سورة الناس

مختلف فيها (1) ست آيات.

عن الباقر (عليه السلام): " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتكى فأتاه جبرائيل وميكائيل، فقعد جبرائيل (عليه السلام) عند رأسه، وميكائيل (عليه السلام) عند رجليه، فعوذه جبرائيل بـ (قل أعوذ برب الفلق)، وميكائيل بـ (قل أعوذ برب الناس) (2).

وروي: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كثيرا ما يعوذ الحسن والحسين (عليهما السلام) بهاتين السورتين " (3).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قل أعوذ برب الناس (1) ملك الناس (2) إله الناس (3) من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس (5) من الجنة والناس (6)﴾

(برب الناس) بخالقهم ومنشئهم ومدبرهم.

(ملك الناس) سيدهم والقادر عليهم.

(إله الناس) معبودهم الذي تحق العبادة له دون غيره.

و (ملك الناس) و (اله الناس) كلاهما عطف بيان لـ (رب الناس)، بين بـ ( ملك الناس) ثم زيد بيانا بـ ( إله الناس) لأنه قد يقال لغيره " رب الناس "، ألا ترى إلى قوله: (اتخذوا أحبارهم ورهبنهم أربابا من دون الله) (4)، وقد يقال: " ملك الناس "، فأما: " إله الناس " فخاص لا شركة فيه، فلذلك جعل غاية للبيان، وإنما أضيف " رب " إلى " الناس " خاصة لأن الاستعاذة إنما وقعت (من شر) الموسوس (في صدور الناس) فكأنه قال: أعوذ من شر الموسوس في صدور الناس، بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم.

وإنما أظهر المضاف إليه الذي هو (الناس) في الجميع، لأن عطف البيان إنما هو للكشف والبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار، وقيل: إن المراد بالناس الأول: الأجنة، ولذلك قال: (برب الناس) لأنه يربيهم، والمراد بالثاني: الأطفال، ولذلك قال: (ملك الناس) لأنه يملكهم، والمراد بالثالث: البالغون المكلفون، ولذلك قال: (إله الناس) لأنهم يعبدونه (5).

(من شر الوسواس) هو اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس - بالكسر - كزلزال، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه، أو: أريد: ذو الوسواس.

والوسوسة: الصوت الخفي، و (الخناس) الذي عادته أن يخنس، وهو منسوب إلى " الخنوس " وهو التأخر، ك? " - العواج " و " البتات " لما روى أنس بن مالك عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " أن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه " (6).

(الذي يوسوس) يجوز في محله الجر على: صفة (الوسواس)، والنصب والرفع على الشتم، ويحسن أن يقف القارئ على (الخناس)، ويبتدئ: (الذي يوسوس) على أحد هذين الوجهين.

(من الجنة والناس) بيان لـ (الذي يوسوس) على أن يكون الشيطان ضربين: جني وإنسي، كما قال: (شيطين الإنس والجن) (7)، وعن أبي ذر أنه قال لرجل: هل تعوذت بالله من شيطان الإنس؟ويجوز أن يكون (من) لابتداء الغاية، وتعلق بـ (يوسوس) أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجن ومن جهة الإنس.

وعن الصادق (عليه السلام): إذا قرأت (قل أعوذ برب الفلق) فقل في نفسك: أعوذ برب الفلق، وإذا قرأت (قل أعوذ برب الناس)، فقل في نفسك: أعوذ برب الناس.

1- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 435: وهي ست آيات بلا خلاف. وفي تفسير القرطبي: ج 20 ص 260: مثل الفلق لأنها إحدى المعوذتين. وفي الكشاف: ج 4 ص 820: مكية، وقيل: مدنية، وآياتها.

2- ، نزلت بعد الفلق.

3- وأخرج قريبا منه السيوطي في الدر المنثور: ج 8 ص 687 عن عائشة وعزاه إلى ابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

4- رواه البخاري في الصحيح: ج 6 ص 293، وأبو داود في السنن: ج 4 ص 235 ح 4737، والترمذي في السنن أيضا: ج 4 ص 396 ح 2060، وأحمد في المسند: ج 1 ص 226، والحمويني في فرائد السمطين: ج 2 ص 112 ح 416، والحاكم في المستدرك: ج 3 ص 167 و 270 كلهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

5- التوبة: 31.

6- في المجمع: ج 10 ص 570 نسبه إلى جامع العلوم النحوي.

7- أخرجه السيوطي في الدر: ج 8 ص 694 وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان وأبي يعلى وابن شاهين والبيهقي في الشعب.