سورة النصر
مدنية (1)، وهي ثلاث آيات.
في حديث أبي: " ومن قرأها فكأنما شهد مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فتح مكة " (2).
وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ: (إذا جآء نصر الله) في نافلة أو فريضة نصره الله على جميع أعدائه، وجاء يوم القيامة ومعه كتاب ينطق، قد أخرجه الله من جوف قبره، فيه أمان من حر جهنم، ومن النار، ومن زفير جهنم، يسمعه بأذنيه، فلا يمر على شيء يوم القيامة إلا بشره وأخبره بكل خير حتى يدخل الجنة ويفتح له في الدنيا من أسباب الخير ولم يخطر على قلبه (3) ?.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إذا جآء نصر الله وا لفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (3)﴾
(إذا جآء) ك يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (نصر الله) على من عاداك، وهم قريش (والفتح) يعني: فتح مكة.
و (إذا) ظرف لقوله: (فسبح) وهذا من المعجزات والإخبار بالشيء قبل كونه.
وكان فتح مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان، ومع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمس عشرة ليلة، ثم خرج إلى هوازن، وهي غزاة حنين، وحين دخل مكة وقف على باب الكعبة ثم قال: " لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مال ومأثرة ودم يدعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله، لم تحل لأحد قبلي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة، لا يختلى خلالها ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يحل لقطتها إلا لمنشد ".
وكان صناديد قريش قد دخلوا الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، فقال (عليه السلام) لهم: " ألا لبئس جيران النبي كنتم، لقد كذبتم وطردتم، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني، يا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم "؟قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: " اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
فأعتقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئا فلذلك سموا الطلقاء، ثم بايعوه على الإسلام (4).
(ورأيت الناس يدخلون في دين الله) أي: ملة الإسلام (أفواجا) جماعات كثيفة، كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعدما كانوا يدخلون فيه واحدا فواحدا، واثنين اثنين.
وعن جابر بن عبد الله أنه بكى ذات يوم، فقيل له في ذلك فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " دخل الناس في دين الله أفواجا، وسيخرجون منه أفواجا " (5).
وقيل: أراد بالناس أهل اليمن (6).
ولما نزلت قال (عليه السلام): " الله أكبر، جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن، قوم رقيقة قلوبهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية ? (7) وقال: " أجد نفس ربكم من قبل اليمن " (8).
وعن الحسن: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة، أقبلت العرب بعضها على بعض وقالوا: أما إذا ظفر بأهل الحرم فليس لكم به يدان، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ومن كل من أرادهم، فكانوا يدخلون في الإسلام أفواجا من غير قتال (9).
و (يدخلون) في محل نصب على الحال من (رأيت) إذا كان بمعنى: أبصرت أو عرفت، وإن كان بمعنى: علمت فهو في موضع المفعول الثاني له.
(فسبح بحمد ربك) فقل: سبحان الله، حامدا لله، أي: فتعجب لتيسير (10) الله تعالى لك ما لم يخطر ببال أحد، أو: فاذكره مسبحا حامدا زيادة في عبادته والثناء عليه.
والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفا لأمته، ولأن الاستغفار من التواضع لله تعالى وهضم النفس فهو عبادة في نفسه.
وعنه صلوات الله عليه: " إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة " (11).
وروي أنه لما قرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصحابه استبشروا وبكى العباس، فقال (عليه السلام): ما يبكيك يا عم؟قال: نعيت إليك نفسك، قال: إنها لكما تقول، فعاش بعدها سنتين لم ير فيهما ضاحكا مستبشرا (12).
وعن عبد الله بن مسعود: لما نزلت السورة كان (عليه السلام) يقول كثيرا: " سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " (13).
وفي رواية أخرى: " أستغفرك وأتوب إليك " (14).
وكانت تسمى سورة التوديع (15).
(كان توابا) أي: كان في الأزمنة الماضية توابا على المكلفين إذا استغفروا، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك.
1- أخرجه احمد بن حنبل في المسند: ج 3 ص 343.
2- قاله عكرمة ومقاتل. راجع تفسير البغوي: ج 4 ص 541.
3- أخرجه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 730 عن عكرمة.
4- رواه الماوردي في تفسيره: ج 6 ص 360 مرسلا، والبيهقي في الأسماء والصفات: ص 462 عن سلمة بن نفيل.
5- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 443.
6- في نسخة: " لتدبير ".
7- أخرجه أحمد في المسند: ج 5 ص 394.
8- رواه السمرقندي في تفسيره: ج 3 ص 522 عن مقاتل.
9- أخرجه عنه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 732.
.
10- أخرجه الطبري أيضا في تفسيره: ص 731 عن عائشة.
11- كذا سماها ابن مسعود. راجع الكشاف: ج 4 ص 812.
12- في بعض النسخ: " سورة أبي لهب ".
13- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 426: مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي خمس آيات بلا خلاف. وفي الكشاف: ج 4 ص 813: مكية، وآياتها.
14- ، نزلت بعد الفاتحة.
15- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 817 مرسلا.