، وذلك من جهة الوحي.
﴿وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم (50) قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصدقين (51) ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين (52) وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم (53)﴾ تأنى (عليه السلام) وتثبت في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما اتهم به وحبس لأجله، ومن كرمه وحسن أدبه أنه لم يذكر امرأة العزيز مع ما صنعت به من السجن والعذاب، واقتصر على ذكر ﴿النسوة التي قطعن أيديهن﴾.
﴿ما خطبكن﴾ ما شأنكن ﴿إذ راودتن يوسف عن نفسه﴾ هل وجدتن منه ميلا إليكن؟﴿قلن حاش لله﴾ تعجبا من عفته ونزاهته عن الريبة ﴿الآن حصحص الحق﴾ أي: ثبت الحق واستقر، وهو من حصحص البعير: إذا ألقى ثفناته للإناخة، ولا مزيد على شهادتهن له بالبراءة واعترافهن على أنفسهن بأنه لم يفعل شيئا مما قرفنه به لأنهن خصومه، وإذا اعترف الخصم بأن صاحبه على الحق وهو على الباطل لم يبق لأحد كلام.
﴿ذلك﴾ أي: ذلك التشمر والتمكن والتثبت ﴿ليعلم﴾ العزيز ﴿أنى لم أخنه﴾ بظهر الغيب في حرمته، وقوله: ﴿بالغيب﴾ في محل النصب على الحال من الفاعل أو المفعول، بمعنى: وأنا غائب عنه أو هو غائب عني ﴿و﴾ ليعلم ﴿أن الله لا يهدي كيد الخائنين﴾ أي: لا ينفذه ولا يسدده.
ثم تواضع لله وبين أن ما فيه من الأمانة إنما هو بتوفيق الله وعصمته، فقال: ﴿وما أبرئ نفسي﴾ من الزلل ﴿إن النفس لامارة بالسوء﴾ أراد الجنس ﴿إلا ما رحم ربى﴾ إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة، ويجوز أن يكون بمعنى الزمان، أي: وقت رحمة ربي، وقيل: هو من كلام امرأة العزيز (87)، أي: ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أكذب عليه في حال الغيبة وصدقت فيما سئلت عنه، وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة فإني خنته حين قذفته وسجنته، تريد الاعتذار مما كان منها.
﴿وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين (54) قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم (55) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين (56) ولاجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون (57)﴾
﴿أستخلصه﴾ وأستخصه متقاربان، والمعنى: أنه جعله خالصا لنفسه وخاصا به يرجع إليه في تدبيره ﴿فلما كلمه﴾ وعرف فضله وأمانته، لأنه استدل بكلامه على عقله، وبعفته على أمانته ﴿قال إنك﴾ أيها الصديق ﴿اليوم لدينا مكين﴾ ذو مكانة ومنزلة ﴿أمين﴾ مؤتمن على كل شئ.
ثم قال: أيها الصديق، إني أحب أن أسمع رؤياي منك، قال: نعم أيها الملك رأيت سبع بقرات، فوصف لونهن وأحوالهن ووصف السنابل على الهيئة التي رآها، ثم قال له: من حقك أن تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة، وتبني الأهراء (88) فيأتيك الخلق من النواحي ويمتارون منك، ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك، فقال الملك: من لي بهذا؟ف? ﴿قال اجعلني على خزائن الأرض﴾ أي: ولني خزائن أرضك ﴿إني حفيظ﴾ لما استودعتني أحفظه عن أن تجري فيه خيانة ﴿عليم﴾ بوجوه التصرف، وصف نفسه بالأمانة والكفاية اللتين يطلبهما الملوك ممن يولونه، وإنما طلب يوسف الولاية ليتوصل بذلك إلى إمضاء أحكام الله وبسط العدل، ووضع الحقوق مواضعها، ويتمكن من الأمور التي كانت مفوضة إليه من حيث كان نبيا إماما، ولعلمه أن غيره لا يقوم في ذلك مقامه، وفي ذلك دلالة على جواز تولي القضاء من جهة السلطان الجائر إذا كان فيه تمكن من إقامة الحق وتنفيذ أحكام الدين، وقيل: إن الملك كان يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه في كل ما رأى، فكان في حكم التابع له والمطيع (89).
﴿وكذلك﴾ أي: ومثل ذلك التمكين الظاهر ﴿مكنا ليوسف في﴾ أرض مصر ﴿يتبوأ منها حيث يشاء﴾ أي: كل مكان أراد أن يتخذه منزلا ومتبوأ لم يمتنع منه لاستيلائه على جميعها، وقرئ: " نشاء " بالنون (90) ﴿نصيب برحمتنا﴾ بعطائنا في الدنيا والدين ﴿من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين﴾ في الدنيا.
﴿ولاجر الآخرة خير﴾ لهم.
﴿وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون (58) ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين (59) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون (60) قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون (61) وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون (62)﴾ لما تمكن يوسف بمصر وقحط الناس جمع يعقوب بنيه وقال: بلغني أنه يباع الطعام بمصر وأن صاحبه رجل صالح، فاذهبوا إليه، فتجهزوا وساروا حتى وردوا مصر ﴿فدخلوا﴾ على يوسف ﴿فعرفهم﴾ لأن همته كانت معقودة بهم وبمعرفتهم ﴿وهم له منكرون﴾ لم يعرفوه لطول العهد، ولاعتقادهم أنه قد هلك.
﴿ولما جهزهم بجهازهم﴾ أي: أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما طلبوه من الميرة ﴿قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم﴾ لابد من مقدمة سبقت معهم حتى جرت هذه المسألة، روي (91): أنه لما رآهم قال: من أنتم؟قالوا: نحن إخوة عشرة وأبونا نبي من الأنبياء اسمه: يعقوب، وكنا اثني عشر إخوة (92) فهلك منا واحد، قال: فأين الأخ الحادي عشر؟قالوا: هو عند أبيه يتسلى به من الهالك ﴿قال﴾ يوسف: ﴿ائتوني﴾ به ﴿ألا ترون أني أوفي الكيل﴾ ولا أبخس أحدا شيئا ﴿وأنا خير المنزلين﴾ المضيفين.
﴿فإن لم تأتوني به ف?﴾ ليس ﴿لكم عندي﴾ طعام أكيله عليكم، وقوله: ﴿ولا تقربون﴾ يجوز أن يكون مجزوما عطفا على محل قوله: ﴿فلا كيل لكم﴾ كأنه قال: فإن لم تأتوني به تحرموا ولا تقربوا، ويجوز أن يكون بمعنى النهي.
﴿قالوا سنراود عنه أباه﴾ أي: سنخادعه عنه ونحتال حتى ننتزعه من يده ﴿وإنا لفاعلون﴾ لقادرون على ذلك.
" وقال لفتيته " (93) وقرئ: ﴿لفتيانه﴾ وهما: جمع فتى، مثل إخوة وإخوان في جمع أخ، وفعلة: جمع القلة، وفعلان: جمع الكثرة، أي: لغلمانه الكيالين ﴿اجعلوا بضاعتهم في رحالهم﴾ يعني: ثمن طعامهم وما كانوا جاؤوا به في أوعيتهم، واحدها رحل، يقال للوعاء: رحل، وللمسكن: رحل، واصله: الشئ المعد للرحيل ﴿لعلهم يعرفونها﴾ لعلهم يعرفون حق ردها وحق التكرم بإعطاء البدلين ﴿إذا انقلبوا إلى أهلهم﴾ وفرغوا ظروفهم ﴿لعلهم يرجعون﴾ لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا، قيل: لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمنا (94).
﴿فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يأبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون (63) قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين (64) ولما فتحوا متعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير (65) قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل (66)﴾
﴿منع منا الكيل﴾ أرادوا قول يوسف (عليه السلام): ﴿فلا كيل لكم عندي﴾ لأنه إذا أعلمهم بمنع الكيل فقد منعهم الكيل ﴿فأرسل معنا أخانا﴾ بنيامين ﴿نكتل﴾ برفع المانع من الكيل فنكتل ما نحتاج إليه من الطعام، وقرئ: " يكتل " بالياء (95)، أي: يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا، أو يكن سببا للاكتيال.
﴿قال هل آمنكم﴾ أي: لا آمنكم ﴿على﴾ بنيامين في الذهاب به ﴿إلا كما أمنتكم على أخيه﴾ يوسف إذ قلتم فيه: ﴿إنا له لحافظون﴾ (96) كما تقولونه في أخيه ثم لم تفوا بضمانكم ﴿فالله خير حفظا﴾ فتوكل على الله فيه ودفعه إليهم، و ﴿حفظا﴾ نصب على التمييز كقولهم: " لله دره فارسا "، ويجوز أن يكون حالا، وقرئ: " حفظا " (97)، ﴿وهو أرحم الراحمين﴾ يرحم ضعفي وكبر سني، فيحفظه ويرده علي ولا يجمع علي مصيبتين.
﴿ولما فتحوا متعهم﴾ أي: أوعية طعامهم ﴿وجدوا بضاعتهم ردت إليهم﴾، وقرأ يحيى بن وثاب (98): " ردت " بكسر الراء (99) على أن كسر الدال المدغمة نقلت إلى الراء ﴿ما نبغي﴾: ﴿ما﴾ للنفي، أي: ما نبغي في القول، أو ما نبتغي شيئا وراء ما فعل بنا من الإحسان والإكرام، أو للاستفهام بمعنى: أي شئ نطلب وراء هذا من الإحسان؟وقيل: معناه: ما نريد منك بضاعة أخرى (100)، وقوله: ﴿هذه بضاعتنا ردت إلينا﴾ جملة مستأنفة موضحة لقوله: ﴿ما نبغي﴾ والجمل بعدها معطوفة عليها على معنى: أن بضاعتنا ردت إلينا فنستظهر بها ﴿ونمير أهلنا﴾ في رجوعنا إلى الملك ﴿ونحفظ أخانا﴾ فما يصيبه شئ مما تخافه ﴿ونزداد﴾ باستحضار أخينا وسق (101) بعير زائدا على أوساق أباعرنا، فأي شئ نطلب وراء هذه المباغي التي نستصلح بها أحوالنا؟﴿ذلك كيل يسير﴾ أي: ذلك مكيل قليل لا يكفينا، يعنون: ما يكال لهم فأرادوا أن يزدادوا إليه ما يكال لأخيهم، أو يكون ﴿ذلك﴾ إشارة إلى كيل بعير، أي: ذلك الكيل شئ قليل لا يضايقنا فيه الملك، أو سهل عليه لا يتعاظمه.
﴿حتى تؤتون﴾ أي: تعطوني ما أتوثق به ﴿من﴾ عند ﴿الله﴾ من عهد أو حلف ﴿لتأتنني به﴾ جواب القسم، لأن المعنى: حتى تقسموا بالله لتأتنني به ﴿إلا أن يحاط بكم﴾ إلا أن تغلبوا فلم تقدروا على الإتيان به، أو إلا أن تهلكوا ﴿فلما آتوه موثقهم﴾ أي: أعطوه ما يوثق به من العهود والأيمان ﴿قال﴾ يعقوب ﴿الله على ما نقول وكيل﴾ أي: رقيب مطلع، إن أخلفتم انتصف لي منكم.
﴿وقال يبنى لا تدخلوا من باب وا حد وادخلوا من أبوا ب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون (67) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شئ إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمنه ولكن أكثر الناس لا يعلمون (68)﴾ نهاهم أن يدخلوا ﴿من باب وا حد﴾ لأنهم كانوا ذوي جمال وبهاء وهيئة حسنة، قد شهروا في مصر بالقربة من الملك والتكرمة الخاصة التي لم تكن لغيرهم، فخاف عليهم العين ﴿وما أغنى عنكم من الله من شئ﴾ يعني: إن أراد الله بكم سوء لم ينفعكم، ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة ﴿إن الحكم إلا لله﴾.
﴿ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم﴾ أي: متفرقين ﴿ما كان يغنى عنهم﴾ رأي يعقوب ودخولهم متفرقين شيئا قط ﴿إلا حاجة﴾ استثناء منقطع على معنى: ولكن حاجة ﴿في نفس يعقوب قضاها﴾ وهي إظهار الشفقة عليهم بما قاله لهم ﴿وإنه لذو علم﴾ أي: إنه لذو يقين ومعرفة بالله ﴿لما علمنه﴾ أي: من أجل تعليمنا إياه.
﴿ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون (69) فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون (70) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون (71) قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم (72) قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سرقين (73) قالوا فما جزاؤه إن كنتم كذبين (74) قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين (75) فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجت من نشاء وفوق كل ذي علم عليم (76)﴾
﴿آوى إليه﴾ أي: ضم إليه ﴿أخاه﴾ بنيامين، روي: أنهم قالوا له: هذا أخونا قد جئناك به، فقال: أحسنتم، فأنزلهم وأكرمهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده، فأجلسه معه على مائدته وقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟قال: من يجد أخا مثلك؟ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقال له: ﴿إني أنا أخوك فلا تبتئس﴾ فلا تحزن ﴿بما كانوا يعملون﴾ بنا فيما مضى، فإن الله تعالى قد أحسن إلينا وجمعنا، ولا تعلمهم بما أعلمتك (102).
و ﴿السقاية﴾: مشربة يسقى بها وهي الصواع، قيل: كان يسقى بها الملك ثم جعلت صاعا يكال به وكانت من فضة مموهة بالذهب (103)، وقيل: كانت من ذهب مرصعة بالجواهر (104) ﴿ثم أذن مؤذن﴾ ثم نادى مناد، يقال: آذن: أعلم، وأذن: أكثر الإعلام، و ﴿العير﴾: الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير، أي: تجئ وتذهب، وقيل: هي قافلة الحمير ثم كثر حتى قيل لكل قافلة: عير (105)، والمراد: أصحاب العير كقوله: يا خيل الله اركبي.
﴿وأنا به زعيم﴾ أي: قال المنادي: من ﴿جاء﴾ بالصواع فله ﴿حمل بعير﴾ من الطعام ﴿وأنا﴾ بذلك كفيل: ضامن أؤديه إليه.
﴿تالله﴾ قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم، وإنما قالوا: ﴿لقد علمتم﴾ فاستشهدوا بعلمهم لما ثبت عندهم من دلائل دينهم وأمانتهم وحسن سيرتهم في معاملتهم معهم مرة بعد أخرى، ولأنهم ردوا بضاعتهم التي وجدوها في رحالهم مخافة أن يكون وضع ذلك بغير إذن العزيز ﴿وما كنا سرقين﴾ وما كنا موصوفين بالسرقة قط.
﴿قالوا فما جزاؤه﴾ الهاء للصواع، أي: فما جزاء سرقته ﴿إن كنتم كذبين﴾ في ادعائكم البراءة منه؟﴿قالوا جزاؤه﴾ أي: جزاء سرقته أخذ ﴿من وجد في رحله﴾، وكانت السنة في بني إسرائيل أن يسترق السارق سنة فلذلك استفتوا في جزائه، وقولهم: ﴿فهو جزاؤه﴾ معناه: فهو جزاؤه لاغير، كقولك: حق فلان أن يكرم وينعم عليه فذلك حقه، أي: فهو حقه، ويجوز أن يكون ﴿جزاؤه﴾ مبتدأ والجملة الشرطية خبره، والأصل: جزاؤه من وجد في رحله فهو هو، فوضع ﴿جزاؤه﴾ موضع " هو " إقامة للظاهر مقام المضمر.
﴿فبدأ ب?﴾ تفتيش ﴿أوعيتهم قبل وعاء أخيه﴾ بنيامين لنفي التهمة ﴿ثم استخرجها من﴾ وعائه، والصواع يذكر ويؤنث ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الكيد العظيم ﴿كدنا ليوسف﴾ يعني: علمناه إياه وأوحينا به إليه ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك﴾ هذا تفسير للكيد وبيان له، لأنه كان في دين ملك مصر وحكمه في السارق أن يضرب ويغرم مثل ما أخذ لا أن يستعبد ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أي: ما كان يأخذ إلا بمشيئة الله وإذنه فيه ﴿نرفع درجت من نشاء﴾ في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه، وقرئ: " يرفع " بالياء (106) و ﴿درجت﴾ بالتنوين (107)، ﴿وفوق كل ذي علم عليم﴾ أرفع درجة منه في علمه حتى ينتهي إلى الله تعالى العالم لذاته، فلا يختص بمعلوم دون معلوم فيقف عليه ولا يتعداه.
﴿قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون (77) قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نربك من المحسنين (78) قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متعنا عنده إنا إذا لظالمون (79) فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى أو يحكم الله لي وهو خير الحكمين (80)﴾
﴿أخ له﴾ عنوا به يوسف، واختلف فيما أضافوه إلى يوسف من السرقة، وأصح الأقوال (108) فيه: أن عمته كانت تحضنه بعد وفاة أمه وتحبه حبا شديدا، فلما ترعرع أراد يعقوب استرداده منها، وكانت منطقة إسحاق عندها لكونها أكبر ولده وكانوا يتوارثونها بالكبر، فعمدت إلى المنطقة وشدته على يوسف تحت ثيابه وادعت أنه سرقها، فحبسته بذلك السبب عندها ﴿فأسرها يوسف﴾ هذا إضمار قبل الذكر على شريطة التفسير، وتفسيره: ﴿أنتم شر مكانا﴾ فكأنه قال: فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله: ﴿أنتم شر مكانا﴾، والمعنى: قال ﴿في نفسه﴾: أنتم شر مكانا، لأن قوله: ﴿قال أنتم شر مكانا﴾ بدل من ﴿فأسرها﴾ أي: أنتم شر منزلة في السرقة، لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم ﴿والله أعلم بما تصفون﴾ يعلم أنه ليس الأمر كما تصفون، ولم يصح لي ولا لأخي سرقة.
ثم رفقوا في القول واستعطفوه بذكر أبيهم يعقوب، وأنه شيخ كبير السن أو كبير القدر، وأن بنيامين أحب إليه منهم ﴿فخذ أحدنا مكانه﴾ أي: بدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد ﴿إنا نربك من المحسنين﴾ إلينا فأتمم إحسانك، أو اجر على عادتك في الإحسان فإنه عادتك.
﴿قال معاذ الله﴾ هو كلام موجه، ظاهره: أنه يجب أخذ من وجد الصواع في رحله على مقتضى فتياكم، فلو أخذنا غيره كان ظلما عندكم فلا تطلبوا مني ما تعرفون أنه ظلم، وباطنه: أن الله تعالى أمرني بأخذ بنيامين واحتباسه لمصالح علمها في ذلك، فلو أخذت غيره كنت ظالما: عاملا بخلاف ما أمرت به، ومعنى ﴿معاذ الله أن نأخذ﴾: نعوذ بالله معاذا من أن نأخذ، و ﴿إذا﴾ جواب لهم وجزاء، لأن المعنى: إن نأخذ بدله ظلمنا.
﴿فلما استيئسوا﴾ يئسوا ﴿خلصوا﴾ أي: اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يشوبهم سواهم ﴿نجيا﴾: ذوي نجوى، فيكون النجي مصدرا بمعنى التناجي، كما قيل: ﴿وإذ هم نجوى﴾ (109) تنزيلا للمصدر منزلة الوصف، أو قوما نجيا أي: مناجيا لمناجاة بعضهم بعضا، فيكون مثل العشير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر، ومنه قوله تعالى: ﴿وقربناه نجيا﴾ (110)، وكان تناجيهم في تدبير أمرهم: أيرجعون أم يقيمون، وإذا رجعوا فماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم ﴿قال كبيرهم﴾ في السن وهو روبيل، وقيل: رئيسهم وهو شمعون (111)، وقيل: كبيرهم في الرأي والعقل وهو يهوذا (112) أو لاوي (113) ﴿ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله﴾ ذكرهم الوثيقة التي أخذها عليهم يعقوب ﴿ومن قبل ما فرطتم في يوسف﴾ فيه وجوه: أن تكون ﴿ما﴾ مزيدة، أي: ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف ولم تحفظوا عهد أبيكم، وأن تكون مصدرية على أن تكون مبتدأ و ﴿من قبل﴾ خبره، أي: وقع من قبل تفريطكم في يوسف، أو يكون في محل نصب عطفا على مفعول ﴿ألم تعلموا﴾ أي: ألم تعلموا أخذ أبيكم موثقا عليكم وتفريطكم من قبل في يوسف؟وأن تكون موصولة بمعنى: ومن قبل هذا ما فرطتموه، أي: قدمتموه في حق يوسف من الخيانة العظيمة، ومحله الرفع أو النصب على الوجهين ﴿فلن أبرح الأرض﴾ فلن أفارق أرض مصر ﴿حتى يأذن لي أبى﴾ في الانصراف إليه ﴿أو يحكم الله﴾ بالخروج منها، أو بالانتصاف ممن أخذ أخي، أو بخلاصه من يده.
﴿ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين (81) وسل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون (82) قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم (83) وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم (84) قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين (85) قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون (86) يبنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولاتايئسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون (87)﴾
﴿وما شهدنا﴾ عليه ﴿إلا بما علمنا﴾ في الظاهر أن الصواع استخرج من وعائه ﴿وما كنا للغيب﴾ أي: للأمر الخفي ﴿حافظين﴾ ولم نشعر أسرق أم دس الصاع في رحله.
﴿وسل القرية التي كنا فيها﴾ هي مصر، أي: أرسل إلى أهلها فسلهم عن كنه القصة ﴿والعير التي أقبلنا فيها﴾ أي: أصحاب العير.
والمعنى: فرجعوا إلى أبيهم وقالوا له: ما قال أخوهم، ف? ﴿قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا﴾ أردتموه، وإلا فما أدرى ذلك الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته لولا تعليمكم ﴿عسى الله أن يأتيني بهم جميعا﴾ بيوسف وأخيه وروبيل أو غيره ﴿إنه هو العليم﴾ بحالي في الحزن والأسف ﴿الحكيم﴾ الذي لم يبتلني إلا لحكمة ومصلحة.
﴿وتولى﴾ وأعرض ﴿عنهم﴾ كراهة لما جاؤوا به ﴿وقال يا أسفي﴾ أضاف الأسف إلى نفسه، والألف بدل من ياء الإضافة، والأسف: أشد الحزن والحسرة، وتأسفه ﴿على يوسف﴾ دون غيره دليل على أنه لم يقع فائت عنده موقعه، وأن الرزء (114) فيه كان عنده غضا طريا مع طول العهد ﴿وابيضت عيناه من الحزن﴾ والبكاء حتى أشرف على العمى فكان لا يرى إلا رؤية ضعيفة، وقيل: إنه عمي (115) ﴿فهو كظيم﴾ أي: مملوء من الغيظ على أولاده ولا يظهر ما يسؤهم.
﴿تفتؤا﴾ أي: لا تفتأ، حذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالإثبات لأنه لو كان إثباتا لم يكن بد من اللام والنون، ونحوه: فقلت: يمين الله أبرح قاعدا (116) ومعنى " لا تفتأ ": لا تزال، كما يقال: ما فتئ يفعل كذا ﴿حتى تكون حرضا﴾ أي: مشفيا على الهلاك، وأحرضه المرض، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر، والصفة حرض، ومثله: دنف ودنف.
البث: أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس، أي: ينشره، و ﴿إنما أشكوا﴾ معناه: لا أشكو إلى أحد وإنما أشكو ﴿إلى الله وأعلم من﴾ صنع ﴿الله﴾ ورحمته ﴿ما لا تعلمون﴾ وحسن ظني به أنه يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، وروي: أنه رأى ملك الموت (عليه السلام) فسأله: هل قبضت روح يوسف؟فقال: لا، فعلم أنه حي (117).
فقال: ﴿اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه﴾ أي: فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما، وهو تفعل من الإحساس وهو المعرفة ﴿من روح الله﴾ من فرجه وتنفيسه، وقيل: من رحمته (118) ﴿إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾ لأن المؤمن من الله على خير، يرجوه عند البلاء، ويشكره في الرخاء.
﴿فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين (88) قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون (89) قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (90) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين (91) قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين (92) اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين (93)﴾
﴿الضر﴾ الهزال من الجوع والشدة، شكوا إلى يوسف ما نالهم من القحط وهلاك المواشي، والبضاعة المزجاة: المدفوعة، يدفعها كل تاجر رغبة عنها وتحقيرا لها، من أزجيته: إذا دفعته وطردته، قيل: كانت من متاع الأعراب: الصوف والسمن (119)، وقيل: كانت دراهم زيوفا (120) لا تنفق في ثمن الطعام (121)، ﴿فأوف لنا الكيل﴾ كما كنت توفيه في السنين الماضية ﴿وتصدق علينا﴾ وتفضل علينا بالمسامحة، وزدنا على حقنا ﴿إن الله يجزى المتصدقين﴾ يثيبهم على صدقاتهم بأفضل منها.
فرق يوسف لهم ولم يتمالك أن عرفهم نفسه، و ﴿قال﴾ لهم: ﴿هل علمتم ما فعلتم﴾ استفهم عن وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب، أي: هل علمتم قبح ﴿ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون﴾ لا تعلمون قبحه فلذلك أقدمتم عليه، يعني: هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه؟لأن علم القبح يجر إلى التوبة، فكان كلامه شفقة عليهم ونصحا لهم في الدين، إيثارا لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام الذي ينفث فيه المصدور ويتشفي المحنق المغيظ، وقيل: معناه: إذ أنتم صبيان أو شبان حين يغلب على الإنسان الجهل (122).
وقرئ: ﴿أإنك﴾ على الاستفهام، و " إنك " على الإيجاب (123)، قيل: إنه تبسم فأبصروا ثناياه فعرفوه وكانت كاللؤلؤ المنظوم (124)، وقيل: رفع التاج عن رأسه فعرفوه (125) ﴿إنه من يتق﴾ الله: من يخف الله وعقابه ﴿ويصبر﴾ عن المعصية وعلى الطاعة ﴿فإن الله لا يضيع أجر﴾ هم، فوضع ﴿المحسنين﴾ موضع الضمير، لاشتماله على المتقين والصابرين.
﴿لقد آثرك الله علينا﴾ أي: فضلك علينا بالتقوى والصبر وسيرة المحسنين، وإن شأننا وحالنا أنا ﴿كنا لخاطئين﴾ متعمدين للإثم، لاجرم أن الله أعزك وأذلنا.
﴿لا تثريب عليكم﴾ لا عتب ولا تعيير ولا تأنيب ﴿عليكم اليوم﴾ أي: لا أثربكم اليوم فيما فعلتم ﴿يغفر الله لكم﴾ ذنوبكم، دعا لهم بالمغفرة لما فرط منهم.
﴿اذهبوا بقميصي هذا﴾، قيل: إنه القميص المتوارث الذي كان في تعويذ يوسف وكان من الجنة (126) ﴿يأت بصيرا﴾ أي: يرجع بصيرا، أو يأت إلي وهو بصير، وينصره قوله: ﴿وأتوني بأهلكم أجمعين﴾ أي: ليأتني أبي وآله جميعا.
﴿ولما فصلت العير قال أبوهم إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون (94) قالوا تالله إنك لفي ضللك القديم (95) فلما أن جاء البشير ألقبه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون (96) قالوا يأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خطين (97) قال سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم (98)﴾
﴿ولما﴾ خرجت القافلة وانفصلت ﴿العير﴾ من مصر ﴿قال أبوهم﴾ يعقوب لولد ولده ومن حوله: ﴿إني لاجد ريح يوسف﴾ أوجده الله تعالى ريح القميص حين أقبل من مسيرة ثمان أو عشر ﴿لولا أن تفندون﴾ أي: تنسبوني إلى الفند وهو الخرف، والمعنى: لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني.
﴿إنك لفي ضللك القديم﴾ أي: في ذهابك عن الصواب قدما (127) في إفراط محبتك ليوسف ورجائك للقائه، وكان عندهم أنه قد مات.
﴿فلما أن جاء البشير ألقبه﴾ يعني: القميص، طرحه ﴿على﴾ وجه يعقوب، أو ألقاه يعقوب ﴿فارتد﴾ فرجع ﴿بصيرا قال ألم أقل لكم﴾ يعني قوله: ﴿ولا تايئسوا من روح الله﴾ (128)، وقوله: ﴿إني أعلم﴾ كلام مبتدأ لم يقع عليه القول، ويجوز أيضا أن يكون واقعا عليه.
﴿سوف أستغفر لكم﴾ قيل: إنه أخر الاستغفار إلى وقت السحر، لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء (129)، وقيل: إلى سحر ليلة الجمعة (130).
﴿فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين (99) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم (100) رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولى ى في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين (101) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون (102)﴾ معنى دخولهم ﴿على يوسف﴾ قبل دخولهم مصر: أنهم حين استقبلهم يوسف كأنه نزل لهم في بيت أو مضرب هناك، فدخلوا عليه وضم ﴿إليه أبويه﴾ ثم ﴿قال﴾ لهم: ﴿ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين﴾ وتعلقت المشيئة بالدخول مقيدا بالأمن، والتقدير: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله دخلتموه آمنين، ثم حذف الجزاء لدلالة الكلام عليه، ثم اعترض بالجملة الجزائية بين الحال وذي الحال، وقوله: ﴿آوى إليه أبويه﴾ معناه: ضمهما إليه واعتنقهما.
ولما دخل مصر وجلس في مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا إليه أكرم أبويه فرفعهما ﴿على﴾ السرير ﴿وخروا له﴾ يعني: الإخوة الأحد عشر ﴿سجدا﴾ وكانت السجدة عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة، وقيل: معناه: خر إخوته وأبواه لأجله سجدا لله شكرا (131)، ويعضده ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قرأ: " وخروا لله ساجدين "، ﴿وقد أحسن بي﴾ يقال: أحسن به وإليه، وأساء به وإليه، قال: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت (132) و ﴿البدو﴾ البادية، وهم كانوا أهل بادية وأصحاب مواش، ينتقلون في المياه والمناجع (133) ﴿نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي﴾ أي: أفسد بيننا وحرش ﴿إن ربى لطيف﴾ في تدبير عباده يسهل لهم العسير، وبلطفه اجتمعنا.
وروي: أن يعقوب أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم مات ودفن بالشام عن وصية منه بذلك (134)، وقيل: إنه عاش مع يوسف حولين، وعاش يوسف بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة (135)، فلما تم أمره وعلم أنه لا يدوم له ملكه طلبت نفسه الملك الدائم الذي لا يفنى، فتمنى الموت وما تمناه نبي قبله ولا بعده، فتوفاه الله طيبا طاهرا.
و ﴿من﴾ في قوله: ﴿من الملك﴾ و ﴿من تأويل الأحاديث﴾ للتبعيض، لأنه لم يؤت إلا بعض ملك الدنيا أو بعض ملك مصر وبعض التأويل ﴿أنت ولى ى﴾ أنت الذي تتولاني بالنعمة في الدارين، وتوصل الملك الفاني بالملك الباقي ﴿فاطر السماوات﴾ وصف لقوله: ﴿رب﴾ أو نصب على النداء ﴿وألحقني بالصالحين﴾ من آبائي، أو على العموم.
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف وهو مبتدأ، و ﴿من أنباء الغيب نوحيه إليك﴾ خبران، والمعنى: أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحي، لأنك لم تحضر بني يعقوب حين ﴿أجمعوا أمرهم وهم يمكرون﴾ بيوسف، ويبغون له الغوائل حتى ألقوه في الجب.
﴿وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين (103) وما تسلهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعلمين (104) وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون (105) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (106) أفأمنوا أن تأتيهم غشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون (107) قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (108) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون (109)﴾
﴿وما أكثر الناس﴾ يريد العموم، وعن ابن عباس: يريد أهل مكة (136)، أي: وما هم بمؤمنين ﴿ولو حرصت﴾ على إيمانهم، لعنادهم وتصميمهم على الكفر.
﴿وما تسلهم﴾ على تبليغ الرسالة أجرا فيصدهم ذلك عن الإيمان ﴿إن هو إلا ذكر﴾ عظة من الله تعالى ﴿للعلمين﴾ عامة، يعني: القرآن.
﴿و﴾ كم ﴿من آية﴾ أي: علامة ودلالة على توحيد الله ﴿يمرون عليها﴾ ويشاهدونها ﴿وهم... معرضون﴾ عنها، لا يعتبرون بها.
﴿وما يؤمن أكثرهم﴾ في إقرارهم ﴿بالله﴾ وبأنه خلقهم وخلق السماوات والأرض ﴿إلا وهم مشركون﴾ بعبادة الأوثان، يريد: مشركي قريش، وقيل: هم الذين يشبهون الله بخلقه (137)، وقيل: هم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان (138).
وعن الباقر (عليه السلام): " أنه شرك الطاعة لا شرك العبادة، أطاعوا الشيطان في ارتكاب المعاصي " (139).
﴿أفأمنوا أن تأتيهم غشية﴾ أي: نقمة تغشاهم، وعذاب يغمرهم.
﴿قل هذه سبيلي﴾ هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي، ثم فسر سبيله بقوله: ﴿ادعوا إلى الله على بصيرة﴾ أي: أدعو إلى دينه مع حجة واضحة، و ﴿أنا﴾: تأكيد للضمير المستكن في ﴿ادعوا﴾، و ﴿من اتبعني﴾ عطف عليه، أي: أدعو إليها أنا ويدعو إليها من اتبعني، ويجوز أن يكون ﴿على بصيرة﴾ حالا من ﴿ادعوا﴾ عاملة الرفع في ﴿أنا ومن اتبعني﴾، ﴿وسبحان الله﴾ وأنزه الله من الشركاء.
﴿إلا رجالا﴾ لا ملائكة، وقرئ: ﴿نوحي إليهم﴾ بالنون (140) ﴿من أهل القرى﴾ لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادي أهل الجفاء والقسوة ﴿ولدار﴾ الساعة ﴿الآخرة﴾، أو الحالة ﴿الآخرة خير للذين اتقوا﴾ أي: خافوا الله فلم يشركوا به.
﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين (110) لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (111)﴾ هنا حذف دل الكلام عليه، كأنه قيل: وما أرسلنا قبلك إلا رجالا قد تأخر نصرنا إياهم كما أخرناه عن هذه الأمة ﴿حتى إذا﴾ استيأسوا عن النصر ﴿وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ أي: فظن ﴿الرسل﴾ أنهم قد كذبهم قومهم فيما وعدوهم من العذاب والنصر عليهم، وقرئ: ﴿كذبوا﴾ بالتخفيف، وهو قراءة أئمة الهدى (عليهم السلام) (141)، ومعناه: وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به من نصرة الله إياهم (142)، جاء الرسل ﴿نصرنا﴾ بإرسال العذاب على الكفار " فننجي من نشاء " (143) أي: نخلص من نشاء من العذاب عند نزوله، وقرئ: ﴿فنجى﴾ بالتشديد على لفظ الماضي المبني للمفعول، والمراد ب? ﴿من نشاء﴾: المؤمنون، ويبين ذلك قوله: ﴿ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين﴾.
الضمير في ﴿قصصهم﴾ راجع إلى يوسف وإخوته ﴿عبرة﴾ أي: اعتبار للعقلاء، فإن نبينا (صلى الله عليه وآله) لم يقرأ كتابا ولا سمع حديثا ولا خالط أهله ثم حدثهم به في حسن نظمه ومعانيه بحيث لم يرد عليه أحد من ذلك شيئا، وفيه أوضح برهان على صحة نبوته ﴿ما كان﴾ القرآن ﴿حديثا يفترى﴾ أي: يختلق ﴿ولكن﴾ كان ﴿تصديق الذي بين يديه﴾ أي: قبله من الكتب السماوية ﴿وتفصيل كل شئ﴾ يحتاج إليه في الدين ﴿وهدى﴾ ودلالة ﴿ورحمة﴾ ونعمة ينتفع بها المؤمنون علما وعملا.
1- قال الشيخ الطوسي في تبيانه: ج 6 ص 91: مكية في قول مجاهد وقتادة، وهي مائة وإحدى عشرة آية بلا خلاف في ذلك. وقال الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 440: مكية الا الآيات 1 و 2 و 3 و 7 فمدنية، وهي مائة واحدى عشرة آية، نزلت بعد سورة هود. وقال الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 5: مكية كلها، وقال ابن عباس وقتادة: الا أربع آيات منها.
2- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 511 مرسلا.
3- ثواب الأعمال للصدوق: ص 133.
4- فصلت: 44.
5- في بعض النسخ: المثقلة.
6- وبالفتح هي قراءة ابن عامر وأبي جعفر والأعرج. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 121.
7- تفسير ابن عباس: ص 193.
8- قاله ابن عباس وقتادة والسدي. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 149.
9- قاله الجبائي والزجاج. راجع التبيان: ج 6 ص 98، ومعاني القرآن للزجاج: ج 3 ص 92.
10- في نسخة: بالقصة.
11- رواها القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 130.
12- قرأه ابن كثير وحده. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 465.
13- قاله الطبري في تفسيره: ج 7 ص 152.
14- قاله الحسن كما في تفسير الماوردي: ج 3 ص 11.
15- الآية: 80.
16- قرأه نافع وأبو جعفر. راجع التبيان: ج 6 ص 102.
17- وهي قراءة طلحة بن مصرف. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 138.
18- حكاها ابن غلبون في التذكرة: ج 2 ص 465 عن الأعشى، والقرطبي في تفسيره: ج 9 ص 138 عن يزيد بن القعقاع وعمرو بن عبيد والزهري.
19- قرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو. راجع التبيان: ج 6 ص 104.
20- وهي قراءة ابن كثير برواية إسماعيل المكي وبه قرأ يعقوب. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 345.
21- قرأه نافع وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 345.
22- وهي قراءة النخعي وأبي إسحاق ويعقوب. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 285.
23- واليه ذهب أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج 1 ص 303.
24- رواها البغوي في تفسيره: ج 2 ص 414.
25- ننتضل: نتبارى في الرمي، ونستبق: نتبارى في الجري. انظر لسان العرب: مادتي (نضل) و (سبق).
26- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 95.
27- في بعض النسخ: " و " بدل " أو ".
28- أنشده الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 451.
29- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 451.
30- في بعض النسخ: في أنفسكم.
31- رواه الطبري في تفسيره: ج 7 ص 163 بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله).
32- الآية: 86.
33- الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا بالألف والياء.
34- قاله مجاهد والسدي. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 165 و 166.
35- تفسير ابن عباس: ص 195.
36- المصدر السابق.
37- تفسير ابن عباس: 195.
38- قاله ابن إسحاق على ما في تاريخ الطبري: ج 1 ص 235.
39- قاله ابن عباس كما في مجمع البيان: ج 5 - 6 ص 221.
40- قاله الشعبي وربيعة وزيد بن أسلم ومالك بن أنس. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 21.
41- قاله ابن عباس والضحاك. راجع التبيان: ج 6 ص 117.
42- قاله الحسن ومجاهد وقتادة وابن عباس على رواية. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 175.
43- قاله الحسن. راجع تفسيره: ج 2 ص 30.
44- حكاه الطبري في تفسيره: ج 7 ص 174.
45- حكاه النحاس في إعراب القرآن: ج 2 ص 321.
46- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 454.
47- تمحل: أي احتال. (الصحاح: مادة محل).
48- قرأه ابن كثير وأبو عبد الرحمن السلمي. راجع المحتسب لابن جني: ج 1 ص 337.
49- وهي قراءة نافع وابن عامر وذكوان. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 466.
50- وهي قراءة ابن عباس وابن عامر وهشام. راجع التبيان: ج 6 ص 118، ومعاني القرآن للزجاج: ج 3 ص 100.
51- قال الهمداني: والأحسن أن يقف القارئ على قوله: * (ولقد همت به) *، لا بل يجب عليه ليخرج * (وهم بها) * من حيز القسم، ليدل أنه لم يهم بها. انظر الفريد: ج 3 ص 48.
52- حكاه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 421.
53- قاله السدي. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 28.
54- قاله ابن عباس وأبو هريرة وسعيد بن جبير وهلال بن يساف والحسن الضحاك. راجع تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 33، وتفسير الطبري: ج 7 ص 191 - 192.
55- اللمة: الصاحب والأصحاب في السفر والمؤنس، للواحد والجمع. (القاموس: مادة لمم).
56- أي: في " النسوة ".
57- انظر تفسير القرطبي: ج 9 ص 176، والبحر المحيط: ج 5 ص 301.
.
58- صدره: لتقتلني وقد شعفت فؤادها. ومعناه واضح. راجع ديوان امرئ القيس: ص 142.
59- النمرقة والنمرقة: الوسادة الصغيرة، والجمع نمارق. (الصحاح: مادة نمرق).
60- قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 423.
61- قاله أبو زيد الأنصاري وعكرمة والضحاك. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 201.
62- وهو قول إسحاق بن أبي فروة. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 423.
63- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 465.
64- في بعض النسخ: " التبرئة " بدل " التنزيه ".
65- الآية: 51.
66- الحشوية - بسكون الشين وفتحها - وهم: قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسم وغيره. قال الجرجاني: وسميت الحشوية حشوية لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه وتوصيفه تعالى بالنفس واليد والسمع والبصر، وقالوا: إن كل حديث يأتي به الثقة من العلماء فهو حجة أيا كانت الواسطة. وقال الصفدي: إن الغالب في الحنفية معتزلة، والغالب في الشافعية أشاعرة، والغالب في المالكية قدرية، والغالب في الحنابلة حشوية. راجع التعريفات للجرجاني: ص 341.
67- رواه المصنف في مجمع البيان: ج 5 - 6 ص 231 من حديث أبي حمزة الثمالي عن علي ابن الحسين (عليه السلام).
68- ذكره السمرقندي في تفسيره: ج 2 ص 160.
69- وهي قراءة عثمان بن عفان ومولاه طارق ويعقوب وابن أبي إسحاق و عبد الرحمن الأعرج وزيد بن علي والزهري وابن هرمز. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 467، وتفسير القرطبي: ج 9 ص 184 - 185، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 306.
70- نميت الحديث تنمية: إذا بلغته على وجه النميمة والافساد. (الصحاح: مادة نمم).
71- رواه قتادة والضحاك والسدي. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 214.
72- الحبلة - بالتحريك -: القضيب من الكرم. (الصحاح: مادة حبل).
73- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 469.
74- الحشر: 20.
75- قاله ابن مسعود. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 427.
76- الحاقة: 20.
77- قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة. راجع تفسير السمرقندي: ج 2 ص 163.
78- تفسير القمي: ج 1 ص 345، تفسير العياشي: ج 2 ص 179 ح 33.
79- ندبه لأمر فانتدب له: أي دعاه له فأجاب. (الصحاح: مادة ندب).
80- الآية: 20.
81- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 429.
82- الصف: 11.
83- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 349.
84- في بعض النسخ: أمطرت.
85- وهي قراءة عيسى والأعرج. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 316.
86- قاله عيسى بن عمر الثقفي. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 45.
87- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 48.
88- الهرى: بيت كبير يجمع فيه طعام السلطان، والجمع: أهراء. (القاموس المحيط: مادة هرى).
89- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 482.
90- قرأه ابن كثير والمفضل. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 468.
91- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 484.
92- كذا في النسخ، والصحيح: " أخا ".
93- الظاهر أن المصنف اعتمد هنا على قراءة الياء ثم التاء بعدها تبعا للزمخشري.
94- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 485.
95- وهي قراءة حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 350.
96- الآية: 12.
97- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم برواية أبي بكر وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 350.
98- هو يحيى بن وثاب الأسدي بالولاء، الكوفي، إمام أهل الكوفة في القرآن، قليل الحديث، سمع ابن عمر وابن عباس، وروى عن ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة مرسلا، وروى عنه الأعمش وقتادة. توفي سنة 103 ه?. انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي: ج 2 ص 159.
99- حكاها عنه ابن جني في المحتسب: ج 1 ص 345.
100- قاله قتادة: راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 247، وتفسير الماوردي: ج 3 ص 58.
101- الوسق: ستون صاعا، قال الخليل: هو حمل البعير. (الصحاح: مادة وسق).
102- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 489.
103- قاله قتادة. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 61.
104- قاله عبد الرحمن بن زيد. راجع المصدر السابق.
105- قاله مجاهد. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 254.
106- قرأه يعقوب والحسن وعيسى. راجع التبيان: ج 6 ص 174، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 332.
107- الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف من غير تنوين، أي بالإضافة كما لا يخفي.
108- وهو قول مجاهد على ما حكاه القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 239.
109- الاسراء: 47.
110- مريم: 52.
111- قاله مجاهد. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 269.
112- وهو قول مجاهد على ما حكاه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 67.
113- وهو قول محمد بن كعب وابن إسحاق. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 241.
114- الرزء: المصيبة. (الصحاح: مادة رزأ).
115- قاله مجاهد. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 70.
116- وعجزه: ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي. البيت لامرئ القيس من قصيدته اللامية التي يصف فيها مغامراته وصيده وسعيه إلى المجد. راجع ديوان امرئ القيس: ص 141.
117- رواه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 445.
118- قاله قتادة والضحاك. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 284 - 285.
119- قاله عبد الله بن الحارث. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 73.
120- زافت الدراهم: إذا صارت مردودة لغش فيها. (القاموس المحيط: مادة زفت).
121- قاله ابن عباس. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 446.
122- قاله ابن عباس والحسن. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 256.
123- قرأه ابن كثير وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 351.
124- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 256.
125- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 256.
126- وهو قول مجاهد. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 258.
127- في نسخة: قديما.
128- الآية: 87.
129- قاله ابن مسعود وإبراهيم التميمي وابن جريج. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 300.
130- كما ورد في الحديث عنه (صلى الله عليه وآله)، أخرجه الطبري في تفسيره: ج 7 ص 300 وهو المروي عن الباقر والصادق (عليه السلام) كما في تفسير العياشي: ج 2 ص 196 ح 81.
131- قاله ابن عباس كما في تفسير الماوردي: ج 3 ص 82، وأخرجه العياشي في تفسيره: ج 2 ص 197 مسندا إلى أبي جعفر (عليه السلام) وبطريق آخر عن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام).
132- البيت لكثير بن عبد الرحمن الخزاعي المشهور بكثير عزة، وهي من قصيدة يجيب فيها عزة لما سمعها تسبه. تقدم شرح البيت وتفصيله في ص 71 فراجع.
133- النجعة: طلب الكلأ والعرف. (لسان العرب: مادة نجع).
134- انظر تاريخ الطبري: ج 1 ص 255 - 256.
135- أخرج العياشي عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر بعد ما جمع الله يعقوب شمله، وأراه تأويل رؤيا يوسف الصادقة؟قال: عاش حولين، قلت: فمن كان يومئذ الحجة لله في الأرض يعقوب أم يوسف؟فقال: كان يعقوب الحجة وكان الملك ليوسف، فلما مات يعقوب حمل يوسف عظام يعقوب في تابوت إلى الشام، فدفنه في بيت المقدس ثم كان يوسف بن يعقوب الحجة. تفسير العياشي: ج 2 ص 198 ح 87.
136- تفسير ابن عباس: ص 204.
137- قاله ابن عباس والسدي. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 87.
138- قاله الحسن. راجع الكشاف: ج 2 ص 508.
139- تفسير العياشي: ج 2 ص 200 ح 98.
140- إذ الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف بالياء مبنيا للمجهول.
141- انظر تفسير العياشي: ج 2 ص 201 ح 102.
142- وهو قول ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد والضحاك. راجع التبيان: ج 6 ص 207.
143- الظاهر من عبارة المصنف أنه يعتمد هنا على القراءة بنونين.