سورة يونس
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿الر تلك آيات الكتاب الحكيم (1) أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لسحر مبين (2)﴾
﴿تلك﴾ إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات ﴿الكتاب الحكيم﴾ اللوح المحفوظ، أو القرآن ذي الحكمة لاشتماله عليها، أو نطقه بها.
﴿أكان للناس عجبا﴾ الهمزة لإنكار التعجب والتعجيب منه، و ﴿أن أوحينا﴾ اسم ﴿كان﴾، و ﴿عجبا﴾ خبره، ومعنى اللام في ﴿للناس﴾: أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها، والذي تعجبوا منه: أن يوحى ﴿إلى﴾ بشر يكون رجلا من جنس رجالهم دون أن يكون عظيما من عظمائهم، وهذا ليس بعجب، لأن الله إنما يختار من يستقل بما اختير له من أعباء الرسالة (1) ﴿أن أنذر الناس﴾: ﴿أن﴾ هي المفسرة، لأن ﴿أوحينا﴾ فيه معنى القول، ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، وأصله: أنه أنذر الناس، على معنى: أن الشأن قولنا: أنذر الناس ﴿أن لهم﴾ أي: بأن لهم، فحذف الباء ﴿قدم صدق﴾ أي: سابقة وفضلا ﴿عند ربهم﴾، ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدما، كما سميت النعمة يدا وباعا (2) لأنها تعطى باليد وصاحبها يبوع بها، وإضافته إلى ﴿صدق﴾ دلالة على زيادة فضل، وأنه من السوابق العظيمة ﴿إن هذا﴾ الكتاب " لسحر " (3)، وقرئ: ﴿لسحر﴾ فعلى هذه القراءة يكون ﴿هذا﴾ إشارة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو دليل عجزهم واعترافهم بذلك وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرا.
﴿إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الامر مامن شفيع إلا من بعد إذنه ذا لكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون (3) إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون (4)﴾ (4) ﴿يدبر الامر﴾ يقضيه ويقدره ويرتبه في مراتبه على أحكام عواقبه، كما يفعل الناظر في أدبار الأمور، والامر: أمر الخلق كله، وقد دل سبحانه بالجملة قبلها على عظمة ملكوته بخلق ﴿السماوات والأرض في﴾ وقت يسير مع بسطتها واتساعها، وبالاستواء ﴿على العرش﴾، ثم أتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة في أنه لا يخرج شئ من قضائه وتقديره، وكذا قوله: ﴿مامن شفيع إلا من بعد إذنه﴾ دليل على العزة والكبرياء ﴿ذا لكم﴾ إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة، أي: ذلك العظيم الموصوف بما وصف به هو ﴿الله﴾ الذي يستحق العبادة منكم، وهو ﴿ربكم فاعبدوه﴾ وحده ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع ﴿أفلا تذكرون﴾ وأصله " تتذكرون " يعني: أن أدنى تذكر ينبه على الخطاء فيما أنتم عليه.
﴿إليه مرجعكم جميعا﴾ أي: إليه رجوعكم جميعا في العاقبة فاستعدوا للقائه ﴿وعد الله﴾ مصدر مؤكد لقوله: ﴿إليه مرجعكم﴾، و ﴿حقا﴾ مصدر مؤكد لقوله: ﴿وعد الله﴾، ﴿إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده﴾ استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه، وهو: أن الغرض بابتداء الخلق وإعادته جزاء المكلفين على أعمالهم، وقرئ: " أنه " بالفتح (5)، بمعنى: لأنه، أو هو منصوب بالفعل الذي نصب ﴿وعد الله﴾ أي: وعد الله وعدا إبداء الخلق ثم إعادته، والمعنى: إعادة الخلق بعد إبدائه ﴿بالقسط﴾ أي: بالعدل، وهو متعلق ب? " يجزي " والمعنى: ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم، أو بقسطهم وعدلهم حين ﴿آمنوا وعملوا الصالحات﴾ لأن الشرك ظلم، ويؤيد هذا الوجه أنه يقابل قوله: ﴿بما كانوا يكفرون﴾.
﴿هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون (5) إن في اختلف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون (6)﴾ الياء في ﴿ضياء﴾ منقلبة عن واو (6) لكسرة ما قبلها، والضياء أقوى من النور ﴿وقدره﴾ أي: قدر ﴿القمر﴾، ﴿منازل﴾ أي: ذا منازل، أو قدر مسيره منازل، كقوله: ﴿والقمر قدرناه منازل﴾ (7)، ﴿والحساب﴾ حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالي ﴿ذلك﴾ إشارة إلى المذكور، أي: ﴿ما خلق?﴾ - ه ﴿إلا﴾ ملتبسا ﴿بالحق﴾ الذي هو الحكمة البالغة ولم يخلقه عبثا.
وخص " المتقين " لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم ذلك إلى التأمل والنظر.
﴿إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غفلون (7) أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون (8) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم (9) دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العلمين (10)﴾ أي: لا يأملون حسن ﴿لقاءنا﴾ كما يأمله السعداء، أو: لا يخافون سوء لقائنا ﴿ورضوا بالحياة الدنيا﴾ قنعوا بها من الآخرة، واختاروا القليل الفاني على الكثير الباقي ﴿واطمأنوا بها﴾ وسكنوا إليها سكون من لا يزعج عنها ﴿والذين هم عن آياتنا غفلون﴾ ذاهبون عن تأملها، ذاهلون عن النظر فيها.
﴿يهديهم ربهم بإيمانهم﴾ يوفقهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق الموصل إلى الثواب، ولذلك جعل قوله: ﴿تجري من تحتهم الأنهار﴾ بيانا له وتفسيرا، لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، أو: ﴿يهديهم﴾ في الآخرة بنور إيمانهم إلى سبيل الجنة، نحو قوله: ﴿يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ (8).
﴿دعواهم﴾ أي: دعاؤهم ﴿فيها سبحانك اللهم﴾، ومعناه: اللهم إنا نسبحك، كما ورد في دعاء القنوت: " اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد " (9)، ويجوز أن يراد بالدعاء العبادة على معنى: أنه لا تكليف في الجنة ولا عبادة، وما عبادتهم إلا أن يسبحوا الله ويحمدوه، وينطقون بذلك تلذذا من غير كلفة ﴿وآخر دعواهم﴾ وخاتمة دعائهم ﴿أن﴾ يقولوا: ﴿الحمد لله رب العلمين﴾، وقوله: ﴿وتحيتهم فيها سلم﴾ معناه: أن بعضهم يحيي بعضا بالسلام، وقيل: هي تحية الملائكة إياهم (10)، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول، وقيل: هي تحية الله لهم (11)، و " أن " هي المخففة من الثقيلة، وأصله: أنه الحمد لله.
﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون (11) وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون (12)﴾ وضع ﴿استعجالهم بالخير﴾ موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته لهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له، والمراد قول من قال: ﴿فأمطر علينا حجارة من السماء﴾ (12)، والمعنى: ﴿ولو﴾ عجلنا لهم ﴿الشر﴾ الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم إليه ﴿لقضى إليهم أجلهم﴾ لأميتوا وأهلكوا، وقرئ: " لقضى إليهم أجلهم " (13) وتنصره قراءة عبد الله: " لقضينا إليهم أجلهم " (14)، ﴿فنذر الذين لا يرجون لقاءنا﴾ معناه: فلا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم، فنذرهم ﴿في طغيانهم﴾ أي: فنمهلهم ونملي لهم إلزاما للحجة عليهم.
وقوله: ﴿لجنبه﴾ في موضع الحال أي: مضطجعا، والمعنى: أنه لا يزال داعيا لا يفتر في الدعاء حتى يزول عنه ﴿الضر﴾ فهو يدعو في حالاته كلها ليستدفع البلاء، و ﴿الانسان﴾ للجنس ﴿فلما كشفنا﴾ أي: أزلنا ﴿عنه ضره مر﴾ أي: مضى على طريقته الأولى قبل أن مسه الضر، أو مر عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به ﴿كأن﴾ تخفيف " كأن " وحذف ضمير الشأن منه، كقوله: كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم (15) ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك التزيين ﴿زين للمسرفين﴾ زين الشيطان بوسوسته لهم ترك الدعاء عند الرخاء واتباع الشهوات والأماني الباطلة.
﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزى القوم المجرمين (13) ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون (14)﴾
﴿لما﴾ ظرف ل? ﴿أهلكنا﴾، والواو في ﴿وجاءتهم﴾ للحال، أي: ﴿ظلموا﴾ بالتكذيب وقد ﴿جاءتهم رسلهم﴾ بالمعجزات والدلالات ﴿وما كانوا ليؤمنوا﴾ اللام لتأكيد النفي، أي: وما كانوا يؤمنون حقا، والمعنى: أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم الرسل، وعلم الله إصرارهم على الكفر، وأنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن لزمتهم الحجة بإرسال الرسل ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الجزاء يعني الإهلاك ﴿نجزى﴾ المشركين في المستقبل إذا لم يؤمنوا، وهو وعيد لأهل مكة.
﴿ثم جعلناكم خلائف﴾ أي: استخلفناكم ﴿في الأرض من بعد﴾ القرون التي أهلكناها ﴿لننظر﴾ أتعملون خيرا أم شرا فنعاملكم على حسب أعمالكم، و ﴿كيف﴾ في محل نصب ب? ﴿تعملون﴾: إما حالا وإما مصدرا، والنظر هنا مستعار بمعنى العلم المحقق الذي هو العلم بالشئ موجودا، شبه بنظر الناظر وعيان المعاين في تحققه.
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم (15) قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (16) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون (17)﴾ أي: قالوا: ﴿ائت بقرآن﴾ آخر ليس فيه ما يغيظنا من ذم عبادة الأوثان والوعيد لعابديها ﴿أو بدله﴾ بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة، وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها، فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت مقدور الإنسان، فأما الإتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للإنسان ﴿ما يكون لي﴾ ما ينبغي لي ﴿أن أبدله من تلقاء نفسي﴾ من قبل نفسي، من غير أن يأمرني بذلك ربي ﴿إن أتبع إلا ما يوحى إلى﴾ لا آتي ولا أذر شيئا من نحو ذلك إلا متبعا لوحي الله، إن نسخت آية أو بدلت مكان أخرى تبعت ذلك، وليس إلي تبديل ولا نسخ ﴿إني أخاف إن عصيت ربى﴾ في التبديل والنسخ من عند نفسي ﴿عذاب يوم عظيم﴾.
﴿قل لو شاء الله ما تلوته عليكم﴾ يعني: أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله وإحداثه أمرا عجيبا خارقا للعادة، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ساعة من عمره ولا نشأ في بلد فيه العلماء فيقرأ عليكم كتابا بهر بفصاحته كل كلام فصيح، مشحونا بعلوم الأصول والفروع والإخبار بما كان ويكون لا يعلمها إلا الله، وقد نشأ فيكم لم تسمعوا منه حرفا من ذلك منذ أربعين سنة ﴿ولا أدراكم به﴾ أي: ولا أعلمكم به على لساني، وقرئ: " ولأدراكم به " (16) على إثبات الإدراء، واللام لام الابتداء، والمعنى: لو شاء الله ما تلوته أنا عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري ولكنه خصني بهذه الكرامة ﴿فقد لبثت فيكم عمرا﴾ أي: فقد أقمت فيما بينكم ناشئا وكهلا فلم تعرفوني متعاطيا شيئا من نحوه فتتهموني باختراعه ﴿أفلا تعقلون﴾ فتعلموا أنه ليس إلا من عند الله تعالى.
﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون (18) وما كان الناس إلا أمة وا حدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم فيما فيه يختلفون (19)﴾ كان أهل الطائف ﴿يعبدون﴾ اللات (17)، وأهل مكة العزى (18) ومناة (19) وهبل (20)، وإسافا ونائلة (21)، وكانوا يقولون: ﴿هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله﴾ أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو إخبار ﴿بما﴾ ليس بمعلوم لله، وإذا لم يكن معلوما له وهو العالم بالذات المحيط بجميع المعلومات لم يكن شيئا، لأن الشئ ما يصح أن يعلم وقد أخبرتم بما لا يدخل تحت الصحة، وقوله: ﴿في السماوات ولا في الأرض﴾ تأكيد لنفيه، لأن ما لا يوجد فيهما فهو منتف معدوم ﴿عما يشركون﴾ " ما " موصولة أو مصدرية، أي: عن الشركاء الذين يشركونهم به، أو عن إشراكهم، وقرئ: " تشركون " بالتاء (22) أيضا.
﴿وما كان الناس إلا أمة وا حدة﴾ متفقين على ملة واحدة ودين واحد من غير أن يختلفوا بينهم، وذلك في عهد آدم إلى أن قتل قابيل هابيل، وقيل: بعد الطوفان (23) ﴿ولولا كلمة سبقت من ربك﴾ وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة ﴿لقضى بينهم فيما﴾ اختلفوا ﴿فيه﴾ ويميز المحق من المبطل، ولكن الحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار للتكليف وتلك للثواب والعقاب.
﴿ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين (20) وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون (21)﴾ أرادوا ﴿آية﴾ من الآيات التي كانوا يقترحونها ﴿فقل إنما الغيب لله﴾ هو المختص به، والصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو ﴿فانتظروا﴾ نزول ما اقترحتموه ﴿إني معكم من المنتظرين﴾ لما يفعل الله بكم لعنادكم وتماديكم في جحود الآيات الباهرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، ومن جملتها القرآن المعجز الباقي على وجه الدهر.
﴿إذا﴾ الأولى للشرط والأخيرة جوابها، وهي ظرف مكان، والمكر: إخفاء المكيدة وطيها، من الجارية الممكورة: المطوية الخلق، و ﴿مستهم﴾ خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم، وهو أنه سبحانه سلط على أهل مكة القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون، ثم لما رحمهم بالحيا (24) صاروا يطعنون في آيات الله ويعادون رسوله ويكيدونه، فلذلك وصفهم بسرعة المكر حتى أتى بكلمة المفاجأة، فكأنه قال: فاجأوا وقوع المكر منهم وسارعوا إليه ﴿قل الله أسرع مكرا﴾ يدبر عقابكم ويوقعه بكم قبل أن تدبروا في إطفاء نور الإسلام ﴿إن رسلنا يكتبون ما تمكرون﴾ إعلام بأن ما يظنونه خافيا غير خاف عند الله تعالى.
﴿هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين (22) فلما أنجيهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون (23)﴾ قرئ: " ينشركم " (25) من النشر، ومثله: ﴿ثم إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ (26) والمعنى: ﴿هو الذي﴾ يمكنكم من السير بما هيأ لكم من أسباب السير ﴿في البر﴾ بخلق الدواب وتسخيرها لكم ﴿و﴾ في ﴿البحر﴾ بإرسال الرياح التي تجري السفن في الجهات المختلفة ﴿حتى إذا كنتم في الفلك﴾ خص الخطاب براكبي البحر، أي: إذا كنتم في السفن ﴿وجرين بهم﴾ عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها، أي: وجرت الفلك أي: السفن بالناس ﴿بريح طيبة﴾ لينة يستطيبونها، وجواب ﴿إذا﴾ قوله: ﴿جاءتها ريح عاصف﴾ أي: شديدة الهبوب هائلة ﴿وجاءهم الموج من كل مكان﴾ من أمكنة الموج ﴿وظنوا أنهم أحيط بهم﴾ وهو مثل في الهلاك ﴿دعوا الله﴾ هو بدل من ﴿ظنوا﴾ لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك، وهو ملتبس به، والجملة الشرطية الواقعة بعد ﴿حتى﴾ بما في حيزها غاية للتسيير، فكأنه قال: هو الذي يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجئ الريح العاصف وتراكم الأمواج والظن للهلاك والدعاء بالإنجاء، وقال: ﴿مخلصين له الدين﴾ لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه ﴿لئن أنجيتنا﴾ على إرادة القول، أو لأن ﴿دعوا﴾ من جملة القول.
﴿يبغون في الأرض﴾ يفسدون فيها ويعيثون ممعنين في ذلك، وقرئ: ﴿متع الحياة الدنيا﴾ بالنصب، والفرق بين القراءتين (27) أنك إذا رفعت كان " المتاع " خبر المبتدأ الذي هو ﴿بغيكم﴾، و ﴿على أنفسكم﴾ صلته كقوله: ﴿فبغى عليهم﴾ (28)، ومعناه: إنما بغيكم على أمثالكم، أي: بغي بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا لا بقاء لها، وإذا نصبت فالخبر ﴿على أنفسكم﴾ والمعنى: إنما بغيكم وبال على أنفسكم، و ﴿متع﴾ مصدر مؤكد.
وفي الحديث: " لا تمكر ولا تعن ماكرا، ولا تبغ ولا تعن باغيا، ولا تنكث ولا تعن ناكثا " وكان يتلوها (29).
وروي: " ثنتان يعجلهما الله في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين " (30).
﴿إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قدرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (24) والله يدعوا إلى دار السلم ويهدي من يشاء إلى صرا ط مستقيم (25) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحب الجنة هم فيها خالدون (26)﴾ شبه حال ﴿الدنيا﴾ في سرعة انقضائها بحال ﴿نبات الأرض﴾ في جفافه بعد خضرته ونضرته ﴿فاختلط به﴾ فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا ﴿أخذت الأرض زخرفها وازينت﴾ مثل الأرض بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون، فاكتستها وتزينت بغيرها من أنواع الزين، وأصل ﴿ازينت﴾: تزينت ﴿قدرون عليها﴾ متمكنون منها محصلون لمنفعتها ﴿أتاها أمرنا﴾ وهو ضرب زروعها ببعض العاهات والآفات بعد أمنهم وإيقانهم أنه قد سلم ﴿فجعلناها﴾ أي: فجعلنا زرعها ﴿حصيدا﴾ شبيها بما يحصد من الزرع من قطعه واستئصاله ﴿كأن لم تغن﴾ أي: كأن لم تغن زرعها، فحذف المضاف، أي: لم ينبت، ولابد من حذف المضاف الذي هو الزرع في هذه المواضع وإلا لم يستقم المعنى.
وعن الحسن: " كأن لم يغن " بالياء (31)، على أن الضمير للمضاف المحذوف الذي هو الزرع، و " الأمس ": مثل في الوقت القريب، كأنه قيل: كأن لم يوجد من قبل.
﴿دار السلم﴾ الجنة، أضافها إلى اسمه، وقيل: السلام: السلامة (32)، لأن أهلها سالمون من كل مكروه، وقيل: لفشو السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم (33) ﴿ويهدي﴾ ويوفق ﴿من يشاء﴾ وهم الذين لهم في المعلوم لطف يجدي عليهم.
و ﴿الحسنى﴾: المثوبة الحسنى ﴿وزيادة﴾ وما يزيد على المثوبة وهي التفضل، ويدل عليه قوله: ﴿ويزيدهم من فضله﴾ (34)، وعن علي (عليه السلام): " الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة " (35)، وعن ابن عباس: الزيادة: عشر أمثالها (36)، وعن مجاهد (37): الزيادة: مغفرة من الله ورضوان (38) ﴿ولا يرهق وجوههم﴾ ولا يغشاها ﴿قتر﴾ غبرة فيها سواد ﴿ولا ذلة﴾ ولا أثر هوان، والمعنى: لا يرهقهم ما يرهق أهل النار، كقوله: ﴿ترهقها قترة﴾ (39)، و ﴿ترهقهم ذلة﴾.
﴿والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحب النار هم فيها خالدون (27) ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون (28) فكفي بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين (29) هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون (30)﴾
﴿والذين كسبوا﴾ إما أن يكون معطوفا على قوله: ﴿للذين أحسنوا﴾ كأنه قيل: ﴿و﴾ ل? ﴿الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها﴾، وإما أن يكون تقديره: ﴿و﴾ جزاء ﴿الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها﴾، والمعنى: جزاؤهم أن تجازى سيئة واحدة بمثلها لا يزاد عليها، وهذا أوجه لأن في الأول عطفا على عاملين، وفي هذا دليل على أن المراد بالزيادة: الفضل ﴿ما لهم من الله من عاصم﴾ أي: لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه، أو مالهم من جهة الله من يعصمهم كما يكون للمؤمنين ﴿مظلما﴾ حال من الليل، ومن قرأ: " قطعا " بالسكون (40) جعله صفة له ﴿مكانكم﴾ الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم، و ﴿أنتم﴾ تأكيد للضمير في ﴿مكانكم﴾، لأنه سد مسد " الزموا " ﴿وشركاؤكم﴾ عطف عليه ﴿فزيلنا بينهم﴾ ففرقنا بينهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم في الدنيا ﴿ما كنتم إيانا تعبدون﴾ إنما كنتم تعبدون الشياطين حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا فأطعتموهم.
﴿إن كنا﴾ هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وهم الملائكة والمسيح ومن عبدوه من دون الله من أولي العقل، وقيل: هم الأصنام ينطقها الله عز وجل بذلك مكان الشفاعة التي رجوها منهم (41).
﴿هنالك﴾ أي: في ذلك المقام، أو في ذلك الوقت على الاستعارة ﴿تبلوا﴾ أي: تختبر وتذوق ﴿كل نفس ما أسلفت﴾ من العمل فتعرف كيف هو، أنافع أم ضار؟أو مقبول أو مردود؟ومنه ﴿يوم تبلى السرائر﴾ (42)، وقرئ: " تتلوا " (43) أي: تتبع ما أسلفت، لأن عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة أو إلى طريق النار، أو تقرأ في صحيفتها ما قدمت من خير أو شر ﴿موليهم الحق﴾ ربهم الصادق ربوبيته، أو الذي يتولى حسابهم العدل الذي لا يجور ﴿وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله.
﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصر ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون (31) فذا لكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلل فأنى تصرفون (32) كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون (33)﴾ أي: ﴿من يرزقكم﴾ منهما جميعا؟لم يقتصر برزقكم على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ﴿أمن يملك السمع والأبصر﴾ من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي هما عليه من الفطرة العجيبة؟أو من يحميهما ويحصنهما من الآفات؟﴿ومن يدبر الامر﴾ ومن يلي تدبير أمر العالم كله؟﴿أفلا تتقون﴾ عقابه في عبادة غيره.
﴿فذا لكم﴾ إشارة إلى من هذه صفته وأفعاله ﴿الله ربكم الحق﴾ الثابت ربوبيته وإلهيته ثباتا لا ريب فيه لمن نظر ﴿فماذا بعد الحق إلا الضلل﴾ لأن الحق والضلال لا واسطة بينهما، فمن تعدى الحق وقع في الضلال ﴿فأنى تصرفون﴾ عن الحق؟﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الحق ﴿حقت كلمت ربك﴾ أي: كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال فكذلك حقت كلمة ربك ﴿على الذين﴾ تمردوا في الكفر وخرجوا إلى الغاية القصوى فيه ﴿أنهم لا يؤمنون﴾ بدل من " الكلمة "، أي: حق عليهم انتفاء الإيمان وعلم الله ذلك منهم، أو أراد بالكلمة: العذاب، و ﴿أنهم لا يؤمنون﴾ تعليل، بمعنى: لأنهم لا يؤمنون.
﴿قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون (34) قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (35) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون (36)﴾ وضع سبحانه إعادة الخلق موضع ما يكون دافعه مكابرا، لظهور برهانه، ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله): ﴿قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده﴾ أمره أن ينوب عنهم في الجواب، إذ لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق، هداه للحق وإلى الحق: لغتان، فجمع سبحانه بين اللغتين، ويقال: هدى بنفسه، بمعنى: اهتدى، كما يقال: شرى بمعنى: اشترى، ومنه قراءة من قرأ: " أمن لا يهدي " (44)، وقرئ: " لا يهدي " بفتح الهاء (45) وبكسرها، وبكسر الهاء والياء (46)، وأصله: " يهتدي "، فأدغم وفتحت الهاء لحركة التاء، أو كسرت لالتقاء الساكنين، وكسرت الياء لاتباع ما بعدها، ومعناه: أن الله وحده هو الذي يهدي للحق بما ركب في المكلفين من العقول ومكنهم من النظر في الأدلة ووقفهم (47) على الشرائع، ف? ﴿هل من شركائكم﴾ الذين جعلتموهم لله أندادا أحد ﴿يهدي إلى الحق﴾ مثل هداية الله؟ثم قال: ﴿أفمن يهدي إلى الحق﴾ هذه الهداية ﴿أحق﴾ بالاتباع أم الذي ﴿لا يهدي﴾ أي: لا يهتدي بنفسه، أو لا يهدي غيره ﴿إلا أن﴾ يهديه الله، أو لا يهتدي إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حيوانا مكلفا فيهديه ؟! ﴿فما لكم كيف تحكمون﴾ بالباطل ؟! ﴿وما يتبع أكثرهم﴾ في إقرارهم بالله ﴿إلا ظنا﴾ لأنه قول لا يسند إلى دليل ﴿إن الظن﴾ في معرفة الله ﴿لا يغنى من الحق﴾ وهو العلم ﴿شيئا إن الله عليم بما يفعلون﴾ وعيد.
﴿وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العلمين (37) أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (38) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عقبة الظالمين (39) ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين (40)﴾ أي: ﴿وما كان هذا القرآن﴾ افتراء ﴿من دون الله ولكن﴾ كان ﴿تصديق الذي بين يديه﴾ وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة، لأنه معجز دونها، وهو عيار عليها وشاهد بصحتها، ومعنى ﴿وما كان... أن يفترى﴾: وما صح وما استقام وكان محالا أن يكون مثله في إعجازه وعلو شأنه مفترى ﴿وتفصيل الكتاب﴾ وتبيين ما شرع وفرض من الأحكام من قوله: ﴿كتب الله عليكم﴾ (48)، ﴿ولكن﴾ كان القرآن تصديقا للكتب السماوية وتفصيلا للأحكام الشرعية، منتفيا عنه الريب كائنا ﴿من رب العلمين﴾.
﴿أم يقولون افتراه﴾ بل أيقولون: اختلقه ؟! والهمزة: إما تقرير لإلزام الحجة عليهم، أو استبعاد لقولهم وإنكار، والمعنيان متقاربان ﴿قل﴾ إن افتريته كما زعمتم ﴿فأتوا﴾ أنتم ﴿بسورة﴾ مفتراة ﴿مثله﴾ في البلاغة وحسن النظم، كما أنتم مثلي في العربية والفصاحة ﴿وادعوا من استطعتم﴾ للاستعانة به على الإتيان بمثله ﴿من دون الله﴾ يعني أن الله وحده هو القادر على أن يأتي بمثله، لا يقدر على ذلك أحد غيره، فاستعينوا بكل من دونه على ذلك ﴿إن كنتم صادقين﴾ أنه افتراه.
﴿بل كذبوا﴾ بالقرآن قبل أن يعلموا كنه أمره، ويقفوا على ﴿تأويله﴾ ومعانيه، لنفورهم عما يخالف ما ألفوه من دين آبائهم، وقيل: ﴿ولما يأتهم تأويله﴾ أي: ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب - أي عاقبته - حتى تبين لهم أهو كذب أم صدق (49)، يعني: أنه كتاب معجز من جهتين: إعجاز نظمه، وما فيه من الإخبار بالغائبات، فسارعوا إلى التكذيب قبل أن ينظروا في بلوغه حد الإعجاز، وقبل أن يختبروا إخباره بالمغيبات.
﴿ومنهم من يؤمن به﴾ في نفسه ويعلم أنه حق، ولكنه يعاند ﴿ومنهم من لا﴾ يصدق ﴿به﴾، أو: ومنهم من سيؤمن به في المستقبل، ومنهم من يصر على الكفر ﴿وربك أعلم بالمفسدين﴾ بالمعاندين، أو المصرين.
﴿وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون (41) ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون (42) ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمى ولو كانوا لا يبصرون (43) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44)﴾
﴿وإن﴾ يئست من إجابتهم وأصروا على تكذيبك فتبرأ منهم وخلهم، فقد أعذرت إليهم، ومثله: ﴿فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون﴾ (50)، ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ إلى آخر السورة (51)، وقيل: هي منسوخة بآية القتال (52).
﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾ أي: ناس يستمعون إذا قرأت القرآن وعلمت الأحكام ولكنهم لا يقبلون ولا يعون، وناس ينظرون إليك ويعاينون دلالاتك وأعلام نبوتك ولكنهم لا يصدقون، ثم قال: أتقدر على إسماع ﴿الصم﴾ ولو انضم إلى صممهم عدم العقل ؟! لأن الأصم العاقل ربما استدل وعلم، و: أتطمع أن تقدر على هداية ﴿العمى﴾ ولو انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة ؟! يعني: أنهم في اليأس من قبولهم وتصديقهم كالصم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر.
﴿إن الله لا يظلم الناس شيئا﴾ لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم، أو لا يظلمهم في تعذيبهم يوم القيامة، بل العذاب لاحق بهم على سبيل العدل والاستحقاق.
﴿ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين (45) وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون (46) ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون (47)﴾ يستقربون أيام لبثهم في الدنيا لقلة انتفاعهم بها، وقيل: في القبور لهول ما يرون (53) ﴿يتعارفون بينهم﴾ يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا (54) إلا قليلا، وذلك عند خروجهم من القبور، ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليهم، قوله: ﴿كأن لم يلبثوا﴾ حال من " هم " أي: نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث ﴿إلا ساعة﴾، و ﴿يتعارفون﴾ جملة مبينة لقوله: ﴿كأن لم يلبثوا إلا ساعة﴾، لأن التعارف لا يبقى مع طول العهد ويصير تناكرا، أو يتعلق بالظرف ﴿قد خسر﴾ على إرادة القول، أي: يتعارفون بينهم قائلين ذلك، أو هو شهادة من الله على خسرانهم، والمعنى: قد خسروا في تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر ﴿وما كانوا مهتدين﴾ للتجارة عارفين بها، وهو استئناف فيه معنى التعجب، كأنه قال: ما أخسرهم! ﴿فإلينا مرجعهم﴾ جواب ﴿نتوفينك﴾، وجواب ﴿نرينك﴾ محذوف كأنه قال: وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه في الآخرة ﴿ثم الله شهيد﴾ ذكر الشهادة والمراد مقتضى الشهادة وهو العقاب، فكأنه قال: ثم الله معاقب ﴿على ما يفعلون﴾.
﴿ولكل أمة رسول﴾ يبعث إليهم ﴿فإذا جاء رسولهم﴾ بالمعجزات فكذبوه ﴿قضى بينهم﴾ أي: بين النبي ومن كذبه ﴿بالقسط﴾ بالعدل، فأنجي الرسول وعذب المكذبون، وقيل: ﴿ولكل أمة﴾ يوم القيامة ﴿رسول﴾ تنسب إليه ﴿فإذا جاء رسولهم﴾ الموقف فيشهد عليهم بالكفر والإيمان ﴿قضى بينهم﴾ (55).
﴿ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (48) قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (49) قل أرأيتم إن أتيكم عذابه بيتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون (50) أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون (51) ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون (52)﴾
﴿متى هذا الوعد﴾ استعجال لما وعدوا من العذاب على سبيل التكذيب والاستبعاد ﴿قل لا أملك لنفسي ضرا﴾ من فقر أو مرض ﴿ولا نفعا﴾ من غنى أو صحة ﴿إلا ما شاء الله﴾ استثناء منقطع، أي: ولكن ما شاء الله من ذلك كائن فكيف أملك لكم الضر ؟! ﴿لكل أمة أجل﴾ في عذابهم وحد محدود من الزمان ﴿إذا جاء﴾ ذلك الوقت أنجز وعدكم فلا تستعجلوه.
﴿إن أتيكم عذابه بيتا﴾ ظرف، أي: وقت بيات فبيتكم وأنتم نائمون ﴿أو نهارا﴾ أي: أو في وقت أنتم فيه مشتغلون بطلب معاشكم، والبيات بمعنى التبييت، كالسلام بمعنى التسليم ﴿ماذا يستعجل منه المجرمون﴾ أي: أي شئ يستعجلون من العذاب وليس شئ منه يوجب الاستعجال؟ويجوز أن يكون معناه التعجب، كأنه قال: أي هول شديد يستعجلون منه ؟! وقيل: الضمير في ﴿منه﴾ لله تعالى وتعلق الاستفهام ب? ﴿أرأيتم﴾ (56)، والمعنى: أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون؟وجواب الشرط محذوف وهو " تندموا على الاستعجال " أو " تعرفوا الخطأ فيه "، ويجوز أن يكون ﴿ماذا يستعجل منه المجرمون﴾ جوابا للشرط، كقولك: إن أتيتك ماذا تطعمني؟ثم تتعلق الجملة ب? ﴿أرأيتم﴾، وأن يكون ﴿أثم إذا ما وقع آمنتم به﴾ جواب الشرط، و ﴿ماذا يستعجل منه المجرمون﴾ اعتراضا، والمعنى: إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان به؟ودخول حرف الاستفهام على " ثم " كدخوله على الواو والفاء في قوله: ﴿أفأمن﴾ (57) ﴿أو أمن أهل القرى﴾ (58)، ﴿آلآن﴾ على إرادة القول، أي: قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب: الآن آمنتم به وقد كنتم تكذبون به؟لأن استعجالهم كان للتكذيب.
﴿ثم قيل للذين ظلموا﴾ عطف على " قيل " المضمر قبل ﴿آلآن﴾.
﴿ويستنبئونك أحق هو قل أي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين (53) ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون (54) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون (55) هو يحيي ويميت وإليه ترجعون (56)﴾ أي: ويستخبرونك فيقولون: ﴿أحق هو﴾، وهو استفهام على وجه الإنكار والاستهزاء ﴿قل أي﴾ ومعناه: " نعم " في القسم، كما كان " هل " بمعنى " قد " في الاستفهام خاصة ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ بفائتين العذاب، وهو لاحق بكم لا محالة.
﴿ظلمت﴾ صفة ﴿نفس﴾ أي: ﴿ولو أن لكل نفس﴾ ظالمة ﴿ما في﴾ الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها على كثرتها ﴿لافتدت به﴾ لجعلته فدية لها، يقال: فداه فافتدى ﴿وأسروا الندامة لما رأوا العذاب﴾ لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه، عاينوا من تفاقم الأمر ما سلبهم قواهم فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا سوى إسرار الندامة في القلوب، وقيل: أسروا الرؤساء منهم الندامة من أتباعهم حياء منهم وخوفا من توبيخهم (59)، وقيل: ﴿أسروا الندامة﴾ أخلصوها، لأن سر الشئ خالصه (60)، وقيل: معناه: أظهروها (61) ﴿وقضى بينهم﴾ بين الظالمين والمظلومين.
ثم ذكر سبحانه: أن له الملك كله، وأنه المثيب والمعاقب، وأن ما وعده ﴿حق﴾، وهو القادر على الإحياء والإماتة لا يقدر عليهما غيره، وإلى حسابه وجزائه المرجع، ليعلم أن الأمر كذلك فيخاف ويرجى.
﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين (57) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون (58) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحللا قل أألله أذن لكم أم على الله تفترون (59) وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيمة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون (60)﴾ أي: قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من: ﴿موعظة﴾ وتنبيه على التوحيد ﴿وشفاء﴾ أي: دواء ﴿لما في الصدور﴾ من العقائد الفاسدة ﴿وهدى﴾ أي: دلالة تؤدي إلى الحق ﴿ورحمة﴾ لمن آمن به وعمل بما فيه.
الأصل: ﴿قل بفضل الله وبرحمته﴾ فليفرحوا ﴿فبذلك فليفرحوا﴾ (62)، والتكرير للتأكيد والتقرير، وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا، وأحد الفعلين حذف لدلالة الآخر عليه، ودخلت الفاء لمعنى الشرط، أي: إن فرحوا بشئ فليخصوهما بالفرح فإنه لا مفروح به أحق منهما، وقرئ: " فلتفرحوا " بالتاء (63) على الأصل والقياس، وقيل: فضل الله: الإسلام، ورحمته: القرآن (64).
وعن الباقر (عليه السلام): " فضل الله: رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورحمته: علي بن أبي طالب (عليه السلام) " (65).
﴿أرأيتم﴾ أخبروني، و ﴿ما أنزل الله﴾: ﴿ما﴾ منصوب ب? ﴿أنزل﴾ أو ب? ﴿أرأيتم﴾ في معنى: أخبرونيه ﴿فجعلتم منه حراما وحللا﴾ أي: أنزله الله رزقا حلالا كله، فجعلتم بعضه حلالا وبعضه حراما، كقولهم: ﴿هذه أنعم وحرث حجر﴾ (66)، ﴿قل أألله أذن لكم﴾: ﴿قل﴾ تكرير، و ﴿أألله أذن لكم﴾ تعلق ب? ﴿أرأيتم﴾، أي أخبروني: أالله أذن لكم في التحريم والتحليل ﴿أم﴾ تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه؟ويجوز أن يكون ﴿أم﴾ منقطعة، بمعنى: بل أتفترون على الله؟تقريرا للافتراء.
وكفي بهذه الآية زاجرة عن التجوز فيما يسأل عنه من أحكام الشرع، وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وأن لا يقال: جائز وغير جائز إلا بعد الإيقان والإتقان، حتى لا يكون مفتريا على الله.
﴿وما ظن الذين يفترون﴾ أي: وأي شئ ظن المفترين في ذلك اليوم ما يصنع بهم فيه؟وهو يوم الجزاء بالإحسان والإساءة، وهو وعيد عظيم حيث أبهم أمره ﴿إن الله لذو فضل على الناس﴾ بما فعل بهم من ضروب الإنعام ﴿ولكن أكثرهم لا يشكرون﴾ نعمه.
﴿وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتب مبين (61) ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون (62) الذين آمنوا وكانوا يتقون (63) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (64) ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم (65)﴾
﴿ما﴾ نافية، والخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والشأن: الأمر، وهو من شأنت شأنه، ومعناه: قصدت قصده، والضمير في ﴿منه﴾ للشأن، لأن تلاوة القرآن شأن من معظم شأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو للتنزيل، أي: ﴿وما تتلوا﴾ من التنزيل ﴿من قرءان﴾، وهو إضمار قبل الذكر للتفخيم ﴿ولا تعملون﴾ أنتم جميعا ﴿من عمل إلا كنا عليكم﴾ شاهدين، به عالمين ﴿إذ تفيضون فيه﴾ من أفاض في العمل: إذا اندفع فيه ﴿وما يعزب﴾ قرئ بالضم والكسر (67)، أي وما يغيب وما يبعد ﴿عن﴾ علم ﴿ربك﴾، ﴿من مثقال ذرة﴾ في موضع رفع ﴿ولا أصغر من ذلك ولا أكبر﴾ قرئ بالنصب والرفع (68)، فالرفع على الابتداء ليكون كلاما برأسه، والنصب على نفي الجنس، فأما العطف على موضع ﴿من مثقال ذرة﴾ في الرفع، والعطف على لفظ ﴿مثقال﴾ في النصب، إذا جعلته فتحا في موضع الجر، فليسا بالوجه، لأن قولك: لا يعزب عنه شئ إلا في كتاب لا وجه له.
﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ وهم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالحفظ والكرامة، وقد أبان عنهم بقوله: ﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾.
وعن سعيد بن جبير، قال: سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن أولياء الله، فقال: " هم الذين يذكر الله برؤيتهم " (69)، يعني: في السمت (70) والهيئة، وقيل: هم المتحابون في الله (71).
﴿الذين آمنوا﴾ نصب أو رفع على المدح أو الابتداء، والخبر: ﴿لهم البشرى﴾، والبشرى ﴿في... الدنيا﴾: ما بشر الله المتقين في غير موضع من كتابه.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): " هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له، وفي الآخرة الجنة " (72).
وعنه (عليه السلام): " ذهبت النبوة وبقيت المبشرات " (73).
وعن عطاء (74): لهم البشرى عند الموت يأتيهم الملائكة بالرحمة، قال الله تعالى: ﴿تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا﴾ (75)، وأما البشرى في الآخرة فتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة وغير ذلك من البشارات، نحو إعطاء الصحف بأيمانهم وما يرون من بياض وجوههم ﴿لا تبديل لكلمات الله﴾ لا تغيير لأقواله، ولا إخلاف لمواعيده ﴿ذلك﴾ إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين، وكلتا الجملتين اعتراض.
﴿ولا يحزنك قولهم﴾ تكذيبهم وتدبيرهم في إبطال أمرك وسائر ما يتكلمون به في شأنك ﴿إن العزة لله﴾ استئناف فيه تعليل، كأنه قال: مالي لا أحزن؟فأجيب: ﴿إن العزة لله جميعا﴾ أي: إن الغلبة والقهر جميعا لله وفي ملكته، لا يملك أحد شيئا منهما، لا هم ولا غيرهم، فهو يغلبهم وينصرك عليهم، إنا لننصر رسلنا ﴿هو السميع﴾ لما يقولون ﴿العليم﴾ بما يعزمون عليه، فيكافئهم بذلك.
﴿ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (66) هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون (67) قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغنى له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطن بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون (68) قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (69) متع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون (70)﴾
﴿من في السماوات ومن في الأرض﴾ هم العقلاء المميزون من الملائكة والجن والإنس، وإنما خصهم ليبين أنهم إذا كانوا عبيده وفي ملكته ولا يصلح أحد منهم للإلهية فما وراءهم مما لا يعقل ولا يميز أحق أن لا يكون شريكا له ؟! ومعنى ﴿وما﴾ يتبعون ﴿شركاء﴾: وما يتبعون حقيقة الشركاء، لأن شركة الله في الإلهية محال ﴿إن يتبعون إلا﴾ ظنهم أنهم شركاء ﴿وإن هم إلا يخرصون﴾ يقدرون تقديرا باطلا، ويجوز أن يكون ﴿وما يتبع﴾ استفهاما، أي: وأي شئ يتبعون؟وعلى هذا فيكون ﴿شركاء﴾ نصبا ب? ﴿يدعون﴾، وعلى الأول ب? ﴿يتبع﴾، وكان حقه: وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء، فاقتصر على أحدهما للدلالة، ويجوز أن يكون ﴿ما﴾ موصولة عطفا على ﴿من﴾، بمعنى: ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء، أي: وله شركاؤهم.
ثم نبه على عظيم نعمته بأنه ﴿جعل... الليل﴾ مظلما ﴿والنهار﴾ مضيئا ﴿مبصرا﴾ ليسكنوا في الليل، ويبصروا في النهار مطالب أرزاقهم.
﴿سبحانه﴾ تنزيه له عن اتخاذ الولد ﴿هو الغنى﴾ علة لنفي الولد، لأن ما يطلب به الولد من يلد، وما يطلبه له، السبب في كله الحاجة، وإذا كانت عنه منتفية كان الولد عنه منتفيا ﴿له ما في السماوات وما في الأرض﴾ فهو مستغن عن اتخاذ أحد منهم ولدا ﴿إن عندكم من سلطن﴾ أي: ما عندكم من حجة ﴿بهذا﴾ القول، ولما نفي عنهم الحجة جعلهم غير عالمين، فدل بذلك على أن كل قول ليس عليه برهان فهو جهل وليس بعلم.
﴿إن الذين يفترون على الله الكذب﴾ بإضافة الولد إليه.
﴿متع في الدنيا﴾ أي: افتراؤهم هذا متاع قليل ومنفعة يسيرة في الدنيا ﴿ثم﴾ يلقون الشقاء المؤبد بعده.
﴿واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يقوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون (71) فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين (72) فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلنهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عقبة المنذرين (73)﴾
﴿إن كان كبر عليكم﴾ أي: شق وثقل عليكم مكاني و ﴿مقامي﴾ يعني: نفسه، كما يقال: فعلت كذا لمكان فلان، ومنه ﴿ولمن خاف مقام ربه﴾ (76) يعني: خاف ربه، أو يريد: قيامي ومكثي بين أظهركم مددا طوالا، أو مقامي (77) ﴿وتذكيري﴾ لأنهم كانوا إذا وعظوا قاموا على أرجلهم ليكون كلامهم مسموعا ﴿فأجمعوا أمركم﴾ من أجمع على الأمر وأجمع الأمر وأزمعه: إذا عزم عليه، والواو بمعنى " مع "، أي: فأجمعوا أمركم مع ﴿شركاءكم﴾ واحتشدوا (78) فيما تريدون من إهلاكي، وابذلوا وسعكم فيه ﴿ثم لا يكن أمركم عليكم غمة﴾ أي: ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستورا عليكم ولكن مكشوفا مشهورا تجاهرونني به، والغمة: السترة، من غمه: إذا ستره، ومنه الحديث " لا غمة في فرائض الله " (79) أي: لا تستروا، ولكن تجاهروا بها، ويجوز أن يكون المعنى: ثم أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غمة، أي: غما وهما، والغمة والغم بمعنى كالكربة والكرب ﴿ثم اقضوا إلى﴾ ذلك الأمر الذي تريدون بي، أي: أدوا إلي ما هو حق عليكم عندكم، من إهلاكي كما يقضي الرجل غريمه ﴿ولا تنظرون?﴾ ي ولا تمهلوني.
﴿فإن توليتم﴾ فإن أعرضتم عن نصيحتي وعن اتباع الحق ﴿فما سألتكم من أجر﴾ فما كان عندي ما ينفركم عني من طمع في أموالكم، وطلب أجر على موعظتكم ﴿إن أجرى إلا على الله﴾ وهو الثواب الذي يثيبني في الآخرة ﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ المستسلمين لأمر الله، أو الذين لا يطلبون على تعليم الدين أجرا ولا يأخذون به دنيا، يريدون: أن ذلك مقتضى الإسلام.
﴿فكذبوه﴾ أي: فتموا على تكذيبه، وكان تكذيبهم له في آخر المدة الطويلة كتكذيبهم في أولها ﴿فنجيناه ومن معه في﴾ السفينة ﴿وجعلنهم خلائف﴾ خلفاء لمن هلك بالغرق ﴿فانظر كيف كان عقبة المنذرين﴾ هذا تعظيم لما جرى عليهم، وتحذير لمكذبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن مثله.
﴿ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين (74) ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملأه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين (75) فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين (76) قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون (77) قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين (78)﴾ أي: ﴿بعثنا من﴾ بعد نوح ﴿رسلا﴾ يعني: هودا وصالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا ﴿فجاءوهم﴾ بالمعجزات والحجج المبينة (80) لدعواهم ﴿فما كانوا ليؤمنوا﴾ أي: فما كان إيمانهم إلا ممتنعا لتصميمهم على الكفر ﴿بما كذبوا به من قبل﴾ يريد: أنهم كانوا أهل جاهلية قبل بعثة الرسل، فلم يكن بين حالتيهم فرق: قبل البعثة وبعدها ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الطبع ﴿نطبع على قلوب المعتدين﴾ كأن الطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم، لأن الخذلان يتبعه، ألا ترى أنه وصفهم بالاعتداء وأسنده إليهم.
﴿من بعدهم﴾ أي: من بعد الرسل ﴿فاستكبروا﴾ عن قبول الآيات بعد تبينها ﴿وكانوا قوما مجرمين﴾ كفارا ذوي آثام عظام، فلذلك استكبروا عنها واجترأوا على ردها.
﴿فلما﴾ عرفوا أنه هو ﴿الحق﴾ وأنه ﴿من﴾ عند الله ﴿قالوا إن هذا السحر مبين﴾.
﴿أتقولون للحق﴾ أي: أتعيبونه وتطعنون فيه؟ونحوه: ﴿سمعنا فتى يذكرهم﴾ (81) أي: يعيبهم ﴿أسحر هذا﴾ إنكار لما قالوه في عيبه والطعن عليه، ويجوز أن يكون مفعول ﴿أتقولون﴾ محذوفا، وهو ما دل عليه قولهم: ﴿إن هذا لسحر مبين﴾، ثم قال: ﴿أسحر هذا﴾.
﴿لتلفتنا﴾ لتصرفنا، واللفت والفتل مثلان، مطاوعهما: الالتفات والانفتال ﴿عما وجدنا عليه آباءنا﴾ يريدون عبادة الأصنام ﴿وتكون لكما الكبرياء﴾ أي: الملك، لأن الملوك موصوفون بالكبر، وقرئ: " ويكون " بالياء (82).
﴿وقال فرعون ائتوني بكل سحر عليم (79) فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (80) فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين (81) ويحق الله الحق بكلمته ولو كره المجرمون (82) فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملأهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين (83)﴾
﴿ما جئتم به﴾: ﴿ما﴾ موصولة، و ﴿السحر﴾ خبر المبتدأ، أي: الذي جئتم به هو السحر، لا الذي سميتموه سحرا من المعجزات، وقرئ: " السحر " على الاستفهام (83)، وعلى هذه القراءة تكون ﴿ما﴾ استفهامية، بمعنى: أي شئ جئتم به؟أهو السحر؟﴿إن الله سيبطله﴾ سيظهر بطلانه ﴿لا يصلح عمل المفسدين﴾ لا يثبته ولا يديمه، بل يدمر عليه.
﴿ويحق الله الحق﴾ ويثبته ﴿بكلمته﴾ بقضاياه ووعده النصر.
﴿فما آمن لموسى﴾ في أول أمره ﴿إلا ذرية من قومه﴾ أي: طائفة من ذراري بني إسرائيل، كأنه قال: إلا أولاد من أولاد قومه، وذلك أنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا ﴿من فرعون﴾ وقيل: هم بنو إسرائيل، وكانوا ستمائة ألف، وكان يعقوب دخل مصر منهم باثنين وسبعين، وإنما سماهم ذرية على وجه التصغير لقلتهم بالإضافة إلى قوم فرعون (84)، وقيل: الضمير في ﴿قومه﴾ لفرعون، و " الذرية ": مؤمن آل فرعون وآسية امرأته وخازنه وامرأة خازنه وماشطة امرأته (85)، والضمير في ﴿وملإيهم﴾ يرجع إلى فرعون، والمعنى: حزب آل فرعون كما يقال: ربيعة ومضر، ويجوز أن يرجع إلى " الذرية "، أي: على خوف من فرعون وخوف من أشراف بني إسرائيل، لأنهم كانوا يمنعونهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم، ويدل عليه قوله: ﴿أن يفتنهم﴾ أي: يعذبهم ﴿وإن فرعون لعال﴾ أي: قاهر ﴿في الأرض﴾، ﴿وإنه لمن المسرفين﴾ في الظلم والفساد، وفي الكبر والعتو.
﴿وقال موسى يقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين (84) فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين (85) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين (86)﴾
﴿فعليه توكلوا﴾ أي: إليه أسندوا أموركم في العصمة من فرعون، ثم شرط في التوكل الإسلام، وهو أن يسلموا نفوسهم لله، أي: يجعلوها له سالمة خالصة لاحظ للشيطان فيها.
﴿فقالوا على الله توكلنا﴾ لا جرم قبل الله توكلهم، وأجاب دعاءهم، ونجاهم وأهلك أعداءهم، وجعلهم خلفاء في أرضه ﴿لا تجعلنا فتنة﴾ أي: موضع فتنة لهم، أي: عذاب يعذبوننا أو يفتنوننا عن ديننا، أو فتنة لهم يفتتنون بنا، يقولون: لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا.
﴿ونجنا برحمتك من﴾ قوم فرعون واستعبادهم إيانا.
﴿وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلوات وبشر المؤمنين (87) وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموا لا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموا لهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم (88) قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون (89)﴾ تبوأ المكان: اتخذه مباءة، نحو توطنه: اتخذه موطنا (86)، والمعنى: اجعلا ﴿بمصر بيوتا﴾ من بيوته مباءة ﴿لقومكما﴾ ومرجعا يرجعون إليه ﴿واجعلوا بيوتكم﴾ تلك ﴿قبلة﴾ أي: مساجد يذكر فيها اسم الله، وقيل: اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا (87) ﴿وأقيموا الصلاة﴾ داوموا على فعلها ﴿وبشر المؤمنين﴾ خطاب لموسى، وقيل: لمحمد (صلى الله عليه وآله) (88).
والزينة: ما يتزين به من لباس أو حلي أو فراش أو غير ذلك ﴿ليضلوا عن سبيلك﴾ قيل: هو دعاء بلفظ الأمر (89) كقوله: ﴿ربنا اطمس... واشدد﴾ لما لم يبق له طمع في إيمانهم اشتد غضبه عليهم فدعا الله عليهم بما علم أنه لا يكون غيره، ليشهد عليهم أنهم لا يستحقون إلا الخذلان، وأن يخلي بينهم وبين ضلالهم، ومعنى الطمس على الأموال: تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها، قيل: صارت جميع أموالهم حجارة (90)، والشد على القلوب: عبارة عن الخذلان والطبع ﴿فلا يؤمنوا﴾ جواب للدعاء، وقيل: إن اللام في ﴿ليضلوا﴾ للتعليل (91) على أنهم جعلوا نعمة الله سببا في الضلال فكأنهم أعطوها ليضلوا، وقوله: ﴿فلا يؤمنوا﴾ عطف على ﴿ليضلوا﴾، وقوله: ﴿ربنا اطمس على أموا لهم واشدد على قلوبهم﴾ دعاء معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، وكان موسى يدعو وهارون يؤمن فسماهما داعيين (92).
﴿فاستقيما﴾ فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والزيادة في إلزام الحجة.
الصادق (عليه السلام): " مكث فرعون بعد هذا الدعاء أربعين سنة " (93).
﴿ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون﴾ أي: لا تتبعا طريق الجهلة ولا تعجلا، وقرئ: " ولا تتبعان " بنون الخفيفة وكسرها (94) لالتقاء الساكنين تشبيها بنون التثنية.
﴿وجوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين (90) آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين (91) فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون (92)﴾ أي: عبرنا بهم ﴿البحر﴾ حتى جاوزوه سالمين ﴿فأتبعهم﴾ لحقهم ﴿فرعون وجنوده﴾ يقال: تبعته حتى أتبعته، قرئ: ﴿أنه﴾ بالفتح على حذف الباء، و " إنه " بالكسر (95) على الاستئناف، بدلا من ﴿آمنت﴾ كرر المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصا على القبول، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته وقاله في وقت الإلجاء، وكانت المرة الواحدة كافية وقت الاختيار وبقاء التكليف.
﴿آلآن﴾ أي: أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق؟ويحكى: أنه حين قال: ﴿آمنت﴾ أخذ جبرئيل من حال (96) البحر فدسه في فيه (97) ﴿وكنت من المفسدين﴾ أي: الضالين المضلين عن الإيمان.
قرئ: ﴿ننجيك﴾ بالتشديد والتخفيف (98)، أي: نبعدك مما وقع فيه قومك، وقيل: نلقيك بنجوة من الأرض وهي المكان المرتفع (99) ﴿ببدنك﴾ في موضع الحال، أي: في الحال التي لا روح فيك وإنما أنت بدن، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شئ ولم يتغير، أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها ﴿لمن خلفك آية﴾ لمن وراءك من الناس علامة، وهم بنو إسرائيل، وكان في أنفسهم أن فرعون أجل شأنا من أن يغرق فألقاه الله على الساحل حتى عاينوه، ومعنى كونه آية: أن يظهر للناس عبوديته ومهانته، وأن ما كان يدعيه من الربوبية محال، وأن يكون عبرة يعتبر بها الأمم بعده فلا يجترئوا على ما اجترأ عليه.
﴿ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضى بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون (93) فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (94) ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين (95) إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم (97)﴾
﴿مبوأ صدق﴾ منزلا صالحا مرضيا وهو بيت المقدس والشام ﴿ورزقناهم من الطيبات﴾ وهي الأشياء اللذيذة ﴿فما اختلفوا﴾ في دينهم، وما تشعبوا فيه شعبا ﴿حتى جاءهم العلم﴾ بدين الحق ولزمهم الثبات عليه، وقيل: العلم بمحمد (صلى الله عليه وآله) ونعته (100)، واختلافهم فيه: أنه هو أم ليس به.
﴿فإن كنت في شك﴾ أي: فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا ﴿فسل﴾ علماء أهل ﴿الكتاب﴾ فإنهم محيطون علما بصحة ما أنزل إليك، وعن الصادق (عليه السلام): " لم يشك ولم يسأل " (101)، ﴿لقد جاءك الحق من ربك﴾ أي: ثبت عندك بالآيات والبراهين أن ما أتاك هو الحق الذي لا مدخل فيه للمرية ﴿فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله﴾ أي: فأثبت على ما أنت عليه من انتفاء المرية والتكذيب بآيات الله عنك، وقيل: خوطب رسول الله والمراد أمته (102)، والمعنى: فإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم، كقوله: ﴿وأنزلنا إليكم نورا مبينا﴾ (103)، وقيل: الخطاب للسامع ممن يجوز عليه الشك (104)، كقول العرب: " إذا عز أخوك فهن " (105).
وقيل: ﴿إن﴾ للنفي (106)، أي: فما كنت في شك... فسأل، والمعنى: لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ولكن لتزداد يقينا، كما ازداد إبراهيم بمعاينة إحياء الموتى ﴿حقت عليهم كلمت ربك﴾ ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا، فلا يكون غيره، وتلك كتابة علم لا كتابة إرادة، تعالى الله عن ذلك.
﴿فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين (98) ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين (99)﴾ فهلا ﴿كانت قرية﴾ واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر، و ﴿آمنت﴾ وقت بقاء التكليف قبل معاينة البأس، ولم تؤخر التوبة كما أخرها فرعون إلى أن أدركه الغرق ﴿فنفعها إيمانها﴾ بأن يقبله الله منها ﴿إلا قوم يونس﴾ استثناء من القرى، لأن المراد أهاليها، وهو استثناء منقطع بمعنى: ولكن قوم يونس، ويجوز أن يكون متصلا والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس، وكان قد بعث إلى نينوى (107) من أرض الموصل (108)، فكذبوه، فذهب عنهم مغاضبا، فلما فقدوه خافوا نزول العذاب، فلبسوا المسوح وعجوا وبكوا، فصرف الله ﴿عنهم﴾ العذاب وكان قد نزل وقرب منهم، وعن الفضيل بن عياض: أنهم قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل، افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله (109).
﴿ولو شاء ربك﴾ مشيئة الإلجاء ﴿لامن من في الأرض كلهم﴾ على وجه الإحاطة والعموم ﴿جميعا﴾ مجتمعين على الإيمان، يدل عليه قوله: ﴿أفأنت تكره الناس﴾ يعني: إنما يقدر الله على إكراههم لا أنت، لأنه هو يقدر أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان، وليس ذلك في مقدور القدر، ولا يستطيعه البشر.
﴿وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون (100) قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون (101) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين (102) ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين (103)﴾
﴿وما كان لنفس﴾ من النفوس التي علم الله أنها تؤمن ﴿أن تؤمن إلا بإذن الله﴾ أي: بتسهيله وتوفيقه له وتمكينه منه ودعائه إليه ﴿ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون﴾ قابل الإذن بالرجس وهو الخذلان، والنفس المعلوم إيمانها ب? ﴿الذين لا يعقلون﴾ وهم المصرون على الكفر، كقوله: ﴿صم بكم عمى فهم لا يعقلون﴾ (110)، وسمى الخذلان رجسا وهو العذاب لأنه سببه.
﴿ماذا في السماوات والأرض﴾ من العبر والآيات ﴿وما تغنى الآيات والنذر﴾ الرسل المنذرون أو الإنذارات ﴿عن قوم لا يؤمنون﴾ أي: لا يتوقع إيمانهم، و ﴿ما﴾ نافية أو استفهامية.
و ﴿أيام الذين خلوا من قبلهم﴾ وقائع الله فيهم، كما يقال: أيام العرب، لوقائعها.
﴿ثم ننجي رسلنا﴾ عطف على كلام محذوف يدل عليه ما قبله، كأنه قال: نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا، على حكاية الأحوال الماضية ﴿والذين آمنوا﴾ معهم، و ﴿كذلك... ننج المؤمنين﴾ أي: مثل ذلك الإنجاء ننج المؤمنين منكم ونهلك المشركين، و ﴿حقا علينا﴾ اعتراض، يعني: حق ذلك علينا حقا، وقرئ: " ننجي " بالتشديد (111).
﴿قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفيكم وأمرت أن أكون من المؤمنين (104) وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين (105) ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين (106) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم (107) قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل (108) واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحكمين (109)﴾
﴿إن كنتم في شك من﴾ صحة ﴿ديني ف?﴾ هذا ديني وهو: أني ﴿لا أعبد﴾ الحجارة التي ﴿تعبدون?﴾ - ها ﴿من دون﴾ من هو ربكم وإلهكم ﴿ولكن أعبد الله الذي يتوفيكم﴾ فهو الحقيق بأن يخاف ويرجى ويعبد ﴿وأمرت أن أكون من﴾ المصدقين بالتوحيد.
﴿وأن أقم﴾ والباء مراد فحذف، أي: بأن أكون وبأن أقم، فإن " أن " قد توصل بالأمر والنهي، وشبه ذلك بقولهم: " أنت الذي تفعل " على الخطاب، لأن الغرض وصلها بما يكون معه في معنى المصدر، والأمر والنهي يدلان على المصدر كما يدل غيرهما من الأفعال.
﴿أقم وجهك﴾ استقم إليه فلا تلتفت يمينا ولا شمالا، و ﴿حنيفا﴾ حال من ﴿الدين﴾ أو من الوجه.
﴿فإن فعلت﴾ أي: فإن دعوت ﴿من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك﴾ فكنى عنه بالفعل إيجازا ﴿فإنك إذا من الظالمين﴾: ﴿إذا﴾ جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر، كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة غير الله، فأعلم أن الشرك من أعظم الظلم.
ثم عقب النهي عن عبادة مالا ينفع ولا يضر بأن الله هو الضار والنافع الذي إن أصابك ﴿بضر﴾ لم يقدر على كشفه ﴿إلا هو وإن﴾ أرادك ﴿بخير﴾ لم يرد أحد ما يريد بك من ﴿فضله﴾ فهو الحقيق بأن يعبد دون الأوثان.
﴿قد جاءكم الحق﴾ فلم يبق لكم عذر، ولا لكم على الله حجة ﴿فمن﴾ اختار الهدى واتباع الحق لم ينفع إلا نفسه ﴿ومن﴾ اختار الضلال لم يضر إلا نفسه، واللام و " على " دليلان على معنى النفع والضرر ﴿وما أنا عليكم بوكيل﴾ بحفيظ موكل إلي أمركم وحملكم على ما أريد، إنما أنا بشير ونذير.
﴿واصبر﴾ على دعوتهم واحتمال أذاهم ﴿حتى يحكم الله﴾ لك بالنصر عليهم والغلبة ﴿وهو خير الحكمين﴾ لأنه لا يحكم إلا بالحق والعدل.
سورة هود مكية (112)، مائة وإحدى وعشرون آية بصري، ثلاث كوفي، عد الكوفي: ﴿برئ مما تشركون﴾ (113)، ﴿في قوم لوط﴾ (114).
في حديث أبي: " ومن قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى، وكان يوم القيامة من السعداء " (115).
الباقر (عليه السلام): " من قرأها في كل جمعة بعثه الله يوم القيامة في زمرة النبيين، وحوسب حسابا يسيرا، ولم تعرف له خطيئة عملها يوم القيامة " (116).
1- في بعض النسخ: النبوة.
2- الباع: قدر مد اليدين. (الصحاح: مادة بوع).
3- الظاهر أن المصنف اعتمد هنا على هذه القراءة بحذف الألف متبعا للزمخشري.
4- قرأه عبد الله بن مسعود ويزيد بن القعقاع والأعمش وسهل بن شعيب. راجع إعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 244، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 124.
5- في نسخة زيادة: ضوء.
6- يس: 39.
7- الحديد: 12.
8- المزار للمشهدي: ص 139.
9- قاله الضحاك كما في تفسير السمرقندي: ج 2 ص 90.
10- حكاه الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 8.
11- الأنفال: 32.
12- وهي قراءة ابن عامر ويعقوب. راجع التبيان: ج 5 ص 344.
13- حكاها عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 332.
14- البيت منسوب لباعث بن صريم اليشكري عن سيبويه والنحاس، وقيل: لأرقم بن علباء اليشكري عن القالي، وقيل: لراشد بن شهاب اليشكري عن أبي عبيد البكري، وقيل لغيرهم. وصدره: ويوما توافينا بوجه مقسم. راجع خزانة الأدب للبغدادي: ج 10 ص 411.
15- وهي قراءة ابن كثير إلا عن البزي وأبي ربيعة وقنبل إلا المالكي والعطار. راجع التبيان: ج 5 ص 351، والبحر المحيط لأبي حيان ج 5 ص 132.
16- قال هشام بن السائب الكلبي في كتابه الأصنام: ص 31 - 33: واللات بالطائف، وكانت صخرة مربعة، وكان يهودي يلت عندها السويق، وسدنتها من ثقيف بنو عتاب بن مالك، وكانوا قد بنوا عليها بناء، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها، وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم، فلم تزل كذلك حتى أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هدمها وحرقها بالنار، وفي ذلك يقول شداد بن عارض الجشمي: لا تنصروا اللات إن الله مهلكها * وكيف نصركم من ليس ينتصر إن التي حرقت بالنار فاشتعلت * ولم تقاتل لدي أحجارها هدر.
17- وقال: وكان الذي اتخذ العزى ظالم بن أسعد، وكانت بواد من نخلة الشامية يقال له حراض، فبنى عليها بيتا، وكانوا يسمعون فيه الصوت، وكانت أعظم الأصنام عند قريش، وكانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح، وسدنتها بنو شيبان بن جابر بن مرة من بني سليم، ولم تزل كذلك حتى بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) فعابها وغيرها ونهاهم عن عبادتها، فلما كان عام الفتح دعا النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هدمها فهدمت. المصدر السابق: ص 33 - 42.
18- وقال: وكانت أقدمها كلها، وكانت منصوبة على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد بين المدينة ومكة، وكانت العرب جميعا تعظمها وتذبح لها ويهدون لها، ولم يكن أحد أشد إعظاما لها من الأوس والخزرج، فلم تزل ذلك حتى خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة سنة.
19- هجرية وهو عام فتح الله عليه، فلما سار من المدينة أربع ليال أو خمس بعث عليا (عليه السلام) إليها فهدمها وأخذ ما كان لها، فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان أهداهما لها، فوهبهما النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام). المصدر نفسه: ص 28 - 31.
20- وقال: وكان أعظمها عندهم، وكان فيما بلغني من عقيق أحمر على صورة الانسان مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك فجعلوا له يدا من ذهب، وكان أول من نصبه خزيمة بن مدركة، وكان في جوف الكعبة قدامه سبعة أقداح مكتوب في أولها صريح والآخر ملصق، فإذا شكوا في نسب مولود أهدوا له هدية ثم ضربوا بالقداح، فإن خرج صريح ألحقوه، وإن كان ملصقا دفعوه، وقدح على الميت، وقدح على النكاح، فإذا اختصموا في أمر أو أرادوا سفرا أو عملا أتوه فاستقسموا بالقداح عنده، فما خرج عملوا به وانتهوا إليه. فلما ظفر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة دخل المسجد والأصنام منصوبة حول الكعبة، فجعل يطعن بسية قوسه في عيونها ووجوهها ويقول: * (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) * ثم أمر بها فكفئت على وجوهها ثم أخرجت وحرقت، وفيه يقول راشد بن عبد الله السلمي: قالت: هلم إلى الحديث فقلت: لا * يأبى الإله عليك والإسلام أو ما رأيت محمدا وقبيله * بالفتح حين تكسر الأصنام لرأيت نور الله أضحى ساطعا * والشرك يغشى وجهه الإظلام راجع المصدر السابق: ص 43 - 47.
21- وقال الكلبي: وكان لهم إساف ونائلة، وهما رجل وامرأة من جرهم من أرض اليمن، وكان أساف يتعشقها، فاقبلوا حجاجا إلى الكعبة فدخلا الكعبة فوجدا خلوة ففجر بها فمسخا حجرين ووضعا عند الكعبة ليتعظ الناس بهما، فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها، وكان أحدهما بلصق الكعبة إلى الآخر، فكانوا ينحرون ويذبحون عندهما. المصدر نفسه: ص 44 - 45.
22- قرأه حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 448.
23- قاله الضحاك والكلبي، وروي عن الباقر (عليه السلام). راجع تفسير العياشي: ج 1 ص 104 ح 308، وتفسير الماوردي: ج 2 ص 428.
24- أحيا القوم: إذا صاروا في الحيا وهو الخصب، وأيضا: المطر. (الصحاح: مادة حيا).
25- وهي قراءة زيد بن ثابت وابن عامر وأبي جعفر يزيد بن القعقاع والحسن وأبي العالية وزيد ابن علي و عبد الله بن جبير وأبي عبد الرحمن وشيبة. راجع التبيان: ج 5 ص 359، والبحر
المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 137.
26- الروم: 20.
27- يظهر أن المصنف (قدس سره) اعتمد على القراءة الأخرى أي بالرفع كما هو واضح من عبارته.
28- القصص: 76.
29- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 339.
30- رواه البخاري في تاريخه الكبير: ج 1 ص 166.
31- حكاها عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 341.
32- وهو قول الزجاج والجبائي. راجع معاني القرآن: ج 3 ص 15، والتبيان: ج 5 ص 364.
33- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 2 ص 341.
34- النساء: 173، والشورى: 26.
35- أخرجه الطبري من طرقه في تفسيره: ج 6 ص 552 ح 17649 و 17650 و 17651.
36- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 433.
37- هو مجاهد بن جبر، مولى بني مخزوم، تابعي، مفسر من أهل مكة، قال الذهبي: أخذ التفسير عن ابن عباس، قرأه عليه ثلاث مرات. تنقل في الأسفار واستقر في الكوفة، أما كتابه في التفسير فيتقيه المفسرون، وسئل الأعمش عن ذلك فقال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب، يعني اليهود والنصارى، مات بمكة سنة ثلاث ومائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة. انظر ميزان الاعتدال للذهبي: ج 3 ص 9.
38- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 6 ص 552 ح 17655، والسيوطي في الدر المنثور: ج 4 ص 359 - 360 وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو حيان في البحر المحيط: ج 5 ص 146.
39- عبس: 41.
40- وهي قراءة ابن كثير والكسائي ويعقوب. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 325.
41- قاله مجاهد وابن زيد وابن عطية راجع تفسير الطبري: ج 6 ص 556.
42- الطارق: 9.
43- قرأه حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 325.
44- وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف والمفضل ويحيى بن وثاب والأعمش. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 326، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 156.
45- قرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وورش وابن محيصن. راجع التبيان: ج 5 ص 375، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 156.
46- وهي قراءة عاصم برواية أبي بكر كما في كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 326، وفي التبيان: ج 5 ص 375: هي قراءة أبي بكر إلا الأعشى والبرجمي.
47- في بعض النسخ: وفقهم، وفي بعض الآخر زيادة: وأعلمهم.
48- النساء: 24.
49- حكاه الشيخ في التبيان: ج 5 ص 380.
50- الشعراء: 216.
51- سورة " الكافرون ".
52- قاله ابن زيد والكلبي ومقاتل. راجع التبيان: ج 5 ص 381، وتفسير البغوي: ج 2 ص 355.
53- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 174، وتفسير البغوي: ج 2 ص 355، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 22.
54- في بعض النسخ: يتعارفوا.
55- قاله مجاهد ومقاتل. راجع التبيان: ج 5 ص 387، وتفسير البغوي: ج 2 ص 356.
56- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 467.
57- الأعراف: 97 و 98.
58- الأعراف: 97 و 98.
59- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 469، والزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 25.
60- ذكره الشيخ في التبيان: ج 5 ص 392.
61- وهو قول أبي عبيدة كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 5 ص 393.
62- ليس في بعض النسخ: " فبذلك فليفرحوا ".
63- قرأه أبي وعثمان والسلمي وأنس يزيد بن القعقاع وابن عامر والحسن ورويس وهلال بن يساف والأعمش وعمرو بن قائد والعباس بن الفضل الأنصاري وقتادة وأبو رجاء وابن هرمز وابن سيرين وأجازها الفراء ونسبها إلى زيد بن ثابت، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله). راجع التبيان: ج 5 ص 395، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 570، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 172.
64- وهو قول ابن عباس وأبي سعيد الخدري والحسن وقتادة ومجاهد. راجع تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 7، والتبيان: ج 5 ص 397.
65- تفسير القمي: ج 1 ص 313.
66- الأنعام: 138.
67- وبالكسر هي قراءة يحيى بن وثاب والأعمش وابن مصرف والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 328، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 174.
68- قرأه حمزة وخلف ويعقوب. راجع التبيان: ج 5 ص 399، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 451.
69- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 355.
70- السمت: هيئة أهل الخير، يقال: ما أحسن سمته، أي سيرته. (الصحاح: مادة سمت).
71- أخرجه الطبري في تفسيره: ج 6 ص 575 - 576 باسناده إلى أبي هريرة وعمر بن الخطاب وأبي مالك الأشعري كلهم عن النبي (صلى الله عليه وآله).
72- مسند أحمد: ج 6 ص 452، مستدرك الحاكم: ج 2 ص 340.
73- مسند أحمد: ج 6 ص 381، سنن الدارمي: ج 2 ص 123.
74- هو عطاء بن أبي رباح أسلم، أبو محمد، تابعي، من الفقهاء، كان عبدا أسود ولد في جند باليمن، ونشأ بمكة، فكان مفتي أهلها ومحدثهم، مات سنة خمس عشرة ومائة وهو ابن ثمان وثمانين سنة بعدما عمي. راجع المعارف لابن قتيبة: ص 320.
75- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 356.
76- الرحمن: 46.
77- في نسخة: قيامي.
78- احتشد: إذا اجتمع. (الصحاح: مادة حشد).
79- رواه الزمخشري في كشافه: ج 2 ص 360.
80- في نسخة: المثبتة.
81- الأنبياء: 60.
82- قرأه ابن مسعود والحسن وإسماعيل وابن أبي ليلى وأبو عمرو وعاصم بخلاف عنهما. راجع إعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 263، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 182.
83- وهي قراءة أبي عمرو ومجاهد وأصحابه ويزيد بن القعقاع. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 182.
84- وهو قول ابن عباس على ما حكاه عنه السمرقندي في تفسيره: ج 2 ص 107.
85- حكاه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 364 ونسبه إلى ابن عباس.
86- في بعض النسخ: وطنا.
87- قاله سعيد بن جبير على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 447.
88- قاله ابن جرير الطبري ومكي. راجع تفسير الطبري: ج 6 ص 598، وتفسير الثعالبي: ج 2 ص 109.
89- قاله الحسن والكسائي وأبو عبيدة والفراء. راجع التبيان: ج 5 ص 423، ومجاز القرآن: ج 1 ص 281، ومعاني القرآن: ج 1 ص 477، والبحر المحيط: ج 5 ص 186.
90- وهو قول ابن عباس ومحمد بن كعب وقتادة والضحاك وأبي صالح والسدي ومحمد بن سليمان المقدسي. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 187.
91- وهو قول الخليل وسيبويه على ما حكاه عنهما القرطبي في تفسيره: ج 8 ص 374.
92- وهو قول ابن عباس ومحمد بن كعب والربيع وابن زيد وعكرمة وأبي العالية. راجع التبيان: ج 5 ص 424، والبحر المحيط: ج 5 ص 187.
93- تفسير العياشي: ج 2 ص 127 ح 40.
94- وهي قراءة ابن ذكوان وابن عامر إلا الداحوني عن هشام. راجع التبيان: ج 5 ص 425.
95- قرأه حمزة والكسائي. راجع الكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 522.
96- الحال: الطين الأسود. (الصحاح: مادة حول).
97- حكاها الطبري في تاريخه: ج 1 ص 292، وأخرجها الترمذي في سننه: ج 5 ص 268.
98- وبالتخفيف قرأه قتيبة ويعقوب. راجع التبيان: ج 5 ص 428.
99- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 179.
100- قاله ابن بحر على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 450.
101- تفسير القمي: ج 1 ص 317.
102- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 32.
103- النساء: 174.
104- حكاه السمرقندي في تفسيره: ج 2 ص 111 ونسبه إلى القتبي.
105- أول من قال ذلك الهذيل بن هبيرة أخو بني ثعلبة التغلبي، وكان أغار على بني ضبة فغنم فأقبل بالغنائم، فقال له أصحابه: أقسمها بيننا، فقال: إني أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطلب، فأبوا، فعندها قال: إذا عز أخوك فهن، ثم نزل فقسم بينهم الغنائم. ويضرب لمن لا يخاف استدلاله وهوانه، أي إذا غلبك ولم تقاومه فلن له. راجع مجمع الأمثال للميداني: ج 1 ص 24.
106- ذكره الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 371.
107- وهي قرية قديمة لا تزال آثارها باقية قبالة مدينة الموصل في العراق، وهي مدينة يونس ابن متى النبي (عليه السلام). راجع معجم البلدان للحموي: ج 4 ص 870.
108- الموصل: وهي مدينة قديمة مشهورة، اختطها هرثمة بن عرفجة البارقي، وكان قبل ذلك حصنا فيه بيع ومنازل للنصارى واليهود، فأنزل هرثمة المسلمين منازلهم، ومصر المدينة لهم، قالوا: وسميت بالموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل: وصلت بين دجلة والفرات، وفي وسطها قبر جرجيس النبي (عليه السلام). راجع فتوح البلدان للبلاذري: ج 2 ص 331 - 333.
109- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 372.
110- البقرة: 171.
111- وهي قراءة الجمهور غير الكسائي وحفص عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 330.
112- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 5 ص 445: مكية في قراءة قتادة ومجاهد وغيرهما، وهي مائة وثلاث وعشرون آية في الكوفي، واثنتان في المدني، وواحدة في البصري وعند إسماعيل. وقال الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 455: مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس وقتادة: إلا آية وهي قوله: * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) *. ونحوه القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 1. وعن الكشاف: ج 2 ص 377: مكية إلا الآيات: 12 و 17 و 114 فمدنية، وهي مائة وثلاث وعشرون آية، نزلت بعد سورة يونس.
113- الآية: 54.
114- الآية: 74.
115- رواه الزمخشري في كشافه: ج 2 ص 439 مرسلا.
116- تفسير العياشي: ج 2 ص 139 ح 1.