سورة المسد ([1])
مكية (2)، خمس آيات.
في حديث أبى: " من قرأها رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة " (3).
وعن الصادق (عليه السلام): " إذا قرأتم (تبت) فادعوا على أبي لهب، فإنه كان من المكذبين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما جاء به من عند الله تعالى " (4).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿تبت يدآ أبى لهب وتب (1) مآ أغنى عنه ماله وما كسب (2) سيصلى نارا ذات لهب (3) وامرأته حمالة الحطب (4) في جيدها حبل من مسد (5)﴾
التباب: الخسران المؤدي إلى الهلاك، والمعنى: خسرت يداه وهلكت، والمراد: هلاك جملته، مثل قوله: (ذلك بما قدمت يداك) (5)، ومعنى (وتب): وكان ذلك وحصل، كقول الشاعر: جزاني جزاه الله شر جزائه * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل (6) وقرئ: " أبي لهب " بسكون الهاء (7)، وهو من تغيير الأعلام، كما قيل: شمس بن مالك بالضم، إنما كني لأنه كان مشهورا بالكنية دون الاسم، فلما أراد الله سبحانه تشهيره بدعوة السوء وأن تبقى سمة له ذكر الأشهر من علميه، ولأن اسمه كان عبد العزى فعدل عنه إلى كنيته.
(مآ أغنى) استفهام في معنى الإنكار، ومحله نصب أو نفي (وما كسب) مرفوع، و (ما) موصولة أو مصدرية بمعنى: " ومكسوبه " أو " وكسبه "، والمعنى: لم ينفعه ماله وما كسب بماله، يعني: رأس المال والأرباح، أو: ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه، وعن ابن عباس: (ما كسب) ولده (8).
وعن الضحاك: ما نفعه ماله وعمله الخبيث (9)، يعني: كيده في عداوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
(سيصلى) قرئ بفتح الياء وضمها (10).
والسين للوعيد، أي: هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته.
(وامرأته) هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: كانت تمشي بالنمائم (11).
تقول العرب: فلان يحطب على فلان: إذا كان يغري به، قال: من البيض لم تصطد على ظهر لامة * ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب (12) جعله رطبا ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر.
ورفعت (امرأته) عطفا على الضمير في (سيصلى) أي: سيصلى هو وامرأته.
و (في جيدها) في موضع نصب على الحال، و (امرأته) مبتدأ، و (في جيدها) الخبر، و (حمالة الحطب) قرئ بالرفع (13) على الوصف، وبالنصب على الشتم.
والمسد: الحبل الذي فتل فتلا شديدا، ورجل ممسود الخلق: مجدوله، والمعنى: في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون؛ تحقيرا لها، وتصويرا لها بصورة بعض المواهن (14) الحطابات لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها، وهما في بيت الشرف والثروة.
ويحتمل أن يكون المعنى: أن حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك، فلا يزال على ظهرها حزمة من حطب النار من الضريع والزقوم، وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه.
1- ثواب الأعمال للصدوق: ص 155.
2- الحج: 10.
3- كذا في الكشاف أيضا، لكن يروي الشطر الأول منه: جزى ربه عني عدي بن حاتم. لأبي الأسود الدؤلي يهجو به عدي بن حاتم الطائي. أنظر خزانة الأدب للبغدادي: ج 1 ص 277 وما بعده.
4- قرأه ابن كثير وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 700.
5- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 735.
6- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 815.
7- وبضمها قرأ ابن أبي عبلة والحسن وابن أبي إسحاق. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 182.
8- قاله الحسن والسدي. راجع تفسير الماوردي: ج 6 ص 367.
9- لم نعثر على قائله. والبيض والبياض: مجاز عن الخلوص من أسباب الذم، واللامة: اللؤم وسببه، ووصف الحطب بالرطب لأن الرطب إذا أوقدت فيه النار كثر دخانه. راجع شرح الشواهد: ص 260.
10- وهي قراءة الجمهور إلا عاصما. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 700.
11- مواهن: جمع ماهن وهي الخادم. (الصحاح: مادة مهن).
12- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 429: مكية في قول ابن عباس، وقال الضحاك: مدنية. وهي أربع آيات. وفي تفسير الماوردي: ج 6 ص 369: مكية في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي. وفي الكشاف: ج 4 ص 817: مكية، وقيل: مدنية، وآياتها.
13- ، نزلت بعد الناس.
14- ثواب الأعمال للصدوق: ص 155 - 156.