سورة التوبة
مدنية (1)، وهي مائة وتسع وعشرون آية كوفي، ثلاثون بصري، عد البصري ﴿برئ من المشركين﴾.
وعن الصادق (عليه السلام) قال: " الأنفال وبراءة واحدة " (2).
وعن علي (عليه السلام): " لم ينزل "
بسم الله الرحمن الرحيم
" على رأس سورة براءة، لأن " بسم الله " للأمان والرحمة، ونزلت براءة لرفع الأمان وللسيف " (3).
وقيل: إن السورتين كانتا تدعيان القرينتين، وتعدان السابعة من السبع الطوال (4).
* * * ﴿براءة من الله ورسوله إلى الذين عهدتم من المشركين (1) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين (2) وإذا ن من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم (3) إلا الذين عهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين (4)﴾
﴿براءة﴾ خبر مبتدأ محذوف، و ﴿من﴾ لابتداء الغاية، والمعنى: هذه براءة واصلة ﴿من الله ورسوله إلى الذين عهدتم﴾، ويجوز أن تكون ﴿براءة﴾ مبتدأ وإن كانت نكرة لتخصصها بصفتها، والخبر ﴿إلى الذين عهدتم﴾ كما تقول: رجل من قريش في الدار، والمراد: أن الله ورسوله قد برئا ﴿من﴾ العهد الذي عاهدتم به ﴿المشركين﴾ وأن عهدهم منبوذ إليهم.
﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾ هذا خطاب للمشركين، أمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر - وهي الأشهر الحرم - آمنين أين شاءوا لا يتعرض لهم، وذلك لصيانة الأشهر الحرم من القتل والقتال فيها، وقيل: إن " براءة " نزلت في شوال سنة تسع من الهجرة والأشهر الأربعة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم (5)، وقيل: هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول، وعشر من شهر ربيع الآخر (6)، وكانت حرما لأنهم أومنوا فيها وحرم قتلهم وقتالهم، وهو الأصح.
وأجمع المفسرون على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نزلت " براءة " دفعها إلى أبي بكر ثم أخذها منه ودفعها إلى علي (عليه السلام) (7) وإن اختلفوا في تفصيله، وقد شرحناه في الكتاب الكبير (8).
وعن الباقر (عليه السلام) قال: " خطب علي (عليه السلام) الناس يوم النحر واخترط سيفه فقال: لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن البيت مشرك، ومن كانت له مدة فهو إلى مدته، ومن لم يكن له مدة فمدته أربعة أشهر، وقرأ عليهم سورة براءة " (9)، وقيل: إنه قرأ ثلاث عشرة آية من أول براءة (10)، وقيل: ثلاثين أو أربعين آية (11).
﴿فاعلموا أنكم غير معجزي الله﴾ أي: لا تفوتونه وإن أمهلكم ﴿وأن الله مخزي الكافرين﴾ أي: مذلهم في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالعذاب.
﴿وإذا ن من الله﴾ الوجه في رفعه ما ذكرناه في ﴿براءة﴾ بعينه، ثم الجملة معطوفة على مثلها، وهو بمعنى الإيذان كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء، والجملة الأولى إخبار بثبوت البراءة، والجملة الثانية إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت من البراءة الواصلة من الله ورسوله إلى المعاهدين والناكثين لجميع الناس، من عاهد منهم ومن لم يعاهد ﴿يوم الحج الأكبر﴾ يوم عرفة، وقيل: يوم النحر (12)، لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله (13).
وروي أن عليا (عليه السلام) أخذ رجل بلجام دابته فقال: ما الحج الأكبر؟فقال: " يومك هذا، خل عن دابتي " (14).
﴿أن الله برئ﴾ حذفت الباء تخفيفا، وقرئ في الشواذ: " إن الله " بالكسر (15)، لأن الأذان في معنى القول ﴿ورسوله﴾ عطف على الضمير في ﴿برئ﴾ أو على محل " إن " المكسورة واسمها، وقرئ بالنصب (16) عطفا على اسم " إن "، أو لأن الواو بمعنى " مع "، ﴿فإن تبتم﴾ من الكفر والغدر ﴿فهو خير لكم﴾ من الإقامة عليهما ﴿وإن توليتم﴾ عن الإيمان ﴿فاعلموا أنكم غير معجزي الله﴾ غير سابقين الله، ولا فائتين بأسه وعذابه.
﴿إلا الذين عهدتم من المشركين﴾ استثناء من ﴿فسيحوا في الأرض﴾ لأن الاستثناء بمعنى الاستدراك، والمعنى: ولكن الذين لم ينكثوا ولم ينقصوا من شرط العهد ﴿شيئا ولم يظهروا عليكم أحدا﴾ من أعدائكم ﴿فأتموا إليهم عهدهم إلى﴾ انقضاء ﴿مدتهم﴾ التي وقع العهد إليها، ولا تجعلوا الوفي كالغادر.
﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم (5) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون (6)﴾ أي: ﴿إذا انسلخ الأشهر﴾ التي أبيح فيها للناكثين أن يسيحوا في الأرض ﴿فاقتلوا المشركين﴾ فضعوا السيف فيهم حيث كانوا وأين وجدوا، في حل أو حرم ﴿وخذوهم﴾ أي: أيسروهم، والأخيذ: الأسير ﴿واحصروهم﴾ أي: قيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد، وقيل: حولوا بينهم وبين المسجد الحرام (17) ﴿واقعدوا لهم كل مرصد﴾ أي: كل ممر وطريق ترصدونهم به، وانتصب (18) على الظرف كقوله: ﴿لأقعدن لهم صراطك المستقيم﴾ (19)، ﴿فخلوا سبيلهم﴾ أي: دعوهم يتصرفون في البلاد، أو: فكوا (20) عنهم ولا تتعرضوا لهم، أو: دعوهم يحجوا ويدخلوا المسجد الحرام ﴿إن الله غفور رحيم﴾ يغفر لهم ما قد سلف من كفرهم وغدرهم.
﴿أحد﴾ مرفوع بفعل الشرط وهو مضمر يفسره الظاهر، تقديره: وإن استجارك أحد استجارك، والمعنى: وإن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه فاستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من القرآن والدين فأمنه ﴿حتى يسمع كلم الله﴾ ويتدبره، فإن معظم الأدلة فيه ﴿ثم أبلغه مأمنه﴾ بعد ذلك، يعني داره التي يأمن فيها إن لم يسلم، ثم قاتله إن شئت من غير غدر ولا خيانة، وهذا الحكم ثابت في كل وقت ﴿ذلك﴾ أي: ذلك الأمر بالإجارة ﴿ب?﴾ سبب ﴿أنهم قوم﴾ جهلة ﴿لا يعلمون﴾ الإيمان فأمنهم حتى يسمعوا ويعلموا.
﴿كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (7) كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8)﴾
﴿كيف يكون للمشركين عهد﴾ صحيح ومحال أن يثبت لهم عهد مع إضمارهم الغدر والنكث، فلا تطمعوا في ذلك، ولكن ﴿الذين عهدتم﴾ منهم ﴿عند المسجد الحرام﴾ ولم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبني ضمرة، فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم ﴿فما استقاموا لكم﴾ على العهد ﴿فاستقيموا لهم﴾ على مثله.
﴿كيف﴾ تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل لكونه معلوما، أي: ﴿كيف﴾ يكون لهم عهد ﴿و﴾ حالهم أنهم ﴿إن يظهروا عليكم﴾ ويظفروا بكم بعد ما سبق لهم من الأيمان والمواثيق ﴿لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة﴾ أي: لا يحفظوا فيكم قرابة ولا عهدا، قال حسان (21): لعمرك إن إلك من قريش * كإل السقب من رأل النعام (22) وقيل: إلا: حلفا (23)، وقيل: إلا: إلها (24) ﴿يرضونكم﴾ كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الباطن الظاهر، وإباء القلوب: مخالفة ما فيها من الأضغان لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل ﴿وأكثرهم فاسقون﴾ متمردون في الكفر والشرك، لا مروءة تردعهم كما توجد في بعض الكفار من التعفف عما يثلم العرض والتفادي عن النكث.
﴿اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون (9) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون (10) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون (11) وإن نكثوا أيمنهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمن لهم لعلهم ينتهون (12) ألا تقتلون قوما نكثوا أيمنهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين (13)﴾ استبدلوا ﴿بآيات الله﴾ أي: بالقرآن والإسلام ﴿ثمنا قليلا﴾ وهو اتباع الأهواء والشهوات ﴿فصدوا عن سبيله﴾ فعدلوا عنه وصرفوا غيرهم.
و ﴿المعتدون﴾ المجاوزون الغاية في الظلم والكفر.
﴿فإن تابوا﴾ عن الكفر ونقض العهد ﴿ف?﴾ هم ﴿إخوانكم﴾ حذف المبتدأ ﴿ونفصل الآيات﴾ ونبينها، وهذا اعتراض، فكأنه قيل: ومن تأمل تفصيلها فهو العالم.
﴿وإن نكثوا﴾ أي: نقضوا عهودهم ﴿بعد﴾ أن عقدوها ﴿وطعنوا في دينكم﴾ وعابوه ﴿فقتلوا أئمة الكفر﴾ أي: فقاتلوهم، وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بأنهم إذا نكثوا في حال الشرك تمردا وطرحا لعادات الكرام الأوفياء من العرب ثم آمنوا ﴿وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ وصاروا إخوانا للمسلمين ﴿في الدين﴾ ثم رجعوا فارتدوا عن الإسلام ونكثوا ما بايعوا عليه من الايمان وطعنوا في دين الله فهم رؤساء الكفر والضلالة والمتقدمون فيه.
وعن حذيفة: لم يأت أهل هذه الآية بعد (25).
وقرأ علي (عليه السلام) هذه الآية يوم الجمل، ثم قال: " أما والله لقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لي: يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة والفئة الباغية والفئة المارقة " (26).
﴿إنهم لا أيمن لهم﴾ أي: لا عهود لهم يعني: لا يحفظونها، وقرئ بكسر الهمزة (27)، أي: فلا يعطون الأمان بعد النكث والردة، أو لا إسلام لهم ولا إيمان على الحقيقة، ولا اعتبار بما أظهروه من الإيمان ﴿لعلهم ينتهون﴾ يتعلق ب? " قتلوا " أي: ليكن غرضكم في مقاتلتهم أن ينتهوا عما هم عليه، وهذا من غاية كرمه سبحانه وفضله.
﴿ألا تقاتلون﴾ دخلت الهمزة للتقرير، ومعناه: الحض على المقاتلة ﴿نكثوا أيمنهم﴾ التي عقدوها ﴿وهموا بإخراج الرسول﴾ من مكة حين تشاوروا في أمره حتى أذن الله له في الهجرة فخرج بنفسه ﴿وهم بدؤوكم﴾ بالمقاتلة والبادئ أظلم، فما يمنعكم أن تقاتلوهم بمثله ؟! ﴿أتخشونهم﴾ تقريع بالخشية منهم وتوبيخ عليها ﴿فالله أحق أن تخشوه﴾ فقاتلوا أعداءه ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ فإن المؤمن لا يخشى إلا الله.
﴿قتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين (14) ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم (15) أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون (16)﴾ وبخهم بترك القتال، ثم أكد ذلك بالأمر بالقتال فقال: ﴿قتلوهم﴾، ثم وعدهم أنه ﴿يعذبهم﴾ بأيديهم قتلا، ويخزيهم أسرا، وينصرهم ﴿عليهم﴾ ويشفي ﴿صدور﴾ طائفة من المؤمنين وهم خزاعة (28)، وعن ابن عباس: هم بطون من اليمن قدموا مكة وأسلموا فلقوا منهم أذي، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أبشروا فإن الفرج قريب " (29).
﴿ويذهب غيظ قلوبهم﴾ لما لقوا منهم من المكروه، وقد أنجز الله هذه المواعيد كلها لهم، فكان ذلك دليلا على صحة نبوة نبيه (عليه السلام) ﴿ويتوب الله على من يشاء﴾ استئناف كلام، وفيه إخبار بأن بعض أهل مكة سيتوب عن كفره، وقد كان ذلك - أيضا - فقد أسلم كثير منهم ﴿والله عليم﴾ يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان ﴿حكيم﴾ لا يفعل إلا ما فيه الحكمة.
﴿أم﴾ منقطعة وفي الهمزة معنى التوبيخ، يعني: أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يميز المخلصون منكم وهم (30) المجاهدون في سبيل الله لوجه الله ﴿ولم يتخذوا... وليجة﴾ أي: بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم، و ﴿لما﴾ معناها التوقع، ودلت على أن تميز ذلك وإيضاحه متوقع، وقوله: ﴿ولم يتخذوا﴾ عطف على ﴿جهدوا﴾ فهو داخل - أيضا - في الصلة، فكأنه قيل: ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون الله، والوليجة: فعيلة من ولج، كالدخيلة من دخل، والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كما يقال: ما علم الله ما قيل في فلان أي: ما وجد ذلك منه.
﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعملهم وفي النار هم خالدون (17) إنما يعمر مسجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين (18)﴾
﴿ما﴾ صح ﴿للمشركين﴾ وما استقام لهم ﴿أن يعمروا مسجد الله﴾ يعني: عمارة المسجد الحرام، وإنما جمع لأن كل موضع منه مسجد، أو لأنه قبلة المساجد كلها فعامره كعامر جميع المساجد، أو أريد جنس المساجد فيدخل فيه ما هو صدرها ومقدمها، وقرئ: " مسجد الله " (31)، ﴿شاهدين﴾ حال من الواو في ﴿يعمروا﴾، ومعنى شهادتهم ﴿على أنفسهم بالكفر﴾: ظهور كفرهم، وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت وطافوا حول البيت عراة، وكلما طافوا شوطا سجدوا لها، وقيل: هو قولهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريك هولك، تملكه وما ملك (32).
وروي: أن المهاجرين والأنصار عيروا أسارى بدر، ووبخ علي العباس بقتال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقطيعة الرحم، فقال العباس: تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا؟فقالوا: أولكم محاسن؟قالوا: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني (33)، فنزلت (34).
﴿أولئك حبطت أعملهم﴾ التي هي العمارة والسقاية والحجابة وفك العناة.
﴿إنما يعمر﴾ أي: إنما يستقيم عمارة هؤلاء، والعمارة تتناول: بناها ورم ما استرم منها، وكنسها وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح، وزيارتها للعبادة والذكر - ومن الذكر درس العلم بل هو أفضله وأجله - وصيانتها من فضول الكلام.
وفي الحديث: " يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد يقعدون فيها حلقا، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة " (35).
﴿ولم يخش إلا الله﴾ يعني: الخشية والتقوى في أبواب الدين، وأن لا يختار على رضاء الله رضاء غيره.
﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين (19) الذين آمنوا وهاجروا وجهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون (20) يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوا ن وجنت لهم فيها نعيم مقيم (21) خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم (22)﴾ التقدير: ﴿أجعلتم﴾ أهل ﴿سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله﴾ ويعضده قراءة من قرأ: " سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام " (36)، وهو إنكار تشبيه المشركين بالمسلمين، وتشبيه أعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة وأن يسوى بينهم، وجعلت تسويتهم ظلما بعد ظلمهم بالكفر، أي: هم ﴿أعظم درجة عند الله﴾ من غيرهم من المؤمنين الذين لم يفعلوا هذه الأشياء ﴿وأولئك هم الفائزون﴾ المختصون بالفوز، ونكر المبشر به من الرحمة والرضوان والنعيم المقيم، لوقوع ذلك وراء صفة الواصف وتعريف المعرف.
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون (23) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموا ل اقترفتموها وتجرة تخشون كسادها ومسكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين (24)﴾ لما أمر المؤمنون بالهجرة وأرادوا أن يهاجروا، فمنهم من تعلقت به زوجته، ومنهم من تعلق به أبواه وأولاده، فكانوا يمنعونهم من الهجرة فيتركونها لأجلهم، فبين سبحانه أن أمر الدين مقدم على النسب، وإذا وجب قطع قرابة الوالدين والولد فالأجنبي أولى ﴿إن استحبوا الكفر﴾ أي: اختاروه ﴿على الإيمان﴾.
وفي الحديث: " لا يجد أحدكم طعم الايمان حتى يحب في الله ويبغض في الله " (37).
وقرئ: ﴿عشيرتكم﴾ على الواحد (38)، ﴿فتربصوا حتى يأتي الله بأمره﴾ وعيد، عن الحسن: بعقوبة عاجلة أو آجلة (39)، وهذه آية شديدة كلف المؤمن فيها أن يتجرد من الآباء والأبناء والعشائر وجميع حظوظ الدنيا لأجل الدين.
اللهم وفقنا لما يوافق رضاك حتى نحب فيك الأبعدين ونبغض فيك الأقربين.
﴿لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (25) ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين (26) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم (27)﴾
﴿مواطن﴾ الحرب: مقاماتها ومواقفها، و ﴿حنين﴾: واد بين مكة والطائف، كانت فيه الوقعة بين المسلمين وهم اثنا عشر ألفا منهم عشرة آلاف حضروا فتح مكة وقد انضم إليها من الطلقاء ألفان، وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف في من انضوى إليهم من أمداد (40) العرب، فلما التقوا قال رجل من المسلمين: لن نغلب اليوم من قلة، فساءت مقالته رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقيل: إن قائلها أبو بكر (41) وذلك قوله: ﴿أعجبتكم كثرتكم﴾ فاقتتلوا قتالا شديدا، وأدركت المسلمين كلمة الإعجاب بالكثرة فانهزموا حتى بلغ فلهم (42) مكة، وبقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مركزه لا يتحلحل (43)، وبقي علي (عليه السلام) ومعه الراية يقاتلهم والعباس بن عبد المطلب آخذ بلجام بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (44) عن يساره في تسعة من بني هاشم وعاشرهم أيمن بن أم أيمن (45)، وقتل يومئذ، وقال (عليه السلام) للعباس - وكان صيتا -: صح بالناس، فنادى: يا معشر المهاجرين والأنصار، يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، إلى أين تفرون؟هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكروا وهم يقولون: لبيك لبيك، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق، فنظر رسول الله إلى قتال المسلمين فقال: الآن حمي الوطيس، أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، ونزل النصر من عند الله وانهزمت هوازن (46).
قوله: ﴿بما رحبت﴾: ﴿ما﴾ مصدرية، والباء بمعنى " مع "، أي: مع رحبها، والجار والمجرور في موضع الحال، والمعنى: لا تجدون موضعا تستصلحونه لهربكم إليه لفرط رعبكم، فكأنها ضاقت عليكم ﴿ثم وليتم مدبرين﴾ ثم انهزمتم.
﴿ثم أنزل الله سكينته﴾ رحمته التي سكنوا بها ﴿على رسوله وعلى المؤمنين﴾ الذين ثبتوا معه ﴿وعذب الذين كفروا﴾ بالقتل والأسر وسبي النساء والذراري وسلب الأموال.
﴿ثم يتوب الله﴾ أي: يسلم من بعد ذلك ناس منهم، وقيل: إنه سبي يومئذ ستة آلاف نفس، وأخذ من الإبل والبقر ما لا يحصى (47).
﴿يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم (28)﴾ " النجس " مصدر، ومعناه: ذو نجس، لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة في وصفهم بها، وعن ابن عباس: أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير (48)، وعن الحسن: من صافح مشركا توضأ (49).
وعن الصادقين (عليهما السلام): " من صافح الكافر ويده رطبة غسل يده، وإلا مسحها بالحائط " (50).
﴿فلا يقربوا المسجد الحرام﴾ فلا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون في الجاهلية ﴿بعد﴾ حج ﴿عامهم هذا﴾ وهو عام تسع من الهجرة ﴿وإن خفتم عيلة﴾ أي: فقرا بسبب منع المشركين من الحج وما كان لكم في قدومهم عليكم من الإرفاق والمكاسب ﴿فسوف يغنيكم الله من فضله﴾ من عطائه وتفضله على وجه آخر، فأسلم أهل جدة وصنعاء وجرش (51) وتبالة (52) فحملوا الطعام إلى مكة فكان ذلك أعود عليهم، وأرسل السماء عليهم مدرارا أكثر بها خيرهم.
﴿قتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (29)﴾ عن ابن عباس: ألقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال: من أين تأكلون؟فأمرهم الله تعالى بقتال أهل الكتاب، وأغناهم بالجزية وبفتح البلاد والغنائم (53) ﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ بيان ل? ﴿الذين﴾ مع ما في حيزه، نفي عن اليهود والنصارى الإيمان بالله، لأنهم أضافوا إليه مالا يليق به، ونفي عنهم الإيمان ﴿باليوم الاخر﴾ لأنهم في ذلك على خلاف ما ينبغي، ونفي عنهم تحريم ﴿ما حرم الله ورسوله﴾ لأنهم لا يحرمون ما حرم في الكتاب والسنة.
وسميت الجزية جزية لأنها قطعة مما على أهل الذمة أن يجزوه أي يقضوه ﴿عن يد﴾: إما أن يراد يد المعطي، أو يد الاخذ، فمعناه على الأول: ﴿حتى يعطو﴾ ها عن يد مؤاتية غير ممتنعة، كما يقال: أعطى بيده: إذا أصحب وانقاد، أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقدا غير نسيئة ولا مبعوثا على يد أحد.
ومعناه على إرادة يد الآخذ: حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية أو عن إنعام عليهم ﴿وهم صاغرون﴾ أي: تؤخذ منهم الجزية على الصغار والذل، وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب، ويسلمها وهو قائم والآخذ جالس، وأن يؤخذ بتلبيبه (54) ويقال له: أدها.
﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها وا حدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون (31) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (32) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)﴾
﴿عزير ابن الله﴾ مبتدأ وخبر، وهو اسم أعجمي، ولعجمته وتعريفه امتنع من الصرف، ومن نونه جعله عربيا، وإنما قال ذلك جماعة من اليهود ولم يقله كلهم ﴿ذلك قولهم بأفواههم﴾ معناه: أنهم اخترعوه بأفواههم ولم يأتهم به كتاب، ومالهم به حجة ﴿يضاهئون قول الذين كفروا﴾ أي: يضاهي قولهم قولهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والمعنى: أن الذين كانوا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم، يريد أنه كفر قديم فيهم، أو: يضاهي قولهم قول المشركين: " إن الملائكة بنات الله "، وقرئ: ﴿يضاهئون﴾ بالهمزة من قولهم: امرأة ضهيأ على فعيل، وهي التي ضاهأت الرجال في أنها لا تحيض ﴿قتلهم الله﴾ أي: لعنهم ﴿أنى يؤفكون﴾ كيف يصرفون عن الحق.
﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا﴾ بأن أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما حلله، كما يطاع الأرباب في أوامرهم ﴿والمسيح ابن مريم﴾ أهلوه للعبادة حين جعلوه ابنا لله ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا إلها وا حدا﴾ أمرتهم بذلك أدلة العقل والنصوص في التوراة والإنجيل ﴿سبحانه﴾ تنزيه له عن الاشراك واستبعاد له.
﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم﴾ مثل سبحانه حالهم في طلبهم إبطال نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) بتكذيبه بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم، يريد الله أن يبلغه الغاية القصوى من الإضاءة والإنارة ليطفئه بنفخه ﴿ليظهره﴾ أي: ليظهر الرسول على أهل الأديان كلهم، أو ليظهر دين الحق على كل دين، وقد أجرى " أبى " مجرى لم يرد، ولذلك قابل ﴿يريدون أن يطفئوا﴾ بقوله: ﴿ويأبى الله﴾ فكأنه قال: ولا يريد الله إلا أن يتم نوره.
﴿يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموا ل الناس بالبطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35)﴾ أكل المال ﴿بالباطل﴾: عبارة عن أخذه وتناوله من الجهة التي يحرم منها أخذه، والمعنى: أنهم كانوا يأخذون الرشا في الاحكام وفي تخفيف الشرائع عن عوامهم ﴿والذين يكنزون﴾ يحتمل أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان، ويحتمل أن يكون المراد به المسلمين الكانزين غير المنفقين، قرن بينهم وبين المرتشين من اليهود والنصارى، وعنى بترك الإنفاق في سبيل الله: منع الزكاة.
وفي الحديث: " ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان باطنا، وما بلغ أن يزكى فلم يزك فهو كنز وإن كان ظاهرا " (55).
﴿ولا ينفقونها﴾ الضمير يرجع إلى المعنى، لأن كل واحد من الذهب والفضة جملة وافية: دنانير ودراهم، فهو كقوله: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾ (56) وقيل: معناه: ولا ينفقونها والذهب (57)، كما أن معنى قوله: فإني وقيار بها لغريب (58) وقيار كذلك، وإنما خص الذهب والفضة من بين الأموال بالذكر لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء، ولا يكنزهما إلا من فضلا عن حاجته.
﴿يوم يحمى عليها في نار جهنم﴾ أي: يوقد على الكنوز أو على الذهب والفضة حتى تصير نارا ﴿فتكوى بها﴾ أي: بتلك الكنوز المحماة ﴿جباههم وجنوبهم وظهورهم﴾ خصت هذه الأعضاء لأنهم لم يطلبوا بترك الإنفاق إلا الأغراض الدنيوية: من وجاهة عند الناس وأن يكون ماء وجوههم مصونا، ومن أكل الطيبات يتضلعون منها فينفخون جنوبهم، ومن لبس ثياب ناعمة يطرحونها على ظهورهم، وقيل: لأنهم كانوا يعبسون وجوههم للفقير ويولونه جنوبهم في المجالس وظهورهم (59) ﴿هذا ما كنزتم﴾ على إرادة القول ﴿لأنفسكم﴾ لانتفاع أنفسكم ﴿فذوقوا﴾ وبال الذي ﴿كنتم تكنزون?﴾ - ه، أو وبال كونكم كانزين.
﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقتلوا المشركين كآفة كما يقتلونكم كآفة واعلموا أن الله مع المتقين (36)﴾
﴿في كتب الله﴾ أي: في اللوح المحفوظ، أو في القرآن، أو فيما أثبته من حكمه ورآه حكمة وصوابا ﴿منها أربعة حرم﴾ ثلاثة سرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وواحد فرد وهو رجب، ومنه قوله صلوات الله عليه في خطبته في حجة الوداع: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة: اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم " (60).
والمعنى: رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه، وعاد الحج في ذي الحجة، وبطل النسئ الذي كان في الجاهلية ﴿ذلك الدين القيم﴾ يعني: أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم: دين إبراهيم وإسماعيل، وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منهما، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم، ويحرمون القتال فيها، حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه (61) لم يهجه، وسموا رجبا: الأصم (62) ومنصل الأسنة (63) حتى أحدثوا النسئ فغيروا، وقيل: ذلك الحساب القيم لا ما أحدثوه من النسئ (64) ﴿فلا تظلموا فيهن أنفسكم﴾ بأن تجعلوا حرامها حلالا ﴿كآفة﴾ حال من الفاعل أو المفعول ﴿مع المتقين﴾ أي: ناصرهم، حثهم على التقوى بضمان النصرة لأهلها.
﴿إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعملهم والله لا يهدي القوم الكافرين (37)﴾
﴿النسئ﴾ تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر، وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة، فكانوا يحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر، وذلك قوله: ﴿ليواطوا عدة ما حرم الله﴾ أي: ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها، وقد خالفوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم، وربما زادوا في عدة الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر شهرا ليتسع لهم الوقت، ولذلك قال: ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا﴾ يعني: من غير زيادة زادوها، والضمير في ﴿يحلونه﴾ و ﴿يحرمونه﴾ ل? ﴿النسئ﴾ أي: إذا أحلوا شهرا من الأشهر الحرم ﴿عاما﴾ رجعوا فحرموه في العام القابل، وقرئ: ﴿يضل﴾ على البناء للمفعول، وقرئ: " يضل " (65) على أن الفعل لله تعالى، " ويضل " قراءة الأكثرين (66)، وقرئ: " النسي " بالتشديد (67)، وهو تخفيف الهمزة في " النسئ "، وعن الصادق (عليه السلام): " النسي " (68) على وزن الهدي، وهو على إبدال الياء من الهمزة، وهو مصدر نسأه: إذا أخره، يقال: نسأه نسئا ونسيئا نحو مسه مسا ومسيسا ﴿فيحلوا ما حرم الله﴾ معناه: فيحلوا بمواطأة العدة وحدها ﴿ما حرم الله﴾ من القتال ﴿زين لهم سوء أعملهم﴾ خذلهم الله فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة ﴿والله لا يهدي﴾ أي: لا يلطف بهم بل يخذلهم.
﴿يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل (38) إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير (39)﴾ أصله: تثاقلتم، فأدغمت التاء في الثاء ثم أدخلت همزة الوصل، أي: تباطأتم، وضمن معنى الميل فعدي ب? " إلى "، والمعنى: ملتم إلى الدنيا ولذاتها، وكرهتم مشاق السفر، ونحوه: ﴿أخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾ (69)، وقيل: ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم (70)، وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف، استنفروا في وقت قحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق ذلك عليهم، وقيل: إنه صلوات الله عليه ما خرج في غزوة إلا ورى عنها بغيرها إلا في غزوة تبوك، ليستعد الناس تمام العدة (71).
﴿من الآخرة﴾ بدل الآخرة، ونحوه: ﴿لجعلنا منكم ملائكة﴾ (72)، ﴿فما متع الحياة الدنيا في﴾ جنب ﴿الآخرة إلا قليل﴾.
﴿إلا تنفروا﴾ سخط عظيم على المتثاقلين، حيث هددهم بعذاب عظيم مطلق يتناول عذاب الدارين، وأنه يهلكهم ﴿ويستبدل﴾ بهم ﴿قوما﴾ آخرين خيرا منهم وأطوع، وأنه غني عنهم في نصرة دينه، لا يؤثر تثاقلهم فيها ﴿شيئا﴾، وقيل: الضمير للنبي (صلى الله عليه وآله) (73)، أي: ﴿لا تضروه شيئا﴾ لان الله وعد أن يعصمه من الناس ولا يخذله بل ينصره، ووعد الله كائن لا محالة.
﴿إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم (40)﴾ أي: إن تركتم نصرته فإن الله قد أوجب له النصرة، وجعله منصورا حين لم يكن معه إلا رجل واحد، فلن يخذله من بعد ﴿إذ أخرجه الذين كفروا﴾ أسند الإخراج إلى الكفار كما في قوله: ﴿من قريتك التي أخرجتك﴾ (74)، لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج عنهم، فكأنهم أخرجوه ﴿ثاني اثنين﴾ أحد اثنين كقوله: ﴿ثالث ثلاثة﴾ (75)، وهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر، وانتصابه على الحال، و ﴿إذ هما﴾ بدل من ﴿إذ أخرجه﴾، و ﴿إذ يقول﴾ بدل ثان، و ﴿الغار﴾: الثقب العظيم في الجبل، وهو هاهنا غار ثور، جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة ﴿لا تحزن﴾ أي: لا تخف ﴿إن الله معنا﴾ مطلع علينا وعالم بحالنا يحفظنا وينصرنا، ولما دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله، والعنكبوت فنسجت عليه، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اللهم أعم أبصارهم "، فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون، أخذ الله بأبصارهم عنه ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ قرأ الصادق (عليه السلام): " على رسوله " (76)، وسكينته: ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن إليها، وأيقن أنهم لا يصلون إليه، والجنود: الملائكة يوم بدر والأحزاب وحنين أو ذلك اليوم صرفوا وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه، و ﴿كلمة الذين كفروا﴾ دعوتهم إلى الكفر ﴿وكلمة الله﴾ دعوته إلى الإسلام، وقرئ: " وكلمة الله " بالنصب (77)، و ﴿هي﴾ فصل، وفيها تأكيد فضل كلمة الله في العلو، وأنها المختصة به دون سائر الكلم.
﴿انفروا خفافا وثقالا وجهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذا لكم خير لكم إن كنتم تعلمون (41) لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون (42) عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكذبين (43)﴾
﴿خفافا﴾ في النفور لنشاطكم له ﴿وثقالا﴾ عنه لمشقته عليكم، أو ﴿خفافا﴾ من السلاح ﴿وثقالا﴾ منه، أو ﴿خفافا﴾ لقلة عيالكم ﴿وثقالا﴾ لكثرته، أو ركبانا ومشاة، أو شبابا وشيوخا، أو صحاحا ومراضا.
عن ابن عباس: نسخت بقوله: ﴿ليس على الضعفاء ولا على المرضى﴾ (78) (79)، ﴿وجهدوا بأموالكم وأنفسكم﴾ إيجاب للجهاد بهما إن أمكن، أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة.
والعرض: ما عرض لك من منافع الدنيا، والمعنى: ﴿لو كان﴾ ما دعوا إليه غنما ﴿قريبا وسفرا قاصدا﴾ أي: وسطا مقاربا ﴿لاتبعوك﴾، و ﴿الشقة﴾: المسافة الشاقة، وسيحلف المتخلفون عند رجوعك من غزوة تبوك ﴿بالله﴾ يقولون: ﴿لو استطعنا﴾، وقوله: ﴿لخرجنا﴾ سد مسد جواب ﴿لو﴾ وجواب القسم جميعا، والإخبار بما سوف يكون بعد قفوله من خلفهم (80) واعتذارهم، وقد كان من جملة المعجزات، والمراد ب? ﴿لو استطعنا﴾: استطاعة العدة، أو استطاعة الأبدان كأنهم تمارضوا ﴿يهلكون أنفسهم﴾ بدل من ﴿سيحلفون﴾، أو حال بمعنى: مهلكين، أي: يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب.
﴿عفا الله عنك﴾ هذا من لطيف المعاتبة، بدأه بالعفو قبل العتاب، ويجوز العتاب من الله فيما غيره منه أولى، لا سيما للأنبياء، ولا يصح ما قاله جار الله: إن ﴿عفا الله عنك﴾ كناية عن الجناية (81)، حاشا سيد الأنبياء وخير بني حواء من أن ينسب إليه جناية (82).
﴿لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين (44) إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون (45) ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين (46) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمعون لهم والله عليم بالظالمين (47) لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون (48)﴾ أي: ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في ﴿أن يجهدوا﴾، أو كراهة أن يجاهدوا.
﴿إنما يستأذنك﴾ المنافقون ﴿يترددون﴾ عبارة عن التحير، لأن التردد صفة المتحير كما أن الثبات صفة المستبصر.
﴿ولكن كره الله انبعاثهم﴾ خروجهم إلى الغزو لعلمه بأنهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة من المسلمين ﴿فثبطهم﴾ أي: بطأ بهم وكسلهم وخذلهم لما علم منهم من الفساد، وإنما وقع الاستدراك ب? ﴿لكن﴾ لأن قوله: ﴿ولو أرادوا الخروج﴾ يعطي معنى النفي، فكأنه قيل: لم يخرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج، لأن الله كره انبعاثهم فضعف رغبتهم في الانبعاث ﴿وقيل اقعدوا مع﴾ النساء والصبيان، وهو إذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم في القعود، وفي هذا دلالة على أن إذنه (عليه السلام) لهم غير قبيح وإن كان الأولى أن لا يأذن ليظهر للناس نفاقهم.
ثم بين سبحانه وجه الحكمة في تثبيطهم عن الخروج فقال: ﴿لو خرجوا فيكم﴾ أي: لو خرج هؤلاء معكم إلى الجهاد ﴿ما زادوكم﴾ بخروجهم ﴿إلا خبالا﴾ أي: فسادا وشرا، وتقديره: ما زادوكم شيئا إلا خبالا ﴿ولأوضعوا خلالكم﴾ أي: ولسعوا بينكم بالتضريب (83) والنمائم وإفساد ذات البين، يقال: وضع البعير وضعا: إذا أسرع، وأوضعته أنا، والمعنى: ولأوضعوا ركائبهم بينكم، والمراد: الإسراع بالفساد، لأن الراكب أسرع من الماشي ﴿يبغونكم الفتنة﴾ أي: يحاولون (84) أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم، ويفسدوا نياتكم في غزواتكم ﴿وفيكم سمعون لهم﴾ أي: عيون نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم، أو: فيكم قوم يسمعون قول المنافقين ويقبلونه ويطيعونهم، يريد من كان ضعيف الإيمان من جملة المسلمين ﴿والله عليم بالظالمين﴾ المصرين على الفساد.
﴿لقد ابتغوا الفتنة من قبل﴾ الفتنة: اسم يقع على كل شر وفساد، أي: نصبوا لك الغوائل وسعوا في تشتيت شملك، وعن سعيد بن جبير: وقفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك على الثنية (85) ليلة العقبة ليفتكوا به وهم اثنا عشر رجلا ﴿وقلبوا لك الأمور﴾ أي: ودبروا لك الحيل والمكائد، واحتالوا في إبطال أمرك ﴿حتى جاء الحق﴾ وهو تأييدك ونصرتك ﴿وظهر أمر الله﴾ وغلب دينه وعلا أهله ﴿وهم كارهون﴾ في موضع الحال.
﴿ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين (49) إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون (50) قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون (51) قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون (52)﴾ ومن هؤلاء المنافقين ﴿من يقول ائذن لي﴾ في القعود عن الجهاد ﴿ولا تفتني﴾ ولا توقعني في الفتنة وهي الإثم بأن لا تأذن لي، فإني إن تخلفت بغير إذنك أثمت، وقيل: هو الجد بن قيس (86)، قال: قد علمت الأنصار أني مستهتر بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر، يعني: نساء الروم، ولكني أعينك بمال فاتركني (87) ﴿ألا في الفتنة سقطوا﴾ أي: إن الفتنة هي التي سقطوا فيها، وهي فتنة التخلف ﴿وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ أي: بهم يوم القيامة، أو محيطة بهم الآن، لأن أسباب إحاطتها بهم معهم، فكأنهم في وسطها.
﴿إن تصبك﴾ في بعض غزواتك ﴿حسنة﴾ أي: ظفر وغنم ونعمة من الله ﴿تسؤهم وإن تصبك مصيبة﴾ شدة وبلية ونكبة، نحو ما كان يوم أحد ﴿يقولوا قد أخذنا أمرنا﴾ الذي نحن متسمون به من الحذر والعمل بالحزم ﴿من قبل﴾ ما وقع هذا البلاء، وتولوا عن مقام التحدث بذلك والاجتماع له ﴿وهم فرحون﴾ مسرورون.
وقرأ عبد الله: " هل يصيبنا " (88)، واللام في قوله: ﴿ما كتب الله لنا﴾ للاختصاص، أي: ﴿لن يصيبنا إلا ما﴾ اختصنا الله بإثباته وإيجابه: من النصرة أو الشهادة، و ﴿هو مولينا﴾ يتولانا ونتولاه ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ أي: وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله تعالى فليفعلوا ما هو حقهم.
﴿قل هل تربصون بنا﴾ هل تتوقعون ﴿إلا إحدى الحسنيين﴾ أي: إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما هي حسنى العواقب، وهما: النصرة والشهادة ﴿ونحن نتربص بكم﴾ إحدى السوأتين من العواقب، وإنهما: ﴿أن يصيبكم الله بعذاب من عنده﴾ أي: من السماء كما نزل على عاد وثمود ﴿أو﴾ بعذاب ﴿بأيدينا﴾ وهو القتل على الكفر ﴿فتربصوا﴾ بنا ما ذكرنا من عواقبنا ﴿إنا معكم متربصون﴾ فلابد أن يلقى كلنا ما يتربصه لا يتجاوزه.
﴿قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين (53) وما منعهم أن تقبل منهم نفقتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون (54) فلا تعجبك أموا لهم ولا أولدهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (55)﴾
﴿طوعا أو كرها﴾ حال، أي: طائعين أو مكرهين، وهو أمر في معنى الخبر، والمعنى: ﴿لن يتقبل منكم﴾ ما أنفقتم طوعا أو كرها، ونحوه قوله: ﴿استغفر لهم أولا تستغفر لهم﴾ (89) وقول كثير (90): أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت (91) أي: لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أو لم تستغفر لهم، ولا نلومك أسأت إلينا أو أحسنت، وإنما يجوز هذا إذا دل الكلام عليه، كما جاز عكسه في قولك: رحم الله زيدا، أو الله غفر له ﴿إنكم كنتم قوما فاسقين﴾ تعليل لرد إنفاقهم.
﴿أنهم كفروا﴾ فاعل " منع "، أي: لم يمنع المنافقين قبول نفقاتهم إلا كفرهم ﴿بالله وبرسوله﴾، وقرئ: ﴿تقبل﴾ بالتاء والياء (92)، والإعجاب بالشئ أن تسر به سرور راض به متعجب من حسنه، والمعنى: فلا تستحسن ما أوتوا من زينة الدنيا، فإن الله أعطاهم ذلك للعذاب، بأن عرضه للغنائم والسبي وبلاهم فيه بالآفات والمصائب، وكلفهم الإنفاق منه في أبواب الخير ﴿وهم كارهون﴾ على رغم أنوفهم، وأذاقهم أنواع الكلف في جمع الأموال وتربية الأولاد.
وقوله: ﴿وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾ مثل قوله: ﴿إنما نملي لهم ليزدادوا إثما﴾ (93) ومعناه: الاستدراج بالنعم، أي: و ﴿يريد﴾ أن يديم عليهم نعمته إلى أن يموتوا ﴿وهم كافرون﴾ مشتغلون بالتمتع عن النظر للعاقبة.
﴿ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون (56) لو يجدون ملجا أو مغرا ت أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون (57) ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون (58) ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون (59)﴾
﴿لمنكم﴾ أي: من جملة المسلمين ﴿يفرقون﴾ يخافون القتل والأسر فيتظاهرون بالإسلام تقية.
﴿لو يجدون﴾ مكانا يلجؤون إليه متحصنين به من رأس جبل أو قلعة ﴿أو مغرا ت﴾ أي: غيرانا ﴿أو مدخلا﴾ وهو: مفتعل من الدخول، وأصله: " مدتخلا " يبدل التاء بعد الدال دالا، وقرئ: " مدخلا " (94) أي: موضع دخول يأوون إليه ونفقا ينجحرون فيه ﴿لولوا إليه وهم يجمحون﴾ يسرعون إسراعا لا يردهم شئ، من الفرس الجموح.
﴿ومنهم من يلمزك﴾ أي: يعيبك ﴿في﴾ قسمة ﴿الصدقات﴾ ويطعن عليك، ثم وصفهم بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدين، و ﴿إذا﴾ للمفاجأة، أي: ف? ﴿- إن لم يعطوا منها﴾ فاجأوا السخط.
﴿ولو أنهم رضوا﴾ جواب ﴿لو﴾ محذوف، تقديره: ولو أنهم رضوا ﴿ما﴾ أعطاهم ﴿الله ورسوله﴾ من الغنيمة والصدقة وطابت به نفوسهم ﴿وقالوا﴾ مع ذلك: ﴿حسبنا الله﴾ سيعطينا ﴿الله من فضله﴾ وإنعامه ﴿ورسوله إنا إلى الله﴾ في أن يوسع علينا من فضله ل? ﴿راغبون﴾ لكان خيرا لهم.
﴿إنما الصدقات للفقراء والمسكين والعملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم (60)﴾
﴿إنما﴾ لقصر ﴿الصدقات﴾ على هذه الأصناف الثمانية، وأنها مختصة بها لا تتجاوزها إلى غيرها، ونحوه: إنما السخاء لحاتم، أي: ليس لغيره، ويحتمل أن تصرف إلى بعضها، وعن حذيفة وابن عباس وغيرهما من الصحابة أنهم قالوا: في أي صنف منها وضعتها أجزأك (95)، وهو مذهبنا (96)، و " الفقراء " هم: المتعففون الذين لا يسألون ﴿والمسكين﴾ الذين يسألون، وقيل بالعكس (97)، والأول أصح، وقيل: الفقير: الذي لا شئ له، والمسكين: الذي له بلغة من العيش لا تكفيه (98)، وقيل بالعكس (99)، ﴿والعملين عليها﴾ هم السعاة الذين يقبضونها ﴿والمؤلفة قلوبهم﴾ أشراف من العرب كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألفهم على أن يسلموا فيرضخ (100) لهم شيئا منها حين كان في المسلمين قلة، و ﴿الرقاب﴾ المكاتبون يعانون منها في فك رقابهم من الرق، والعبيد إذا كانوا في شدة يشترون ويعتقون ويكون ولاؤهم لأرباب الزكاة ﴿والغارمين﴾ وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف ﴿وفي سبيل الله﴾ وهو الجهاد وجميع مصالح المسلمين ﴿وابن السبيل﴾ وهو المسافر المنقطع به عن ماله فهو فقير حيث هو، غني حيث ماله ﴿فريضة﴾ في معنى المصدر المؤكد، لأن قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ معناه: فرض الله الصدقات لهم، وإنما عدل عن " اللام " إلى " في " في الأربعة الأخيرة ليدل على أنهم أحق بأن توضع فيهم الصدقات ممن سبق ذكره، لأن " في " للوعاء.
وإنما وقعت الآية في أثناء ذكر المنافقين لتدل بكون هذه الأصناف مصارف الصدقات خاصة، على أن أهل النفاق ليسوا من مستحقيها، وأنهم بعداء من مصارفها، فما لهم وللتكلم فيها ولمن قاسمها ؟! ﴿ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم (61) يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين (62) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خلدا فيها ذلك الخزي العظيم (63)﴾ الأذن: الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد، سمي بالعضو الذي هو آلة السماع، كأن جملته أذن سامعة كما سموا الربيئة (101) بالعين، و ﴿أذن خير﴾ كقولك: رجل صدق، تريد الجودة والصلاح، كأنه سبحانه قال: ﴿قل﴾ نعم هو أذن ولكن نعم الأذن، أو يريد: هو أذن في الخير وفيما يجب سماعه، وليس بأذن في غير ذلك، ويدل عليه قراءة حمزة: " ورحمة " (102) بالجر عطفا عليه، أي: هو أذن خير لكم ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله.
ثم فسر كونه أذن خير بأنه يصدق ﴿بالله﴾ ويقبل من ﴿المؤمنين﴾ ويصدقهم فيما يخبرونه به، ولهذا عدي الأول بالباء والثاني باللام، كما في قوله: ﴿وما أنت بمؤمن لنا﴾ (103)، ﴿و﴾ هو ﴿رحمة﴾ لمن آمن ﴿منكم﴾ أي: أظهر الإيمان أيها المنافقون، حيث يسمع منكم ويقبل إيمانكم ولا يفضحكم مراعاة لما رأى الله سبحانه من المصلحة في الإبقاء عليكم، فهو أذن كما قلتم إلا أنه أذن خير لكم لا أذن سوء، فسلم لهم قولهم فيه، إلا أنه فسر بما هو مدح له وإن كانوا قصدوا به المذمة، وأنه من أهل سلامة القلب.
وروي: أن جماعة ذموه وبلغه ذلك، فقال بعضهم: لا عليكم، فإنما هو أذن سامعة، يسمع كلام المبلغ ونحن نأتيه فنعتذر إليه فيسمع عذرنا أيضا (104).
وقرئ: " أذن خير لكم " (105) وهو خبر مبتدأ محذوف، و " خير " مثله، أي: هو أذن، هو خير لكم، يعني: إن كان كما تقولون فهو خير لكم، لأنه يقبل عذركم ولا يكافئكم على سوء دخلتكم (106).
﴿يحلفون بالله لكم ليرضوكم﴾ الخطاب للمسلمين، وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويحلفون ليرضوا عنهم، فقيل لهم: ﴿إن﴾ كنتم ﴿مؤمنين﴾ كما تزعمون فأحق من أرضيتم ﴿الله ورسوله﴾ بالطاعة والموافقة، وإنما وحد الضمير لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورسوله، فهما في حكم مرضى واحد، أو: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك.
المحادة: مفاعلة من الحد، أي: المنع ﴿فأن له﴾ أي: فحق أن له ﴿نار جهنم﴾، ويجوز أن يكون ﴿فأن له﴾ معطوفا على ﴿أنه﴾ على أن جواب ﴿من﴾ محذوف، والتقدير: ﴿ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله﴾ يهلك ﴿فأن له نار جهنم﴾.
﴿يحذر المنفقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون (64) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين (66)﴾ كانوا يستهزئون بالإسلام وأهله وكانوا يحذرون أن يفضحهم الله بالوحي فيهم، والضمير في ﴿عليهم﴾ و ﴿تنبئهم﴾ للمؤمنين، وفي ﴿قلوبهم﴾ للمنافقين، وصح ذلك لأن المعنى يقود إليه، ويجوز أن يكون الضمير في الكل للمنافقين لأن السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم، والمعنى: أنها تذيع أسرارهم فكأنها تخبرهم بها، وقيل: معناه ليحذر ﴿المنفقون﴾ على الأمر (107)، ﴿قل استهزءوا﴾ وعيد بلفظ الأمر ﴿إن الله مخرج﴾ أي: مظهر ﴿ما تحذرون﴾ إظهاره من نفاقكم.
وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يسير منصرفه من غزوة تبوك وبين يديه أربعة نفر يسيرون ويضحكون ويقولون: انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه، هيهات هيهات، فأخبره جبرئيل (عليه السلام) بذلك، فقال (صلى الله عليه وآله) لعمار: إن هؤلاء يستهزئون بي وبالقرآن ﴿ولئن سألتهم ليقولن﴾: ﴿كنا﴾ نتحدث بحديث الركب، فاتبعهم عمار وقال لهم: مم تضحكون؟قالوا: كنا نتحدث بحديث الركب، فقال عمار: صدق الله ورسوله احترقتم أحرقكم الله، فأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذرون، فنزلت الآيات (108).
وقيل: نزلت في اثني عشر رجلا وقفوا على العقبة ليفتكوا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال بعضهم لبعض: إن فطن نقول: ﴿إنما كنا نخوض ونلعب﴾ (109).
﴿لا تعتذروا﴾ لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فإنها لا تنفعكم بعد ظهور أسراركم ﴿قد كفرتم﴾ قد أظهرتم كفركم ﴿بعد﴾ إظهاركم الإيمان ﴿إن نعف عن طائفة منكم﴾ بإحداثهم الإيمان بعد النفاق ﴿نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين﴾ مصرين على النفاق، أو: إن نعف عن طائفة منكم لم يؤذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يستهزئوا به نعذب طائفة بأنهم كانوا مؤذين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مستهزئين، وقرئ: " إن يعف عن طائفة يعذب طائفة " على البناء للفاعل (110) وهو الله عز وجل.
﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنفقين هم الفاسقون (67) وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم (68) كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلقهم فاستمتعتم بخلقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعملهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون (69) ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (70)﴾
﴿بعضهم من﴾ جملة ﴿بعض﴾ وبعضهم مضاف إلى بعض وهو تكذيب لهم فيما حلفوا: ﴿إنهم لمنكم﴾ (111)، وتحقيق لقوله: ﴿وما هم منكم﴾ (112)، ثم وصفهم بما يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين بقوله: ﴿يأمرون بالمنكر﴾ وهو الكفر والمعاصي ﴿وينهون عن المعروف﴾ من: الإيمان والطاعات ﴿ويقبضون أيديهم﴾ شحا بالخيرات والصدقات والإنفاق في سبيل الله ﴿نسوا الله﴾ أغفلوا ذكره ﴿فنسيهم﴾ فتركهم عن رحمته وفضله ﴿إن المنفقين هم الفاسقون﴾ هم الكاملون في الفسق الذي هو التمرد في الكفر والانسلاخ عن كل خير.
﴿خالدين فيها﴾ أي: مقدرا لهم الخلود فيها ﴿هي حسبهم﴾ دلالة على عظم عذابها، وأنه لا شئ أبلغ منه، نعوذ بالله منها ﴿ولعنهم الله﴾ أبعدهم من خيره وأهانهم ﴿ولهم عذاب مقيم﴾ سوى الصلي بالنار، دائم كعذاب النار، أو: ﴿عذاب مقيم﴾ معهم في العاجل لا ينفكون منه، وهو ما يقاسونه من تعب النفاق وما يخافونه أبدا من الفضيحة.
ومحل الكاف رفع تقديره: أنتم مثل ﴿الذين من قبلكم﴾، أو نصب تقديره: فعلتم مثل فعل ﴿الذين من قبلكم﴾ وهو أنكم استمتعتم وخضتم كما استمتعوا وخاضوا، وقوله: ﴿كانوا أشد منكم﴾ تفسير لتشبيههم بهم، وتمثيل لفعلهم بفعلهم، والخلاق: النصيب، وهو ما خلق للإنسان أي: قدر، كما قيل: له قسم ونصيب، لأنه قسم له ونصب أي: أثبت ﴿وخضتم﴾ أي: دخلتم في الباطل واللهو ﴿كالذي خاضوا﴾ كالفوج الذي خاضوا، أو كالخوض الذي خاضوا، وعن ابن عباس: هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم، والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه (113).
﴿وأصحب مدين﴾ قوم شعيب ﴿والمؤتفكات﴾ مدائن قوم لوط أهلكها الله بالخسف وقلبها عليهم، من الإفك وهو القلب والصرف ﴿فما كان الله ليظلمهم﴾ فما صح منه أن يظلمهم، لأنه حكيم لا يجوز أن يفعل القبيح ويعاقب بغير جرم ﴿ولكن﴾ ظلموا ﴿أنفسهم﴾ بالكفر فاستحقوا العقاب.
﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم (71) وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومسكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم (72) يا أيها النبي جهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (73)﴾ ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ في مقابلة قوله: ﴿بعضهم من بعض﴾ (114) أي: يلزم كل واحد منهم موالاة بعض ونصرته، وهم يد واحدة على من سواهم ﴿سيرحمهم الله﴾ السين تفيد وجود الرحمة لا محالة وتؤكد الوعد، ونحوه: ﴿سيجعل لهم الرحمن ودا﴾ (115)، و ﴿سوف يؤتيهم أجورهم﴾ (116)، ﴿عزيز﴾ غالب على كل شئ قادر عليه، فهو يقدر على الثواب والعقاب ﴿حكيم﴾ واضع كل شئ موضعه.
﴿ومسكن طيبة﴾ يطيب العيش فيها، بناها الله من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، و ﴿عدن﴾ علم بدليل قوله: ﴿جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب﴾ (117)، ويدل عليه ما رواه أبو الدرداء (118) عن النبي (صلى الله عليه وآله): " عدن: دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها غير ثلاثة: النبيون والصديقون والشهداء، يقول الله عز وجل: طوبى لمن دخلك " (119)، وقيل: هي مدينة في الجنة (120)، ﴿ورضوا ن من الله﴾ أي: وشئ من رضوان الله ﴿أكبر﴾ من ذلك كله، لأن رضاه سبب كل سعادة وموجب كل فوز، وبه ينال تعظيمه وكرامته، والكرامة أكبر أصناف الثواب ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما وعد الله أو إلى الرضوان، أي: ﴿هو الفوز العظيم﴾ وحده دون ما يعده الناس فوزا.
﴿جهد الكفار﴾ بالسيف ﴿والمنفقين﴾ بالحجة.
الصادق (عليه السلام): " جاهد الكفار بالمنافقين " وقال: " هل سمعتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاتل منافقا؟إنما كان يتألفهم " (121).
﴿واغلظ عليهم﴾ ولا تحابهم، وعن الحسن: جهاد المنافقين إقامة الحدود عليهم (122).
﴿يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغنيهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ومالهم في الأرض من ولى ولا نصير (74)﴾ حلفوا ﴿بالله ما قالوا﴾ ما حكي عنهم ﴿ولقد قالوا كلمة الكفر﴾ وأظهروا كفرهم بعد إظهارهم الإسلام ﴿وهموا بما لم ينالوا﴾ وهموا بالفتك برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك عند مرجعه من تبوك، تواثق اثنا عشر رجلا - وقيل: خمسة عشر - على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل، فأخذ عمار بن ياسر بخطام ناقته يقودها، وحذيفة خلفها يسوقها، فبينا هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلاح، فالتفت فإذا قوم متلثمون، فقال: إليكم يا أعداء الله، وضرب وجوه رواحلهم حتى نحاهم، فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لحذيفة: من عرفت منهم؟قال: لم أعرف منهم أحدا، فقال (صلى الله عليه وآله): إنه فلان وفلان، حتى عدهم كلهم، فقال حذيفة: ألا تقتلهم يا رسول الله؟فقال: أكره أن تقول العرب: لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم (123).
وعن الباقر (عليه السلام): " كانت ثمانية منهم من قريش وأربعة من العرب " (124).
﴿وما نقموا﴾ أي: وما أنكروا وما عابوا ﴿إلا أن أغنيهم الله ورسوله من فضله﴾ والمعنى: أنهم جعلوا موضع شكر النعمة كفرانها، وكان الواجب عليهم أن يقابلوها بالشكر.
﴿ومنهم من عهد الله لئن آتينا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (77) ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علم الغيوب (78)﴾ هو ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا، فقال: يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فدعا له، فاتخذ غنما، فنمت كما ينمي الدود حتى ضاقت بها المدينة، فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة، وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) المصدق (125) ليأخذ الصدقة فأبى وبخل، فقال: وما هذه إلا أخت الجزية، فقال: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة.
﴿فأعقبهم﴾ عن الحسن: أن الضمير للبخل (126)، فأورثهم البخل ﴿نفاقا﴾ متمكنا ﴿في قلوبهم﴾ لأنه كان سببا فيه وداعيا إليه، والظاهر أن الضمير لله عز وجل، أي: فخذلهم حتى نافقوا وتمكن النفاق في قلوبهم فلا ينفك عنها حتى يموتوا بسبب إخلافهم ما وعدوا الله من التصدق والصلاح، وبكونهم كاذبين، ومنه جعل خلف الموعد ثلث النفاق.
وعن علي (عليه السلام): ﴿سرهم ونجواهم﴾: " ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه، وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين وتسمية الصدقة جزية " (127).
﴿الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم (79) استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين (80)﴾
﴿الذين يلمزون﴾ في محل النصب أو الرفع على الذم، والمطوع: المتبرع، وأصله: المتطوع، أي: يعيبون المتطوعين بالصدقة ﴿من المؤمنين﴾ ويطعنون عليهم ﴿في الصدقات و﴾ يعيبون ﴿الذين لا يجدون إلا﴾ طاقتهم فيتصدقون بالقليل ﴿فيسخرون منهم﴾ ويستهزئون ﴿سخر الله منهم﴾ هو مثل قوله: ﴿الله يستهزئ بهم﴾ (128) في أنه خبر غير دعاء.
وقوله: ﴿استغفر لهم﴾ أمر في معنى الخبر، والمعنى: لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، وفيه معنى الشرط، و " السبعون " جار في كلامهم مجرى المثل للتكثير (129)، قال علي (عليه السلام): لأصبحن العاص وابن العاصي * سبعين ألفا عاقدي النواصي (130) ﴿فرح المخلفون بمقعدهم خلف رسول الله وكرهوا أن يجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون (81) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون (82) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخلفين (83)﴾
﴿فرح المخلفون﴾ الذين خلفهم النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يخرجهم معه إلى تبوك، لما استأذنوه في التأخر فأذن لهم ﴿بمقعدهم﴾ بقعودهم عن الغزو، و ﴿خلف رسول الله﴾: خلفه، يقال: أقام خلاف الحي أي: بعدهم، وقيل: هو بمعنى المخالفة، لأنهم خالفوه حيث قعدوا ونهض (131)، وانتصب بأنه مفعول له أو حال، أي: قعدوا لمخالفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو مخالفين له ﴿وكرهوا أن يجهدوا بأموالهم وأنفسهم﴾ هو تعريض بالمؤمنين وبتحملهم المشاق العظيمة لوجه الله في بذل أموالهم ونفوسهم ﴿وقالوا﴾ لهم أو قال بعضهم لبعض: لا تخرجوا إلى الغزو ﴿في﴾ هذا ﴿الحر قل نار جهنم أشد حرا﴾ استجهال لهم، فإن من تصون من مشقة ساعة فوقع بذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل.
﴿فليضحكوا قليلا﴾ معناه: فسيضحكون قليلا ويبكون ﴿كثيرا جزاء﴾ إلا أنه أخرج على لفظ الأمر للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره.
وإنما قال: ﴿إلى طائفة منهم﴾ لأن منهم من تاب وندم على التخلف أو اعتذر بعذر صحيح ﴿فاستأذنوك للخروج﴾ إلى غزوة بعد غزوة تبوك ﴿أول مرة﴾ هي الخرجة إلى غزوة تبوك ﴿مع الخلفين﴾ مر تفسيره.
﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84) ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85)﴾
﴿مات﴾ صفة ل? ﴿أحد﴾، وإنما قيل بلفظ الماضي والمعنى على الاستقبال على تقدير الكون والوجود، لأنه كائن موجود لا محالة ﴿إنهم كفروا﴾ تعليل للنهي، وكان (صلى الله عليه وآله) يصلي عليهم ويجريهم على أحكام المسلمين، وكان إذا صلى على ميت وقف على قبره ساعة ويدعو له، فنهي عن الأمرين بسبب كفرهم بالله وموتهم على النفاق.
وأعيد قوله: ﴿ولا تعجبك أموا لهم﴾ لأن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين، ويجوز أن يكون النزولان في فريقين من المنافقين.
﴿وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين (86) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (87) لكن الرسول والذين آمنوا معه جهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون (88) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم (89)﴾ يجوز أن يراد السورة بتمامها، وأن يراد بعضها كما يقع القرآن والكتاب على كله وعلى بعضه ﴿أن آمنوا﴾ هي " أن " المفسرة ﴿أولوا الطول﴾ ذوو الفضل والسعة، من طال عليه طولا ﴿مع القاعدين﴾ الذين لهم عذر في التخلف.
﴿رضوا بأن يكونوا مع الخوالف﴾ وهم النساء والصبيان والمرضى ﴿فهم لا يفقهون﴾ ما في الجهاد من السعادة والفوز، وما في التخلف من الشقاوة.
﴿لكن الرسول﴾ إن تخلف هؤلاء فقد نهض إلى الغزو مع المؤمنين، ونحوه: ﴿فإن يكفر بها هؤلاء﴾ الآية (132) ﴿الخيرات﴾ الجنة ونعيمها، وقيل: منافع الدارين (133).
﴿وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم (90)﴾
﴿المعذرون﴾ المقصرون، من عذر في الأمر: إذا توانى ولم يجد فيه، وحقيقته: أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له، أو: " المعتذرون " بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين، ويجوز في العربية كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها لاتباع الميم ولكن لم يثبت بهما قراءة، وهم: الذين يعتذرون بالباطل، وقرئ: " المعذرون " بالتخفيف (134) وهو الذي يجتهد في العذر ويبالغ فيه ﴿وقعد الذين كذبوا الله ورسوله﴾ في ادعائهم الإيمان، فلم يجيئوا ولم يعتذروا، وعن أبي عمرو بن العلاء (135): كلا الفريقين كان مسيئا: جاء فريق فعذروا وجنح آخرون فقعدوا (136) ﴿سيصيب الذين كفروا منهم﴾ من الأعراب ﴿عذاب أليم﴾ بالقتل في الدنيا وبالنار في الآخرة.
﴿ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم (91) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون (92) إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون (93)﴾
﴿الضعفاء﴾ الزمنى (137) والهرمى، و ﴿الذين لا يجدون﴾ الفقراء، والنصح ﴿لله ورسوله﴾: الإيمان والطاعة في السر والعلانية ﴿ما على المحسنين﴾ أي: المعذورين الناصحين ﴿من سبيل﴾ ومعنى لا سبيل عليهم: لا جناح عليهم ولا طريق للعاتب عليهم.
﴿قلت لا أجد﴾ حال من الكاف في ﴿أتوك﴾ " وقد " مضمر قبله، والمعنى: ولا على الذين إذا ما أتوك وأنت قائل: لا أجده ﴿تولوا وأعينهم تفيض من الدمع﴾، و ﴿من﴾ للبيان، والجار والمجرور في محل النصب على التمييز، أي: تفيض دمعا، وهو أبلغ من قولك: يفيض دمعها، لأن العين جعلت كأنها كلها دمع فائض ﴿ألا يجدوا﴾ أي: لأن لا يجدوا، ومحله نصب لأنه مفعول له وناصبه المفعول له الذي هو ﴿حزنا﴾.
و ﴿رضوا﴾ استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا ﴿وهم أغنياء﴾ فقيل: رضوا بالدناءة والانتظام في جملة ﴿الخوالف وطبع الله على قلوبهم﴾ يعني: أن السبب في استئذانهم رضاهم بالدناءة وخذلان الله إياهم.
﴿يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى علم الغيب والشهدة فينبئكم بما كنتم تعملون (94) سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون (95) يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين (96)﴾
﴿لن نؤمن لكم﴾ علة للنهي عن الاعتذار، لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فإذا علم أنه مكذب فينبغي أن يترك الاعتذار، وقوله: ﴿قد نبأنا الله من أخباركم﴾ علة لانتفاء تصديقهم، لأن الله سبحانه إذا أعلم بأخبارهم وأحوالهم وأسرارهم لم يستقم تصديقهم في معاذيرهم ﴿وسيرى الله عملكم﴾ أتتوبون أم تثبتون على كفركم؟﴿ثم تردون﴾ إليه وهو ﴿علم﴾ كل غيب وشهادة وسر وعلن، فيجازيكم على حسب ذلك.
﴿لتعرضوا عنهم﴾ لتصفحوا عن جرمهم ولا توبخوهم ﴿فأعرضوا عنهم﴾ فأعطوهم طلبتهم ﴿إنهم رجس﴾ تعليل لترك معاتبتهم، والمراد: أن العتاب لا ينجع فيهم ولا يصلحهم، إنما يعاتب الأديم ذو البشرة، ويوبخ المؤمن على الزلة ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة، وهؤلاء أرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم.
﴿لترضوا عنهم﴾ أي: غرضهم في الحلف طلب رضاكم لينفعهم ذلك في دنياهم، ولا ينفعهم رضاكم إذا كان الله ساخطا عليهم.
﴿الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم (97) ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم (98) ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربت عند الله وصلوا ت الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم (99)﴾
﴿الاعراب﴾ أهل البدو ﴿أشد كفرا ونفاقا﴾ من أهل الحضر لقسوة قلوبهم وجفائهم، ونشوئهم في بعد من مشاهدة العلماء وسماع التنزيل ﴿وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله﴾ من الشرائع والأحكام ﴿والله عليم﴾ بحال أهل الوبر والمدر ﴿حكيم﴾ فيما يحكم به عليهم.
﴿مغرما﴾ أي: غرامة وخسرانا، فلا ينفق إلا تقية من أهل الإسلام ورئاء، لا لوجه الله ﴿ويتربص بكم﴾ دوائر الزمان وحوادث الأيام، ليذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة ﴿عليهم دائرة السوء﴾ دعاء معترض، وقرئ: " السوء " بالضم (138) وهو العذاب، و ﴿السوء﴾ بالفتح ذم للدائرة، كما يقال: رجل سوء، ونقيضه رجل صدق، قال: وكنت كذئب السوء لما رأى دما * بصاحبه يوما أحال على الدم (139) ﴿والله سميع﴾ لأقوالهم ﴿عليم﴾ بأحوالهم.
﴿قربت﴾ مفعول ثان ل? ﴿يتخذ﴾ والمعنى: أن ما ينفقه سبب لحصول القربات ﴿عند الله وصلوا ت الرسول﴾، لأن الرسول كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم، كقوله: " اللهم صل على آل أبي أوفي " (140) لما أتاه أبو أوفي بصدقته، فلما كان ما ينفق سببا لذلك قيل: ﴿يتخذ ما ينفق قربت... وصلوا ت﴾، ﴿ألا إنها قربة لهم﴾ هذا شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقده من كون نفقته قربات وصلوات، وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفي التنبيه والتحقيق المؤذنين بثبات الأمر وتحققه، و ﴿سيدخلهم الله﴾ كذلك لما في السين من تحقق الوعد، وقرئ: " قربة " بضم الراء (141).
﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)﴾
﴿السابقون الأولون من المهاجرين﴾ هم الذين صلوا إلى القبلتين، وقيل: الذين شهدوا بدرا (142)، ﴿و﴾ من ﴿الأنصار﴾ أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا اثني عشر رجلا، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين رجلا، والذين آمنوا حين قدم عليهم مصعب بن عمير فعلمهم القرآن، وقرئ: " الأنصار " بالرفع (143) عطفا على ﴿والسابقون﴾، وارتفع ﴿السابقون﴾ بالابتداء وخبره ﴿رضي الله عنهم﴾، وقرأ ابن كثير (144): " من تحتها " (145).
﴿وممن حولكم من الاعراب منفقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم (101) وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صلحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) ﴿102) ومن جملة من حول بلدتكم وهي المدينة ﴿من الاعراب﴾ الذين يسكنون البدو ﴿منفقون﴾ وهم جهينة وأسلم وغفار وأشجع ومزينة، كانوا نازلين حول المدينة ﴿ومن أهل المدينة﴾ عطف على خبر المبتدأ الذي هو ﴿ممن حولكم﴾، ويجوز أن يكون جملة معطوفة على المبتدأ والخبر إذا قدرت: ومن أهل المدينة قوم ﴿مردوا على النفاق﴾ على أن يكون ﴿مردوا﴾ صفة موصوف محذوف كقوله: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا (146) أي: ابن رجل وضح أمره، و ﴿مردوا على النفاق﴾ تمهروا فيه، من قولهم: مرد فلان على عمله، ومرد عليه: إذا درب به حتى لان عليه ومهر فيه، ودل على مهارتهم فيه بقوله: ﴿لا تعلمهم﴾ أي: يخفون عليك مع فطنتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم (147) في تحامي (148) ما يشكك في أمرهم، ثم قال: ﴿نحن نعلمهم﴾ أي: لا يعلمهم إلا الله المطلع على البواطن، لأنهم يبطنون الكفر في ضمائرهم ويظهرون لك الإيمان وظاهر الإخلاص الذي لا تشك معه في أمرهم ﴿سنعذبهم مرتين﴾ هما: ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم، وعذاب القبر ﴿ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ في النار.
﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، وهم ثلاثة نفر من الأنصار: أبو لبابة بن عبد المنذر، وأوس بن حذام، وثعلبة بن وديعة (149) ﴿خلطوا عملا صلحا وآخر سيئا﴾ فيه دلالة على بطلان القول بالإحباط لأنه لو كان أحد العملين محبطا لم يكن لقوله: ﴿خلطوا﴾ معنى، لأن الخلط يستعمل في الجمع مع الامتزاج كخلط الماء واللبن، وبغير امتزاج كخلط الدنانير والدراهم ﴿وآخر﴾ أي: وعملا آخر.
﴿خذ من أموا لهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلوا تك سكن لهم والله سميع عليم (103) ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم (104) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى علم الغيب والشهدة فينبئكم بما كنتم تعملون (105)﴾
﴿تطهرهم﴾ صفة ل? ﴿صدقة﴾، والتاء فيه للخطاب أو للتأنيث، أي: ﴿صدقة تطهرهم﴾ أنت ﴿وتزكيهم بها﴾ فيكون كلا الفعلين مسندا إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، أو ﴿صدقة تطهرهم﴾ تلك الصدقة ﴿وتزكيهم﴾ أنت ﴿بها﴾ أي: تنسبهم إلى الزكاة، والتزكية: مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال ﴿وصل عليهم﴾ أي: وترحم عليهم بالدعاء لهم بقبول صدقاتهم ﴿إن صلاتك سكن لهم﴾ إن دعواتك يسكنون إليها وتطمئن قلوبهم بها ﴿والله سميع﴾ يسمع دعاءك لهم ﴿عليم﴾ يعلم ما يكون منهم، وقرئ: ﴿صلاتك﴾ على التوحيد هنا وفي هود (150).
﴿ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة﴾ إذا صحت ﴿و﴾ يقبل ﴿الصدقات﴾ إذا صدرت عن خلوص النية، و ﴿هو﴾ للتخصيص والتأكيد، و ﴿أن الله﴾ من شأنه قبول توبة التائبين.
﴿وقل﴾ لهؤلاء التائبين: ﴿اعملوا﴾ فإن ﴿عملكم﴾ لا يخفي على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين، خيرا كان أو شرا.
وروى أصحابنا: أن أعمال الأمة تعرض على النبي (صلى الله عليه وآله) في كل اثنين وخميس فيعرفها، وكذلك تعرض على الأئمة القائمين مقامه وهم المعنيون بقوله: ﴿والمؤمنون﴾ (151).
﴿وستردون﴾ سترجعون ﴿إلى﴾ الله الذي يعلم السر والعلانية ﴿فينبئكم﴾ بأعمالكم ويجازيكم عليها.
﴿وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم (106)﴾ قرئ: ﴿مرجون﴾ و " مرجؤون " (152) من أرجيته وأرجأته: إذا أخرته، أي: ﴿وآخرون﴾ من المتخلفين موقوف أمرهم: ﴿إما﴾ أن ﴿يعذبهم﴾ الله إن بقوا على الإصرار ولم يتوبوا، ﴿وإما﴾ أن ﴿يتوب عليهم﴾ إن تابوا، وهم ثلاثة: كعب ابن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع، أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه أن لا يكلموهم ففعلوا ذلك، ثم تاب الله عليهم بعد خمسين يوما، وتصدق كعب بثلث ماله شكرا لله على توبته.
﴿والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون (107) لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين (108) أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوا ن خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين (109) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم (110)﴾ قرأ أهل المدينة والشام: " الذين اتخذوا " بغير واو (153)، وكذلك هو في مصاحفهم (154) لأنها قصة برأسها.
روي: أن بني عمرو بن عوف (155) لما بنوا مسجد قباء وصلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف (156) وقالوا: نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد، فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يتجهز إلى تبوك: إنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال (صلى الله عليه وآله): " إني على جناح سفر "، ولما انصرف من تبوك نزلت (157)، فأرسل من هدم المسجد وأحرقه، وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة (158).
﴿ضرارا﴾ مضارة لإخوانهم: أصحاب مسجد قباء، معازة (159) ﴿وكفرا﴾ وتقوية للنفاق ﴿وتفريقا بين المؤمنين﴾ لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد قباء فأرادوا أن يتفرقوا عنه وتختلف كلمتهم ﴿وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل﴾ أي: وإعدادا لأجل من حارب الله ورسوله وهو أبو عامر الراهب (160)، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح، فلما قدم النبي المدينة حسده وحزب عليه الأحزاب، ثم هرب بعد فتح مكة وخرج إلى الروم وتنصر، وهو أبو " حنظلة " غسيل الملائكة (161)، قتل يوم أحد وكان جنبا فغسلته الملائكة، وكان هؤلاء يتوقعون رجوع أبي عامر إليهم، وأعدوا هذا المسجد له ليصلي فيه ويظهر على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويتعلق ﴿من قبل﴾ ب? ﴿اتخذوا﴾ أي: اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف، أو يتعلق ب? ﴿حارب﴾ أي: لأجل من حارب الله ورسوله من قبل أن يتخذوا المسجد ﴿وليحلفن﴾ يعني هؤلاء المنافقين: ما ﴿أردنا إلا﴾ الفعلة ﴿الحسنى﴾ أو الإرادة الحسنى وهي: الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين.
﴿لا تقم فيه أبدا﴾ أي: لا تصل فيه أبدا، يقال: فلان يقوم بالليل أي: يصلي ﴿لمسجد أسس على التقوى﴾ هو مسجد قباء أسسه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى فيه أيام مقامه بقباء، وقيل: هو مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة (162) ﴿من أول يوم﴾ من أيام وجوده ﴿أحق أن تقوم فيه﴾ أي: أولى بأن تصلي فيه ﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا﴾ روي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لهم: إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فماذا تفعلون في طهوركم؟قالوا: نغسل أثر الغائط، فقال: أنزل الله فيكم: ﴿والله يحب المطهرين﴾ (163) أي: المتطهرين، ومحبتهم للتطهر: أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه، ومحبة الله إياهم: أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه.
وقرئ: ﴿أسس بنيانه﴾ و " أسس بنيانه " (164)، وفي الشواذ: " أسس بنيانه " على الإضافة (165)، وهو جمع أساس، والمعنى: أفمن أسس بنيان دينه ﴿على﴾ قاعدة محكمة وهي الحق الذي هو ﴿تقوى... الله﴾ ورضوانه ﴿خير أم من﴾ أسسه ﴿على﴾ قاعدة هي أضعف القواعد وأقلها بقاء وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل ﴿شفا جرف هار﴾ في قلة الثبات، والشفا: الشفير، وجرف الوادي: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول، والهار: الهائر الذي أشفي على السقوط والتهدم، ووزنه " فعل " قصر عن هائر كخلف عن خالف، ونظيره: شاك وصات من شائك وصائت، وألفه ليست بألف فاعل، وأصله هور وشوك وصوت، ولما جعل الجرف الهار مجازا عن الباطل قيل: ﴿فانهار به في نار جهنم﴾ والمعنى: فهوى به الباطل في نار جهنم، فكأن المبطل أسس بنيانا على شفير جهنم فطاح به إلى قعرها.
﴿ريبة﴾ أي: شكا في الدين ونفاقا، والمعنى: ﴿لا يزال﴾ هدم ﴿بنيانهم الذي﴾ بنوه سبب شك ونفاق ﴿في قلوبهم﴾ لا يضمحل أثره ﴿إلا أن تقطع﴾ أي: تتقطع ﴿قلوبهم﴾ قطعا وتتفرق أجزاء، فحينئذ يسلون عنه، والريبة باقية فيها ما دامت سالمة، وقرئ: ﴿تقطع﴾ بالتخفيف (166) والتشديد، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها بقتلهم أو في النار، وقرئ: " إلى أن " (167)، وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام) (168)، وفي قراءة عبد الله: " ولو قطعت قلوبهم " (169)، وقيل: معناه: إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما على تفريطهم (170).
﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموا لهم بأن لهم الجنة يقتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111) التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين (112)﴾ عبر سبحانه عن إثابتهم بالجنة على بذلهم ﴿أنفسهم وأموا لهم﴾ في سبيله: بالاشتراء، وجعل الثواب ثمنا وأعمالهم الحسنة مثمنا تمثيلا، وروي: أنه تاجرهم فأغلى لهم الثمن (171).
وعن الصادق (عليه السلام): " ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها " (172).
وعن الحسن: أنفسا هو خلقها، وأموالا هو رزقها (173).
وروي: أن الأنصار حين بايعوه على العقبة قال عبد الله بن رواحة (174): اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، قال: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل (175).
﴿يقتلون﴾ فيه معنى الأمر، كقوله: ﴿تجاهدون في سبيل الله﴾ (176)، ثم قال: ﴿يغفر لكم ذنوبكم﴾ (177)، وقرئ: ﴿فيقتلون ويقتلون﴾ وعلى العكس (178) ﴿وعدا عليه حقا﴾ مصدر مؤكد، يعني: أن الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت قد أثبته ﴿في التوراة والإنجيل﴾ كما أثبته في ﴿القرآن ومن أوفي بعهده من الله﴾ أي: لا أحد أوفي بعهده من الله، لأن الخلف قبيح لا يقدم عليه الكريم (179) من الخلق مع جوازه عليهم لحاجتهم، فكيف بالكريم الغني الذي لا يجوز عليه فعل القبيح ﴿فاستبشروا﴾ أي: فافرحوا بهذه المبايعة إذ بعتم فانيا بباق وزائلا بدائم ﴿وذلك هو الفوز﴾ والظفر ﴿العظيم﴾ ولا ترغيب في الجهاد أحسن وأبلغ منه.
﴿التائبون﴾ رفع على المدح، أي: هم التائبون، يعني: المؤمنين المذكورين، ويدل عليه قراءة أبي (180) و عبد الله والباقر والصادق (عليهما السلام): " التائبين " بالياء (181) إلى قوله: " والحافظين " نصبا على المدح، أو جرا على الصفة ل? ﴿المؤمنين﴾، ويجوز أن يكون ﴿التائبون﴾ مبتدأ وخبره ﴿العابدون﴾، وما بعده خبر بعد خبر، أي: التائبون من الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال، و ﴿العابدون﴾ هم الذين أخلصوا في عبادة الله، و ﴿السائحون﴾: الصائمون، شبهوا بذوي السياحة في الأرض في امتناعهم من شهواتهم، وقيل: هم طلاب العلم يسيحون في الأرض يطلبونه من مظانه (182)، ﴿والحافظون لحدود الله﴾ القائمون بأوامره، والمجتنبون لنواهيه.
﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحب الجحيم (113) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لاواه حليم (114)﴾ عن الحسن: أن المسلمين قالوا: ألا نستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية؟فنزلت (183)، أي: لا ينبغي لنبي ولا مؤمن أن يدعو لكافر ويستغفر له، ولا يصح ذلك في حكمة الله ﴿ولو كانوا﴾ قرابتهم ﴿من بعد ما تبين لهم أنهم﴾ ماتوا على الشرك.
﴿إلا عن موعدة وعدها إياه﴾ أي: وعدها إبراهيم أباه وهو قوله: ﴿لأستغفرن لك﴾ (184)، ويدل عليه قراءة الحسن: " وعدها أباه " (185)، ﴿فلما تبين له﴾ من جهة الوحي ﴿أنه﴾ لن يؤمن ويموت كافرا، وانقطع رجاؤه عن إيمانه ﴿تبرأ منه﴾، والأواه: فعال من أوه، وهو الذي يكثر التأوه والبكاء والدعاء، ويكثر ذكر الله عز اسمه.
﴿وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم (115) إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير (116)﴾ أي: لا يؤاخذ ﴿الله﴾ عباده الذين ﴿هداهم﴾ للإسلام، ولا يسميهم ضلالا ولا يخذلهم بارتكاب المحظورات إلا بعد أن ﴿يبين لهم﴾ حظرها عليهم، ويعلمهم أنها واجبة الاتقاء والاجتناب، فأما قبل البيان فلا سبيل عليهم، والمراد ب? ﴿ما يتقون﴾: ما يجب اتقاؤه للنهي، فأما ما يعلم بالعقل من القبائح فغير موقوف على التوقيف.
﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم (117) وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم (118) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين (119)﴾ إنما ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) استفتاحا باسمه ولأنه سبب توبتهم، وإلا فمن المعلوم أنه لم يكن منه ما أوجب التوبة، وروي عن الرضا (عليه السلام): أنه قرأ: " لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين " (186) وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه مامن مؤمن إلا وهو محتاج إلى الاستغفار والتوبة ﴿في ساعة العسرة﴾ في وقتها، وقد يستعمل الساعة في معنى الزمان المطلق كما يستعمل الغداة والعشية واليوم، نحو قوله: عشية قارعنا جذام وحميرا (187) وقوله: غداة طفت علماء بكر بن وائل (188) أي: على الماء، و ﴿العسرة﴾: حالهم في غزوة تبوك، كان يعتقب العشرة على بعير واحد، وكان زادهم الشعير المسوس والتمر المدود والإهالة (189) النسخة (190)، وبلغت الشدة بهم أن اقتسم التمرة اثنان، وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء، وكانوا في حمارة القيظ (191) وفي الضيقة الشديدة من القحط وقلة الماء " كاد تزيغ قلوب فريق منهم " عن الثبات على الإيمان، أو عن اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) في تلك الغزوة، وفي ﴿كاد﴾ ضمير الأمر والشأن، وشبهه سيبويه بقولهم: " ليس خلق الله مثله " (192)، وقرئ: ﴿يزيغ﴾ بالياء (193)، قيل: إن قوما منهم هموا بالانصراف من غزاتهم بغير استئذان، فعصمهم الله تعالى حتى مضوا (194)، ﴿ثم تاب عليهم﴾ من بعد ذلك الزيغ ﴿إنه بهم رؤوف رحيم﴾ تداركهم برأفته ورحمته.
﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال ابن أمية، خلفوا عن قبول التوبة بعد قبول توبة من قبل توبتهم، وقيل: خلفوا عن غزوة تبوك لما تخلفوا (195)، وقراءة أهل البيت (عليهم السلام) وأبي عبد الرحمن السلمي (196): " خالفوا " (197)، ﴿بما رحبت﴾ أي: برحبها، والمعنى: مع سعتها، وهو مثل لحيرتهم في أمرهم، كأنهم لا يجدون في الأرض موضع قرار ﴿وضاقت عليهم أنفسهم﴾ أي: قلوبهم من فرط الوحشة والغم ﴿وظنوا﴾ وعلموا ﴿أن لا ملجأ من﴾ سخط ﴿الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا﴾ ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا، أو ليتوبوا أيضا في المستقبل إن فرطت منهم خطيئة، علما منهم ب? ﴿ان الله﴾ تواب على من تاب ولو عاد في اليوم سبعين مرة.
﴿مع الصدقين﴾ الذين صدقوا في دين الله نية وقولا وعملا، وعن الباقر (عليه السلام): " كونوا مع آل محمد " (198).
وقرأ ابن عباس: " من الصادقين " (199)، وروي أيضا ذلك عن الصادق (عليه السلام) (200).
﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صلح إن الله لا يضيع أجر المحسنين (120) ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون (121)﴾ ظاهره خبر ومعناه نهي، مثل قوله: ﴿وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله﴾ (201)، ﴿ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه﴾ أمروا بصحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) على البأساء والضراء، وبأن يكابدوا معه الشدائد برغبة ونشاط ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما دل عليه قوله: " ما كان لهم أن يتخلفوا " من وجوب مشايعته، أي ﴿ذلك﴾ الوجوب ﴿ب?﴾ سبب ﴿أنهم لا يصيبهم﴾ شئ من عطش ولا تعب ولا مجاعة في طريق الجهاد، ولا يضعون أقدامهم ولا يدوسون بحوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم موضعا ﴿يغيظ الكفار﴾ وطأهم إياه، ولا يتصرفون في أرضهم تصرفا يضيق صدورهم ﴿ولا ينالون من عدو نيلا﴾ ولا يرزؤونهم شيئا بقتل أو أسر أو أمر يغمهم ﴿إلا كتب لهم به عمل صلح﴾ واستوجبوا الثواب عند الله، والموطئ: إما مصدر كالمورد وإما مكان، والنيل: يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا وأن يكون بمعنى المنيل، وهو عام في كل ما يسوؤهم ويضرهم.
﴿ولا يقطعون واديا﴾ أي: أرضا في ذهابهم ومجيئهم، والوادي: كل منعرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل، وهو في الأصل فاعل من ودي: إذا سال، ومنه الودي (202) ﴿إلا كتب لهم﴾ ذلك الإنفاق وقطع الوادي، وتعلق ﴿ليجزيهم﴾ ب? ﴿- كتب﴾ أي: أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء.
﴿وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122) يا أيها الذين آمنوا قتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين (123) وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (124) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون (125)﴾
﴿لينفروا﴾ اللام لتأكيد النفي، والمعنى: أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب الفقه (203) والعلم غير صحيح ولا ممكن، وفيه: أنه لو صح وأمكن ولم يؤد إلى مفسدة لوجب على الكافة، لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ﴿فلولا نفر﴾ فحين لم يمكن نفير الكافة فهلا نفر ﴿من كل فرقة﴾ أي: جماعة كثيرة ﴿طائفة﴾ أي: جماعة قليلة " منهم ": ﴿ليتفقهوا في الدين﴾ ليتكلفوا الفقاهة فيه، ويتجشموا المشاق في تحصيلها ﴿ولينذروا قومهم﴾ وليجعلوا غرضهم بالتفقه إنذار قومهم وإرشادهم ﴿لعلهم يحذرون﴾ عقاب الله ويطيعونه.
﴿قتلوا الذين يلونكم من الكفار﴾ أي: يقربون منكم، فإن القتال واجب مع جميع الكفار، ولكن الأقرب فالأقرب أوجب، ونظيره: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ (204)، وقد حارب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قومه ثم غيرهم من العرب، وقيل: هم قريظة والنضير (205) وفدك (206) وخيبر (207)، والأول أصح، لأن السورة نزلت في سنة تسع، وقد فرغ النبي من أولئك ﴿وليجدوا فيكم غلظة﴾ أي: شدة وصبرا على جهادهم، ونحوه: ﴿واغلظ عليهم﴾ (208).
﴿فمنهم من يقول﴾ فمن المنافقين من يقول بعضهم لبعض: ﴿أيكم زادته هذه﴾ السورة ﴿إيمانا﴾ استهزاء باعتقاد المؤمنين زيادة الإيمان بزيادة العلم الحاصل بالوحي ﴿فزادتهم إيمانا﴾ أي: تصديقا ويقينا وثلجا لصدورهم.
وقوله: ﴿فزادتهم رجسا إلى رجسهم﴾ أي: كفرا مضموما إلى كفرهم، لأنهم بتجديد الوحي جددوا كفرا ونفاقا فازداد كفرهم عنده واستحكم.
﴿أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولاهم يذكرون (126) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون (127) لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (128) فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (129)﴾ قرئ: " أو لا ترون " بالتاء (209) أيضا ﴿يفتنون﴾ أي: يبتلون ويمتحنون بالمرض والقحط وغيرهما من البلايا ﴿ثم﴾ لا ينتهون و ﴿لا يتوبون﴾ من نفاقهم ﴿ولاهم يذكرون﴾ لا يعتبرون، أو يبتلون بالجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعاينون أمره وما ينزل الله عليه من النصرة والتأييد، أو يفتنهم الشيطان فينقضون عهودهم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقتلهم وينكل بهم ثم لا ينزجرون.
﴿نظر بعضهم إلى بعض﴾ أي: تغامزوا بعيونهم إنكارا للوحي قائلين: ﴿هل يراكم من أحد﴾ من المسلمين لننصرف فإنا لا نصبر على استماعه، أو ترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال ﴿ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم﴾ دعاء عليهم بالخذلان، أو بصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان من الانشراح ﴿ب?﴾ سبب ﴿أنهم قوم لا يفقهون﴾ لا يتدبرون حتى يفقهوا ويعلموا.
﴿من أنفسكم﴾ من جنسكم ومن نسبكم عربي قرشي مثلكم، شديد ﴿عليه﴾ - لكونه بعضا منكم - عنتكم ولقاؤكم المكروه، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب ﴿حريص عليكم﴾ حتى لا يخرج أحد منكم عن الاستسعاد به وبدينه الذي جاء به ﴿بالمؤمنين﴾ منكم ومن غيركم ﴿رؤوف رحيم﴾، وقرئ: " من أنفسكم " (210) أي: من أشرفكم وأفضلكم، وقيل: هي قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) (211).
﴿فإن تولوا﴾ عن الإيمان بك فاستعن بالله وفوض إليه، فإنه يكفيك أمرهم وينصرك عليهم.
وقيل: هي آخر آية نزلت من السماء (212)، وهذه السورة آخر سورة كاملة نزلت (213).
سعيد بن جبير، عن ابن عباس: سألته عن سورة التوبة؟فقال: تلك الفاضحة، ما زال ينزل منهم ومنهم، حتى خشينا أن لا يبقى منا أحد إلا ذكر (214).
سورة يونس مكية (215)، وهي مائة وتسع آيات.
وفي حديث أبي: " من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من صدق بيونس وكذب به، وبعدد من غرق مع فرعون " (216).
وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأها في كل شهرين لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين، وكان يوم القيامة من المقربين " (217).
1- في التبيان للشيخ الطوسي: ج 5 ص 167: قال مجاهد وقتادة وعثمان: هي آخر ما نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة. قال الزمخشري: لها عدة أسماء: براءة، التوبة، المقشقشة، المبعثرة، المشردة، المخزية، الفاضحة، المثيرة، الحافرة، المنكلة، المدمدمة، سورة العذاب، لأن فيها التوبة على المؤمنين، وهي تقشقش من النفاق أي تبرئ منه، وتبعثر عن أسرار المنافقين تبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم وتنكلهم وتشرد بهم وتخزيهم وتدمدم عليهم. وعن حذيفة (رضي الله عنه): إنكم تسمونها سورة التوبة، وإنما هي سورة العذاب، والله ما تركت أحدا إلا نالت منه. راجع الكشاف: ج 2 ص 241.
2- تفسير العياشي: ج 2 ص 73 ح 3 وفيه: عن أحدهما (عليهما السلام).
3- تفسير السمرقندي: ج 2 ص 32.
4- قاله ابن عباس وحكاه عن عثمان بن عفان. انظر تفسير الماوردي: ج 2 ص 336.
5- قاله ابن عباس والزهري كما حكاه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 5 ص 169.
6- قاله محمد بن كعب القرظي ومجاهد والسدي والحسن وهو قول الصادق (عليه السلام). راجع التبيان: ج 5 ص 169، وتفسير الماوردي: ج 2 ص 338.
7- رواه ابن كثير من طرق عديدة في تفسيره: ج 2 ص 318 - 319.
8- يريد به مجمع البيان: ج 5 - 6 ص 3.
9- تفسير العياشي: ج 2 ص 74 ح 7.
10- قاله مجاهد على ما حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 243.
11- وهو قول محمد بن كلب القرظي وغيره كما في تاريخ الطبري: ج 2 ص 383.
12- في رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) والصادق (عليه السلام) وابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير و عبد الله بن أبي أوفي وإبراهيم ومجاهد وابن مسعود والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة والشعبي والنخعي والزهري وعطاء وابن زيد والسدي واختاره الطبري. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 339، وتفسير الطبري: ج 6 ص 311 - 316.
13- في بعض النسخ: أحواله.
14- أخرجه الطبري في تفسيره: ج 6 ص 312 ح 16422.
15- قرأه الحسن والأعرج. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 6.
16- وهي قراءة الحسن وزيد بن علي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق. راجع تفسير القرطبي: ج 8 ص 70، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 6.
17- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 247.
18- في بعض النسخ: والنصب.
19- الأعراف: 16.
20- في نسخة: فكفوا.
21- حسان بن ثابت، ويكنى أبا الوليد، أصله من الخزرج، ولد بالمدينة عام 563 م، كان أشعر أهل المدينة في زمانه وأهم شعراء الدعوة الإسلامية، فقد مدح الرسول (صلى الله عليه وآله)، ونظم المراثي في شهداء المسلمين، ونظم أيضا في هجاء الخصوم والمنافقين، وكانت أشعاره في هجاء قريش وحدها كثيرة جمعها المدائني في كتاب أسماه: " هجاء حسان لقريش " يقال: توفي وله من العمر مائة وعشرين عاما، وعدوه من المعمرين. انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 170 وما بعده.
22- انظر ديوان حسان بن ثابت: ج 1 ص 394.
23- قاله قتادة. راجع تفسير الطبري: ج 6 ص 326 ح 16522.
24- قاله سعيد بن جبير ومجاهد وأبو مجلز. راجع تفسير الطبري: ج 6 ص 325، وتفسير السمرقندي: ج 2 ص 35.
25- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 6 ص 330.
26- تفسير العياشي: ج 2 ص 78 ح 25.
27- وهي قراءة الحسن وابن عامر. راجع التبيان: ج 5 ص 181.
28- وخزاعة: حي من الأزد، سموا ذلك لأن الأزد لما خرجت من مكة لتتفرق في البلاد تخلفت عنهم خزاعة وأقامت بها، وخزع فلان عن أصحابه: أي تخلف. انظر الصحاح: مادة خزع.
29- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 252.
30- في نسخة زيادة: المهاجرون.
31- قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. راجع التبيان: ج 5 ص 188، وفي تفسير القرطبي: ج 8 ص 89: هي قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن محيصن.
32- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 253.
.
33- العاني: الأسير. (القاموس المحيط: مادة عنا).
34- رواها الطبري في تفسيره: ج 6 ص 336 ح 16572.
35- الكشاف: ج 2 ص 254، ونحوه في مستدرك الحاكم: ج 4 ص 323.
36- وهي قراءة أبي بن كعب وابن الزبير وأبي وجزة السعدي ويزيد بن القعقاع. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 276، وتفسير القرطبي: ج 8 ص 91.
37- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 257 مرسلا، ونحوه البيهقي في السنن: ج 10 ص 232.
38- الظاهر أن المصنف قد اعتمد قراءة الجمع، أي بألف بعد الراء هنا.
39- تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 411.
40- بفتح الهمزة بمعنى الجيش والقوت، وبكسرها بمعنى الإعانة. (المصباح المنير: مادة مدد).
41- ذكره الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 259.
42- فلهم: انهزامهم. (القاموس المحيط: مادة فل).
43- تحلحل عن مكانه: زال. (القاموس المحيط: مادة حلحل).
44- هو المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخاه من الرضاعة، أرضعته حليمة السعدية، فلما بعث النبي (صلى الله عليه وآله) عاداه وهجاه، وكان شاعرا، وأسلم عام الفتح هو وولده جعفر، مات في خلافة عمر سنة عشرين وصلى عليه عمر ودفن بالبقيع. انظر الكنى والألقاب للقمي: ج 1 ص 86.
45- هو أيمن بن عبيد بن عمرو بن الخزرج، وأمه أم أيمن بركة مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان من المهاجرين الأولين، هاجر هو وأمه أم أيمن مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما هاجر بالفواطم بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أحد العشرة الذين ثبتوا يوم حنين وفيها قتل. انظر أعيان الشيعة: ج 3 ص 522.
46- انظر تفسير القمي: ج 1 ص 285 - 288.
47- قاله سعيد بن المسيب على ما حكاه القرطبي في تفسيره: ج 8 ص 102.
48- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 261.
49- تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 412.
50- كذا في النسخ، والظاهر هو سهو، إذ لم نعثر عليه بهذه الألفاظ ولا قريب منها عنهما (عليهما السلام)، ولكن وجدناه قولا منسوبا إلى أصحابنا - كما في مجمع البيان نسبه إلى أصحابنا - وليس حديثا مرويا. انظر تهذيب الأحكام: ج 1 ص 262، ومجمع البيان: ج 5 - 6 ص 20.
51- جرش: من مخاليف اليمن من جهة مكة، وقيل: هي مدينة عظيمة باليمن وولاية واسعة، وذكر بعض أهل السير أن تبعا خرج من اليمن غازيا حتى إذا كان بجرش وهي إذ ذاك خربة فخلف بها جمعا ممن كان صحبه ورأى فيهم ضعفا وقال: اجرشوا هاهنا، أي: أثيروا فسميت جرش بذلك. انظر معجم البلدان للحموي: ج 2 ص 59 - 61.
52- تبالة: موضع باليمن أيضا، قال ياقوت: وأسلم أهل تبالة وجرش عن غير حرب، فأقرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أيدي أهلهما على ما أسلموا عليه وجعل على كل حالم ممن بهما من أهل الكتاب دينارا واشترط عليهم ضيافة المسلمين. انظر المعم: ج 1 ص 816.
53- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 6 ص 346 ح 16612.
54- لببت الرجل تلبيبا: إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحوه في الخصومة ثم جررته. (الصحاح: مادة لبب).
55- رواه الشيخ الطوسي في أماليه: ج 2 ص 133 باسناده عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عنه (صلى الله عليه وآله).
56- الحجرات: 9.
57- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 445.
58- وصدره: ومن يك أمسى بالمدينة رحله. وقائله ضابئ بن الحارث البرجمي، أنشده في حبس عثمان بن عفان، وكان يريد أن يفتك بعثمان فحبسه ولم يزل فيه إلى أن مات. راجع الكامل للمبرد: ج 1 ص 320.
59- قاله أبو بكر الوراق كما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 289.
60- السيرة النبوية لابن هشام: ج 4 ص 251، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي: ج 3 ص 256، الكشاف: ج 2 ص 269، تفسير البغوي: ج 2 ص 290، تفسير القرطبي: ج 8 ص 133.
61- في نسخة زيادة: وأخيه.
62- قال الفيومي: إنما سمي شهر رجب بالأصم لأنه كان لا يسمع فيه حركة قتال ولا نداء مستغيث. المصباح المنير: مادة " صمت ".
63- وقال: المنصل من أنصله، أي نزع نصله، والمراد: أن شهر رجب حيث إنهم لا يقاتلون فيه فكأنه هو الذي نزع نصل الأسنة. انظر المصدر نفسه: مادة نصل.
64- قاله ابن قتيبة. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 360.
65- قرأه ابن مسعود في رواية والحسن والأعمش وأبو عمرو ومجاهد وقتادة وعمرو بن ميمون وأبو رجاء ويعقوب. راجع تفسير القرطبي: ج 8 ص 139، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 40.
66- وهي قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم برواية أبي بكر. انظر تفسير القرطبي: ج 8 ص 139.
67- قرأه أبو جعفر وابن فرج عن البزي والزهري وحميد وورش عن نافع والحلواني. راجع تفسير القرطبي: ج 8 ص 136، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 39.
68- ذكرها أبو حيان في البحر المحيط: ج 5 ص 39.
69- الأعراف: 176.
70- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 447.
71- ذكره ابن هشام في السيرة النبوية: ج 4 ص 159 عن الزهري ويزيد بن رومان و عبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم.
72- الزخرف: 60.
73- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 448.
74- محمد: 13.
75- المائدة: 73.
76- تفسير العياشي: ج 2 ص 88 - 89 ح 58 وفيه: عن أبي جعفر (عليه السلام).
77- وهي قراءة الحسن وأبي مجلز والأعمش ويعقوب. راجع التبيان: ج 5 ص 221، وشواذ القرآن لابن خالويه: ص 57.
78- التوبة: 91.
79- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 273.
80- في بعض النسخ: حلفهم بالحاء.
81- الكشاف: ج 2 ص 274.
82- قال العلامة الطباطبائي: والآية في مقام دعوى ظهور كذبهم ونفاقهم وأنهم مفتضحون بأدنى امتحان يمتحنون به، ومن مناسبات هذا المقام إلقاء العتاب إلى المخاطب وتوبيخه والإنكار عليه كأنه هو الذي ستر عليهم فضائح أعمالهم وسوء سريرتهم، وهو نوع من العناية الكلامية يتبين به ظهور الأمر ووضوحه لا يراد أزيد من ذلك، فهو من أقسام البيان على طريق: إياك أعني واسمعي يا جارة، فالمراد بالكلام إظهار هذه الدعوى لا الكشف عن تقصير النبي (صلى الله عليه وآله) وسوء تدبيره في إحياء أمر الله. انظر تفسير الميزان: ج 9 ص 285.
83- في نسخة: بالتفريق.
84- في بعض النسخ: يجادلون بالجيم.
85- الثنية: طريق العقبة. (الصحاح: مادة ثنى).
86- هو جد بن قيس بن صخر بن خنساء الأنصاري، كان من المنافقين، تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند بيعة الرضوان. راجع امتاع الأسماء للمقريزي: ج 1 ص 447.
87- قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة. راجع تفسير ابن عباس: ص 159، وتفسير الطبري: ج 6 ص 386 - 387.
88- ذكره الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 278.
89- التوبة: 80.
90- هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي، شاعر مشهور من أهل الحجاز، وصاحبته عزة وإليها ينسب، وكان عفيفا، قال ابن قتيبة: وكان رافضيا، وقال لما حضرته الوفاة: برئت إلى الإله من ابن أروى * ومن دين الخوارج أجمعينا ومن عمر برئت ومن عتيق * غداة دعي أمير المؤمنينا راجع الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 316 - 329.
91- وهي من قصيدة يجيب فيها عزة لما سمعها تسبه حين أرغمها زوجها على ذلك، وهي من منتخبات قصائده، والتزم فيها مالا يلزم الشاعر، وذلك اللام قبل حرف الروى، اقتدارا في الكلام وقوة في الصناعة. راجع ديوان كثير عزة: ص 57.
92- وبالياء قرأه حمزة والكسائي وزيد بن علي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 315، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 53.
93- آل عمران: 178.
94- وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق ومسلمة بن محارب وابن محيصن ويعقوب وابن كثير بخلاف عنه. راجع التبيان: ج 5 ص 240، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 55.
95- انظر تفسير الطبري: ج 6 ص 404 ح 16902 و 16903 و 16907، وتفسير القرطبي: ج 8 ص 168 وزاد: وقال به من التابعين جماعة.
96- راجع الخلاف للشيخ الطوسي: ج 2 ص 154 مسألة 196.
97- رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله). راجع التبيان: ج 5 ص 243.
98- وهو قول الشيخ الطوسي وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس، وبه قال الأصمعي وأحمد ابن حنبل وأحد قولي الشافعي وأكثر أصحابه وأحمد بن عبيد وحكاه الطحاوي عن الكوفيين. انظر الجمل والعقود للشيخ الطوسي: ص 103، ومختلف الشيعة للعلامة: ج 3 ص 198، وتفسير القرطبي: ج 8 ص 169.
99- وهو قول الشيخ المفيد وابن الجنيد وسلار، وبه قال أبو حنيفة ويونس بن حبيب وابن السكيت وابن قتيبة والقتبي. انظر المقنعة للشيخ المفيد: ص 241، ومختلف الشيعة للعلامة: ج 3 ص 198 عن ابن الجنيد، وتفسير القرطبي: ج 8 ص 168.
100- الرضخ: العطاء ليس بالكثير. (الصحاح: مادة رضخ).
101- ربأهم ولهم: صار ربيئة لهم أي طليعة، وطليعة الجيش: من يبعث ليطلع طلع العدو. (الصحاح: مادة ربأ).
102- انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع للقيسي: ج 1 ص 503.
103- يوسف: 17.
104- رواه ابن عباس. راجع تفسيره: ص 160.
105- قرأه الحسن ومجاهد وزيد بن علي والأعشى عن أبي بكر عن عاصم. راجع تفسير القرطبي: ج 8 ص 192، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 63.
.
106- داخلة الرجل ودخلته: باطن أمره. (الصحاح: مادة دخل).
107- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 459.
108- انظر أسباب النزول للواحدي: ص 207.
109- رواه العياشي في تفسيره: ج 2 ص 95 ح 84 عن الباقر (عليه السلام)، وفي البحر المحيط: ج 5 ص 66 عن ابن كيسان وفيه: " جماعة " بدل " اثني عشر رجلا ".
110- قرأه عاصم الجحدري. راجع إعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 226.
111- الآية 56 المتقدمة.
112- الآية 56 المتقدمة.
113- حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 5 ص 255.
114- الآية 67 المتقدمة.
115- مريم: 96.
116- النساء: 152.
117- مريم: 61.
118- هو عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي، وكان آخر أهل داره إسلاما، شهد أحد، وكان عالم أهل الشام ومقرئ أهل دمشق وقاضيهم، مات فيها سنة اثنتين وثلاثين. انظر المعارف لابن قتيبة: ص 268.
119- أخرجه الطبري باسناده في تفسيره: ج 6 ص 416 ح 16958.
120- قاله الضحاك كما في تفسير الطبري: ج 6 ص 418 ح 16972.
121- التبيان: ج 5 ص 260 و ج 10 ص 52 وفيه: هي قراءة أهل البيت (عليهم السلام).
122- تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 420.
123- رواها الزمخشري في كشافه: ج 2 ص 291، والرازي في تفسيره: ج 16 ص 136.
124- أورده الشيخ الطوسي في التبيان: ج 5 ص 261.
125- المصدق: الذي يأخذ صدقات الغنم. (الصحاح: مادة صدق).
126- تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 423.
127- أخرجه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 293.
128- البقرة: 15.
129- قال الشيخ الطوسي (قدس سره): وتعليق الاستغفار بالسبعين مرة، والمراد به المبالغة لا العدد المخصوص، ويجري ذلك مجرى قول القائل: لو قلت ألف مرة ما قبلت، والمراد بذلك أنني لا أقبل منك، وكذلك الآية المراد بها نفي الغفران جملة. (التبيان: ج 5 ص 267 - 268).
130- أنشده (عليه السلام) في عمرو بن العاص، يقول: لأغازين الرجل العاصي عمرا بسبعين ألفا من الخيل عاقدي نواصيها، وعقد الناصية من أمارات الشجاعة والإشاحة في القتال. راجع الديوان المنسوب له (عليه السلام): ص 58 وفيه: " لأوردن " بدل " لأصبحن ".
131- قاله الأخفش في معاني القرآن: ج 2 ص 558.
132- الأنعام: 89.
133- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 300.
134- وهي قراءة ابن عباس وزيد بن علي والضحاك ومجاهد والأعرج وأبي صالح وعيسى بن هلال ويعقوب وقتيبة والكسائي في رواية. راجع تفسير القرطبي: ج 8 ص 224، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 84.
135- هو زبان بن العلاء، أبو عمرو التميمي المازني البصري، أحد القراء السبعة، وأحد أئمة اللغة والأدب، ولد بمكة، ونشأ بالبصرة، ومات بالكوفة، سمع أنس، وقرأ على الحسن البصري والأعرج وأبي العالية ومجاهد وعاصم وابن كثير، توفي سنة 155 ه?، انظر غاية النهاية لابن الجوزي: ج 1 ص 288.
136- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 318 - 319.
137- زمن الشخص زمنا وزمانة: إذا مرض مرضا يدوم زمانا طويلا. (المصباح المنير: مادة زمن).
138- وهي قراءة شبل عن ابن كثير وأبي عمرو وابن محيصن. راجع التبيان: ج 5 ص 284، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 316.
139- قائله الفرزدق، وهو يذم صاحبا له ويصفه في الجفاء بأنه كذئب السوء. راجع ديوان الفرزدق: ج 2 ص 366.
140- انظر صحيح البخاري: ج 2 ص 159 و ج 8 ص 90 و 96.
141- وهي قراءة نافع برواية ورش وإسماعيل والمفضل. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 317.
142- قاله عطاء بن أبي رباح كما في تفسير الماوردي: ج 2 ص 395.
143- قرأه عمر بن الخطاب والحسن وقتادة ويعقوب وعيسى الكوفي وسلام وسعيد بن أبي سعيد وطلحة. راجع التبيان: ج 5 ص 287، وإعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 232، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 92.
144- هو أبو بكر عبد الله بن كثير، أحد القراء السبعة، ولد عام 45 ه? في مكة، وينتسب إلى أسرة فارسية هاجرت إلى اليمن، ولقب بالداري أو الداراني لأنه كان يعمل عطارا، وقد كان قاضي الجماعة بمكة، توفي بها عام 120 ه?. انظر دائرة المعارف الإسلامية: ج 1 ص 269.
145- حكاها عنه الشيخ في التبيان: ج 5 ص 287.
146- وعجزه: متى أضع العمامة تعرفونني. والبيت منسوب تارة لسحيم بن وثيل الرياحي وكان عبدا حبشيا، وتارة للمثقب العبدي، وأخرى للعرجي. وهو من باب المفاخرة بالشجاعة والبطولة في الصولات في ميدان القتال، وفيه استعارة على سبيل التصريح. راجع شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 76.
147- تنوق في الأمر: تجود وبالغ فيه. (القاموس المحيط: مادة نوق).
148- تحاماه الناس: أي توقوه واجتنبوه. (الصحاح: مادة حمى).
149- قال الشيخ الطوسي: روي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في عشرة أنفس تخلفوا عن غزوة تبوك فيهم أبو لبابة، فربط سبعة منهم أنفسهم إلى سواري المسجد إلى أن قبلت توبتهم، وقيل: كانوا سبعة منهم أبو لبابة، وقال أبو جعفر (عليه السلام): نزلت في أبي لبابة، ولم يذكر غيره، وبه قال مجاهد والزهري وأكثر المفسرين. انظر التبيان: ج 5 ص 290.
150- الآية: 87 ويظهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا على الجمع تبعا للزمخشري.
151- راجع بصائر الدرجات للصفار: ص 424 باب 4 و 5 و 6، والكافي: ج 1 ص 219 باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
152- قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم. راجع الكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 506.
153- انظر التبيان: ج 5 ص 297.
154- انظر الكشاف: ج 2 ص 309.
155- هم بطن من الأوس من الأزد، من القحطانية. (انظر معجم قبائل العرب: ج 2 ص 834).
156- وهم بطن من الخزرج من الأزد، من القحطانية. (انظر المصدر السابق: ج 3 ص 894).
157- أي نزلت هذه الآية.
158- رواها ابن كثير في تفسيره: ج 2 ص 371.
159- عازه معازة: إذا عارضه في العزة. (لسان العرب: مادة عزز).
160- هو أبو عامر عمرو بن صيفي الراهب الذي كان منافقا ومخالفا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان رأس المنافقين الذين أرادوا أن يلقوا النبي (صلى الله عليه وآله) من الثنية في غزوة تبوك، وله بني مسجد ضرار، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة. انظر الاستيعاب: ج 1 ص 380.
161- هو حنظلة بن أبي عامر المعروف بغسيل الملائكة، قتل يوم أحد شهيدا، قتله أبو سفيان بن حرب وقال: حنظلة بحنظلة، يعني بابنه حنظلة المقتول ببدر. انظر الاستيعاب: ج 1 ص 381.
162- قاله ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري كما في تفسير الماوردي: ج 2 ص 402.
163- التبيان للطوسي: ج 5 ص 300، مستدرك الحاكم: ج 1 ص 155.
164- وهي قراءة نافع وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 318.
165- قرأه نصر بن عاصم. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 59.
166- قرأها جابر ونصر على ما حكاه عنهما ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 60.
167- قرأه الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب وأبو حاتم. راجع التبيان: ج 5 ص 303، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 101.
168- رواها البرقي عنه (عليه السلام) كما في مجمع البيان: ج 5 - 6 ص 70.
169- حكاها عنه الزمخشري في كشافه: ج 2 ص 313.
170- قاله سفيان كما حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 405.
171- رواه ابن عباس والحسن وقتادة. راجع تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 429، وتفسير ابن كثير: ج 2 ص 374، وتفسير الطبري: ج 6 ص 482.
172- تحف العقول: 379.
173- تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 429.
174- هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا محمد، أحد النقباء، شهد العقبة وبدرا واحدا والحديبية، استشهد يوم مؤتة وقد كان أحد الامراء في الوقعة، وكان أحد الشعراء الذين كانوا يردون الأذى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). انظر الاستيعاب: ج 3 ص 898.
175- رواها الطبري في تفسيره: ج 6 ص 482.
176- الصف: 11 و 12.
177- الصف: 11 و 12.
178- وهي قراءة النخعي ويحيى بن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي. راجع التبيان: ج 5 ص 305، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 102.
179- في نسخة: الكرام.
180- هو أبي بن كعب بن قيس النجار، شهد العقبة الثانية وبايع النبي (صلى الله عليه وآله) فيها، ثم شهد بدرا، وكان أحد فقهاء الصحابة وأقرأهم، توفي في خلافة عمر. انظر الاستيعاب: ج 1 ص 65.
181- انظر الكافي: ج 8 ص 377 - 378 ح 569، والكشاف: ج 2 ص 314.
182- قاله عكرمة. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 407.
183- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 315.
184- الممتحنة: 4.
185- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 315.
186- أوردها في الاحتجاج: ج 1 ص 76.
187- قائله: زفر بن الحارث الكلابي، وصدره: وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة. قاله يوم مرج راهط، وهو موضع كانت فيه وقعة بالشام وفيها قتل الضحاك بن قيس. أراد أنه حينما قابلنا القبيلتين علمنا أنهما ليسوا كما توهمنا في شأنهم ضعفاء بل هم أقوياء وغير منخذلين. انظر شرح شواهد المغني: ص 930.
188- وعجزه: وعاجت صدور الخيل شطر تميم. ذكره في شرح شواهد الكشاف ولم يذكر قائله.
أراد انهم علوا في المنزلة والعز بحيث لا يعلوهم أحد كما أن الشئ يطفو وجه الماء وغيره يرسب. انظر شرح شواهد الكشاف: ص 525.
189- الإهالة: الودك، أي دسم اللحم. (الصحاح: مادة أهل).
190- سنخ الدهن: إذا فسد وتغيرت ريحه. (الصحاح: مادة سنخ).
191- حمارة القيظ: أي شدة حر الصيف. (لسان العرب: مادة قيظ).
192- انظر كتاب سيبويه: ج 1 ص 69 - 70.
193- فان المصنف لم يعتمد إلا على القراءة بالتاء تبعا للزمخشري.
194- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 167.
195- قاله الحسن وقتادة. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 109.
196- هو عبد الله بن حبيب الكوفي، من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان مقرئا وفقيها، فقد أقرأ القرآن في المسجد لمدة أربعين سنة، شهد مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في صفين ثم صار عنه بعدها، توفي في زمن عبد الملك بن مروان عام (72 ه?). راجع رجال السيد الخوئي: ج 10 ص 155.
197- انظر شواذ القرآن لابن خالويه: ص 60.
198- المناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 92 - 93.
199- حكاها عنه أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: ج 5 ص 110.
200- رواها عنه (عليه السلام) في البحر المحيط: ج 5 ص 111.
201- الأحزاب: 53.
202- الودي: ما يخرج بعد البول. (الصحاح: مادة ودي).
203- في بعض النسخ: التفقه.
204- الشعراء: 214.
205- قريظة والنضير: قبيلتان من يهود خيبر، وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون أخي موسى (عليه السلام)، منهم محمد بن كعب القرظي. انظر الصحاح: مادة نضر.
206- فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) سنة سبع صلحا فكانت خالصة له، وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة (عليها السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحلنيها فقال أبو بكر: أريد لذلك شهودا، وبقيت كذلك حتى ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره برد فدك إلى ولد فاطمة، فكانت في أيديهم حتى ولي يزيد بن عبد الملك فقبضها، فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام) فكان هو القيم عليها يفرقها في بني علي بن أبي طالب، فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم، فلما ولي المهدي أعادها عليهم، ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون فأمر أن يسجل لهم بها فكتب لهم، وفيها يقول دعبل: أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشم فدكا انظر معجم البلدان للحموي: ج 3 ص 856.
207- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 168.
208- الآية 73.
209- وهي قراءة حمزة ويعقوب. راجع التبيان: ج 5 ص 326.
210- قرأه ابن عباس والزهري وأبو العالية والضحاك وابن محيصن ومحبوب عن أبي عمرو و عبد الله بن قسيط المكي ويعقوب من بعض طرقه. راجع تفسير القرطبي: ج 8 ص 301، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 118.
211- قاله ابن خالويه في شواذه: ص 60، وأبو حيان في بحره: ج 5 ص 118.
212- وهو قول أبي وسعيد بن جبير والحسن وقتادة. راجع التبيان: ج 5 ص 330، وتفسير القرطبي: ج 6 ص 524.
213- قاله البراء بن عازب. راجع تفسير ابن كثير: ج 2 ص 317، وفي التبيان: ج 5 ص 167: قال مجاهد وقتادة وعثمان: هي آخر ما نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة.
214- ذكره الطوسي في التبيان: ج 5 ص 167.
215- قال الماوردي: هي مكية كلها عن الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس: إلا ثلاث آيات من قوله تعالى: * (فإن كنت في شك) * إلى آخرهن. راجع تفسيره: ج 2 ص 420. وزاد القرطبي في تفسيره: ج 8 ص 304: وقال مقاتل: إلا آيتين وهي قوله: * (فإن كنت في شك) * نزلت بالمدينة، وقال الكلبي: مكية إلا قوله: * (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به) * نزلت بالمدينة في اليهود، وقالت فرقة: نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة وباقيها بالمدينة، انتهى. وقال الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 326: مكية، إلا الآيات 40 و 94 و 95 و 96 فمدنية، وهي مائة وتسع آيات، نزلت بعد الاسراء.
216- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 376 مرسلا.
217- ثواب الأعمال للصدوق: ص 132.